الذؤابة الثانية - المحكمات

إن النزر اليسير من الساسة يتعرضون للمسائل الإيجابية خوفا من الخطأ،فالتحدث عن السلبيات وعدم التعدي إلى ما بعد الكليات أصون لماء الوجه  وأبقى لحرمة الإنسان. إذ أن كل سياسي -ولو كان مؤمنا- يهيئ نفسه لتحمل  الأوزار إذا وكيفما قيّض له. لكنّي أنا قد اجتزت كثيرا من المناصب إما  عمليّا وإما فكريا، فلا أطمع إلا لأن يمنّ الله عليّ باهتدائي واهتداء غيري من  بني وطني (وطبعا، بناته أيضا) حتى وإني لا أسعى لأن أكون الهادي لهم ولولا  شعوري بفرض الكفاية لبقيت ساكتا مكتفيا بالتضرع إلى الله ليلهمني ويلهمهم  الصواب وليأخذ بيدنا إلى النصر المبين. ولذلك فإني غير مصر على رأيي وأنا  أكتب ما أكتب كرعا في إناء طويل العنق قلما يبلغ فمي قاعها أو أتلذذ  بمعينها. فإن كنت مصيبا في بعض ما أفصحت فبها ونعمت وإن تخبّطت في كل ما  دوّنت فإن أساتذتي القراء سوف يدلون الدلاء لإخراجي من أسفل الإناء قبل أن  أغرق؛ وهكذا يكشفون عن آرائهم الصائبة لتهتدي بها الأمة وأهتدي معهم فأنا  أفضّل الفضوليّ الممقوت على الساكت المحبوب إلا إذا كان سكوته عن حكمة.