ابدأ بهذا

الأمنيات قد تصدّق وقد تبقى أمنيات  تشغل القلب والعقل وتثير الهمم  بتبديل الأمن بالخوف والسلام بالحرب كي تثبت ما يصبون إليه. كل الذين  يستعملون القوة والمكر ضد أماني الأمم، لسوف يلقون غيّا وسوف يمحى وجودهم  وتزول آثارهم وتتحول كيانهم إلى رماد تذروه الرياح. فالبقاء مكتوب للذين لا  يفرّطون في النعم ولا يتمتعون بأكثر من نصيبهم العادل في العيش ولا يقسون على  غيرهم حتى عند الشدة والبلاء؛ فهم الذين لا يظلمون أنفسهم حقا! ألا وان عامة  أمنياتهم سوف تتحقق مادامت معقولة وما فتئوا يطالبون بها ويناضلون من  أجلها.

لكل ذي قيمة ثمن يدفع وإلا فهو سماط دسم يشبعك لفترة ويفيد المضيّف  من بعيد دون أن يفيدك. كثير من أصحاب الموائد العريضة وصوليون يبتغون  السيطرة من وراء كرمهم -الزائف- بالأموال التي سرقوها من شعوبهم وأتباعهم.  إذ ذاك تأكل مما حرم منه غيرك لا مما جنته يداك. هذا التجاوب مع الظالمين  يقويهم ويضعف شعوبهم فتتصلب وتمتد جذورهم وتتعسر وتطول مقاومتهم. كبار  الظالمين هم سيوف الله لضرب صغار الظالمين وتأديبهم حتى يرعووا ويرجعوا إلى  من خلقهم وهداهم. إذا عملنا الخير واجتنبنا السوء كفانا العلي القدير شر من  يقسو علينا.

في محاولة لأن نعرف ما يدور حولنا ونتعرف على أخطائنا ونعمل بتعقل  وفهم على حماية وطننا وحراسة أنفسنا وأعراضنا وأموالنا رسمت هذه الصفحات.  كان المشجع لهذا الإقدام هو غياب السيطرة الكويتية على الوطن و تحكم الغزاة  الغادرين على رقاب من في الكويت من أعزائنا، بنات وأبناء الديرة. فالكتاب  كتب إبان الاحتلال المهين؛ لكن لم يقدّر له أن يتشرف بين يديكم خوفا من أن  يستفيد منه الأعادي ضدنا. وامتثالا لنصائح زملائي السياسيين، فقد أخرت طبعه  فترة طويلة بعد التحرير فلعل -على حد تطلعهم- أن تعلّم المحنة حكامنا  ليعدلوا ويتركوا التخبط والعناد وظلم من لا حيلة له. لكن إخواننا استمروا في  تكرار ما تعودوا عليه قبل الغزو بشدة أكثر.. بإصرار وتعنت. هناك عاودني  الخوف من مصيبة كبيرة أن تلم بنا ونحن نوالي الظالمين ونقوي العصاة. فلا  مناص اليوم من التعبير بوضوح عما يجري والسعي بجدية لتغيير ما نزرعه  بأيدينا من خبيثات الشجر قبل أن يحل موسم القطاف فنكسب السيئات ونبلى بأشد  ما يبلى به المسيئون.

ثم إنني سياسي مؤمن بالله ومسلم دون أن أنتمي إلى التجمعات والأحزاب  الإسلامية، ولا أنطوي على أي تعصب لما أعتقد به. فأنا حر أؤمن بالحرية لنفسي  ولغيري. وكتابي هذا يبين حريتي ويؤكد حرصي على الدين والوطن. هذا لا يعني  أنني مخالف مع من يخلص في دعوته عن طريق الأحزاب، لكنني أشك في أن يجني  هؤلاء المخلصون كلما يسقونه بل إن اكثر مساعيهم ترعى التنظيم والتكتل وتهيؤ  فرص النجاح لمن ليسوا منهم ولا يحملون همومهم واهتماماتهم. فلعل بعض  مساعيهم تذهب سدى. إنني عضو لا ينفك من المجموعة الكويتية التي تؤمن بالله في  جوهر عقيدتها ونسبة الإسلام في الكويتيين هي أعلى نسبة في العالم. ليس بهذه  النسبة غير بعض أقطار الخليج. ولست متبحرا في الدين كما أنا في السياسة  وأرى الكثير من زعمائنا السياسيين غير منتبهين  للسياسة الدولية ولحقيقة  الماجريات السياسية. انهم يقيّمون الغربيين أكثر من حقهم فيفيدونهم ويضرون  أنفسهم وشعوبهم. شعوبنا تخاف من الحوادث وتظن أنها مكايد مدبرة من زعماء  العالم فتخلي الساحة لينفرد بها أصحاب الأبواق الدعائية الضخمة والمنتشرة في  كل الأرجاء. مثلنا كمثل المغفّل الذي سطا على بيته اللصوص، فظن أنهم  مسلحون، وتركهم ليسرقوا ما يشاءون خوفا على حياته.. وهكذا فعل السارقون ما  فعلوا دون أن يصيبهم أذى أو يفزعهم مقاومة من ذلك المسكين المرتبك الذي لو  حرك لسانه قليلا لكان فرار النشالين يغنيه عن تحريك يده، ويقي أمواله من  الضياع كما يدرأ عن نفسه البقاء مدة محاطا بالهلع والاضطراب.

لست مجازفا إن طلبت من صانعي الحوادث وواضعي القرارات وكافة  الأفراد، الدقة في قراءة هذا الكتاب وعدم إهماله؛ فلعله يفيدهم وينير لهم  بعض جوانب دربنا الطويل والشائك المتجه إلى سيطرة الشعب على نفسه ووطنه؛  أو ما تسمى بالديمقراطية.

وقد بادرت بتعديل الكثير من المواضيع التي كتبت خلال المحنة الكبرى  لتتلاءم مع التحرير واختفاء الخوف والذعر، لكنني أبقيت بعضها وخاصة تلك التي  صورت أنين المتوجع ورنين المتحسر. ذلك لئلا ننسى ما كنا عليه حينما كان صدام  يدوس شرفنا ويقلل عددنا ويستهين بنا ويتجاهل مناشداتنا. إذا كان الله هو  الذي أحل بنا تلك الكارثة فعلينا ألا ننساها لكي نتعلم ونصلح أنفسنا. أليس  هو الذي ملأ الكتاب العزيز بقصص عاد وثمود والأحزاب ونمرود وفرعون وهامان؟  حتى تكون لنا وسيلة للتنبؤ بالعواقب ودافعا للتجنب من ركوب الآثام. على أني  لازلت أعتقد بأننا -في حين أثبتنا وطنيتنا وهمتنا واستعدادنا للتضحيات- قد  أخطأنا في كيفية التصدي للظلم، إذ كان بإمكاننا التقليل من خسائرنا والتجنب  من مضاعفات ذلك الغزو المشين. ثم إننا مع وضعنا الفعلي؛ فإن مقومات كارثة  أخرى، قيد الإنتاج الآن. فلنتعلم المقاومة والمواجهة من هذا الحين !!

وليكن واضحا أنني اقتبست الكثير من تعابير أم الكتاب فهي أم اللغة  العربية التي استعنت بها لإفصاح ما أريد. وأخذت مقاطع جميلة من تركيبات أفصح  العرب صلى الله عليه وآله وسلم ومما نطق به سيد البلغاء بعد الرسول، علي بن  أبي طالب أو مشاهير أولاده فهم المبدعون فيما قالوا. كأنهم واضعو هذه اللغة  الجميلة أو مجددوها. هذه الشذرات امتزجت بكتابتي بحيث يصعب التمييز بينها؛  ولذلك امتنعت من ذكر المصدر، لكنني أعترف هنا بأني جاهل دونهم ومقتف آثارهم  وأفتخر بما استقيت من نبعهم. انهم ليسوا لأنفسهم ولا لمن يشيعهم بل هم لكل  الناس. أما ما رأيت في ذكر المصدر ضرورة لتثبيت المدعى أو لزرع الطمأنينة  في قلب القارئ فإني قوست القولة بهذين[] وبدأت ما أظنه صادرا من الرسول  العظيم عليه وآله الصلاة والسلام بهذه النجمة * وما قيل أنه من أقوال الإمام  علي عليه السلام أو أحد أبنائه المعروفين بهذه العلامة #. أما الآيات الكريمة  فهي مطبوعة بلا علامة. وما دون ذلك فهي من تأليفي إن لم اذكر أنها من غيري،  أو لم أحوطها بهذين><. فما شاهدتم من أخطاء وأضداد وتناقضات وقصور في  التعبير وما شابه ذلك من آيات النقص والضيق، فهي بسبب جهلي، وتقصيري بأنني  ما استعنت بالأخصائيين وبذوي الألباب، بل انفردت في كتابته وصياغته.

وأخيرا لابدّ من الاعتراف بأن هذا الكتاب يتناول كثيرا من التقاليد  والسنن التي ورثناها وألفناها ويمسّ الصفوف السياسية والعلمية والدينية  وكثيرا من التجمعات والتكتلات، ويحتوي على معارضة شديدة ونقد موجع غير مكتف  بالتعريض بل تعداه إلى التصريح، وسوف يؤلم الكثير من الأفراد والأسر  والتجمعات؛ لكنّي مخلص أردت التغيير لصالح كل من يقرأ أو يسمع بهذه  المخطوطة. كل من أكثر له حبّا، بالغت في الانتقاد منه. إنني أعتقد بأن  مسيرتنا ظالمة لا تحمل لنا عاقبة خيّرة، بل تنتج البوار والهلاك وسوء الدار.  لقد قصدت وجه الله وإصلاح أمورنا والتدبر لمستقبلنا قبل يوم الساعة وبعدها.  إخواني وأخواتي: سنمثل عما قريب بين يدي قاض كان معنا حينما قصدنا وعندما  عملنا ] يعلم  خائنة الأعين وما تخفي الصدور[. ألا ترون في كل يوم يجرّون من  تحتنا كل ما بسطناه وفرشناه لراحتنا وتهنئنا؟ من يدري ما يفعل به غدا؟ ليس  بيننا من بشّر بالجنة، وليس بين البشر من بشّر بشخصه بالجنة. إني أخاف  عليكم وعليّ عذاب يوم عظيم، فاعذروني فيما كتبت واصفحوا عني.