النظام الإداري

مقدمة تعريفية:

كل القرارات التنفيذية تخضع لعملية اتخاذ القرار، وبما أن للقرار  تبعاته الإيجابية والسلبية فهو مسئولية، والمسئولية لا يمكن إلقاؤها على أكثر  من شخص واحد لتعذر مؤاخذة الأكثر وسهولة مؤاخذة الفرد واستجوابه. لذلك  فاتخاذ القرار التنفيذي يجب أن يكون من صلاحية الفرد، وبالمقابل فهو مسؤول  عن ذلك القرار أمام كل من يتأثر به. النظام الديمقراطي يخولهم جميعا  لمؤاخذة المسؤول بمقدار صلاحياتهم كأعضاء في المجتمع المالك للنظام، أو نواب  يمثلون رهطا من الناس، أو ذوى الرتب الذين أنيطت بهم إدارة وحدة تحيط  بمنطقة إدارة متخذ القرار أو خوّلوا قانونا بالإشراف الكيفي على إدارته.  وحتى تتميز المسئولية؛ فإن الفعاليات العامة كلها تصنّف وتشكّل في هياكل  متجانسة ومعقولة، ثم توزع بمهارة وحكمة على أصحاب الكفاءات. من جانب آخر،  فإن الإمكانات البشرية والمالية والزراعية والصناعية والأرضية والبحرية  والمعدنية والطاقية وغيرها من الموارد، وكذلك الإمكانات المعنوية التي تضم  السلطات والاتفاقيات الدولية والموقعيات الاستراتيجية والفرص الطبيعية  والحادثية وغير ذلك؛ تنظم جميعها من حيث الاستخدام الكيفيّ والكمي وتوزع في  أطر الصلاحيات على كافة المسؤولين، ثم تنسق النتائج المطلوبة على شكل أهداف  محددة، أو تنفذ الخطط والتدابير المعروفة بالاستراتيجيات على شكل وظائف  مرسومة، وتلقى هذا أو ذاك على عاتق المسؤول الحكومي الذي يعتبر مسؤولا -بكل  معنى الكلمة- في مقابل الصلاحيات الممنوحة له، ومطالبا بواسطة المعنيين  بالأمر والشأن للقيام بمهمته تحت إشراف المراقبين الذين يتابعون تحركاته نحو  الهدف أو بمقتضى الوظيفة بدقة متناهية مباشرة أو عن طريق الضبط الموضعي أو  ضبط نقط الارتكاز أو مراقبة الآثار والنتائج.

 

حرمة الوظيفة:

على الحكومات الشرعية المنبثقة من الأمة أن تسعى لرعاية مصالح  المواطنين وأن تهدف إرضاءهم. لذلك، فلا معنى لتحكيم الرقابة على المواطن، بل  يجب وضع الرقابة على الموظف، ثم تشديده على المسؤول لتبلغ نهايتها عند  القمة؛ مع الاحتفاظ بحرمة العمل باعتباره سبيلا لخدمة أبناء الوطن، لا  باعتباره شرفا منحته السلطة لفرد من الأفراد، فإنه يؤدي إلى انعدام التقيد  بالكفاءات والى حدوث الزهو والخيلاء لدى كل مسئول على من هو دونه. هذا هو  الداء الذي نعاني منه ونحن نفرج الرأس باتجاه الأعلى فالأعلى لنمد النظر إلى  مراتب السلطة حتى نعتز بنيل الشرف لرؤية القيادة السفلى أو الوسطى أو  العليا، أو نضطر لإفراج الحنك عن الرقبة بحيث نسقط على ظهرنا، ونحن نحاول  التطلع إلى الطلعة البهية لصاحب العظمة و الجلالة و الفخامة والسمو  والقداسة، إلى آخر ما أحدثه أولئك الزعماء من ألقاب زائفة كاذبة لأنفسهم حتى  يرضوا بها أنانيتهم وهم لا يزيدوننا علما ولا فضلا ولا شجاعة؛ بل أنهم يهربون  من الصدمات قبلنا نحن المعتزون أو المغترون بهم و قد رأيناهم يختمون أيام  العزة ليرتموا طوع أنياب وقراصات العقارب والديدان التي تنتظر أبدانهم  الغضة أكثر مما تنتظر أبداننا الخشنة الهشة في مثوانا ومثواهم الأخير.

المسؤول الوظيفي هو الذي يكوّن الحرمة لنفسه ويبادر باحترام  وظيفته، فإذا أهين أو استضعف حين أداء الوظيفة، كان -في الدرجة الأولى- دليلا على هوانه وعدم لياقته إلا إذا أثبت العكس. لا احترام للّباس ولا لبقية  الإمكانات التي يستخدمها الموظف لأداء مهمته، لكن الحرمة لنفسه ولمن يراجعه  في حدود الاعتبارات الإنسانية فقط. الموظف حين استفادته من صلاحياته يعرض  القانون على من يوجهه ويطلب منه الاستجابة للقانون فحسب. كل استنكاف في  العمل بالقانون من أي منهما يعرضه للعقوبة القانونية. كل موظف -عسكريا أو  مدنيا- يعتبر منفذا للقانون في الحدود المعلن عنها ومخالفة تعليماته  القانونية مخالفة للقانون. أما إذا أصدر تعليماته حال الغضب أو علم المخاطب  أنه غير مأذون بإصدار تلك التعليمات أو أدرك مخالفته للقانون، جاز له -على  مسئوليته- مخالفة الأوامر دون أن يكون آثما.

 

سلطة إصدار القرارات:

على أصحاب القرارات ومالكي الأحكام في بلدنا أن ينظروا إلى إمكانية  تنفيذ قراراتهم وتبعاتها وآثارها والانطباعات المترتبة عليها، وكأنهم يعيشون  مع آخر من يباشرون التنفيذ ومع آخر من يمسّهم القرار. عليهم أن يطلعوا بدقة  على اقتراحات من دونهم و يشجعوهم على تقديم مقترحاتهم بإظهار التجاوب مع كل  فرد منهم ولكن لا أعتقد في إيعاز القرار إلى الاقتراح من أسفل الرتب كما هو  الحال في اليابان فإن في النظرة الثاقبة الخبيرة والواعية من الأعلى، أوسع  تطلع و أعمق إدراك بالمسئولية وفيها -بمشيئة الله- خير النتائج. و قد سبقنا  الإمام علي عليه السلام في القول : #] لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر[.  فإذا قيدنا المسؤول بانتخاب القرار من مقترحات الأدنين فهو منسق وليس  بأمير. يكفى لتعميم العدل أن يشعر كل إنسان -في المجتمع الديمقراطي- بأنه  هو الذي أوصل أصحاب الرتب إلى قمة الإدارة ليقدّموا له الخدمة، وبأنه واحد  من أعضاء الجمعية العمومية المالكة لأسهم الحكم، وبأن سهمه في توجيه الحكم  وتعيين الحاكم متساو مع سهم الحاكم نفسه، وبأن بقاء صاحب المنصب في رتبته  متوقف على استمرار موافقة المواطنين -وهو واحد منهم- إذ أن الأمة المتقدمة لا  يمكن أن تهمل السيطرة على أمور البلاد وهي صاحبة هذه الأمور ومالكتها. لقد  أعطاها الله حق صيانتها وحمايتها بقوله الكريم: ]و أمرهم شورى بينهم[. لم  يقل وأمرهم تفويض لغيرهم أو تنازل عنه إلى أمير أو رئيس، بل إن أمرهم  متداول بينهم بصورة الشورى.

يراعى في القرار الصادر مسألتان أساسيتان هما: أولا، صحة القرار  وكفاءته وقدرته التي تنّم عن حسن التدبير وصحة الحسابات وثانيا، إمكان  تنفيذه وتقبّله لدى المنفذ، وفي بعض الأحيان لدى المنفذ فيه.

 

تعيين المدراء وتقييمهم:

يمكن أن يوضح التدبير ويؤيد بالطرق الفنية للمحاسبات وللتحليلات  الإحصائية والجداول والنسب والرسوم البيانية المتعارفة بين المدراء لكنه  كعلم له قواعده و أصوله التي تمكن المدير من محاسبة العواقب بطريقة حسابية  أو علمية فلا. بل إن التدبير بحاجة إلى العقل المدبر والخبرات الواسعة والمعرفة الذاتية للعواقب. لذلك ليس من السهل اختيار المدير المسؤول  العالم اليقظ، ومن الأفضل اختياره من بين القائمين بالأمر والعاملين في المرفق دون التوجه إلى القرابة والصداقة والحزب والمذهب. وليتوجه المقدّمون  وأمناء الأمة إلى الله القوي العزيز ويخافوه وهم يعيّنون المدراء الذين  يقررون مصير الناس وأموالهم وذخائرهم ومستقبلهم ووطنهم. ليعتن كبار  المسؤولين بتقييم ذوي الشأن بدقة وإمعان مستعينين بالعقول الإلكترونية  الحديثة وبالأصول العلمية المتداولة في الدول المتحضرة، وعلى رأس الأنظمة  الإدارية في العالم تستقر الولايات المتحدة رائدة النظام الإداري في العالم.  علينا أن نستعين بعلاقاتنا الطيبة معهم لنستقي الكثير من خبراتهم وبرامجهم  الإدارية.

فإذا قدّر لذوي الخبرة والحنكة أن يشغلوا المناصب ويعبئوا الشواغر  الحكومية ليأمنوا الناس من شر الناس ويدرؤوا عنهم كيد الوسواس الخناس  ويهونوا عليهم قسوة الروتين ويقدّموا لهم الخدمات العامة والخاصة ويحفظوا  لهم أمنهم وحقوقهم ويعلّموهم كيلا يجهلوا ويقوا  أموالهم وأعراضهم؛ كان ذلك  قفزة سريعة نحو تشكيل المجتمع الديمقراطي الذي نرجوه ونتمناه.

على المدراء أن يوفروا لإداراتهم برنامجا يؤكد عودة المعلومات إليهم  عن كيفية ومدى تنفيذ قراراتهم وآثارها ونتائجها النهائية، وعليهم أن  يقيّموا كل العاملين وأصحاب الرتب بصورة مستمرة ليتسنى لهم المكافأة  والتوبيخ والترفيع والتنزيل بصورة عادلة ومشوّقة، وفق الطرق الحديثة  المعروفة. وعلى الحكومة أن تمدّ المدراء بالأساليب والمعلومات الحديثة أولا بأول، فضلا عن إرسالهم للتدريب دوما، واستضافة المؤتمرات الدولية للإدارة.

 

العلاقات الإنسانية:

كان النبي الأعظم (ص) أنجح مدير إداري تمكن من تغيير معالم أمة بأسرها خلال فترة وجيزة، وتمكن من أن يبث الكثير من الخبراء الإداريين في الأرض حيث حيروا الأمم في تصرفاتهم وتعاملهم مع بني الإنسان حتى انقاد لهم  ولدينهم الكثيرون. وفي الحركة الإدارية للرسول ولعلماء الإسلام أسرار دقيقة  وخفايا رائعة تقوي إيمان الواقفين عليها واعتقادهم بصحة استيحاء النبي الأكرم من ملك الملوك وبجدارة استقاء ابن عمه من ذلك المعدن الفياض واستنارته من ذلك الكوكب الوضاء والمشع . وقد حاولت التعرف على بعض  تعريفاتهم لشخصية الإنسان وحقيقته والعوامل المؤثرة فيه ونزعاته ورغباته  وكيفية التعامل مع مختلف هذه النزعات وخاصة في التشكيلات العمالية والعسكرية  والجماعية الكبيرة، فتوصلت خلال تحرّياتي الإسلامية إلى حقائق اجتماعية  وإدارية حول البرمجة، الاستراتيجية، تقسيم العمل، التعيينات الوظيفية  والاستشارية، الضمان الاجتماعي، ردة الفعل، تصنيف الناس، تجنب الدولة من  التجارة والصناعة، التكريم والمعاقبة، التعليم والإصلاح أو الاستصلاح وكثير من  المسائل الإدارية الأخرى والتي لا مجال لاستعراضها في هذا المختصر. فعلينا  الاطلاع على الطرق الحديثة والتحقيقات القديمة خاصة الإسلامية منها لنستخلص من  مجموعها أسلوبا مرنا ومقبولا للتعامل مع البشر داخل الأجهزة العامة والخاصة،  فالإنسان هو الذي نهتم براحته وإرضائه. أيّ تشريع منطقي تنفيذي لا بدّ وأن  يراعى فيه ألف حساب وحساب عن مدى تجاوبه مع الآدميين، ومدى تجاوبهم معه. وكل  ذلك يعود إلى حدود تنفّعهم وتروّحهم وتجاذبهم وتدافعهم مع القانون ومع منفذ  القانون.

 

تحديد عدد موظفي الدولة:

لعل المنطلق الذي أقره الإسلام للمسلمين في كل استحداث أو تغيير هو  الخوف والرجاء. فالإنسان يمشي وهو يخاف الانزلاق والتعثر ويرجو سلامة الوصول،  يخاف مما قدّمت يداه ويرجو سعة رحمة الله، يخاف من الخسران ويرجو أن تفتح  عليه أبواب الرزق، يخاف من إجهاز ذنوبه ويرجو المغفرة من الغفار التواب.  فلو حاولنا تجاهل هذا المبدأ وسكنّا إلى كثافة قدراتنا وكثرة أموالنا وتنوع أسلحتنا، فإن البلاء سيداهمنا كما فاجأ غيرنا ممن هم أقوى منا مراسا وأشد  جأشا وأوسع مالا. على هذا الأساس فلا معنى لتوظيف الأمة بأسرها وتعويدهم على  الحياة الوظيفية الرتيبة، بل يجب تزليج النشء من عل نحو الخضمّ الموار،  ليغوصوا في أعماق التيارات القاسية ويتعلموا سبل النجاة ويتعرفوا على المحن  قبل أن يرتموا على دمقس الترف والرخاء. إن تعرض الصبايا والصبيان لاقتناء  الوظيفة الحكومية ظاهرة مخيّبة فرضتها على أمتنا الكسل والنعومة وشجعتها  السلطة باعتبارها خير وسيلة للتخدير ولضرب عملاق الإرادة وهدم شموخ الروح  وتوطين القلوب على الرضا والقبول لما يقال له: المقسوم والنصيب. والأمة  الشجاعة الحية ترفضها كما ترفض أبداننا مسّ الكهرباء ]*اخشوشنوا فإن  النعمة لا تدوم. #اخشوشنوا يرحمكم الله [. شبابنا ومحطّ آمالنا -بعد الانتصار- سوف يتركون النعماء والبطر والحياة تحت رحمة المعاش والأكل المستورد والخادمات وإيرادات النفط، وسوف يلجئون إلى شد السواعد وربط الأحزمة وتحريك العضلات والخوض في عباب الشدّة والضّراء ويهرولون نحو المكاره والمصاعب ليكونوا للكويت درعا صلبا حصينا لا ينفذ منه، ولغيرهم نبراسا ينير الدرب لمن يريد منهم الخير والصلاح ويقبل الهدى والرشاد.

من واجب الحكومة أن تقدّم التنفيذ الكامل للضمان الاجتماعي الشامل  حتى يكون حافزا لابتعاد الأكثرية من القطاع الحكومي وتمسكهم بالقطاع الخاص.

 

النشاطات الرئيسية غير الحكومية:

1-البيوت العلمية:-

يجب تشجيع المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة حتى تتحول مهمة  التعليم والتربية إلى الشعب مع حفظ التفتيش والنظارة الحكومية، وكذلك  مشاركة الحكومة مع المؤسسات التعليمية في وضع البرامج الدراسية. ويجب تقديم  مساعدات مالية سخية لهذه المؤسسات لأنها تكفل مهمة التربية والتعليم وتنجزها  بتكاليف أقل بكثير من المدارس والمعاهد والكليات الحكومية. ولا يجوز بأي  حال من الأحوال فرض الدروس الدينية حتى في المدارس الحكومية، فإن لكل  فرقة حقها الكامل في تربية أبنائها وبناتها وفق مذهبها وعقيدتها الدينية.  وأما المدارس الحكومية، ففيها تدرّس المذاهب الإسلامية الخمسة بواسطة  الأخصائيين المعتنقين لتلك المذاهب وإذا رضي معتنقوا المذاهب الأربعة بمعلم لا  يذهب بمذهبهم فلهم الخيرة. أما بالنسبة للجعفريين فيجب تعيين من يعتنقون  المذهب الجعفري لتدريس الدين لأبناء هذا المذهب الإسلامي.

على الحكومة أن تشعر نفسها بأنها ليست حكومة سنية كما أنها ليست  حكومة شيعية، بل هي حكومة كويتية. هذا ما كنا نفقده قبل الغزو العراقي  المؤلم -مع بالغ الأسف-. ويجب الحث على تطوير المناهج حتى تواكب التقدم  العصري وتتوجه الجيل نحو الثقافة والأخلاق والمثل والعادات الإسلامية، ثم  العربية، ثم الكويتية. يجب غرس الولاء لله والوطن دون الأمير أو الإمارة فإن  الأمير ميّت قطعا والإمارة عرضة للتغيير دوما، أما الله فهو الحي الذي لا  يموت، والوطن فهو الخصيصة الباقية التي تميزنا عن بقية العرب والمسلمين.

 

2-البلديات:-

ومهمتها مسح الأراضي وتوزيعها وتنظيمها وبرمجة شكل المدينة وشوارعها  ومبانيها ومنتزهاتها وأشجارها وألوانها ورسومها وصورها وزخارفها وإنارة  المدينة وتنظيفها وصيانتها وحمايتها من طوارق الحدثان وتشريع وتنظيم  ومراقبة شئون البناء والعمران من حيث القدرة والمقاومة والعمر والواجهة  والرعاية الصحية وإمكانات الإطفاء وسلامة التمديدات وغير ذلك من الأمور التي  ترتبط مباشرة بالذين يقطنون ويترددون في منطقة كبيرة أو صغيرة، مدينة أو  قرية أو جزيرة وللبلديات مهمة أخرى وهي تطبيق سياسة الدولة الدفاعية  والأمنية والسكانية والصحية والصناعية وغير ذلك. فالدولة تمثل الشعب في  تقرير التنمية العمرانية عموديا أو أفقيا وتوزيع الانتشار السكاني في  المناطق والتمييز بين المناطق السكنية والتجارية والصناعية والزراعية ونزع  الملكية واستملاكها وتملّك الأراضي العامة وما شابه ذلك من التصرفات المحرّمة  على غير الحكومة.

لذلك، فإن من المعقول في إدارة البلديات أن يشكل مجلس بلدي عن  طريق الانتخابات العامة، وتعيّن الحكومة عددا لا يزيد -مثلا- عن ثلث أو نصف  الأعضاء المنتخبين لرعاية مصالح الدولة. الاكتفاء بنواب الشعب دون الأعضاء المعيّنين، يضعّف قدرة البلدية ويوهن سيطرة الدولة ويؤثر في مسؤولية السلطة  الإدارية، فيلزم التنحي عن ذلك بأي حال من الأحوال.

 

3-الصناعة والتجارة:-

وهما نشاطان محفوفان بالأخطار والمهالك، وبما أن رجال الدولة هم  أمناء الأمة على أموالهم وليسوا مالكين لما بيدهم، وبما أنهم أجراء مؤسسة  تحيط بكل الوطن، فهم ممنوعون من الاتجار والتصنيع بأموال الدولة أينما كان  وبأموالهم الشخصية داخل الوطن، فالاتجار والتصنيع من حق القطاع الخاص وحده.  لكن التبادل التجاري وتوسيع الإنتاج إذا أثبتناهما للعامة فإن المغامرين هم  الذين يفوزون بالمكاسب واللذات في هذا المضمار ولا يستبعد تحول المكاسب إلى  منتهب ذريع يسترضي به الاستغلاليون أنانيتهم ويشبعون به حرصهم وولعهم لجمع  وكنز المال، إذ أنهم سكارى التكاثر ومرضى التكديس والتوفير ولا يفتئون  يستنزفون الناس بالإغراء والإغواء والوعد والوعيد وانتهاز الحاجة والمرض  والخوف. ثم أنهم يوبئون المجتمع أمراضهم وأدواءهم النفسية الشنيعة فيستولي  -بهم- الفساد على الزمان وأهله، ويسود الحرص والطمع والجشع وكل الخصال  القبيحة. مكافحتهم صعب مستصعب، فإذا نافستهم السلطة توغلوا في السلطة  وأفسدوها وإذا تدخلت في مناوراتهم ومتاجراتهم -عن طريق التسعير والتقنين  والتوزيع الحكومي وتحديد الاستيراد والتصدير والترخيص- عمت الفوضى وانتشر  الوسطاء واتسعت الرشاوى وعزت البضاعة -على وفرتها- واستعصى العرض، وهكذا  ارتفعت مصاريف العرض والتسويق وغلت الأسعار، فأصبح المستهلك المسكين يتمنى عودة الاســــتغلاليين ويستعــــــد للترحيـــــب بهم.

لذلك كله، يجب على السلطة الكف عن ممارسة التجارة واقتناء المصانع  والامتناع عن منافسة المنتجين والموزعين أو التدخل في كيفية البيع والإشتراء.  لكنها في المقابل، توسّع في المنافسة بين التجار والصناعيين أنفسهم، فتقدم  العون المادي والمعنوي للمخترعين ولصغار التجار وتشجعهم لخوض معترك  التعامل وتعلمهم التصدي لأساليب المحتكرين والانتهازيين وتمنع من الاحتكار والتخزين حين الشدائد وتفرض العرض والبيع، فإذا غلت الأسعار و عجزت  المنافسة أن تحدّ من وطأتها (و هي حالة نادرة جدا) فرضت الحكومة -بمساندة  البرلمان- على التجار أن ينزّلوا أسعارهم دون تحديد، حتى يتنافس أصحاب  الحكرة على تنزيل الأسعار إرضاء للحكومة والبرلمان. في أمريكا قانون يحط من  هيمنة الاتحادات الاحتكارية ويعرف بـ  Anti Trust Laws وقد بلغني بعض موادّه  فاستحسنتها، لكني لم أحط علما بكامل القانون حتى أستسقي منه لقلة وقتي،  والبركة في شبابنا الذين سيدخلون المجالس النيابية ويحسنون الاستفادة من  محاسن الآخرين وطيباتهم ويبتعدون ويبعدوننا عن مفاسدهم وسيئاتهم بمشيئة  القوي العزيز ولطفه ومنّه جل وعلا.

 

4-الخدمات العامة:-

الخدمات الحكومية مثل الطاقة، المياه، المواصلات، البريد، الإعلام،  الأنباء، الطيران، الملاحة البحرية، التعليم والتربية، الصحة والوقاية،  الزراعة والتشجير، تطوير وتوسيع الثروة السمكية، رعاية الأوقاف والشئون  الإسلامية، تنشيط الرياضة وبيوت الشباب وما شابه ذلك.. تكلف الدولة عناء  وجهدا بالغين، وتكلف الأمة مالا باهظا وروتينا قاسيا ولذلك فإن من الأصلح لها  أن تعاد إلى الشعب ليديرها بالطريقة المثلى والتي تحدثنا أو نتحدث عنه بصورة إقتراحية بدائية. سيقوم نواب الأمة -مشكورين- بدراستها وإصلاحها  وتطبيقها في كويتنا العزيزة الغالية. وأما ديوان المحاسبة فهو الدائرة التي  يملكها الشعب ويديرها بواسطة البرلمان الذي يطور أسلوبها ويوسع نطاقها، فهي  عين الشعب على أمواله وقدراته السلطانية التي أودعها النظام الحكومي  ليستفيد منها في إدارة البلاد والدفاع عنها ورفع الظلم والإجرام منها واستصلاح  أهلها وتثقيفهم وتربية مواهبهم الشخصية والوطنية.

 

حماية التاجر والمستهلك:

لا جناح على الحكومة أن تمنع بشدة إتلاف المحاصيل والمنتجات للأغراض الاقتصادية والغش وتزييف العلامات التجارية وإعلان المنتوجات بممارسة الكذب  أو التزوير أو الإغراء بالجهل أو المغالاة أو نفي نتاج الغير أو تحريك  الشهوات والغرائز والتزهيد الشديد في الأسعار لحد الخسارة أو عدم تكافؤ  المصروفات بغية السيطرة على السوق ومخالفة الوحدات القياسية -المعلنة من  قبل السلطة- بهدف التحكم في أسعار قطع الغيار أو في تقديم الخدمات وعرض  البضائع في المعارض دون كتابة الأسعار عليها. كما عليها أن تمنع من تواطؤ  المؤسسات العامة مع الانتهازيين من أصحاب المتاجر، فتمنع من إقدام المدارس  أو الأندية أو الجيش أو الشرطة أو إدارة المرور أو أي جهاز حكومي يتعامل مع  عدد كبير من الناس بإعلان أو تعميم نوعية أو لون أو كيفية متميزة دون ذكر  السبب أو قبل فترة قصيرة غير كافية لمساهمة كل التجار والصناعيين في  تهيئتها أو منع كيفية أو نوعية أو لون قبل وقت لا يكفي لتصفية المقادير  المتوفرة لدى أصحاب المتاجر إلا في الحالات الطارئة مع وجوب التبرير العلني  معطية حق الاعتراض والمقاضاة لكل متضرر.

وتقوم الحكومة بتزويد المستهلكين بالأسعار المقترحة لبيع كافة  البضائع الاستهلاكية -المعروضة بوفرة- دون أن يكون في ذلك إجبار للبائع بل هو لدرء الغفلة عن المستهلك، فإن التجار عادة ما يبيعون بأقل من الأسعار  المعلنة. وعليها أن تمدّ التجار وأصحاب المصانع بكل المعلومات الإحصائية من  الداخل والخارج وبالتطلعات المستقبلية الدولية والوطنية. كل ذلك عن طريق  استخدام الحاسب الآلي المزود بمحطات وشاشات لاستعراض كل المعلومات بدون أي عائق أو رمز أو منع وفي متناول كل الأفراد. توضع هذه المحطات في أماكن عامة  قريبة من تجمعات المستفيدين. كما ويجب أخذ كل موظف حكومي يحاول إخفاء هذه  المعلومات -ولو لوقت قصير- أو بيعها بالشدة والحزم ومعاقبته بالسجن والطرد  والتشهير. يجب ربط مركز المعلومات بكل مراكز المعلومات الدولية لإعلام  مواطنينا بآخر التطورات المالية والصناعية والتجارية بالسرعة الممكنة.

من وظائف الدولة أن تضع المواصفات التجارية والصناعية وتوحد  المعايير والمقاييس والأوزان والمكاييل وكل الوحدات و تعممها وتفرض العمل  بها وعليها أن تقترح بعد البحوث العلمية والتطويرية أفضل وأجود وأنسب  التركيبات الكيماوية والمعدنية والنفطية والبتروكيماوية، وكذلك عوامل  الطاقة الغازية و الهوائية و الكهربائية و الشمسية وغيرها من الحقائق  العلمية التي تساعد العقول الكويتية وتقرّبهم إلى العالم المتطور، وتوفر  الحكومة لمجتمعنا كل الإحصاءات العلمية والمؤشرات الاقتصادية والنسب المالية  والتقدم التقني والتطور المعماري والوثبات الهندسية والفيزيائية حتى يتعرف  مجتمعنا بدقة على المركبات والهياكل والسطوح والكواكب ومساحاتها وأحجامها  وأوزانها وحركاتها واتجاهاتها ومسافاتها وآثارها، فيطلع على الحقائق ويقف  على مكانته الحقيقية في المجتمع الدولي ويتعاون مع الإنسانية في النهوض  لراحة البشر ويكف عن السباب والشتائم والادعاءات الزائفة والخيلاء وكل آثار  النقص والضعف ويعرف قيمة الحياة ووظائف الإنسان تجاه نفسه ومجتمعه  والبشرية، فيتعرف على نفسه ليتسنى له معرفة ربه العظيم الجليل مالك السعادة  والمعالي والسمو والجلالة والقداسة والسماحة والفخامة والعظمة.

 

النفط والمعادن:

النفط والمعادن والأراضي الجرداء، ملك للأمة بأسرها وأمانة بيد  الحكومة لتستخرج أثقالها وتحولّها إلى ما هو أنفع وأجدى للناس >ومن أفضل  التحويلات للنفط هو تبديله إلى البتروكيماويات< ولكن لن يتأتّى لنا ذلك  بصورة موسعة، لأن إخواننا في الإنسانية بحاجة فورية إلى هذا المعدن للتحرك  والتدفئة، لكنّ من واجبنا أن نعين ميزانية كبيرة للتحقيق حول تحويل الطاقة  الشمسية إلى وقود سهل المنال فإن هذه النجمة ترسل يوميا طاقة تعادل كل احتياطي النفط في الأرض -تقريبا- إلى الأرض، والكويت مشبعة بالطاقة  الشمسية. كل ما علينا أن نكشف أرخص السبل لاستخدامها، فإذا ما كلّل الله همتنا هذه بالنجاح فإن بإمكاننا مساعدة بقية الأمم بتحويل الكثير من مصانعهم  إلى بلادنا، ففي ذلك استقطاب للأدمغة الصناعية والعلمية وترفيع للمستوى  العلمي وتضخيم لنسبة العلماء والمتعلمين ومشاركة فعالة مع بقية الأمم في  بلادنا وضمان كبير لسلامة وأمن بلادنا ولوحدة أراضيها. الخوف من تأثر مجتمعنا  الإسلامي بالخلال الغربية، يتفادى بتوسيع البحث العلمي حول الإسلام وحقيقته  وواقع أحكامه وصحيح تاريخه فذلك يؤثر في غيرنا دون أن نتأثر بهم، إن أحضاننا مفتوحة لمن يترك التعصب الأعمى ويستعد للتعرف على ديننا وأخلاقنا  ومجدنا وأصلنا وأصالتنا. لهذا أزال الرسول كل الجدران حول حكومته ووسعها  بتقبّل كل من يقبل إلى بلاده، حيث كانت الأكثرية تدخل في هذا الدين ]ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا[. كان المسلمون ينتفعون بعلومهم  وثقافاتهم ورؤوس أموالهم، بالإضافة إلى قوة أبدانهم التي تقوي المعسكر الإسلامي، الإسلام الذي ندين به ليس وقفا علينا بل هو للبشرية جمعاء والإسلام لم  يأت ليعزلنا عن العالم بل أتى ليجمعنا بالأمم وليفتح الطريق بيننا وبينهم.  ومن يهاب توزيع الدخل ليحتفظ بنصيب الأسد فليتأهب لما هو أشد من الاحتلال  العراقي ولما هو أقسى مما لقيناه في مصيبتنا الفظيعة، و]إن ربك لبالمرصاد[.

 

الضمان الاجتماعي:

من المحتم على الدولة القيام بتنظيم الضمان الاجتماعي الشامل لكل من  يعيش في الكويت مواطنا أو غير مواطن، من حق كل فرد يعيش معنا أن يشعر  بالاطمئنان إذا داهمته الأخطار أو ألمت به و بأسرته الآلام. الضمان الاجتماعي  بالطريقة الإسلامية والذي يطبق اليوم في الدول الغربية المسيحية دون الأقطار  الإسلامية -مع بالغ الأسف- هو مطلبنا. ويمكن أن يكون هذا الضمان على شكل تأمين  إجباري تفرضه السلطة على كل المواطنين والمقيمين وذلك لتأمين حوادث  السيارات والبيئة والطبيعة والعمل والمرض والوفاة. أضف إلى ذلك، توجّه  الحكومة إلى أن تشكّل -برعايتها المستمرة- جمعيات النجدة والمساعدة العامة  لتأمين نقص المواد والتسهيلات الضرورية الغذائية والكسائية والإسكانية  ولتغطية ديون العاجزين عن السداد ولمساعدة المسجونين والمحكومين -العجزة-  وتربية أسرهم وتعليم أطفالهم ولتربية العباقرة والأذكياء من أولاد الفقراء  وتهيئة أحسن وأكمل وأرفه سبل العيش الهنيء والرغيد لهم و لمن يعولونهم حتى  تتفتح أذهانهم وتشتغل عقولهم فإن كل ما يصرف على هذه الطبقة النادرة من  المجتمع، يضعّف أضعافا كثيرة من الخير والنفع والثروة لصالح الأمة والوطن  بفضل ما يبرعون به مبتكرين أو متقنين في البحوث العلمية والتكنولوجية وكافة  المجالات الاجتماعية. وتقوم هذه الجمعيات بتأمين التسهيلات الترفيهية  والتثقيفية والصحية والوقائية لكافة المواطنين، وتدرّ عليها الدولة كل ما  تحتاج إليها من مال نقدي وعيني، ومن رعاية وتأييد، ومن المعلومات والإمكانات  العلمية والإحصائية المتوفرة لدى الدولة. يجب تشجيع الأمة لتقديم المساعدة  الواجبة لهذه الجمعيات، ولتخصيص نسب من أرباحهم وثرواتهم لها، ولتعيين ما  يجودون به في وصاياهم من الثلث وما يتبرع به الوارثون مما أفاء الله عليهم.

ويجب -أيضا- إقناع المؤمنين والمعتقدين بأحكام الله أن يقدّموا  الحقوق الواجبة لهذه الجمعيات، مثل الزكوات وهي قليلة غير متناسبة مع أموال  الأغنياء؛ بل يجب الاعتقاد بما أفتاه كبار علماء الإسلام وهم أهل بيت النبي  الذين هم أدرى بالقرآن من غيرهم فإن أهل مكة أدرى بشعابها، وقد أفتى أولئك  الجهابذة بتعميم الخمس الوارد من الغنائم على كل الأرباح باعتبار أن الأرباح  غنائم حقيقية يستدرها أصحاب المتاجر والمستثمرون في صفقات ومعاملات أقل خطرا  بكثير من ركوب الحروب والاشتراك في ميادين القتال. المقاتل الذي يخاطر ببدنه  وبتماسك أسرته يلتزم بدفع خمس كل ما يستولي عليه من الغنائم، لكن التاجر  الذي يخاطر بأمواله في صفقات لا يحتمل فيها ما يحتمل من الحروب لا يدفع إلا  تلك النسبة الضئيلة من الزكاة والتي لم ترفع حكمها من المقاتل فالمقاتلون  يدفعون الزكاة أيضا. ولذلك فإن المعقول الواضح أن ندرك تسامح أئمة المذاهب  الأربعة رضى الله عنهم في تحديد الغنائم بمكاسب القتال، أو خطأ الناقلين  عنهم. إن الإمام العالم جعفر الصادق عليه السلام، الذي علّم الإمام أبي حنيفة  -وهو أبو الأئمة الثلاث- قد أفتى بتعميم الخمس وهو أقرب للعقل والمنطق وكذلك  أقرب للقياس الذي يؤمن به أبناء السنة والجماعة. و إني أهيب بأصحاب  الأموال أن يخشوا الله في عدم دفع الخمس، وهو  نسبة غير كبيرة من مالهم  وأعوذ بالجبار مما سيصيبهم من عذابه المؤلم المحرق إذا اكتفوا بالزكاة التي  يستبعد أن تنجيهم يوم الحساب. إنني على أتم الاستعداد لإدارة أية ندوة أو بحث علمي حول هذا الموضوع حتى يتعرف إخواننا على واجبهم الديني تجاه أمتهم وبني  جلدتهم، وتجاه نظرائهم في الخلق.

و يجوز للحكومة -في كل حال من الأحوال- أن تجبّ الضرائب بمقدار  حاجتها من أصحاب الثروات ولو قسرا،  لكنني أوصيها بمحاولة إقناع المتمولين، دون الضغط عليهم؛ بل الصلاة عليهم ]وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم[. فبذلك تثبت  تحكّمها في القلوب، وهو خير من تحكمها في الأبدان. يلزم أن تتطبع هذه  الجمعيات بطابع الوسيط بين المكرم والمستفيد. ليكن واضحا، أننا نقصد من  وراء تشكيلها، تنظيم المساعدات ورفع المنّ والأذى والشعور بالرفعة الذي يبلى  به المنعم أحيانا، ]لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى[. لقد شكّل الرسول الأعظم  بيت المال للإنفاق منه بدلا من الإنفاق المباشر بواسطة أصحاب الأموال. #] اتق شرّ من أحسنت إليه [. أمرنا بأن تكون الصدقة في الخفاء بحيث لا تعلم اليد اليسرى عما أباحت به اليد اليمنى. أرجو أن يتقبل الأثرياء أنّ [في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم [. هذا الحق، لو لم يدفع بالحسنى، فسيؤخذ منهم بالقوة ولكن بصورة غير مباشرة، كما أن القوة القاهرة قد جرّدتنا -نحن الكويتيين- من كثير من أموالنا على يد الظالم صدام، بعد أن أقبعنا على ثرواتنا وكأنها من صنيعنا لا من فضل الرزاق الكريم.

قدّرت لنا الظروف أن نرى مظاهر مؤلمة من البخل والدناءة لدى بعض  الأثرياء الكويتيين -بعد الاحتلال العراقي- فرجاؤنا أن يتخلّوا عن هذه الصفة  البغيضة قبل أن يفضحهم الباري على أيدي المؤمنين، أو يسلط على أفرادهم صغار الصدامين، والسفلة من الفراعنة. إن الديدان تواقة للتنعم بأبدانهم الطرية  قريبا، ووراثهم يعدون الأيام للتخلص منهم ومن بخلهم، ثم  ]إن موعدهم الصبح  ،أليس الصبح بقريب[؛ كما أنّ الجحيم بشارتهم يوم القيامة.  ليتهم يدركوا  أنّ تظاهرهم بالفقر والخسارة وقيامهم بدفع النزر اليسير من فوائد أرباحهم وإقدامهم على بناء المساجد وبعض مراكز الخير الذي لا يمثل إلا جزءا يسيرا من  زكواتهم، ليس كافيا لدرء العذاب عنهم. نحن عبيد الله، يصعب خداعنا فكيف  بالعليم الخبير الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

يقتضي الضمان الاجتماعي وجوب البحث عمن هو بحاجة حتى لا يلجأ  المعوزون للطلب والاسترحام. وحتى يعم العون يوصى بتهيئة استمارات لمختلف  الخدمات، تعبأ من قبل الطالبين أو ذويهم أو أصدقائهم وترسل بالبريد للجهات  المختصة التي تقوم بدراستها بعيدا عن أعين الطالبين، وقبل الدراسة فإنها  توافق على الطلب باعتبار أن الأصل هو صحة ادعاء المدعي والمعترف على نفسه بالفقر حتى يثبت العكس فإذا ثبت العكس عومل مع الكاذب بموجب القانون دون  إسراف أو تشهير غير قانوني وغير مسئول. مثل هذه الاستمارات موجودة في الدول  المتقدمة مثل إنجلترا، فماذا لو استفدنا من خبرات جمعيات النفع العام  وجمعيات الإعانة والإغاثة لدى أولئك الشعوب السبّاقة إلى الخير والسابقة  علينا.

 

أمور عامة:

يمكن القضاء على الروتين المزعج بإحسان الحكومة ظنها في الشعب وإذا  كان هناك شواذ من المنحرفين بين أبنائنا و بناتنا فإن من غير المعقول أن  نسيء الظن بأمة تحسبا لهفوات تلك النسبة الضئيلة من العصاة. وبتوسيع  البرامج الإصلاحية بين المواطنين والمقيمين وتوسيع التعليمات والدعوات  الإصلاحية بالنسبة لمن يزور بلادنا لسوف نقلص ما أمكن من الجرائم ونقلل كثيرا  من وطأتها ونزيل الأرضية الداعية لها. ويمكننا أن نستعين بتحريك الكثير من  الطبائع والخصال الإنسانية مثل الخجل والخوف وروعة النظام وهيبة القضاء وحب  الحياة ومؤانسة المرح والرتع من أجل إيجابي العصيان ومكافحة الاعتداء. لنا في  الاباحات الإسلامية خير معين على بث روح التعاون والتودد والتحابب بين من  يعيشون في الكويت ومن يترددون عليها. 

    

الوزارات الحكومية:

لو صح ما استعرضته تحت عنوان النظام الإداري فإن الإدارة الحكومية  تتقلص كثيرا بما تكفي لحفظ التوازن بين أمة تريد العيش بسلام وحكومة  لا تتولى السلطة استعلاء في الأرض ولا يقصد القائمون بها سوى تقديم خدمة مؤقتة  لأنفسهم ولشعبهم وحين انتهاء مدتهم القانونية -إن لم يطرأ تغيير في الإرادة  الشعبية ضدهم- فسوف يعودون إلى المسرح الخاص، مواطنين صالحين. وسوف

 

تنحصر الإدارة الحكومية:-

1-  في تجميع الإيرادات الحكومية من عوائد النفط والمعادن والضرائب  والجبابات الأخرى مثل الجمارك والغرامات، وصرفها وتوزيعها وفق إرادة الأمة  -التي أمليت على الدولة من قبل نواب الشعب- وضرب النقود ووضع السياسة  المالية للدولة والإشراف على البنوك و بيوت المال نقدا أو ذهبا أو ما  جاراهما.

2-  وفي إثبات هوية المواطنين والمقيمين والزائرين، وتسجيل الوفيات  والمواليد، وتسهيل السفر والإقامة والهجرة والزيارة، وتنفيذ الأحكام القضائية  وحفظ الأمن وحراسة الممتلكات وإقرار النظام وإدارة السجون وحماية المواطنين  والهيئات الدبلوماسية والضيوف والمسؤولين، والترصد للتحركات السياسية  وتقديم المنحرف منها إلى القضاء وللجرائم والاعتداءات على الغير وإرسال  العيون لقص الأخبار الداخلية والخارجية وجمعها وتبويبها وتقديمها لأصحاب  القرارات الأولى في البلاد.

3-  وفي إدارة الخدمة الإجبارية وإقامة الثكنات والمعسكرات وتهيئة  المقومات الدفاعية والهجومية جوا وبرا وبحرا وإعداد الجند وتنظيمهم ورصهم و رفع معنوياتهم واستعداداتهم تأهبا وتحسبا لكل اعتداء على ثغور بلادنا  وتعليمهم فنون القتال وأركان الجيش واستمرار تطويرهم وتطوير مسالحهم  وعتادهم.

4-  وفي إقامة العدل والقضاء بين الناس ورعاية القضاة والمستشارين وإكرامهم ومراقبتهم ومراقبة أعمالهم وتصرفاتهم وتسجيل الأملاك بعد تثبيتها  وضبط الوكالات والرهون والعقود الشخصية والتجارية.

5-  وفي وضع المكاييل والمقاييس والأوزان والمعايير الصناعية والتوصية بالنسب المالية المتناسبة مع وضع الكويت وطبيعتها ومراقبة العلامات  التجارية وتسجيلها وجمع المعلومات التجارية والصناعية وإصحارها للأمة جمعاء والقيام بالتوجيهات الصناعية والتجارية المفيدة للكويت والمعززة للسياسة  العليا في البلاد والتنبؤ العلمي المستدل بالمستقبل وتطوراتها ومكافحة  الاحتكار بالأساليب العلمية بعد تعيين حدود ونوعية السلعة الضارة حكرتها .

6-  وفي تعليم الأمة وتربيتها تربية ثقافية تواكب العصر وتساير الزمن وتعينها على تخطى الحوادث وتجاوز الكوارث وتحيي في نفوس المواطنين فطرة  الإيمان والصبر والحياء والخلوص والوفاء وتوجه حبهم للذات إلى العالم الآخر  لاكتمال الجزاء والى ما ينالونه من نفحات الراحة النفسية واطمئنان الفؤاد  وسكون الضمير والى اكتسابهم ثقل الشخصية وهيبة الحلم وتشعشع العلم واحترام  الغير.

 

وفي التخطيط العلمي والثقافي والتربوي والتفتيش على المناهج  والمدارس والجامعات وفي المشاركة التوجيهية للبرامج التعليمية ومكافحة  الأمية ولو قسرا وفي التوجيه المعنوي لقوات الجيش والشرطة وتدريبهم على  الثقة بالنفس واكتفاء الاتكال على العلي القدير والخضوع والركوع والسجود له  وحده واحترام الإنسان أكثر من احترام القانون الذي وضع لراحة هذا الإنسان  ولتكريمه.

وفي توجيه أندية ومراكز الشباب والجمعيات الثقافية والمهنية  والفنية والاجتماعية وتشجيعهم على مواصلة السير بشجاعة وثقة في دروب الحياة  والمشاركة الفعالة في برامجهم ومناهجهم واستراتيجياتهم، وفي إصلاح العادات والتقاليد الكويتية والعربية والإدارة والإنسانية وترسيم آدابها وترسيخ  مقوماتها، وفي المساعدة والمؤازرة مع الجمعيات المتمكنة والمتخصصة أو الأفراد المهتمين بإثبات التاريخ وإبعاده بقوة عن المؤثرات والمؤشرات  السياسية وإعادة كتابة التاريخ العربي والإسلامي وتاريخ الحضارات والثورات.

وفي وضع أصول التدريب والتثقيف الصناعي والزراعي والحيواني  والسمكي والمهني والحرفي وتطويرهم وتجهيزهم بأحدث الاكتشافات والاختراعات  والنظريات العلمية بشأن التغذية والري والتسميد والتقوية الفيتامينية  والإخصاب وإصلاح الجينات وتطويرها وتطوير الإيراث وتحديد حقن الهرمونات  والتغلب على الآفات والحشرات الضارة وتعلّم طرق الحفظ والتخزين والتغليف  والتعليب والتحميل ومواعيد الزراعة وشهور وطرق الإخصاب والإفحال وتغذية الأجنة وتربية البويضات وتطوير الأحواض وإنماء المواليد وتصنيفها وتقديمها للبحر أو المراتع.

وفي الاهتمام بأمور وشئون الفنانين وتصنيفهم وإشهارهم وتشجيعهم  وتهذيبهم وتقوية الأخلاق والدين في قلوبهم وتطوير هواياتهم وإنتاجهم وحماية مبتكراتهم ومسجلاتهم وحماية اللغة العربية والكتب  العربية والإدارة وتوسيع  الخط العربي وتمكينه في استيعاب كل الألفاظ الضرورية غير العربية مثل CH وP  وV بالإنجليزي وG بالألماني وJ بالفرنسي وتدريب أطفالنا على تلفظ ما ذكر وعدم  استبدالها بما يقرب منها في العربي فهو يضر بالتفاهم مع الغير.

7-  وفي تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع مختلف الدول والشعوب والحضارات والثقافات الدولية والتعرف على لغاتهم وآدابهم  وبروتوكولاتهم وأنظمتهم ومناهجهم ومظاهر تمدنهم وتقدمهم وفي خلق وإيجاد  وتقوية الاحترام المتبادل معهم و صيانة استقلالنا و تقاليدنا و مراسيمنا و في  شرح مواقفنا من القضايا الدولية والمشاركة في آلام وهموم الآخرين ووضع الأسس  والدعائم السياسية لبلادنا واطلاع أمتنا النامية على سرعة التطور وكيفيته في الأمم الرائدة وفي كسب القدرات السياسية بالمشاركة الفعالة والجدية في  القضايا الدولية والتنشط في الأندية والمؤتمرات والمنظمات الدولية والسعي  لإدارتها وترؤسها وترقيتها بالمقترحات والمعلومات والتحقيقات العلمية  والمناهج الأصولية والخطط الموقوتة الهادفة. وابتكار وإتقان الحلول السليمة  والمعقولة للمشاكل الدولية جهد الإمكان والقيام بالمناقشات والمداولات  الدقيقة والقيمة مستعينة بالعقول الكويتية وبكبار مفكرينا وعلمائنا وخطبائنا ومناظرينا دون التوجه إلى تكوينهم العائلي وارتباطهم القومي  والمذهبي >فكلنا للكويت والكويت لنا<.

8-  تنظيم شئون الموظفين وتأسيس ورعاية الضمان الاجتماعي لجميع من  يعيشون في الكويت بلا استثناء، وحصر القوى العاملة وتصنيفها والاهتمام بشئونها وأمورها وارتباطها بأرباب الأعمال ومراقبة الأندية والجمعيات  التعاونية والخيرية والمهنية والثقافية والعلمية وتشريعها واستحداثها  وتشجيعها واستدراك أخطائها ومخالفاتها وتمثيل الدولة في كل ما ذكر  لدى  القضاء والشرطة والانتربول والسلطات الأجنبية والعربية.

 

هذه المجموعات الوظيفية التي وضعتها هي -باعتقادي- تمثل الوزارات  التي يمكنها أن تقوم بكل أعباء الإدارة في البلاد، وما زاد على ذلك فلعلها  تكون زائدة يمكن الاستغناء عنها إذا التمسنا الواقعيات.