كلمة مع أمريكا و الدول المتقدمة الغربية

إنني شخصيا وأناس مثلي يؤيدون الديمقراطية ويعتقدون بقدرتها على  خلق التعادل والتوازن وتوجيه وتصويب الأرجحيات المعقولة والمقبولة لكن  الكثير من الطيبين من أبناء أوطاننا -كبيرا وصغيرا- يحكمون على القانون  حكمهم على حاملي لوائه ودعاته. تماما، كما أنكم تحكمون على الإسلام العظيم  حكمكم على الذين يدعون الإسلام ويتظاهرون بالإذعان لأحكامه العبادية ويلبسون  جلابيب التدين. وعليه فإن تصرفاتكم وقراراتكم ومواقفكم -باعتباركم من بناة  الديمقراطية- تؤثر في عقائد وأفكار الآخرين بالنسبة لذلك النظام المنطقي  والمعقول. هناك من يظن أن الديمقراطية دعامة قانونية يستفيد منها الأقوياء  لتشريع ظلمهم واعتدائهم على الضعفاء فترى وتسمع أتباع الديكتاتورية  المذهبية -مثلا- يلعنون الديمقراطية وينالون من البرلمان الشعبي باسم  الحماية للدين ومقاومة الاستكبار وفي المقابل يكسبون الولاء والتأييد الشعبي،  وهم في الواقع يدافعون عن أرصدتهم الخيالية في البنوك والمصارف الدولية وعن  حصصهم الكبيرة من أسهم الشركات -متعددة الجنسيات- ويتظاهرون بحماية الفقراء  وتأييد الدين ليخمدوا به بريق الحق وليطفئوا به نور الحرية والمساواة.

فمن أجل التبشير بمعتقدكم السياسي أدعوكم للتعاون مع النداءات  الخيّرة في منطقتنا والداعية لإرساء الأسس الديمقراطية مبتدئين بالشورى  والبرلمان، كيما نقترب من المجتمع السائد على نفسه والمخطط لمستقبله  والمقرر لمصيره والمحب للسلام والوئام والسائر جنبا إلى جنب مع شعوبكم  المتقدمة المتآنسة والكارهة للحروب والمظالم.

طبيعي أن مصالحكم سوف تتأثر جزئيا إذا جاهدتم في سبيل قمع التجاوز  ومحو الجهل، لكنكم بتعاونكم مع محبي السلام في أوطاننا سوف تضمنون الصداقة  الأبدية مع شعوبنا. ولكم في تبعات الثورة الإسلامية في إيران مثل أعلى لوقف  مساندة الديكتاتورية إذا ما أراد شعب أن يسلك طريق الخلاص. حيث أن تأييدكم  للملك الفارسي طيلة سني المقاومة الشعبية والتي ساهمت في إطالة مدى الحكم  الشاهنشاهي، قد زرعت البغضاء في نفوس المعارضين حتى اعتبروكم العدو الأول  أو الوحيد لهم، في حين أنكم لا تعادونهم -كما أظن-. إن المستقبل لمن يصادق  أصحاب الحق وأصحاب القدرة والسيادة الحقيقية في بلادنا وهم شعبنا بأسره لا  بجزئه وان الديمقراطية حركة طبيعية يفرضها تطور الحياة على بلادنا وعلى بقية  أرجاء العالم.

يعيش بيننا أناس يتوقون للسلام ويتقنون التقييم الصحيح لمجتمعاتنا  لأنهم من العامة، ويحيون حياتهم وقد عانوا البأساء والضراء وتذوقوا مرارة  الضيم. هؤلاء مخلصون لوطنهم ولأمتهم ويمكن التعامل معهم على أساس المصالح  المشتركة لا على حساب الوطن وأبناء الوطن. التعامل معهم أوثق وأبقى وأقل  خطرا وأكثر قبولا لدى الشعب وأقرب للحق وللتشريعات الديمقراطية وأدوم  اعتبارا واستنادا لتنظيم مخططاتكم وبرامجكم الإصلاحية. أما إذا كنتم تفكرون  في الأذلين حالة والمنحنين قامة لأنهم أطوع للأوامر وأسهل عند التفاوض؛ فأنا  أرجو منكم النظر هنيأة إلى الأمير الأب والأمير الابن. كان الأب يتناول أمر  اللورد ريدن نائب جورج الخامس بيد الطاعة والإخلاص ويقتات من النفط، لكن  الأمير الابن يخاطب الملكة اليزابيث بالصديقة ويتحدى الغرب على عوائد النفط.  هذا الفارق نتيجة حتمية للتطور الثقافي عند الشعب الكويتي المهيمن بصورة  تلقائية على السياسة العليا وساستها ولكن بطريقة غير مباشرة؛ وسوف يباشر  الشعب إدارة سياسته يوما ما لأنه هو المالك الحقيقي لكل ما يتعامل عليه بعض  أبنائه الذين يشكّلون البنية السياسية للكويت. لقد مرّ على بلادكم العظيمة  نفس التدرج وسوف تزداد سرعة التطوير بعد التحرير الذي أبديتم فيه موقفا  مشرفا وإنسانيا. لذلك فإن الأولى بكم جميعا أن توجهوا الآذان للشعب الكويتي  العازم على مواصلة السير للتحرر من الاستبداد والديكتاتورية، ولإعادة الأسرة  الحاكمة إلى الأسرة الكويتية الكبيرة، فهم أبناء الكويت المخلصون ونحن نعتز  بهم ونحبهم ولا نريد إلا خيرهم وكرامتهم. سوف نحرر الطامعين منهم -بإذن الله-  من كل الأفكار البائدة العالقة بأذهانهم من "أيام زمان".

إنكم أبلغ علما منا بعدم استدامة القوة القهرية وإرغام الأنوف وكسر  الخياشيم ولا تفكرون -كما يبدو- في البقاء بمنطقتنا وإرساء القواعد العسكرية  الغربية في بلادنا بصورة دائمة. إن ذلك سوف يكلفكم عناء كبيرا وسوف يحملكم  مصاريف باهظة ولا تضمنون بقاءها أبدا. أنتم لا تملكون نزوات فتيانكم وفتياتكم  وهم يحملون عادات وتقاليد لا تناسب منطقة الخليج بتا وقطعا. أنا شخصيا أشعر  بلزوم إبقاء الصداقة الأمريكية الكويتية والغربية الكويتية إذ بها تتنفعون  من مواردنا الطبيعية ونتنفع من مواردكم العلمية ونتبادل معكم استراتيجيتنا  الجغرافية والقومية والدينية وقدرتكم المتفوقة على الحماية والقتال المبرمج  والمضمون لما فيه خير شعوبنا و شعوب العالم. سوف يأخذ الشعب الكويتي العبرة  من مأساته الممزوجة بدماء خيرة أبنائه وبناته، فلا يستغل ثرواته ولا يحتكرها  لتوسيع النعماء ومنافسة الأمم، بل يستخدمها لخير البشرية ولخدمة الأمن  العالمي. سوف يكون للأمم المتحدة دور أكبر من ذي قبل لتوجيه سياستنا  الاقتصادية ولتنظيم علاقاتنا الدولية، وسيحتل مجلس الأمن الدولي وأصدقاؤنا  المتحالفون مقام المشورة الجادّة والأولية في استثماراتنا الدولية  وارتباطاتنا التجارية والصناعية مع الغير.

أدعوكم -بكل إخلاص- أن تساندوا كل حركة علمية و ثقافية في منطقتنا  وتزودونا بخبراتكم وإمكاناتكم الإيضاحية وبرامجكم المجربة الناجحة لنشر  العلم والتوعية الثقافية والسياسية في بلادنا حتى نجتاز مرحلة قلة الوعي  بسرعة. أمتنا -كما تعلمون- ليست بمعزل عن الرأي المستنير، لكنها بحاجة إلى  المزيد من تصحيح المفاهيم حتى تتمكن من التفسير الصحيح لما تسمعه وتراه،  وحتى لا تقع في المهاوي والمتاهات اثر قلة العلم.

إنكم تشعرون بأخطار البطالة في منطقتنا النامية ولذلك فإني أذكركم  بأن الشعور الإنساني والواجب الديمقراطي يفرضان عليكم مساعدتنا في مكافحة  البطالة والشغب والتخدير والاستهتار في وطننا وأمتنا. إن تمسككم الشديد  بالله وبالمسيحية يوجب عليكم التعاون معنا لبث روح الإيمان والاعتقاد بالله  بالطريقة التي سار عليها أجدادنا لنتجنب الفوضى واللامبالاة في وطننا العزيز،  ولتكون كويتنا غرسة خير وبشارة سلام لمحتضن النفط المحيط بالخليج، وليعود  الثبات والدعة إلى هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة.

أما عن صدام، فأرجو ألا أكون ظالما إذا قلت: إن حكومة الرئيس ريغان  قد قوت سواعد صدام في العراق، وكان يمكنها تجنب تقوية صدام لإيقاف الحرب  العراقية الإيرانية واللجوء إلى التهديد الأمريكي المباشر كما حصل فعلا في  النهاية وتوقفت معه الحرب ولكن بعد أن تقوى صدام سلاحا وعتادا وفهما عسكريا.  لذلك فإن من حقنا أن نتوقع منكم مزيدا من التعاون لحل مشاكل منطقتنا التي  أثارها وخلقها صدام حسين وزمرة البعث -مع الأسف- بهدوء وحكمة وعلى رأس كل  مسائلنا و قضايانا الوطنية قضية الأسرى الكويتيين. لازال الشعب الكويتي يعتقد  بأنكم -بما أوتيتم من قوة- قادرون على إطلاق سراحهم، لكنهم أصبحوا كبش فداء  لمطامحكم السياسية الأخرى. لعلكم معذورون ولكننا معذورون أيضا. شعبنا الذي  رأى وحشية حكام العراق، لا يمكن له أن يهنأ وأبناؤه وبناته يعيشون الذل  والمهانة بين الأعداء. هم يرون الموت في كل يوم بل وكل ساعة. العراقيون  يتفننون في التعذيب ويبتهجون به.

يتساءل شعبنا: أمريكا والغرب أكثر عداء لصدام الذي خانهم وكفر  بمعروفهم له في تخليصه من الحرب المستطير مع إيران، لكن صدام لم يتمكن من  الاحتفاظ بالأسرى الغربيين لديه لمدة طويلة. المستشارون والسياسيون الغربيون  لم يوقفوا السفر إلى العراق بغية القضاء على القوة العراقية، وهم في متناول  صدام. كيف لا يجرؤ المجرم على التعدي على أبنائكم الذين يدمرون إمكانات  البعثيين؟ انه يعيد كل أسرانا إذا عاملتمونا معاملة الشعوب المتقدمة. صدام  لا يخاف إلا منكم، لكنكم لستم جادّين في استرجاع أسرانا المظلومين. لكي نحافظ  على الصداقة الغربية الكويتية القوية ولكي ينقشع الشعور بالخيبة من شعبنا،  نرجوكم الاهتمام بإعادة أسرانا إلى وطنهم.

أما قضيتنا القومية الكبرى فهي فلسطين. أتمنى أن تتقوى لديكم فكرة  حل المسألة الفلسطينية لإعادة الطمأنينة و الأمان إلى الشرق الأوسط. آخذين  بعين الاعتبار أن مجرد علمانية الدولة الإسرائيلية الغاصبة لا تكفي للاعتماد  عليها كشرطي متوسط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. إن إسرائيل علاوة  على اغتصابها الظالم لأراضى وأموال الفلسطينيين والسوريين والأردنيين فقد  استمرت في صب الأحقاد اليهودية على المسلمين والمسيحيين في المنطقة وخصت  العرب بمزيد من العداء والاعتداء فخلقت في قلوبنا النفور والاشمئزاز منهم  وممن يحبهم، حتى امتزج الاستياء في دمائنا وخرق أصلاب رجالنا وأرحام نسائنا  فأورثناها أولادنا. سينتقل عداؤنا لليهود الصهاينة من نسل إلى نسل ولذلك  فإني أفتح أذني وعيني ساعة عن كل حقد وبغضاء لأقدم لكم نصحا سائغا كما قدمتم  لوطني معروفا لا أنساه ولا ينساه أي كويتي إلى الأبد، وهو أن عامة العرب  والمسلمين لا يمكنهم بأي شكل أن ينسوا الضغائن التي أورثتهم إياها بنو صهيون  بأعمالهم الشائنة والقاسية وبانتهاكهم لحرمات القدس والمسجد الأقصى. لذلك  فمن الأصلح أن يقيس الدول المتقدمة مصالحهم مع جميع العرب وأكثر المسلمين  ويقارنوها بمصالحهم مع إسرائيل ويأخذوا بالأرجح  قبل أن يواجهوا كلمة عربية  موحدة ضد كل من يهتم بإسرائيل.

لتكن مسألة تحرير الكويت نبراسا ينير الطريق لكل العلاقات العربية  الغربية في المستقبل. فالكويت قد ساعدت فقراء الشعوب العربية وساهمت في  القضايا العربية أكثر بكثير مما فعله العراق وهي في مأساتها -مع عدم نفاذ  المال وعدم الحاجة إلى الذراع العربي لتحرير الوطن المغصوب-  لم تتمكن من  إقناع العرب في مساعدتها إعلاميا ضد من يدعي جدلا وكذبا أنه سوف يحرر فلسطين.  الكل يعلم أنه هراء وادعاء باطل لكن الادعاء العراقي حلو في مسامع العرب  الكارهين لكل ما يسمى بإسرائيل.

إن من الحكمة بمكان أن تعيد الدول الغربية بدقة أكثر من ذي قبل  حسبتها في قضية الشرق الأوسط، معطية قيمة معقولة لشعوب المنطقة، غير مكتفية  بالحكومات المسيطرة فعلا. إننا نريد أن نعيش مع الغرب بسلام وتفاهم لكنّ  الإسرائيليين يضمّون كثيرا من مجرمي الحروب ويحتضنون كثيرا من قتلة العرب.

هذا ما جنته اليهود لأنفسهم، وعقلاؤنا يأسفون لهم. انهم بشر مثلنا  ولهم حق في هذه الأرض التي خلقها الله لنا ولهم. لقد طمعوا كثيرا ومن يطمع  في كل شيء يخسر كل شيء. حكايتهم اليوم، حكاية الذي بنى بيته وسط الجليد  معتمدا على ضخامة ما يملكه من الحطب. هذا الحطب سوف ينتهي إن لم تحرقه  لهيبها أو تخنقه دخانها. سوف يتجمد بيته وسط الثلوج وتنتهي أمانيه بالخيبة.  إنني كبشر أرى لزاما أن أنصح اليهود بإعادة النظر في تصرفاتهم العدائية مع  العرب. إن كانوا يقصدون ديننا فما زال عداؤهم يزداد وديننا يتقوى، وان كان  عداؤهم لعروبتنا فكثير من اليهود عاشوا مع العرب قرونا حتى صاروا منهم.لعل  هذا العداء خلق من تصرفات المتشددين من الطرفين والأكثر منهم -على ما أظن-.  ليس من الحكمة الاعتماد على السلاح إلى الأبد، فليتركوا الأسلحة ويحاولوا  تعلّم لغتنا ليقضوا على هذه الحرب التي طالت بيننا وبينهم. لقد استفادوا من  لغة الغرب فليستفيدوا من لغة العرب أيضا.من الخطأ أن يفصلوا مصيرهم عن  مصيرنا فكلنا يهتم بالأمجاد الموروثة وأسلافنا عاشوا في بلد واحد. أدعوهم إلى  الخوف من الله الذي لا ينسى المظلومين من عباده ويكسر في كل زمان شوكة جبار  جديد كما فصم أخيرا ظهر الاتحاد السوفييتي الظالم لشعبه ولشعوب الأرض.

الاستبداد والديكتاتورية مشرفة على الانهيار في منطقتنا وسوف تحل  الديمقراطية محلها ولا يستبعد أن تتفاهم شعوبنا مع حكوماتهم الفعلية حقنا  للدماء ولكن لا بديل للديمقراطية قطعا. أيها الغربيون: لقد رأيتم مغبة الحكم  الديكتاتوري ولمستم الأضرار التي لحقت بمصالحكم في ليبيا وإيران والسودان  والكويت وأنتم على علم بالأخطار التي تحدق بكم وبمصالحكم الخاصة ومصالحكم  المشتركة معنا في العالم نتيجة لعدم الدقة في الأخبار والتعهدات التي تصلكم  من بعض حكوماتنا الفردية والأسرية المهتمة بنفسها قبل وطنها وبأموالها  وايداعاتها الشخصية قبل المصالح المشتركة. هؤلاء الحكام بحاجة إلى مزيد من  الوعي ليشعروا بأنفسهم قبل أن يحموا شعوبهم فهم لا يعرفون القيم المعنوية إلا  قليلا ولا يدركون خطورة الأرصدة الفردية الكبيرة التي لا تفيدهم إلا بلالة ولا  يأكلون منها إلا حفافا. ] نسوا الله فأنساهم أنفسهم [.

هذه الأرصدة الشخصية الكبيرة دليل واضح على عدم تمسك حكوماتنا بالله  وعلى هزالهم الفكري وسوء تدبيرهم. نحن الذين نبحث عن السلام لا نفكر بغير  هدايتهم وإرشادهم وهذا يتطلب تقليص قدراتهم السياسية حتى يستعدوا للإذعان  للحقائق وتستعد أسماعهم للإنصات لدعوة الخير. أنتم تعلمون أن الديمقراطية  خير ضمان لمستقبلهم ومستقبلنا فأعينونا على تحقيقها في كويتنا وسوف نشكركم  عليها أكثر مما شكرناكم على تحرير وطننا من الأعادي لأننا نريد أن نشعر  بإنسانيتنا وندرك قيمتنا الحقيقية ونبتعد عن سوء التخمين والخطأ في  الحسابات والتقدير.