سياستنا الاجتماعية

مجتمعنا:

المجتمع الكويتي خليط من متوافدي الدول المحيطة الثلاث وهم عرب  وعجم. لعل بعض الذين قدموا من إيران ينحدرون من أصل عربي لكنهم -بمجموعهم-  ليسوا عربا بالضرورة. لقد تقبل الكويتيون أن تكون بلادهم عربية وأن يدافعوا  عن النزعة العربية، بغض النظر عن منشأ أجدادهم. شأنهم في ذلك شأن المصريين  الذين يشكلون أكبر دولة عربية على الإطلاق، ومؤلفة من العرب والأقباط. ومن حيث  الدين فإن الجالية التي بقيت في الكويت -بعد التشكيل الوطني المتأخر- تكاد  تخلو من غير المسلمين، فهم مسلمون شيعة وسنة. هناك عدد ضئيل جدا من غير  المسلمين الذين كانوا في أو أتوا إلى الكويت في مقتبل الازدهار وتوطنوا بها.  مجموعة الأعراف والتقاليد والنسك الكويتية تتميز عن غيرها بعض الشيء لتعطي  الكويت قواما متجانسا يمكن أن يشار إليه أو يناله التسمية الخاصة.

هذا التجمع الذي استقل عن أصوله وابتدع مقومات خاصة به، كان يعيش  تشكيل شعب منفصل وكان في أمس الحاجة إلى صهر الكيفيات والتطلعات الخاصة في  مرجل الأمة. أعني بذلك ترك كل التمايزات والأمجاد الشخصية والعائلية والقبلية  والتعويض عنها بالعناوين المشتركة الجديدة التي تنطبق على مفهوم "المواطن  الكويتي". كان ذلك في مقتبل القرن العشرين وكان أسلافنا متأخرين كثيرا عن  الحضارة المهيمنة، وبعيدين عن إدراك مغزى السيطرة البريطانية التي غيرت  تسميتها من الاستعمار إلى الحماية. هذه الحماية غزتهم عن طريق إخوانهم  المتسلطين عليهم والوارثين للإمارة التي تقبلها بل أوجدها جدودهم في القرن  الثامن عشر. نحن اليوم لا نعرف قوة الضغوط الاستعمارية ومخاطر الحياة  المستقلة آنذاك وما علينا إلا أن نعذر سلفنا الصالح حكومة وشعبا. لكن حكامنا  سابقا ولاحقا لم يمثلوا الإمبراطورية الملكية في الكويت وخاصة بالنسبة  لتعاملهم مع شعبهم. لعل بعض المستشارين كانوا يحاولون توجيه الحكام عن  طريق النصح والتخويف، دون أن يكون في ذلك أمر استعلائي لتعيين السياسة  الداخلية. إن نظرة عابرة إلى تصرفات الحكام تؤكد لنا استقلالهم النسبي في  مداولة الحكم بالداخل. بعض هؤلاء الزعماء كانوا يستغلون التمايزات العائلية  والدينية لتثبيت السلطة لأنفسهم، فيوقفون بذلك تفاعل الشعب مع نفسه. كان  المرحوم الشيخ احمد الجابر يتبع هذه السياسة التي عرفت بـ "فرق تسد" لطمأنة  نفسه على بقاء مطلق السلطة بيده محاربا كل من يدعو إلى المشاركة في الحكم  بأي شكل وبأي مقدار. ثم قام خلفه باتباع سياسة التجاوب مع المطالبات -إذا  كانت تمثل غالبية الطبقة المثقفة التي تخطط لمستقبل الوطن- فأتى بالمجلس  التأسيسي ثم البرلمان. هكذا عزز الأمير عبد الله السالم رحمه الله حكومته وثبتها لأسرته برضا الشعب الكويتي وحمايته. لكن الأمير الحالي لم يقف معالم  الأمير الراحل بل أتبع دلوه برشاء أبيه.

 

التصنيفات الاجتماعية:

الثقافات المستمدة من الأصول الثلاثة (الجزيرة العربية وإيران  والعراق) والاختلاف المذهبي (سنة وشيعة) والفروق الحضارية (البدوي والقروي  والمدني) وأسبقية الدخول إلى الكويت إضافة إلى الطبقية العائلية تمثل عناصر  التفرقة بين أهل الوطن الصغير الواحد. يتبعها تصنيف علمي يبدأ من الأمية  -بنسبة عالية مع الأسف- لغاية العلماء وأساتذة الجامعات.

أكثر هذه الفروق لا يمكن أن تقع مقياسا صحيحا للتقييم ومن ثمّ تقسيم  الفرص والامتيازات الحكومية المادية والمعنوية. لكنها حاصلة فعلا وعليه  نحللها وننظر إلى تبعاتها بإيجاز:-

1-  الأساس العائلي يقفل على الغير باب الظهور وبزوغ الشخصية وتفجر  العبقريات وبالتالي التقدم لصالح الوطن ويورث الكبرياء والخمول وعدم الشعور  بالحاجة إلى العمل والجد بالنسبة لأبناء وبنات العائلات المميّزة. هذا  التصنيف لا يعطي التفاضل العادل أمام القانون وخاصة عند اقتراف الجرائم،  لكنه يلجم الأفواه أمام المناصب الممنوحة ظلما ويبرر تفاضل الرزق والدخل  لديهم.

2-  المذهب ليس إلا انحدارا عائليا اقتضته الفتن الناجمة عن غياب  الأنبياء والمعينين من السماء من على صهوة الاقتدار أو من الوجود الفعلي كما هو حالنا نحن اليوم، فهو في حد ذاته لا يمكن أن يترجم منطق الحق والعدل إذ  لا اختيار للأكثرية في انتخابه. العامة من الناس بمن فيهم غالبية رواد العلم  وجدوا آباءهم على أمة واهتدوا على آثارهم، فهو انطباق عائلي أكثر من انطباق  إرادي يكتسبه الفرد بالجد والجهد ليستحق عليه المكافأة ولا يمكن أن يحمل  عبئا من أعباء الوطن.

3-  ليس لنا الحق في توارث الوطن فهو أرض الله جعلها لعباده وإلا فالكويت ملك لأحفاد أول من دخلها! لكن الأعراف وحفظ الأمن يقتضي تقنين التوطن  لئلا ينهار المجتمع المتماسك، فإذا عاش أحد بيننا فترة طويلة أو ولد في  الكويت ودرس فيها وتطبع بطباع أهلها فهو كويتي. الكويتي ليس له بلد آخر  ينتمي إليه ليحتضنه في الضراء وحين البأس، ولذلك فهو يحمل كافة صفات  المواطن وله الحق في التمتع بكافة الصلاحيات. تصنيف هؤلاء المواطنين حسب  أسبقية دخولهم أو دخول آبائهم الكويت تمزيق لحقوق الإنسان وتجاوز سافر للأمن  العام العالمي. وجود أناس لا يشعرون بالولاء الكامل لوطن في الأرض يتبعها  شعور قطعي بالضياع يهز الاستقرار ويستوجب التوسل بالقوة لصون الأمن. العالم  اليوم تواق إلى الهدوء وعلى استعداد لدفع ثمن الطمأنينة الناتجة بالمال  وسوف تحارب من يعرّض راحته للخطر. لكل ذلك وحتى لا نحشر مع القوم الظالمين  يجب علينا نبذ هذا التصنيف المشين وترك أسباب التفرقة بين أهل البلد  الواحد. دخول الكويت لا يعني كسب الفضيلة وليست الكويت مميزة عن غيرها من  حيث العطاء العلمي والتجريبي للمنتمي إليها. الإنسان بعلمه وعمله لا بالانتساب إلى الأرض. على هذا الأساس نرفض التمييز من حيث مصدر الهجرة أيضا، فالعبرة  بشخصية كل فرد بغض النظر عن متى ومن أين أتى. الثقافات التي يأتي بها  الإنسان المهاجر إن لم تتحول إلى الثقافة الكويتية، بقي المهاجر أجنبيا عن  الكويت مهما عاش وأنجب فيها.

4-  التصنيف من حيث مكان السكن داخل الأرض (البر أو القرية أو  المدينة) فهو في ماهيته ليس عاملا للتقييم لكن التبعات المعروفة من حيث الخبرة العلمية والاجتماعية هي التي تقيم الفرد، فإذا سكن عالم بادية الكويت  كان من حيث القيمة الاجتماعية مساويا تماما لأخيه من أهل الحاضرة. بذل المال  الوافر -مثلا- لمن لا يعرف قيمته يضره ويضر مجتمعه ومنعه عمن يعرف قدره ظلم  وإجحاف، وكذلك الميزات الأخرى. إذا انعدم العلم لدى البدويين وأقمنا بينهم  الجامعات العلمية لنسوي بينهم وبين أهل الحاضرة فهو مثار للضحك وإذا حرمناه  منهم فهو ظلم آخر. هكذا نعرف أن التصنيف العلمي هو التصنيف الصحيح وأن أعظم  حقوق المواطنين على حكومتهم هو تعليمهم وتثقيفهم.

5-  التصنيف من حيث الدرجات العلمية هو المقياس الصحيح للتفاضل بين أهل البلد الواحد. فالعالم والخبير قد قضى شطرا كبيرا من حياته في التفكير  والسعي لكشف الكنوز العلمية وبالمقابل فهو الذي يقدر أن يعطي الأكثر والأفضل  لوطنه. لهذا جاز له أن يأخذ النصيب الأوفر من خيرات البلد، تشجيعا له على  البقاء بين أهله ورفض الخدمة لأوطان الآخرين، كما يحق له العيش الأفضل إكراما لعلمه وحتى نبعد عنه العناء والعنت ونمكنه من التفرغ لتقديم الخدمات  العلمية والفكرية التي يعجز عنها غيره إلى الوطن الحبيب.

 

مداولة حقائقنا الاجتماعية:

أولا - مجتمعنا صغير من حيث العدد، والتكثير العددي عن طريق التزاوج  والإنجاب غير المنظم لا يتناسب مع المتطلبات والإمكانات العصرية في القرن  العشرين. الاتكال على هذه الطريقة سوف يربك الحياة المستقبلية في الكويت حيث  يزداد عدة أهل البادية على المثقفين من الحضريين وتضطرب البرلمان حيث  يتأرجح فيها الطابع البدوي قبل أن يتمكن علماء الكويت من نشر الثقافة  والعلم بين أبنائنا وبناتنا من البدو. يجب علينا أن نعتني بكل حرص لتثقيف  مجتمعنا بكل طبقاته وأصنافه حتى نسد ثغرة الضعف  العددي. واجب كل مثقف أن  يتحمل الأذى في سبيل نشر العلم بين بني وطنه وبناته. أيها المثقفون، فتيات  وفتيانا: ثبوا وانهضوا لتحرير وطننا من الجهل واقصدوا كل بقعة في الكويت  لتنيروها بالعلم والثقافة الخالصة وتنجوا أولاد الوطن من الضلال لتخلقوا منهم  أشبال الدفاع وأبطال الذب عن حريم الكويت. لا تقولوا بدوي وحضري فكلكم  كويتيون كرماء أنجبتكم وأرضعتكم هذه الأرض الطيبة السخية. هبوا من نومتكم  وانتشروا للتبرع بدم الوعي العلمي ومحو الأمية والجهل من مستقر الأذهان  الكويتية فهم أحوج إليه من الدم، والله في عونكم إذا قصدتم رضاه، وأعنتم  إخوانكم في طاعته واتباع شريعته.

ثانيا- حكومتنا تغتنم السلطة والمال لتوجيه المجتمع إلى الولاء  للسلطة وللذات الأميرية وأحيانا للأسرة الحاكمة، حتى تصون انفرادها في السلطة  ضاربة عرض الحائط كل الضرورات الاجتماعية التي يفرضها موقعنا الجغرافي  وتعوزها مقوماتنا المضطربة، وتطلي توجيهها الظالم بصبغة الأسرة الواحدة  المتماسكة تحت ظل الأب الأمير. مجتمعنا الطيب يغمره الشعور بوجوب التماسك،  لكن الغراء التي تفرزها شهوة السلطة لدى بعض إخواننا الحاكمين لا يتأتى لها  أن تلحم عظام الكويت وتلم نثارها. انهم لا يملكون المعاني حتى يفيضوا علينا  منها، كل ما بيدهم من مال اليوم أقل مما كان في حيازتهم قبل الغزو ولكنه لم  يقو على دفع كيد الأعادي عنا. نحن ندعوهم بالتخلي عن أنانيتهم وتصفية قلوبهم  من نفثات الشياطين ومشاركة شعبهم معهم في حماية الوطن وحماية أهله وأمواله،  قبل أن تحيط بهم سيئاتهم فتحرقهم وتحرقنا معهم.

إن الذي يحمينا هو الله لا الأمير المحتاج إلى الله مثلنا. الذين خفت  آثامهم، ثقلت موازينهم عند الله واستجيبت دعواتهم فاتقوا الله قبل أن ترتفع  الأيدي لتشكوكم  عند الخالق العظيم. اتركوا الشعب يأخذ طريقه الصحيح إلى الديمقراطية والى تحكيم العقل والعلم وشاركوهم في سلك نفس الطريق كي تبقوا  ونبقى ولا يغنمنا الظالمون في الأرض. أليس الولاء لله والوطن خير من الولاء  للفرد المحتاج إلى الله والوطن؟

ثالثا- معظم الشعب الكويتي تفزر عن البلاد المجاورة يوم كانت الكويت  أرضا جدباء، يخشن مسها وتندر عناصر الحياة فيها. إذن لم تكن هجرتهم بحثا عن  النعيم بل استهدفوا -على ما أظن- تجنب الضياع في خضم المجتمعات المواجة  بأنفاس الخلائق، إن صح ظني فهم كانوا يستشعرون لمعان الفردية وشخوص الوجود  في البلدة الصغيرة ليبنوا المستقبل ويربوا النتاج بعيدا عن جبر الحكومات  المركزية القوية في مواطنهم الأصلية. لقد انبرى أكثرهم من نخبة الأباة  ومشتاقي السيادة والعزة. هذا المجتمع المتآلف الصغير أصيب بتقلبات اجتماعية  مروعة وهو في طور تكوينه وتشكله. فالحروب المتتابعة في المنطقة والمنازعات  السلطوية داخل الكويت والحربان العالميتان وتشكل المملكة العربية السعودية وضم عربستان نهائيا إلى إيران والاضطرابات الدموية المفجعة بالعراق وو..،  أعقبت تنقلات واسعة بين سكان هذه الدول، تتخللها بعض الهجرات المتخبطة، مما  أصابت الكويت بآثار اجتماعية غير مستساغة بين دفتي العشيرة الكويتية  المتنامية.

رابعا- قبل الحرب العالمية الثانية ارتفعت أصوات الدعاة إلى مجلس  الشورى ساعية إلى فرض الإرادة الشعبية على السلطة وكان مما ينادون به إقفال  باب الهجرة إلى الكويت وإخراج الذين لم يتمكنوا من التطبع بالأخلاق الكويتية  صونا للمجتمع الذي مخض سقاءه طويلا لتصنيف ما درت به ضرع الوطن دون أن تسمح  الحوادث الخائرة بفصل الزبد عنه، فتصدى لهم المرحوم أحمد الجابر مستعينا  بالبسطاء من الشيعة بعد أن خدعهم بتفسير الإرادة الخيرة لطالبي الشورى إلى  نية مبيتة لإخراج الشيعة من الكويت. وقع المكر عليهم وتجندوا لضرب إخوانهم  وهاج الطوفان ومسحت دعوة النور وشق المجتمع طائفيا لينعم الحاكم بالسيادة  المطلقة عليهم جميعا. عانى المجتمع الخائر آنذاك فترة طويلة من التفكك  والانهيار ومني بالزعازع والاضطرابات النفسية والمعنوية.

خامسا- الانفتاح الاقتصادي وإقبال الخير على مجتمعنا أيام الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح غب عمر قصّره السغاب وأحاط به النكبات  من كل جانب أغرى الجيل الجديد الذي فتح عينه في عهد النور والخير فلم يتهيأ  للملمات ولم يشعر آلام البشرية. ذلك العهد الذهبي طال مدة متّعنا فيها لكنه  ولّى بعد أن سقط القائد المحبوب في قاعة الشعب وهو يصف إنجازات السنة الماضية ويتعهد بمزيد من العطاء في السنة المقبلة إلا الأجل... هكذا مرت أيام  النعم وأثبتت أنها لا تدوم لكننا قلما اجتهدنا فيها واستفدنا من ورف ظلالها  الباردة العطرة. قلة ثقافتنا أنستنا أنفسنا ولم نجدّ في إعانة الحاكم  المثالي على تقوية البنية الاجتماعية وتروية جذور التماسك والتلاحم الاجتماعي،  فرصة أقبلت وضيعناها.

سادسا- كلكم ترون ما نحن فيه اليوم من الشطط والقسوة. برلمان معطل  ومجلس أمة مبتور  وخطب لتثبيت الاستبداد باسم الديمقراطية وكلها شقاشق الهياج بدت وتولّت وأعقبت إدارة استشارية أميرية تدعى عفوا "المجلس  الوطني". ثم الغزو فعودة الكويت محمية غير بريطانية! رحم الله عبد الله  السالم ساد ثم باد وأضحت قطوفه ذكريات وأحاديث. هذه الزلازل السياسية رجرجت  بوم الكويت في سورة العواصف المدمرة فكسرت ألواحه وخرقته وكسرت الدقل فسقط  الشراع، كلما فعله الربان أن سقى الركاب بالمدامة بعد أن أدمنهم عليها  واستمر يمسح عقولهم بها تباعا حتى لا يسكن عنهم السكر واكتفى بذلك! طبعا  هكذا يتراءى لهم، لكن شعبنا العظيم سوف يسلك سبيله إلى العلا رادا المكايد  إلى ناسجيها ونأمل أن يعود الحاكمون الذين هم من معدننا إلى منبتهم الطيب  فيتركوا حبائل الشيطان ويخرجوا من شراك الشرك والإثم ليتمسكوا بحبل الله مع  بقية المواطنين ويصونوا مصالح الوطن بدلا عن إرضاء أنانيتهم ونيل شهواتهم.

 

مقترحات إيجابية:

1-        نسعى لدفع الأمراض الاجتماعية مثل الأمية والجهل تمهيدا لإصلاح المجتمع وذلك بأن نتوسع في تعليم الغير دون ملاحظة ارتباطه بنا. إن أبناءنا  سوف لا يهنئون في مجتمع يسوده الجهل والضلال.

2-        حالة الخوف والرجاء بجوار الضمان الاجتماعي يحفز الناس على العمل ويحثهم على الجلد وتحمل الصعاب في سبيل التقدم. الناس اليوم في حالة  غير مستقرة ولذلك فهم يميلون نحو الملذات التي أبيحت لهم ومكّنوا منها إلى  حدّ ما. الأفضل أن يطلق الناس (وخاصة الشباب) بعد تعليمهم نحو التجارة  والصناعة الخاصة بمساعدة الحكومة وتمكين البنوك. ويرفع السيطرة الإدارية  للدولة على كل ما يمكن نزعه من القطاع العام.

3-        التفرقة في مجتمعنا الصغير يبدده ويقطع دابره ويجب تجاوزها عن طريق بث الوعي السياسي بسرعة بين قطاعات الشعب. كل ذي علم بمن فيهم رجال  الدين والفنانون مدعوون للقيام بهذه المهمة الاجتماعية بنصائحهم وإرشاداتهم  ومسرحياتهم وأناشيدهم وشعرهم وأفلامهم و لوحاتهم وبقية فيوضهم العلمية  والفنية.

4-        تحقيق المساواة وتوجيه الناس للشعور بها بحيث لا يقضي على كامل شعور الأفراد بفرديتهم، فإن ذلك يقلل من أهمية السمعة العائلية غير المتوفرة  للجميع.السمعة العائلية عامل قوي يمكن استغلاله للنهي عن المنكر وتطبيع  الناس على عمل الخير.

5-        العامل الديني يعم التقوى ويقلل من الإجرام ويشجع المنافسة الخيرة إذا احسن الاستفادة منه وذلك بتغيير سيرة العظات المتطبعة بطابع الأمر الاستعلائي إلى نشر البحث الديني مع بقية المذاهب والأديان ومحاربة العصبيات  التي تخدم مصالح بعض السياسيين والمرتزقين من الدين. إن تجاهل الشيعة يكمن  أكبر المخاطر على الفريقين. ذروا أطفالنا يتشيعوا أو يتسننوا كما يرغبون ولا  تفرطوا في مجتمعهم الذي ينقصه التآلف. يجب إشاعة الصلاح بين المجتمع وجذب  الناس نحوه إرضاء للناظر إليهم كما هو الحال في خاصية اصطباغ خليجنا  بالصبغة الإسلامية طيلة شهر رمضان، حيث الفرد يشعر بالخجل أن لا يصوم في  مجتمعه وعشيرته وأهله.الكثير من الفساق يصومون (والحمد لله) في شهر الله.  لو شعر الفرد بأنه يجلب رضا المحيطين به تشوق لتطبيق نفسه معهم. خير  لمثقفينا أن  يشدوا في تطبيق القيم الخلقية العليا واتباع الخلق الإسلامي في  حياتهم اليومية.الحرية وكرامة الإنسان وسمو شأنه وكذلك  تطبيق قوانين المرور  والآداب العامة والامتناع عن الجريمة والخلال السيئة، سمات تورث الإحساس  بالعزة والرقي. لو شعر شعبنا برفعة قيمه وسمو شأنها، لكسب المناعة الكافية  لعدم التأثير بسلبيات الشعوب الأخرى لاسيما الذين هم أكثر منا حضارة وتقدما.  بالطبع لا أدعو إلى التحجر والجزمية، فالعاقل ينظر إلى أعمال الآخرين وينتخب  زينها دون شينها، لكن الضعيف الجاهل يقلد الآخرين ويتطبع على ما هان جذبه  والإتيان به. ترى الفساد الخلقي واستسهال الموبقات تتفشى في كثير من  المسلمين الزائرين للغرب، لكن طموحاتهم العلمية لا تنتقل إلى هذه الشعوب.

6-        خير لأوقات الفراغ أن تملأ بالتثقيف العلمي والخلقي بدلا من المبالغة في الملذات وكسب الكؤوس الفارغة التي لا تبني مستقبلنا ولا تحمي  بلادنا الواقعة موقع الأطماع الدولية الخطيرة. نحن بحاجة كبيرة إلى التروض وكسب القوة البدنية مع القوة العقلية. أليس من المستحسن أن نشجع شبابنا  للتمرين على الأسلحة عوضا عن الكرة المنفوخة؟

7-        الزواج مشاركة في الهموم والأموال والنشاط الجنسي وهو بالنسبة  للأزواج الذين يتحملون المسؤولية المالية لوحدهم مخاطرة كبرى وخاصة في غياب الضمان الاجتماعي الشامل في بلادنا. نحن لا نرضى بوجود العوانس ولا نسعى  لتوحيد الزوجات ولكن الجشع الذي نراه في بعض إخواننا البدو ليس جديرا  بالشخصية البدوية المتطبعة بطابع الكرم والإباء. ماذا لو أصابنا الفقر وساءت  أحوالنا، ثم من يتحمل مسؤولية تعليم العدد غير المنظم من الأولاد، ثم ماذا لو  توفى الزوج أو ابتلي بعاهة مزمنة غير مفارقة، ثم ماذا لو لم يتمكن من اتباع  العدالة الواجبة بين الزوجات التي طالما تجاوزن الثلاثة؟ كيف يحلو لكم أن  تعيشوا حياة المدينة وتستضيفوا السواق والخدم العزاب في بيوتكم وأنتم تحيون  مع الأزواج المتعددة؟ أليس ذلك ظلما صارخا بحق الذين يعيشون معكم وهم لا  يقوون على إعالة زوجة واحدة، علاوة على ما يمكن أن يصيب كرامتكم من سوء لا سمح  الله؟ إن من واجب الحكومة الديمقراطية أن تعرض النتائج الإحصائية على الأمة  وتقدم النصح والعون لتنظيم الأسرة والتقنين المالي للزواج وقاية للأمراض الاجتماعية التي تنتظر المجتمع المتفكك والبدائي.

 

واجبنا نحو مجتمعنا:

ليس موضع جدل أن القوة تكمن في التشكيلات الجماعية، مذهبية  ودينية، قبلية وقومية، وطنية واتحادية، وأن لكل إنسان في شخصه حوافز معنوية  يمكن إثارتها لتحثه على الإقدام والمضي. ولعل واضحا أن تحريك هذه الحوافز  يتسبب في انصراف الشخص عن سيره العادي واليومي وتحمسه وراء الدوافع  المتأججة إلى أبعد الحدود. وبما أن الدوافع متنوعة ومتعددة في خلد الإنسان  فإن وضع سياسة اجتماعية مخلصة يبدو ضرورية جدا لتنسيق الهياج الشعبي وتصحيح  أهدافه ومساراته بما فيه صالح الوطن والمواطنين. هذه العملية تبدو أكثر  وجوبا إذا لاحظنا نسب التعقل بين عامة الناس وتكاسل غالبية الأذكياء عن بذل  الجهد بل تحمل الأذى لتثقيف موارد الوطن البشرية وتشغيل عقولهم وتنوير  أذهانهم وخلق ثروة فكرية وعلمية من مجتمعهم البدائي الخامل. الكف عن توجيه  العامة من الناس نحو الكمال والمجد يخلي المسالك أمام الاستغلاليين من سارقي  النعم عندنا لإبداع المكر والتسفيه والتضليل صونا لإمبراطورياتهم المرفوعة  على كواهل شعبنا المعطاء صاحب القلب الحنون واليد السمحاء. شعبنا الطيب  الذي سكت عن إقفال مجلس الأمة أكثر من مرة ولم يهتز لدفع المكايد عن نفسه  بل ولم يعارض عودة الضعفاء الخاسرين على أرائك النفوذ والسلطان، لا يملك  شروى نقير من التجربة الاجتماعية ويضل طريق الحسم والعزم.

إنني أدعو كل المثقفين والمتعلمين أن يتأهبوا لأداء واجبهم الوطني  والقومي تجاه الأمة من الآن وعدم انتظار البرلمان الشعبي لوضع السياسة  الاجتماعية وتذليل الصعاب في طريق تنفيذها. الصبغة العالمية للحكم المثالي  تكفينا لإشعار أنفسنا بأننا متفقون في كثير من المسائل العامة وبأن كل واحد  منا يمكنه اختيار ما يراه من الأعمال الشعبية التي تنشر الجد والصلاح بين  مواطنينا الكرماء. لو أنّ أسلافنا انتظروا تعبيد الطرق قبل استيراد السيارات  لما تحضرت بلادنا ولكنا غائصين في خضم الغوايات وباقين على العتمة ليلا وحر  الشمس نهارا.