احتلال الكويت

جعل الله الليل حالكا دجيّا خاليا من الضياء.. لنسكن فيه ونطمئن  إليه، والجبناء يأخذون الليل جملا يتلصصون فيه ، يطلبون خلاصة جهد الآخرين،  فيسطون عليهم حثيثا كالبرق الخاطف ليبلغوا مأربهم قبل أن يستعد الأحرار  للمواجهة الشجاعة؛ هكذا جرّ السرايا كالدجج، متسربلين سلاحا هجوميا فتاكا،  مكثرين عدة وعدة ناكثين المواثيق ، مختلقين الأكاذيب؛ فاجتازوا البطون  وعبروا الحقاف بدباباتهم ومصفحاتهم ومسالحهم، وخرقوا الأجواء بمجنحاتهم  ومقاتلاتهم ومدمراتهم.. غير مكترثين بحقوق الجوار والعروبة والإسلام  والإنسانية، ناكرين للجميل ممزقين سواتر الحياء والكرامة و العفة والأصالة؛  فتمزقوا كل ممزق، منتشرين انتشارا.. لا يتركون بيتا إلا وأدخلوا فيه الرعب  والخوف. وقد اتخذوا لغدرهم ليلة عاشوراء. وعاشوراء هذه ذكرى أكبر خيانة  عراقية جلية قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا حيث استدعوا سبط الرسول الحسين عليه  السلام.. ليعيد إليهم عدل أبيه، ثم خانوه في العاشر من محرم سنة 61 هجرية؛  فقتلوه وكل أقاربه وأصحابه عطاشى في أكبر وأبشع مشهد دموي مثير لعواطف  الجميع حتى عواطف القاتلين أنفسهم.. بعد أن قدم لهم الحسين وأبوه كل حب  وإخلاص وتفان وخدمة صادقة. وفي ذكرى نفس اليوم أقدموا على خيانة  تاريخية  كبيرة ثانية.. إذ سطوا غادرين على الكويت التي واستهم وآختهم وقدمت لهم ما  بوسعها من مال وإمكانات، واستفادت من كل علاقاتها الدولية لحماية العراقيين  ولإخفاء جرائمهم في حرب الأعوام الثمانية وفي مجزرتهم الكبرى التي أقاموها ضد  إخوانهم في حلبجه.

وأقبلوا نافجي الصدور كاشري الأنياب، يدخلون بيوت أهل الجهراء في طريقهم  إلى العاصمة، ليسرقوا وينهبوا ويفتكوا ويهتكوا الأعراض.. فألمت الكارثة  بالكويتيين تسلبهم الراحة والأمان؛ فهم ليلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع خوفا و  ذعرا، وهم نهارا يشهدون قصة الدمار من السلب والنهب وإخلاء المخزونات وطرد  المرضى من المصحات وتخريب المرافق وهدم المباني وسرقة كل شيء حتى مصابيح  الشوارع والحوانيت.

هذه التصرفات، لا تعني الاستعمار بل تنبئ بالخراب؛ وليست علامة للاحتلال،  بل هي سمة الحاقدين الذين يحاولون التخلص من حقدهم وضغنهم، فيهيمون كمن به  جنة.. ليسلبوا لا ليحكموا ولا ليسترجعوا أرضهم كما يدعون. فالذي يسترجع فقيده  يحتفل به ويحافظ عليه ، لا يدكّه دكّا دكّا . فتعود المعمورة قاعا صفصفا،  وساكنوها أبدانا بلا أرواح أو أرواحا بلا استقرار.