المخالفون مع إنزال القوات الأمريكية

ورثنا الأرض من الأقدمين الذين كانوا يعيشون فيها غاصبين أو مغتصبين  وأقوياء ظالمين أو ضعفاء مظلومين؛ فلا المظلوم يكافح كفاحا صحيحا ولا الظالم  يتخلى عن ظلمه. وكان الأنبياء في كل فترة يبعثون فيها، يتعرضون للظلم والجهل  ويدفعون البشرية خطوة إلى الأمام؛ حتى أقبل نبينا عليه وآله السلام وأنزل  الله كتابه الخالد الذي استمر في إحياء القلوب وتنوير العقول قرنا بعد قرن  دون تريث فكان أن وصلت البشرية إلى ما هي عليه اليوم من التحضر والتمدن  -وبالطبع هذا ادعاء يعيز الحضارة للقرآن وسوف أبادر بإثبات ادعائي في مكان  آخر إذا قدر لي ذلك. فأرجو من غير المسلمين ألاّ يخطئوني قبل ذلك-.

مع توالي الحضارات واتساع التمدن، وتخالط الأمم وتناقل الثقافات والحقائق العلمية والاجتماعية، تعمق وعي بعض الشعوب لتقف بكل قوة في وجه  الاستبداد وترفض بصلابة ومعرفة، أشكال الظلم مهما صبغت وطليت بمختلف ألوان  المخادعات والتحايلات. هذا التحول الفكري الذي واكب النمو الصناعي فرض على أصحاب السلطة أن ينظروا في أمورهم الشخصية ليعلموا أن القوة الحقيقية ليست بيد الحكام بل هي من صميم الشعب. فلا داعي للمصارعة على السلطة إذ لا مجال  للانفراد بها. هكذا وجدت الديمقراطية لتجلب معها السلطة الشعبية. وحينئذ عرف  الناس معنى التكاتف والوحدة مع الحفاظ على اصل القوة لديهم. هناك توصلوا  إلى إمكانية تشكيل اتحادات الدول دون خوف من تلك القوة القاهرة التي تتراكم  لدى أحد أفرادهم. فتشكلت المجموعات التي سميت بالدول الكبرى وكانت أكثرها  قدرة، أكثرها ديمقراطية وهي الولايات المتحدة الأمريكية. التشكيلة  الديمقراطية التي خدعت شعب ما سمّيت بالاتحاد السوفيتي تآكلت من الباطن  لتركم ترابا على الأرض.

هكذا انتقلت القوة السياسية إلى الذين يملكون القوة التقنية الرهيبة للبناء والتدمير وللدفاع والتعمير وقد كان الانطباق قبل زمن قصير على قوتين معروفتين تباريتا لأكثر من ثلاثين عاما وكانت الغلبة للأكثر تمسكا  بالشعب.

ولقد كانتا نسبيا وراء كل الحروب والتغييرات إذ أن المتغيرات  بيدهما. بالطبع، لا أريد إسناد الحروب والتغييرات  إليهما عامة لا بل انهما  بقدرتهما وقوتهما وإمكاناتهما كانتا تتدخلان في معظم الحوادث كليا أو جزئيا. فالحروب العربية الإسرائيلية طالما اشتعلت أو خمدت ودول المواجهة تحت حماية  الاتحاد السوفيتي -النظام المادي الرافض لله- وعدونا يتشبث بأذيال  الأمريكيين. والحرب العراقية الإيرانية كانت حربا بين العراقيين بالأسلحة  الروسية والإيرانيين بالأسلحة الأمريكية. وان كان الإيرانيون يعادون أمريكا فعلا  لكنهم لا سبيل لهم للتخلي عن المدمرات الأمريكية. وقد أرسلت أمريكا جسرا جويا  لحماية إسرائيل في حرب 1973 ولكن لا أمريكا بقيت في الدول التي تساعدها أو  تحميها ولا روسيا احتلت الدول التي تدافع عنها لأن شعوب هذه المناطق مستقلة  تحافظ على استقلالها وتستفيد من كل قوة لتحقيق أهدافها وغاياتها. هناك أصول  وشروط دولية معروفة للاستفادة من الدول الكبرى فكما أن إسرائيل ليست ربيبة  لأمريكا ولا اليهود الصهاينة يحبون المسيحيين الأمريكيين بل إن هناك المصالح والاستراتيجيات تفعل فعلها وتترك آثارها؛ فكذلك بقية دول وشعوب الأرض يتبادلون المصالح مع أقطاب القوة في الأرض.

ثم ماذا تريد أمريكا من الخليج حتى تبقى فيه وتفرض عليه سلطانها  فتنفق عليه وتتولى حضانة شعوبه التي تفقد الكثير من مظاهر التمدن الأمريكي  والغربي؟ وما الحاجة إلى إبقاء قوة باهظة التكاليف في الخليج ؟ هل امتدت  "وارسو" إلينا حتى تواجهها "ناتو"؟ وهل هناك دولة يصعب مقاومتها غير  العراق؟ وهذا العراق .. فنحن الكويتيون وإخواننا السعوديون والخليجيون  جميعا اتفقنا على إبقاء أمريكا بعد دعوتها حتى تزول دكنة البعث أو ينقشع  غبار الأسلحة العراقية ويزول خطرها وفيما عدا ذلك فإن أمريكا لا ترى ضرورة  لفرض الهيمنة العسكرية وكذلك نحن الخليجيون. أما اقتصاديا فإذا كانت  أمريكا تقوى على حفظ مصالحها والاحتفاظ بمبيعاتها في إيران بعد الثورة  الإسلامية المتنافرة معها، حتى أن نسبة مبيعات المنتجات الأمريكية على ما أظن  قد ارتفعت في إيران وذلك دون أن تشعر أمريكا بأية ضرورة لمساعدة الإيرانيين  مقابل هذه المشتريات الضخمة حسب الأعراف الدولية. فلماذا تتحمل وعثاء  المنطقة ودهناءها وتقلباتها الجوية والفكرية والاقتصادية وكل ما يضر أمريكا.  إن مصالحهم باعتبار قوتهم محفوظة على كل حال، فهم ماضون على ما يبدو إن  رجعت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخطيئة العراقية وإذا تمكنت دول المنطقة  من تحصيل الضمانات الكافية لعدم تكرار الغدر. وان بقوا فكما أتوا؛ ليس  مكرا أو اعتداء منهم بل من إخواننا العرب الذين تخاذلوا في مساعدتنا أو خذلونا فضلا عن العرب الذين غدروا بنا وغزونا مع الأسف الشديد.

وأما كيفية هيمنة القوى العظمى على العالم فبأنهم يتعاملون مع  الحاكمين؛ وأكثرهم برزوا من أعماق أوطانهم انتخابا أو تسلطا وراثيا أوعسكريا؛ ليس منهم من هو مخلوق أمريكي أو سوفيتي. كلهم أبناء أوطانهم وان  أكثر شعوبهم يقبلونهم ويساندونهم.  كل المظالم والأخطاء؛ هي إما عن جهل في  التعامل أو بسبب ترجيح الحاكمين لمصالحهم الشخصية على مصالحهم الوطنية.

انهم أنانيون يبحثون عن السلطة المطلقة والحل بيد الشعوب المثقفة البصيرة والمدبرة لأمورها. أدعو وادعوا معي أنفسنا إلى الاهتمام بالتثقف والتعلم.لنتعلم ونتثقف ولنتفكر ونترك الكسل والخمول ثم سنجني ثمار كفاحنا  وجهدنا.

] وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله [.] وان ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى [. *] اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد [.] *اطلبوا العلم ولو في الصين [. #] العلم يحرسك وأنت تحرس المال. [

إن الحضارة المتقدمة والمثمرة في التقدم في الكون كفيلة بأن تحط من  أنانية مدراء الغرب وأن تكبح جماحهم وتعلمهم العيش بهناء و سلام في ظل  السلام العالمي وفي ظل الشبع العالمي، ولذلك قلما يقدم الغربيون اليوم على  غارة أو إثارة فتنة فهم في غنى عن ذلك.

إن حياتهم مليئة بالبهجة والرفاهية، وحدودهم وثغورهم محكمة الوثاق،  وأوطانهم ترفل بالأمن والرخاء، والضمان الاجتماعي الموسع يكفل مستقبلهم  ومستقبل أولادهم. فالغربيون اليوم غير الغربيين قبل نصف قرن. إني أهيب  بشبابنا أن يتعلموا كيف يعاملوا ذوى القدرات الكبيرة، وبشيوخنا الأكارم ألاّ  يحاولوا فرض الحقائق البائدة وخلعها علينا فنحن مولودون لزمان غير زمانهم.

ألم تروا أمريكا وهي تتنعم بديمقراطية معدومة المثال في بلادنا،  فالقمة هناك تنتخب من قبل الشعب مرة كل أربعة أعوام، وليس من يقبع على  القمة، فهو لا محالة مفارقها بعد ثمان سنوات. أضف أن لهم البرلمان ومجلس  الشيوخ اللذين يراقبان الرئيس ويحصيان أنفاسه؛ إلى جانب الصحافة المتقدمة  الحرة والأبية. فيا ليتنا نعيش كما يعيشون حتى لا يقول شيوخنا فينا مسلمون  بلا إسلام كما تفوه به محققا ومحقا المرحوم الشيخ محمد عبده رحمه الله.

ثم لماذا يلتجئ الكويتيون والسعوديون إلى أمريكا؟ أليس لأنهم  ظلموا واعتدي عليهم ممن لا يقوون على رده؟ أمن العقل أن تنتظر السعودية  غزوها وتدميرها ثم تطلب الغوث من أمريكا ؟ ألا ليت الكويت طلبت من أمريكا  ومن أية دولة أخرى مساعدتها حينما حشد العراقيون بمقربة من الحدود؛ لما كنا  تعرضنا لغزو عربي سافر وظالم، ثم لا يتكاتف العرب لدعمنا حتى إعلاميا. أمن  العدل أن نظلم ونقبل الظلم ساكتين إرضاء لكم -أيها الأخوة العرب- أم العدل  أن تؤيدونا فكيف تريدون منا أن نعتمد عليكم وأنتم ترضون بفعال صدام  وتؤازرونه ؟ طبعا أنا لا أخاطب الكرماء الذين أعانونا وساعدونا بل أوجه  عتابي للذين خذلونا. حتى الذين أكرمونا بالمساعدة متى تمكنوا من إرسال  القوة لحمايتنا وهل كانت القوة المرسلة كافية لرد العدوان؟ كلا؛ لن ننسى  أننا كنا أصدقاء لأمريكا ثم محتمين بقوتهم الضاربة وكان العراق يستنزفنا  ويدمرنا ويهلكنا ويقطع أرحامنا وليس للأمريكيين حيلة على العراقيين .هل  استطعنا أن نطرد العراقيين من بلدنا مع مساعدة أمريكا -بلا قتال- حتى نتفكر  في إمكانية طردهم بدون المد الأمريكي ؟ هل العراق غزانا لأن الأمريكيين في  الخليج أم أن الأمريكيين دخلوا -بدعوتنا طبعا- لأن ديكتاتور العراق خرق  الأعماق الخليجية وفصم الوحدة العربية وسطا على المواثيق الدولية ؟!

أما الذين كانوا يتحدثون ببساطة عن احتمال استمرار أمريكا في الإقامة بين ظهرانينا حتى بعد رد العدوان العراقي، وأن بعضهم يؤكدون ذلك محتجين بانتهاء الدور الأمريكي في أوروبا واهتمام أمريكا بصيانة مصالحها  النفطية في الخليج، وبأن أمريكا عاجزة عن تحمل نفقات أساطيلها وقواعدها  المنتشرة خارج أمريكا، وغير ذلك من الاحتمالات؛ فإني أذكرهم بأن الدول  الاستعمارية كانت متسلطة على كل الدول العربية وأكثر الدول الإسلامية وكثير من  دول العالم الثالث مستعمرين أو حماة أو مالكين وقد أخرجوا أو خرجوا من جميعها تقريبا؛ وكل دولة أصرت على البقاء في أراضي الآخرين واجهت أقسى وأعنت نضال شعبي ضدها. أولئك الغربيون اليوم أكثر ميلا للهدوء وأشد خوفا من الدم  والحرب وأكمل اتزانا وثقافة وتعقلا. نحن المهددون اليوم -أبناء البواسل  الذين خاضوا الحروب ضد المستعمرين- ونحن الآن أكبر إحاطة بفنون المواجهة  وأشد ضراما في ميدان القتال وأعدل تصويبا للعدى، فلقد تطورنا وتعلمنا بعد أن تغربنا وعشنا البأساء والضراء. إني اذكّر الاخوة، أن التهديد والمواجهة  والإبادة قد أتتنا من العرب لا من الغربيين؛ فعلينا بأن نحذر ونعوذ بالله من  شرور أنفسنا، فالغربيون في غنى عن ذلك كان واضحا أنهم سيتركون بلادنا حينما نطلب منهم. انهم طيلة الغزو كانوا في ضيافتنا متمتعين بالكرم العربي والخليجي لكنهم كانوا يترصدون للخروج من بلادنا بأسرع وقت، إذ أن منطقتنا  وأخلاقنا وعاداتنا لا تلائمهم للإقامة والبقاء.

لا يمكن القول بأن الذين أذاعوا هذه المهابة ضدنا كانوا سذجا يجهلون كذب ادعاءاتهم؛ لكننا مع الأسف لازلنا نحتمي بالافتراءات والتهم لتخويف شعوبنا وفرض أنفسنا عليهم. إن شعوبنا خدعت بأنها تجهل صياغة المستقبل وفرقت بينها  وبين المتعلمين منها وأرهبت بالأعداء المختلقين لتقبل الواقع الديكتاتوري المبتلى به أوطاننا وأمتنا المغلوبة على أمرها.