أيها العلماء, اتحدوا

اتحدوا أيها العلماء في الأرض، الذين طلبوا دروب الحقائق فمزقوا كل  الحواجز ملتمسين العلل ليبنوا عليها نظرياتهم العلمية الدقيقة ويستخرجوا  أثقال الأرض و يكتشفوا فجوات الهواء وسكائكها وعناصرها، والذين دخلوا  سالكين ممرات الأوردة والأعصاب وتطلعوا إلى إشعاعات المخ ومصافي الكبد ونوافذ  القلب، والذين اجتهدوا في معرفة رغبات الإنسان ودوافعه ومؤثراته وميزوا بين  عاداته وطبائعه وبين ما يريده وما يرغم عليه وبين ما يتعقله وما يلقن به.  اتحدوا أنتم وبقية العلماء، لتنجّوا أنفسكم والناس من المهالك المحدقة بهم  ولتنقذوا البشرية من شرور الغفلة ومن عواقب الجهل وتبعات السفه. إنكم تعرفون  الكثير من الحقائق، لكنكم تهابون اتحاد الحاكمين وشطط أهل السواد. ألا  تعلمون أن البشرية بكامل قدراتها عاجزة عن إمرار أكثر التركيبات الكيماوية  في مصانعها مثل الماء والتراب والنفط، وان الطبيعة قد قامت بذلك خلال ملايين  السنين بدقة لا يحتمل معها انعدام الإدارة واختفاء المدير المدبر. ألا تعلمون  أن الكواكب بما فيها كوكبنا المنفرد كانت ملتصقة موحدة تتفاعل مع نفسها ثم  ظهر الفضاء لتستوعب انفجار ذلك الكوكب الأصيل فتوالت الانفجارات وأخذ كل  تركيب شمسي شكله المنفرد أو المزدوج أو المثلث مكانا في ذلك الفضاء الواسع  وبمساعدة الجاذبية الموجبة والسالبة تحافظ على موقعها المتحرك في الفضاء  وتعادل بين المسافات المعقولة بين كراتها وسياراتها ونظائرها المتحركة  الغواصة السائرة باتجاه الشمال المائل، هل تجهلون الفراغ الموجود بين أجزاء  هذه الأجسام والمعبأ أمام عيوننا بسرعة الدوران. هلا تعرفون أن هذه التحركات  غير المتناهية والمنظمة لا يمكن أن تشوبها لحظة غفلة تطرأ على مدبر هذا  الكون العظيم. إنكم إذن تعرفونه جيدا وتعرفون أن المنظم والمدير العظيم لا  ينطبق مع الرب والأب الذي يولد سيدنا المسيح عليه السلام أو ينزل إلى الأرض  ليصارع ملاعبا سيدنا إبراهيم عليه السلام. ألا تعلمون أننا وإياكم سنواجه  حسابا عسيرا في محكمة عادلة تتعامل بالنيات ومخافي الصدور وتحتج بما سجلته  ودونته أبداننا وأفكارنا وأبقت تصويرها وتسجيلها في خفيات الجو المحيط بنا  تلك المحكمة المزودة بتلك المعايير والمقاييس التي فتق بها رب العباد هذه  الأرض التي انفجر سطحها لتفصل أمريكا عن أفريقيا آلاف الكيلومترات قبل حين  فتحكم فيها دون أن تتناثر أو تنهمر. الله الذي وعد السيد المسيح بأن يجعل  الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وها أنتم عشتم ألفي سنة فوق  الذين كفروا من الوثنيين والشيوعيين وكل من لا يؤمن بالله وستمضون قدما إلى  يوم القيامة. هذا الوعد موجود في القرآن لا في كتب العهد العتيق أو العهد  الجديد. اطمئنوا أن أيادي التجار قد لعبت في ذلك الكتاب المقدس فغيرت  معالمه وشوهت حقائقه وفرقت نسخه. لكن القرآن واحد بقى أربعة عشر قرنا دون  تغيير فاعتقدوا به لتسودوا على الأرض. هلا تفطنتم للتوجيه العلمي الذي قام  به الصادقون من مدعي النبوة، حاملي رسالة السماء فأعقبوا العلماء والحكماء  على مدى التاريخ وما قبل التاريخ. إن العلماء والحكماء الذين اتبعوا  توجيهات الأنبياء هم الذين نهجوا المسلك العلمي الصحيح لبناء العمارة  النظرية الدقيقة. أولئك الذين أتوا بعد إبراهيم وموسى وسليمان وعيسى ومحمد  صلوات الله وسلامه عليهم وساروا على نهجهم، هم الذين أنزلوا الآدميين على  القمر. لقد مضى أكثر من اثني عشر قرنا على وفاة الإمام جعفر الصادق عليه  السلام ولا زالت نظرياته في الكيمياء التي وصلتنا عن طريق تلميذه جابر بن  حيان تلمع بالحقائق الأصيلة الثابتة. لكن الذين ابتعدوا عن نهج الأنبياء مثل  هيجل وكارل ماركس فإنهم -مع قدرتهم الفائقة في التفكير- لم يأتوا  بالمفاهيم التي توجه المصاديق وتصححها بل أثبتت التجارب المؤلمة فساد رأيهم  وعبث محاولاتهم اليائسة لنكران الغرائز البشرية الباقية معنا إلى الأبد.  وهؤلاء قد انحرفوا عن الركب العلمي السائر في درب الحقائق والواقعيات  الصحيحة والمنتج لما يمكن أن يعود على البشرية بالخير والصلاح مثل الكهرباء  والإلكترون وحقيقة الإنسان وطبائعه وتماسك النظام ووحدة الخلق والسبائك  والمحركات والفيزياء والحساب والحرارة والنور والجاذبية وغير ذلك من  الحقائق المادية والمعنوية.

أيها العلماء: إنكم في الواقع تسيرون في خط واحد وتعبرون جسرا  واحدا هو خط الحقيقة وهو جسر الحقيقة فلماذا لم تتحدوا لخير البشرية ضد كل  المنحرفين من أصحاب المصالح فلعلكم تهدونهم وتهدوننا وتهتدوا بأنفسكم. إنكم  قادرون على وضع الموازين التي تبين صحة ادعاء (العلم) من زيفه وبذلك تفرقون  بين من يتجرون بالدين ويتمسكون بالجلباب وبين من يعرفون الدين ويتمسكون  بتوجيهات أنبياء الله. ثقوا بأن الله سوف يعصمكم من الناس ومن أرتال  الحكام وأفواج الجهال والبسطاء.

أيها العلماء: اخرجوا من مخابئكم وأظهروا علمكم وشدّوا ظهور بعضكم  فأنتم القوة الحقيقية التي يتأتى لها ويليق بها السيطرة على مصالح الشعوب  بإذن الله لتستخدم لصالح الشعوب على أكمل وجه.

اتحادكم أنتم ينجي العمال، واتحاد العمال يهلكهم ويهلك معهم الحرث  والنسل. المصانع الثقيلة والمحاسب الإلكترونية الدقيقة ومعرفة أوزان الكواكب  وأبعادها ومعرفة استخدام الحقائق لراحة بني الإنسان، تتمخض من الأكاديميات لا  من اتحادات العمال التي تستغل من قبل أصحاب المصالح -الذين هم بدورهم جهال  أيضا- ليضرب بها الصناعة والعمل والتحقيقات العلمية والدعوات السياسية  الصادقة ومصالح المجتمعات والأفراد. أنتم مسؤولون عن توجيه اتحادات العمال  والفنيين ليأخذ طابع الواقعية ويسير في حدود استيفاء حقوق أعضائه واثبات  تلك الحقوق ودفع الظلم ورفع الحاجة عن المشتركين في الاتحاد في حدود  الإمكانات وضمن قبول الواقعيات.

 

والحمد لله أولا وآخرا

                               طبع الكتاب عام 1991