التحرير

كان لا بد لنا أن نقيس أنفسنا وجيراننا ومن له ارتباط بنا من مختلف الحيثيات، فنتخذ قرارات محكمة ونعمل بها كي لا نقع في الشراك. ولما انغمسنا في الملذات و تركنا الجدّ واتكلنا على البعض، فاجأتنا الكارثة ولات حين مناص؛ فالجدّ وترك اللذائذ لا يسدان الثغرة الآن، بل قد حان وقت التضحيات  بالمال، بالنفس، بأعز ما نملك، براحتنا و بكل ما تبقى في اختيارنا من قوة  وقدرة وعزيمة. ولنعلم أن الإنسان الذي لا وطن له، لا قوام له ولا سند ولا كرامة  بل ولا شرف له. الإنسان المتحضّر العصري يركن كثيرا إلى هيئة الأمم المعروفة، الأمم التي لها مقطع جغرافي تحت إمرتها ونفوذها؛ وأما الأمم التي لا أرض لها  فهي ليست عضوا في هيئة الأمم. ترابط الإنسان بوطنه أوثق من ترابط الزوجين الذين أفضيا إلى بعضهما البعض، فهما يتطالقان لكن لا طلاق بين الوطن والمواطن الصالح، بل لا يمكن لهذه الصلة أن تضطرب أو تتضعضع، تماما كرابطة  الأبوين وولدهما. والإنسان العاقل المدرك، كلما طال ابتعاده عن وطنه، اشتد  حنينه و علا أنينه؛ وإذا منع منه فارت مشاعره وانهمرت عواطفه وهكذا.. فهو يزداد شعورا بالوطنية حتى يقال له: فلان وطني.

أرجو أن ننقلب بهذا الخطب المفجع وطنيين نشعر ببنوتنا للوطن فقد  ظلمناه؛ إذ أقلتنا أرضه الرحبة وأطلّت علينا سماؤه الزرقاء الجميلة، ولم  نبادله حبا بحب وكرما بكرم؛ فاليوم دورنا لنردّ له بعض ما أكرمنا به حتى يكون لنا لا لغيرنا فنحن أبناؤه وغيرنا مغتصبون أجنبيون. الكويتي الطريد والكويتية الشريدة لا يحتاجان إلى من يذكّرهما ويحمّسهما فالذل والهوان والانفلات القسري، تكفي لتؤجّج شغافهما وتلهب نفوسهما وتقوي اندفاعهما نحو الوطن السليب. إننا اليوم نعرفك يا كويت فقد غفلنا بكثرة عطائك عن أن نعرفك حق المعرفة وغبّ المحنة؛ نشعر، كم نواليك وكم نحبك وكم نعتز بك ونعزك؟!. افتحي لنا صدرك مرة أخرى فالهجران قد علمنا ألاّ ننشغل بلذة الوصل فننساك  سكارى مستخمرين مستلقين بين ثناياك. كنا نظن أننا نحتاجك وأنت لست بحاجة  إلينا وها نحن قد علمنا عوزك فسوف تجدينا بعد اليوم شجعانا بواسل ساهرين على حمايتك والدفاع عنك فأنت رهينة بأرواحنا وأنفسنا. إن في الدفاع عنك رضا  الله وشكر نعمه وآلائه.

لكن هل من الشجاعة أن نهرع إلى الدفاع والمقاومة دون تعقل وتريّث  فيسحقنا ثقل الأعادي ؟ بالطبع، إن الاستعداد والإعداد لكل أمر ذي بال شرط  لنجاحه وإلا فكما أننا لم نستعد للدفاع حتى غزينا في عقر دارنا وكذلك فلو  قاومنا دون استعداد سنهزم ونولّى الدبر. وفي تحليل بسيط لشخصية صدام ورفاقه الذين لم يتوارثوا الحكم من سلفهم بل ناهضوا الحكم وقاوموه واستعانوا  لتذليله بالاغتيال والتخريب وبالتستر والكتمان والسير في الظلام ثم تعرضوا  لحرب العصابات إبان الحرب المنصرمة وتداركوها؛ انهم يحسنون التعامل مع  المقاومة خاصة وأنهم لا يدينون دين الحق والأخلاق والقيم ويتعرضون بكل جسارة  للحرمات فقد تعودوا القتل والتنكيل على الظنة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ  العزّل الأبرياء دون رحمة. انهم لا يجازون القاتل بل ينتقمون ممن عارضهم أو  تعرض لهم بإنزال القتل على من شاءوا أو صادفوا من نفسه أو أقاربه أو  جيرانه أو بني وطنه. وقد سمعنا أنهم يردّون الطلقة بالتصويب جهتها وبغزارة  دون أن يتحمّلوا عناء البحث والاعتقال والتحقيق والمحاكمة وإنزال العقاب  المعقول.

هذه الهمجية لم نسمع عنها في إسرائيل إلا قليلا، قبل أن يشكّلوا  دولتهم، ولم نقرأ عنها إلا في سالف الزمان حيث كان الطغاة يستبيحون مدينة  بأكملها كما فعل الطاغية يزيد بن معاوية في استباحة المدينة المنورة؛ مثل هذه الطبقة من الذين يتندى الجبين خجلا من ذكرهم والتحدث عنهم هم الذين  يلهمون الحاكمين في عراق القرن العشرين مع الأسف.

ولم أر في ما سبق من السيرة الطيبة مما ذكر عن الأنبياء.. إلى قادتنا الأكارم من الأقربين عهدا من رسول الله (ص)، ما يؤيد الاغتيال أو يعتبره طريقا مؤديا إلى الحق والعدل.. وقد قاوم الفلسطينيون عشرات السنين  دون أن يحطّوا من نزوة اليهود أو يقووا على التحكم في شبر من أراضيهم. ثم  أن العاقل يحاول تقوية نفسه بالتكثير من مصادقيه والتقليل من مناوئيه. حتى  وان المتظاهرين بالصداقة خير لنا ممن يجاهرون العداء. إذ ليس من السهل على الإنسان أن يكسر حاجز الألفة والوداد؛ وطالما أجّل عدوك المظهر للحب تنكيله  فيك؛ فصدام كان يضمر لنا الشر والسوء لكن الحواجز المعنوية تمنعه من  الإسراع. لولا إهمالنا لتقوية الدفاع لما سولت للعدو نفسه الإقدام على  محاربتنا. إن في التعامل مع الآخرين أسرارا، يجب التعرف عليها حتى لا نسقط في المزالق. وخير ما قيل في ذلك*] : أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما.[

الجندي المغلوب على أمره والضابط المغفل والمسئول المخدوع، طالما أنّب نفسه إذا لقي منا ما يخجله من معاملة طيبة ونصيحة مبذولة.  حينما كان  الإيرانيون يحاولون إسقاط ملكهم والشاه يحاول ضربهم بالجنود؛ كانت باقات الورود التي يقدمها الأطفال للجنود المدججين بالسلاح بتعليمات من القيادة  طبعا- تضعف من عزيمتهم في تنفيذ الأوامر. وقد حفظت في ما قرع سمعي من أنباء المقاومة الكويتية أن أحد شباب المقاومة يقدم على اغتيال جندي عراقي يطلب  منه إيصاله إلى مكان ما بعد أن يستغل جهل الجندي للطريق. في اليوم التالي  يواجه نفس الطلب من جندي آخر فيستجيب كامنا نفس النية، وفي الطريق يسأل  الجندي عن جراب يحمله معه فأخبره بأن أمه حمّلته بعض الخبز اليابس ليتغذى  عليها في سفره فرقّ قلب المقاوم له وفكر في إيصاله إلى مثواه دون إيذاء.  ثمت ، قدّم الجندي العراقي جرا به إلى السائق الكويتي ليأخذ ما يشاء من  خبزاته، فملك الرحمة شغاف الكويتي المقاوم الذي قرر أن لا يصيبه بأذى.

لنعلم أيها الأخوة المقاومون أن الغزاة كانوا قادرين على إحاطتكم  وجر الويلات عليكم أكثر بكثير مما رأيتموه، لكنهم كانوا يكفّون رحمة أو رهبة  أو حرمة؛ فلا تخرقوا الحجب ولا تشبهوهم بمن أرسلهم فهو الذي مسخ قلبه حجرا عديم الشعور وهو يقتّل فيهم كما يقتّل فيكم وينكّل بهم أكثر مما يفعل  بكم.هؤلاء الجنود التعساء يثيرون الرحمة لو اطلعتم على عمق أقوالهم. وبما أنهم مغيرون فلا حرمة لدمائهم لكننا نكره ونستعيب الاغتيال والشغب ولا نريد أن نواجه الجبناء بمثلهم بل نحاربهم حربا عسكرية لنقمعهم في ميدان القتال  فنذيقهم كأس الرّدى بشجاعة وحزم ورباطة جأش، ذلك موقف الرجال البواسل.

إن من الشجاعة أن نعّد العدّة ونستعمل كياستنا لمواجهتهم مواجهة  حقيقية متكافئة بل وراجحة حتى نضمن النجاح بإذن الله تعالى . وما دامت  الفرصة سانحة لأن نستفيد من الأسلحة والجيوش التي أقبلت لحمايتنا فلنعمل.  نحن اليوم نتقي من عدونا تقاة حتى نستعد وننال جدارة التصدي للظلم ونعرف  بأننا نحن الكويتيون أول من يصفّ جيشه في وجه الغزاة ومن ورائنا العرب والمسلمون الذين هم أولى بأن يستشهدوا في سبيل الله ولغسل العار والخزي  المشين الذي علق بكرامتهم. إننا نريد من جيوش الدول الصديقة أن تساندنا  وتمدنا بالسلاح والعتاد وتعلّمنا التصدي وتقف خلفنا سندا وظهرا حتى نقلل جهد  الإمكان من تعرضهم للسوء فنحن شاكرون لجميلهم الذي لا ينسى ونتمنى لهم ولنا  التوفيق لرد المكايد إلى نحور كايديها دون توقد الحرب إن شاء الله تعالى.

إن نظامنا الذي شرع لنا كان بعيدا عن التكامل فلم يسع فيه لتكثير عدد الموالين للكويت فقد كان الكثيرون بلا جنسية أو بالجنسية الناقصة. وسوف نسعى في المستقبل لبناء كويت كبير بالعدد والعدّة لئلا نضعف مستقبلا أمام أي  طامع أو غاصب.