سلبيات الجماعة الحاكمة

إن من الصعب على الإنسان أن يتحدث عن مثالب فرد فكيف بنا نستعرض  نقائص أسرة بادلناها الحب والود؛ لكننا في مضمار الإمارة والحكم لا يسعنا إلا  أن نغربل ونبلبل حتى نميز التيسور من الضامر والذلول من الصعب. هذا شأن كل  من يختار فاحصا واعيا وهذه الأسرة في معرض التصدي للرئاسة والحكم، ونحن لا  نريد النيل منهم فلا نحملهم أوزار الشواذ من الأسرة ولكن في صدد تحدثنا عن  السلبيات المنطقية المشهودة لدى كل من في شأنهم، سوف نتطرق إلى بعض  النماذج الحية من تصرفاتهم الدالة على انغماس الذين يحكموننا منهم  في  هاوية حب الجاه محاولين -بما سنعقب تحليلنا من نصح ومشورة صادقة- أن نعينهم  على تصفية قلوبهم وتحلية نفوسهم إن شاء الله تعالى. إنني ابرأ إلى الله أن  أنال من الأسرة الحاكمة فالكثيرون منهم غير راضين بفعال الظالمين منهم. إن  انتماءهم إلى "آل الصباح" ليس انتماء حزبيا يختارونه بمحض إرادتهم، بل  أكثرهم مظلومون مثلنا إذ يمسهم تبعات ما فعله غيرهم دون أن يكون لهم دور في  تغييرها. لقد عشنا معهم إخوانا متحابين أيام الأمير عبد الله السالم، فهل  نعاتبهم على ما أتى به بعضهم؟! المقصود من الأسرة هم الزمرة الحاكمة التي لا  تتورع عن التعدي على الآخرين وليس كل الأسرة الطيبة.

 

1)- التفرد بالسلطة:

كلنا ندرك شدة تعلق الإنسان بما في يده، فهو يتعشق لنفسه ويموت  دونها وهو يحرس -بمنتهى الدقة والاهتمام- أعلاقه العاطفية صاحبة وولدا وأبا  وأخا وقريبا، ويحافظ -بحرص ووسوسة- أمواله ومدخراته، ويعتز بمواهبه  وقدراته النفسية والبدنية والعقلية والعلمية، ويهتم بمحفوظاته ومكنوناته  الذهنية ثم انه يدافع بشراسة عن كل ما ذكر وما لم يذكر من معالق القلب  والنفس. فإذا سمعتم عن كريم يجود بنفسه أو أهله أو ماله فهو ليس شاذا عن  هذا المنطق ولا منحرفا عنه، لكنه يتخلى عن بعض معالقه لانشغاله بالبعض  الآخر. المثاليون من المقربين إلى الله، يؤثرون على أنفسهم حبا لله أو خوفا  من سخطه ]يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على  حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا  شكورا[ وبقية المؤمنين يسعون لأن يحذوا حذوهم. كذلك طلاب الدنيا والماديون  يتركون خيرا طلبا للأكثر الأكبر فهم تجار يصرفون بعض المال ليكسبوا ويؤثرون  ليزيدوا، حتى الخيّرين منهم؛ فإنهم يدفعون المال إرضاء للوجدان الذي يمنحهم  اللذة والمتعة التي لا يجدونها في بقية المكاسب. وما إقدام أحد الماضين من  آل الصباح بقتل أخويه إلا دليلا على تبديل الأخوة بالملك وما محاربتهم قديما  وحديثا للديمقراطية إلا توطيدا للسلطة المطلقة. فهم يتناسون بعض إخوانهم من  المواطنين حتى أنهم يعذبونهم أو يطردونهم ليفرضوا القبول على بقية أبناء  الشعب. لقد دأبوا على السلطة المطلقة واستأنسوا بها وعشقوها، فكفاحهم  ونضالهم للدفاع عنها أو لاستردادها ولضرب الشورى، ما هو إلا دفاع عن التّيم  وعن غرام الجاه والسلطان.

هذه المفزرة الأخلاقية الممقوتة تلازم كل الأنظمة الوراثية لكنها تصدّ  وتبدي تبعا لنفسية الحاكم ورزانته وحكمته واستعداده للدفاع عن الممتلكات.  والأكثر سلبية هو اعتقاد الأسرة بشرعية كل أفكارها وأعمالها -مع الأسف- وبحقها  الطبيعي في الانفراد بالسلطة. نعم إن هذا شنآن ولكن الله قال: ]لا يجر منكم  شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى[؛ فإني للحق أقول: إن هذه  السيئة مهما تبعها من فعال بغيضة فهي لا تعني ضعة الأسرة وهوانها فآل الصباح  أكارم لا نتخلى عنهم.

وتبعا لهذه الفكرة الخاطئة فقد ذهبوا إلى أن ما خبأه الله بباطن  أرضنا الحبيبة منذ ملايين السنين هو لهم وهم يجودون ببعضه على الشعب ومن أن  المخطئ منهم والمتجاوز على القانون الذي أقروه بأنفسهم يعاتب ولا يعاقب وإذا  انتقم الشيخ من غير الشيخ ظالما لحقه ضارا ببدنه فإن الشيخ لا يحاكم بل  تحاول السلطة تطييب خاطر المواطن من غير الشيوخ لأن الشيوخ لهم حصانة طبيعية  لا يمكن المساس بها إلا إذا ظلم أو قسا على شيخ آخر؛ هناك يصفع القوي بما  أوتي من قوة وجه الأضعف دون أن يحاسب؛ فقد طرد شيخ شيخا حين تمرد الثاني  عليه لكنه كان يغض الطرف قبل ذلك حين كانت فريسته الشعب الكويتي.

إن هذه الأمثال ليست أسرارا خفية بحت بها، بل هي حديث أصحاب  الديوانيات ومحدثي المجالس.. لكني كتبتها قاصدا تذكير إخواني أبناء وبنات  الأسرة ودعوتهم دعوة مخلصة إلى ترك هذه الصفات التي لا يحبها الله الذي خلقنا  وعرّفنا معنى الفضيلة بقوله الكريم: ]يا أيها الناس: إنا خلقناكم من ذكر  وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم[.  والرسول العظيم يقرر: ]* لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض  على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.[ وعلي يتبع الرسول بقوله: #]الناس  سواسية كأسنان المشط[ وقد منع أخاه من أن يستأثر بسهم أكبر من بيت المال  ليسد به مجاعة أولاده الذين وافتهم السغب والملق.

فبنو هاشم وهم سادة قريش يعاملون معاملة الأدنين الذين حررهم الإسلام  من قيود العبودية والرّق. لكن أفراد الأسرة الحاكمة عندنا يتحتم تملكهم  للقصور بدل البيوت العادية .. تزين الذهب حماماتهم وثرياتهم في حين تتزين  نساء العامة بالرقيق المغشوش منها. وهذه الزينة القليلة الملبوسة ذخر  لمستقبلهم وليوم بؤسهم، لكن أسهم الشركات العالمية وأرصدة البنوك الأجنبية  تسند المتسلطين من آل الصباح. لعل أوسع ثغرة في فلسفة السلطة الحاكمة هي  الاعتقاد بالفراغ الواسع، فالسلطة عندنا كانت تتصرف وكأنها عارضة أزياء  فاتنة الملامح براقة الملاحف تمشى مختالة أمام جماهير المشاهدين الذين  يتحسبون التنعم برؤية الراقصة الزاهية المزهوة على مصطبة العرض، فإذا خفت  الأضواء وأزيل الماكياج فلا نضارة ولا بهاء ولا بريق. هذه العقيدة الساذجة أدّت  إلى خطو الحكام في متاهة الاستبداد التي أودت بعزهم وكرامتهم وضيعتهم  أنفسهم.

 

2)- الوقوف ضد الديمقراطية الصحيحة:

إن كل كويتي يشعر بالولاء للأمير الراحل المرحوم الشيخ عبد الله  السالم الصباح، ذلك الرجل المثالي الذي دفع الكويت سنوات إلى الأمام، فهو  الذي حرر البلاد من الحماية البريطانية دون أن يخسر الصداقة الكويتية  الإنجليزية، بل بدّل علاقة الولاء بعلاقة الصداقة. أصبحت الكويت دولة صغيرة ذات  سيادة وأرسلت سفيرا إلى المملكة المتحدة بعد أن كانت تحتضن مستشارا  بريطانيا لا يمكن للرجل الأول أن ينحرف عن آرائه المتطبعة بطابع السيادة  والملكوت. ثم انه قاوم الأطماع القاسمية في العراق بدقة ومهارة. تحقق كل ذلك دون  أن نخسر نفسا واحدة. وبعد ذلك أرسى الشورى في البلاد، فوضع بذلك لبنة  الديمقراطية وأكد بالبرلمان فكرة الديمقراطية التي نادى بها رعيل الشباب  والقلة من ذوى الحكمة والحصافة في وطننا الحبيب بعد فقدان الأمير المحبوب  والمعظم. إذا كانت طلائع الشورى قد أنبتت في الثلاثينات فإن عبد الله السالم  وهو من الأسرة الحاكمة كان متعاونا معها ومؤيدا لفكرتها -على ما سمعته من  والدي المرحوم-. يكفيه فخرا أنه سقط عن آخر وقفة له أمام نواب الشعب في  قاعة مجلس الأمة، وهو يلقي كلمة الحكومة في افتتاح الدورة ولم يلبث أن  انتقل إلى عالم البقاء بعد يومين وهو يردد شعر المتنبي :

وإذا المنية أنشبت أظفارها     ألفيت كل تميمة لا تنفع

غفر الله لأبي خالد ورضي عنه شعبه وأبناؤه الذين لا يفارقهم محياه المتسم  بالجد ما عاشوا ويذكرون حكمته وحنكته ما تعرضوا للبلاء والمحن.

هذه الغرسة الكريمة منيت بالقطع والاستئصال على يد الخلف لكنهم لم  يتمكنوا من اجتثاثها، فإن حكماء الأمة قد زرعوها في قلوبنا قبل أن يخرجوها  مخضرة للملأ وقد روّيناها بدمائنا ولا زلنا نعتز بها وندافع عنها. خسر من فكر  بأن الشعب سوف ينسى الحياة البرلمانية إذا أعيد له بعض ماله على شكل منح  وعطايا وبوادر ولفتات. هذا الشعب لا زال يتوسع في فهمه ومطالبته  بالديمقراطية وسوف يطالب عن قريب بالحكم الديمقراطي، ولا يكتفي بالتشريع  الديمقراطي، لأنه رأى السلطة المستبدة كيف تلعب بالديمقراطية فتغير وتبدل  وتحجز وتزيل كما تشاء وتريد.

وكان من مظاهر معارضة البرلمان أن قضي على أول مطالبة علنية قام  بها بعض الشباب الذين كنت أتحدث عنهم في مسجد شعبان. لقد سعت السلطة أن  تغسل مسجد شعبان وليالي الأحد الزاخرة بالمطالب والمطالبات التحريرية في  ندوات باسم " تصحيح مفهوم المساواة " من الأذهان وسوف نتحدث عنها في باب  الحسبة السياسية.

تطورت المطالبة بالبرلمان حتى دخلت الديوانيات ووقعت المسألة على  لسان العامة.  هناك اضطرت السلطة لقبول البرلمان ولكن بعد مسخ الدستور الوطني بتغييرات مفروضة من قبل السلطة وبتبديل شكل المناطق الانتخابية لتلائم رغبات الدولة، فوزع المواطنون توزيعا غير عادل على المناطق الانتخابية حيث  بلغ التفاوت خمسة أضعاف أحيانا في حين كانت المنافسة على ناخبين لكل منطقة.  بذلك تمكنت الحكومة من السيطرة بسهولة على المناطق الصغيرة العدد لأنها كانت  بالفعل متحكمة في الناخبين الذين يمثلون الطبقة الأمية من الشعب وهكذا قيّم  رأى الأمي بما يعادل خمسة أضعاف قوة رأى المتعلم والمثقف. ترى أية ديمقراطية هذه؟ السلطة مع الأسف لم تتحمل هذا البرلمان أيضا فقد دخل المجلس بعض  الخيرة الطيبين والذين يعرفون ماذا يريدون ويميزون بين الحق والعطية  ويجيدون استجواب الوزراء ويمعنون النظر في المعاهدات والاتفاقيات الدولية  وو.. تلتها حملة الديوانيات وجلسات الوطنيين التي لا تخفى على الأسرة  الكويتية، وما لاقاه بعض الأحرار الذين نذروا أنفسهم لخدمة الوطن الحبيب من  ضغوط ومناهضات حكومية حتى تمخضت هذه الديوانيات عن نتاج مشوه مشؤوم باسم  المجلس الوطني. كانت النتيجة المحتملة لهذه التصرفات أن يسل صدام سيف  البغي علينا فيدركنا بالوتر والشر والمكروه ويدس فينا سمام الحقد والغيض  والبغضاء مستندا إلي فوران المعارضة مفسرا اعتزالها للمجلس السحت انفصاما  للأسرة الوطنية الواحدة. هذا ما كنا نتحاشاه، فنحن أسرة منصهرة في بعضها البعض لا نستكين إلى غيرنا ولو قضمنا حسك السعدان أو أثقلت أعناقنا بالأغلال،  لكن أصحاب المطامع يركنون إلى اختلافاتنا التي يجب على الأمة استدراكها في المستقبل بمشيئة القوي العزيز.

 

3)- الاستهانة بالأنثى:

لا زالت المرأة في الكويت مستضعفة بالرغم من خوضها بعض معارك  الحياة جنبا إلى جنب الرجل فقد تطورت في القرن العشرين من دابّة البيت إلى  سيارة المتع أو حقيبة الزينة. حتى المتقون يتظننون أن القيود الإسلامية لا  تعطي للمرأة مكانا في مطحنة التشريعات، فما لها إلا أن تستشف الرواء من  فواضل الرجال، ويدعي البعض أنها غير قادرة على تفهم متطلبات الحياة وإدراك  معاوج السياسة، إذ أن المتدين ينظر إلى النساء على استحياء ودون دقة ساردا  كل النساء خلف حلائله ومحارمه اللائى يعرف عنهن أكثر من غيرهن. وحتى لو أنه  آنس من امرأته أو أخته أو ابنته رشدا حملها محمل الشذوذ أو الصدفة، وإلا  فطبيعة المرأة أن تكون غبية حمقاء أقرب إلى الحيوان منها إلى الرجل، لكنها  شر لا بد منه! أما غير المتدين فإنه -تبعا لطبيعة حب الذات- يحاول التقليل  من المنافسة على القدرات والفرص لينفرد بنفسه في الشهرة والسلطة فتنجذب  المجتمع النسائي إليه انجذاب الضعيف للقوي. يا ليتهم يدركوا -مستفيدين من  تجارب غيرنا- إن المرأة سوف تطالب بحقها في منافسة الرجال وتحارب وتقاتل  وتعمل كل شيء لتحقيق أمنيتها. ويا حبذا لو نظر المؤمنون نظر الفاحص إلى  السواد الأعظم ليروا الجهل والسذاجة تطغى عليهم.

أنا لا أنكر مغايرة التكوين  الفسيولوجى بين الرجل والمرأة وفضل استعداد الرجل على المرأة للتصدي  للمخاطر والتعرض للمشاكل. نعم هذا ما يؤهل الرجل لأن يدير دفة الحكم والأمر  في الدولة والبيت فالرجل هو المؤهل للإدارة أو المؤهلون للإدارة هم من الرجال  لحاجة التقرير إلى الخشونة والحنكة. أما الأنثى فهي مظهر النعومة والعاطفة  والحنان. لذلك تصلح للأمومة ولأن تلد الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء  وغيرهم. المدير أو الرئيس له فضل تقليدي على المدار أو المرؤوس بمقدار ما  يجيز له إصدار القرار ويجبر من دونه على اتباع قراراته وتنفيذ أوامره. فأنت  ترى في الوزارة أو الدائرة كثيرا من الموظفين يفوقون مديريهم علما وفضلا  لكنهم يأتمرون بأوامرهم ويقبلون أحكامهم دون جدل. المستشارون هم أكثر تفهما  للمسائل من المسؤولين. غالبا ما يتحول المسؤول الكبير بعد أن يبلغ أشده  ويهرم سنه إلى مستشار لمن هو دونه علما وتجربة، برضا وإصرار منه لأنه لا  يحتمل في سن الكبر أعباء المسؤولية الإدارية الكبيرة. والمدير له فضل تقليدي  على المستشار ولكن الفضل الحقيقي مسكوت عنه فعلا بانتظار حكم الله في يوم  القيامة فمن زحزح عن النار فهو الفائز الفاضل ومن سقط فيها سقط وضاع. هذا  هو معنى فضل الرجل على الأنثى. انه فضل تقليدي اقتضته السياسة الإدارية وإلا  فمن من الرجال من أمثالنا يفوق فاطمة الزهراء فضلا وعلما ومن يسبق مريم  العذراء قربا ودنوا من الله تعالى.

الانتساب إلى البرلمان ناخبا أو نائبا ليس إلا محاولة للدفاع عن  الحق والعدل. فهلا تملك المرأة حق الدفاع عن نفسها وعن بقية الإناث ؟ إن دخول  البرلمان لا يعنى إدارة دفة الحكم بل هو مجلس يمثل الأمة ويعكس إرادتها  وحقها في التشريع للقانون ولمنفذ القانون ولمراقبة تنفيذ التشريعات وتصرّف  الدولة في أموال الأمة ليطمئن الشعب على تبديل ماله بالتي هي أحسن وليشارك  الدولة في تحمل المسؤولية الكبرى في الدفاع عن سلامة البلاد ووحدة أراضيها  وثبات كينونتها. هذا هو الواجب القومي الذي يعم المرأة والرجل والعالم  والجاهل وأهل الحاضرة والبادية والحاكم والمحكوم على السّواء. إذا كنا  >كلنا للكويت والكويت لنا< فكلنا أيضا ندافع عن الكويت ونشرع للكويت ونحكم  الكويت  ونعمل للكويت ونستفيد من الكويت.

إن حرمان المرأة من ممارسة التشريع في الكويت هو حرمان الكويت من  تجربة الأمهات ومهارة الأزواج وحنان السيدات. المرأة التي تتسم بالحياء  والعفاف أحرص من الرجل على استقرار البلاد وسلامة أراضيها، وهي -إن قدّر  لها- فهي تدافع بضراوة واندفاع أكثر من الرجال لتمنع التسلط الأجنبي؛ لكنّ  حربها ودفاعها يتطبع بغير الطابع القتالي المألوف بين الرجال. وفي مسألة  الدفاع عن الوطن وعن الشرف وعن العرض فإن المرأة أبعد نظرا وأعمق دقة من  الرجل.  أنا لست بصدد تكبير قوة المرأة أو تقليص قدرة الرجل، إذ أن هناك  بعض مظاهر النقص العقلي لدى النساء تبعا لطبيعة البدن المتميز بالطراوة  والرطوبة وللتكوين الخلقي المهتم بالجانب العاطفي نظرا للمسؤوليات الطبيعية  الخاصة عند المرأة. والعكس بالعكس عند الرجل؛ لكنّي ضد سياسة سيادة الرجل  وإذابة المرأة في الرجل فإن تلك تضييع ظالم لحقوق المرأة.

إن المرأة أثبتت في القرن الأخير قدرتها على التكتل وتشكيل القوة  الاتحادية ثم تعرضت للمسائل الاجتماعية فالاقتصادية فالسياسية وأبدت النجاح  الملموس في كلها، وسوف تتحد النساء في مجتمعاتنا وتشكلن خطرا كبيرا على  الرجال وعلى التكوين الاجتماعي إذا شعرن بالظلم والحيف. لذلك، فمن الحكمة أن  يبادر الرجال بالاعتراف بكامل حقوق المرأة الخليجية وإعطائها الفرصة الكافية  لممارسة قدراتها وإمكاناتها وتقديم الأمثل الأقوم للوطن وللمجتمع القومي  فتتأهل لتحدي المجتمعات اللا إسلامية التي تفعل المنكرات وتأتي بالقبائح،  مستغلة عواطف الأنوثة لتستخدمها في ترويج البضائع وتمشية الأهداف الأمنية  والسياسية أو تستعملها سلعة تعرض على ذوي المال لاستدرارهم واستجلاب ما  بيدهم. ألا ليت المرأة الخليجية المسلمة والمؤمنة بالخالق العادل المنان  تبرز أمام الأمم وهي تعرف ما يعرفه الرجال وتناقش وتجادل محافظة على قيمها  ومتسمة بأخلاقها الإسلامية ومتلبسة بالزي الذي أراده الله للمرأة صائنة لنفسها  مخفية مفاتنها إلا ما ظهر منها من الوجه والكفين دون تزيّن أو تعطّر.

هذه المرأة المثقفة المتلبسة بلباس التقوى سوف تبقي محاسن الأنوثة  وجاذبيتها وتخرجها في إطار الحشمة والعفاف وتزينها بماكياج الثقافة والعلم؛  فهي هكذا ليست مثيرة تدعو للمتعة العابرة السخيفة وليست رجعية توحي بالكره  والقرف وتبعدها عن التمتع بما أحله الله وحببه لها كصاحبة تشارك الزوج  الكفء إبقاء النسل الآدمي وتوثيق النزعات البشرية. الرجل المثالي يبحث عن  المرأة المثالية وكما قيل في المثل العربي :"إن الطيور على أشكالها تقع".

فالبرلمان الكويتي إذا، غير مكتمل بدون المشاركة الفعالة والشاملة  للمرأة الكويتية.  أنّى لنا أن نتحدث عن الديمقراطية ونحن نشق المجتمع  ونفرقه ونبدده فهل من رجل لم تصنعه امرأة وهل من حكيم لم يكن جزءا من بدن  أمه فيسمع ويحس ويعي أولا بأول مع المرأة قبل الرجل وفي بطن الأم قبل محاذاة  الأب.

 

4)- الجنسية الكويتية:

تضم الكويت مجموعة بشرية صغيرة في العدد متحدة في الأخلاق والعادات  ومختلفة من حيث الحقوق والميزات مع الأسف. ومن مظاهر النقص في العدد،  استضافة عدد يعادل أو يزيد عدد أهل الكويت من غير الكويتيين الذين قدموا  مشكورين لمساعدتنا في بناء وتطوير النهضة العمرانية والثقافية وفي تقديم  وتعميم الخدمات. الأجانب، ولو أن أكثرهم قصد الاسترزاق لكننا استضفناهم بدليل  حاجتنا إليهم أكثر من حاجتهم إلينا فنحن ولا زلنا -قبل الاحتلال طبعا-ندعو  المزيد منهم خدما وعمالا ومهندسين ودكاترة واستشاريين وعلماء وغير ذلك. أما  الاتحاد الخلقي فهو يتجلى في كثير من الظواهر الاجتماعية المشتركة بين  الكويتيين (الذين لا يحملون جنسية غير كويتية) جميعا فأنت تدخل بيت المتحضر  أو خيمة البدوي -الكويتي بلا جنسية- فترى نفس الاستقبال والكرم الذي تلاقيه  في بيت أو خيمة الكويتي بالتأسيس أو بالتجنس. والصفات الخلقية برمتها  مشتركة بينهم سوى أن بعض الضعفاء من ذوى الجنسية مصابون بأمراض الاختيال  والغرور والعنجهية والتنفج والتبجح والتي لا تراها في من ليس بيده الجنسية  حيث الشعور بالضياع يستولي على اعتزازه بوطنيته ويمنع تفاخره على غيره.

وأما من حيث الحقوق فالتفريق بينهم ظلم تعسفي لا يسع للقلم أن يكمل  وصفه أو يبلغ تشبيهه وتمثيله. هذا الكاتب يستولي عليه الخجل والشعور  بالعصيان حينما يتذكر مصيبة المحرومين من الجنسية في الكويت؛ الأمر الذي  قربنا من العنصرية وخلع عنا لباس التقوى والتورع عن ظلم عباد الله حتى أن  القلم يتململ بين أصابعي من شدة الاضطراب وتمكّن الخذلان من القلب والعقل.  فهل بشر نحن أم شرذمة من العصاة والطغاة أم سباع نأكل لحم السباع أو أسماك  نأكل لحم الأسماك؟! كيف نتوقع ممن تجرع كل غصة ورأى كل بغض وقسوة منا أن  يهتم بالدفاع عن الوطن وحمايته والذود عن حرماته؟

إذا غفر الله عن كل مظالم آل الصباح فإن مظلمتهم في حق هذه الطبقة  من الكويتيين لا يعقل أن يشملها الغفران. فهي ظلم على بعض من شرفهم الله من  خلقه واعتداء على بعض بني الإنسان وتنكيل بأبناء وبنات الوطن. إن هذه الأسرة  التي تعودت على تربية العبيد والإماء منذ القدم لا تريد أن تنزل على حكم  المجتمع الإنساني العصري الرافض للاستعباد والاسترقاق. ولم يمنحوا شهادة  الجنسية لبعضهم إلا بعد أن يشدوا في إذلالهم وتنقيص شأنهم، وبعد أن يربطوا  حول أعناقهم قيود الصغار والهوان. كان من حق أولئك أن يكونوا في مقدمة  الفارين الهاربين بعد الغزو العراقي. وأنا لا ألومهم ولا أعاتبهم إذ لم أكن  متوقعا منهم أية مقاومة أو تصد للعنف أو دفاع عن وطن لم يكرموا فيه. ناهيك  عن أن منهم من دخل المقاومة وحارب وجاهد ومنهم من استشهد في سبيل الله  والوطن. لعل السلطة كانت تعتقد بأنها تحتاج إلى بعض الحماة المذللين الذين  لا يطمعون في ما يزيد عن ملء البطن وكسو البدن وإيواء عادي فيسعون في إرضاء  الأسياد حتى لا يخسروا المأكل والملبس والمسكن. ولذلك ملأت الحكومة الشرطة  والجيش والحرس من هؤلاء المحرومين.. فما أن أهتز عمود الحكم وخليت الأرض  من أقدام العائلة الحاكمة والتي تعتبر مصدر الرزق والحياة لهذا المحروم لم  يبق له معتصم ولا مربط حب وغرام، فانفلت عدوا إلى مأمن آخر ليكون قريبا من  وليه ومالكه.

هؤلاء والذين منحوا شهادة التجنس لا يعبئون بالانتخابات إذ أنهم  محرومون منها. وبما أن طبيعة تمثيل النواب لقسم من المواطنين تدفعهم إلى  حماية الناخبين وتمييزهم عن الآخرين فإن البرلمان حينما يذاع ويتواجد يخلق  الكبرياء والخيلاء لدى الطبقة الأولى التي تصنع البرلمان وتمني الطبقات الأخرى  بالحرف والحدد والحرمان وبالخضوع والخنوع للدولة وللأسرة الحاكمة. وحينما  يختفي البرلمان فإن المطالبين به قليلو العدد، ضعيفو الشوكة وسريعو  الانهزام. هذا ما تصبو إليه السلطة مع الأسف في التفريق بين المواطنين وبين  الرجل والمرأة وبين العسكري والمدني. رأيناها كيف تستعين بالعسكريين من  أبناء هذا الوطن لضرب الطيبين النجباء الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن حقوق  المواطنين ولاستعادة المغصوب من ميزاتها ولاسترجاع ما تخطته من مدارج الشورى  والتشريع.

 

5)- إغفال المساواة:

اليوم تسعى الشعوب والدول الصناعية المتقدمة لخلق التوازن الاجتماعي  بين شعوبها وبين كل الشعوب وتهتم الأسرة العلمية بالحث على تغيير العطيات  والمنح بالحقوق والواجبات كما أن الله تعالى يشير إلى حقوق الطبقة السفلى  بقوله الكريم: ]وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم[والرسول الأكرم (ص) وابن عمه أوجدا التوازن الاجتماعي الذي يعم التوازن السياسي والاقتصادي فعلا إبان حكمهما المتسم بكل معاني العدالة. فأعلم الناس وأورعهم، حكم وتسلط وأقدرهم وأقواهم من دون الحاكم، ترأس الجند والحرس وأوثقهم إيمانا، قضى وأكملهم عقلا وعلما، شرع ومن دونه، أشار وأيد. فيا ليت الأقلام الصادقة والأفكار النافذة والآراء المستنيرة تتصدع، لتمحيص هاتين الفترتين لصياغة دستور اجتماعي يخدم الإنسانية بأكملها ويرفع من شأو الأمة الإسلامية المعتقدة بالنبي وصهره ولا أزدري من الفترة المتوسطة فقد سعى الخلفاء الثلاثة رضى الله  عنهم للعمل بما أتى به النبي ووضحه وشرحه علي طوال المدة التي سبقت حكومة  الإمام إذ أنهم لم يبتعدوا عن الرجل العالم بمغزى الرسالة والذي كان من رسول  الله #] كالضوء من الضوء والذراع من العضد[. لكنهما (النبي وعلي ) أفاضا  العلم والقول الحكيم فهما *] أبوا هذه الأمة[.

اليوم يتجلى الإسلام بأحكامه ومعارفه على مسارح التحضر والتمدن في  حين تغيب حقيقته عند المسلمين الذين ورثوا الإسلام من آبائهم دون أن يعرفوه و  يعلموا به، فالعدالة والحرية والعلم والشورى والضمان الاجتماعي والتوازن  الاجتماعي وتفهّم المسائل والاحترام المتبادل وحرمة الإنسان وقيمة العلم وكل  مظاهر المساواة الحقيقية التي نادى بها القرآن العظيم تشرق عند الغربيين  الباقين على مذهب المسيح عليه السلام، وتغرب عندنا. فنحن نحترم المال دون  العلم ونكرم الملابس الساترة للبدن ونهمل لباس التقوى ونعظم من آثرته  السلطة على الشعب ونغفل عمن آثره الله على خلقه.

الأسرة الحاكمة في الكويت تعتقد بالأمجاد المختلقة والعصبيات البالية  وتفتخر بالشئون الموضوعة وتترك ميزان المعاني، ذلك الميزان الذي يقدر زنة  النفس والعقل وهكذا فلعل الأمير جابر الأحمد -تبعا لشأنه- يجهل المساواة قبل  أن يغفلها أو يتجاهلها إذ أنه ليس من ذلك النوع المعلم باللؤم والدناءة  المنغمس في التيه والضلال من الآدميين الذين أجهزوا على الآدميين بل هو كريم  المحتد صالح الحجز؛ وإني آمل أن يتبع سبيل الرشاد إن مكنته الأقدار وأقبل  عليه ما أدبر عنه.