وصايا

المدخل:

كل مجتمع يسعى إلى السيادة الذاتية بالضرورة؛ هذه السيادة تتأثر  قطعا إذا لاحت صبغة الاستعباد والاستغلال داخل الهيكل الاجتماعي وتحولت التشكيلة  إلى قطائع يرعاها ويتحكم فيها -إن لم يملكها- ذوو السلطة والسيطرة داخل  سلسلة الدرجات الاعتبارية المتنحية عن المفاهيم المنطقية المقبولة عقلا.  المجتمع الذي يتقبل الديكتاتورية الأسرية أو ديكتاتورية الأغنياء ولصوص  الخيرات أو ديكتاتورية المحتالين والمخادعين وممثلي الشياطين أو ديكتاتورية  المتعاملين بقدسية المذاهب والأديان؛ سوف ينمو في نفوس أفراده الشعور بالذل  والهوان وبذلك يسهل استعباده على ملوك الأرض بعد تجريده من وطنيته ولعل من  دينه ومتّبعه. هذا المجتمع الضعيف عرضة للانهيار والتمزق بإرادة الدهاة وأصحاب المطامع الكبرى ومحكوم عليه بالزوال عاجلا أو آجلا.

وبما أن المجتمع الكويتي صغير في العدد وحديث في التشكيل، ينقصه  غراء التماسك ويعوزه مزيد من مثاليات الاعتزاز بالكيان والشعور بالاستقلال  والحرية؛ فإن الديكتاتورية السلطوية توهن جذوره وتنحف سيقانه وتهيؤه للانصياع  للنزعات الفردية، وطنية اليوم وأجنبية غدا، كويتية اليوم وغير كويتية  مستقبلا! لذلك فإن من خير السلطة -الكويتية فعلا- ومن خير الشعب أن يتكثف الشعور بالسيادة لدى أفراد المجتمع الكويتي برمته. حتى يترسخ هذا الشعور  فإن ممارسة أبنائنا وبناتنا للسيادة ضرورية من أجل ضمان استمرار الإحساس  بالعزة والكرامة والاستماتة في سبيل الكيان الكويتي وفي سبيل مقوماتنا  المعنوية الأخرى، دينية ووطنية.

كان من حظ الوجود الكويتي أن الغزاة البعثيين كانوا حمقاء في  معالجة قضية الغزو، وإلا فإن الانقضاض الناجح والمفاجئ -لو كان مشفوعا  بالحكمة والمداهنة لمدة غير طويلة لكان كافيا لمحو الكينونة الكويتية من  الأذهان وقبول ديكتاتور أقوى مثل صدام حسين بدلا من الذي أو الذين يحكموننا  بالمنطق الديكتاتوري، وهو أو هم أضعف بكثير من طاغية الرافدين ومن حزب  البعث القابض على البصرة والكوفة والأنبار وواسط وخرائب نمرود وأور وبابل،  ميراث الحضارات الإسلامية والآشورية والسومرية والبابلية. إن الذي تربّى على  الضعة والعبودية، يسعى -في طور عبوديته- إلى الكمال العبودي فيتمنى الذلة  أمام الأكبر الأقوى بدلا من الأصغر الأضعف. هكذا فلو تهاونّا في مطالباتنا بسلطة  الشعب على نفسه وممارسة هذه السلطة عن طريق الديمقراطية العصرية على النمط  الغربي، فإن حوافز السيطرة لدى غير العراقيين أيضا سوف تظهر أو تتقوى لتمزق  كياننا من جديد وبشكل خداعي ماكر لا نقوى على اكتشافه ولا نملك مناهضته  بالسرعة والشدّة اللازمتين.

حتى تتحقق لنا السيادة الذاتية فإننا ملزمون بتقوية  البنية  الاجتماعية لأسرتنا الكبيرة تقوية كيفية وكمية، بالعدة والعدد. في هذا الباب  نسعى -بصيغة الوصايا- للتقوية الكيفية للبنية الكويتية باختصار وإيجاز.

 

مقدمة ضرورية:

الهيمنة الربانية على المخلوق البشري والإحاطة الملكوتية لرب  العالمين، مالك الشرق والغرب وسيد الحضارات والأمم والأفراد -بالفعل لا  بالاتصاف فنحن أعجز من توصيفه تعالى- بكل شيء، ترشدنا إلى حقيقتين متلازمتين:  أولاهما أن كل أمر ذي بال لابد وأنه يمر من تحت إرادته النظامية لإدارة الكون  وثانيهما أن منطق الرحمة لا يفارق العمل الواقع لأن الرحمة من صفاته التي هي  عين ذاته تعالى. لعل استجداء الأنبياء وخاصة الأولياء من ساحته المقدسة  واستعطائهم إياه بمختلف الأطوار والأشكال -بلسان العجز والطمع والخوف والحرص  والحرمة والتكبير وغير ذلك من أساليب استدرار الرحمة- تؤتي ثمارها لإمكانية تحقق  إرادته الملكوتية بشتى الطرق والوسائل. إذا كانت هذه النظرية صحيحة فإن  التوجه والالتجاء إلى الله تعالى يهون على سالكها شدة نزول الأمر ضد رغبة  الإنسان، أو يغير المنهج التنفيذي ليلائم بعض ما يصبو إليه رافع الدعاء.  حينما ندعو إلى رفع الظلم والتوجه إلى الجبار الكريم فلأن سلسلة المتغيرات  تعود إليه وحده ولأنه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. من الواضح البيّن أن الظلم والعصيان يبعد الإنسان من الرحمة الإلهية الخاصّة ويقربه من  الاستدراج والإمهال لازدياد الإثم وتغليظ العذاب.

وما حرصنا على تحقيق الديمقراطية إلا لتضييق إمكانية الاستعلاء والظلم  على عباد الله، وإعادة السلطة إلى المحكومين أنفسهم فهم أشفق على أنفسهم من  غيرهم حتى ولو كان الغير منبثقا منهم. صاحب السلطة المطلقة يوجه الناس حيث  يريد بإملاء شهواته ورغباته أو استحساناته الشخصية لصالح الناس، فرض كونه  من القلائل الطيبين وهم من القلة كالمعدومين. هذه الظاهرة قلما تحقق رضا  العلي القدير بل طالما جلبت سخطه وغضبه. لذلك فإني آمل من الإسلاميين أن  يبتعدوا عن التفسيرات المضللة للديمقراطية التي يثيرها الوصوليون أو بعض  الطيبين قليلي الدقة والإمعان. الديمقراطية بالطريقة التي ندعو إليها ليست  كفرا ولا إلحادا بل هي خير وسيلة مقبولة دوليا لتحديد السلطة بمستلزمات  الإدارة وغسل القرارات الهامة من عوالق الرغبات والشهوات الفردية. لو فرضنا  أن الخلافة الإسلامية -كما يثيرونها- تحقق الإسلام، فأين الخليفة الذي نأمن  جانبه إذا اعتلى الصهوة وقبع على أزمة الأمور. الصحابي الذي حكم المسلمين  مباشرة بعد الخلفاء الراشدين قد بدّل الخلافة إلى ملك وراثي، فكيف بمن لم  يصحبوا رسول الله في عصرنا الحاضر؟

 

أيها الشباب، إناثا وذكرانا:

أنتم أصحاب المستقبل، أكثر من الذين قضوا شطرا كبيرا من عمرهم حتى  هذا الحين. ستصيبكم الشدائد أكثر مما تصيب الأكبرين سنّا وتلهبكم حمم البلايا  بضراوة ووقعة أقسى من على غيركم. ستبقون بعد ما يفنى الذين ولّدوكم أو  أرضعوكم. ألا تذكرون أنكم كنتم تروس الدفاع وسيوف النضال ضد المعتدين  الآثمين من أقزام البعث. ولذلك فأنتم أحق بأن تهتموا باستقلال الكويت ووحدة  أراضيها. هذا الاهتمام يتنافر مع الأنانية والتكبر بغير حق وإهمال الحقائق  كما أنه في تضاد دائم مع السذاجة والكسل والاتكال على الغير ولو كان أكثر  كفاءة وأجلى أهلية من أفرادكم. إن لم تشعروا جميعا -بشكل فردي وجماعي-  بالمسؤولية الكبرى وتتأهبوا باطّراد للدفاع عن كل مقوماتنا الوطنية  ولترسيخها وتقويتها بإرادتكم، لا بالطاعة لأولياء الأمور؛ فإن سحق الكويت هو  مرمى الكثيرين من الذين يبدون الوجوه المصفحة وهم أختل من الذئاب. سيبلغ كل  ذي هدف هدفه إن لم يكن لمنافسه هدف أقوى وإرادة أصلب منه. مجموعة الوصايا  التي تتبع  تمثل قاربا خشبيا صغيرا أنزلته من على ظهر سفينة الحياة الكبرى  لتستأنسوا بالركوب فيه، لعلكم وإياي نتعلم استباق الحوادث لنعالجها قبل  وقوعها فنأمن مغباتها المزعجة، ونتعلم أيضا جدية السير في دروب الحياة بدقة  وإمعان دون ملل أو كلل، حتى لا نتعثر ولا ننزلق فتهوي بنا النائبات إلى اسحق  الوديان ثم نرتطم بالصخور القاسية مهشمي الجوانب أو مزهوقي الأرواح.

أرجو أن نغير أسلوب سيرنا وسلوكنا لدرب الحياة المهول فلا ننخدع بما  زينه لنا شياطين الجن والإنس من المتع العابرة ليسلبوا منا شعورنا القومي  ويربكوا تديننا ووطنيتنا طمعا في الاستيلاء على ما أفاء الله به علينا من  فضله ولطفه، ثم لاستعمالنا أدوات رخيصة لدرك مآربهم كما فعلوه في غيرنا من  الأمم والشعوب الكبيرة والصغيرة. تلك المجتمعات التي انقلبت جاليات مهاجرة  تطلب أبسط الأعمال، خدما أو حمالين أو عمال تنظيف. حتى نساؤهم تشردن هنا  وهناك خادمات أو متسولات إن لم تعرضن ما يشين ذكره ويقبح بل يرعب التعرض له  والكشف عنه.

هو هذا مصير مؤكد لمن يغفل عن ربه الذي سوف ينسيه نفسه بمحتوم  القدر. الغفلة عن الله تعني الغفلة عن أوامره وتشريعاته، بعضها أو كلها،  ولعل من أهمها الأمر بالتفكر والتدبر واستعمال البصيرة والعقل لا الاندفاع  وراء صرخة العواطف أو تدفق الرغبات والشهوات النفسية الجائرة والمنحرفة.  حتى أكثر المتظاهرين بالدين بما فيهم أكثر المتعلمين منهم ليسوا منطقيين ولا  استدلاليين بل هم أتباع رب ونبي صورهما لهم المحظيون بالسيطرة الفكرية عليهم  بغية حقنهم بالمفاهيم الخاطئة والمضللة التي تسند مصالحهم غير المشروعة.  مثلهم مثل النحل تتحكم فيها اليعسوب لتستقطر منها العسل أو تسلط غرزاتها  السامة على كل من يخطر بباله التعرض لذات الملكة والاقتراب من مملكتها  المحمية أو كفراشات تحركها الرياح صوب الخمائل الغنّاء فتتزين أجنحتها  وتأخذ نصيبها من فيح الزهور أو تسقطها على أكوام القمامة لتصطبغ بالدكناء  وتحمل أنتن الروائح. ألا ترون أنهم في كل واد يهيمون، فإذا حكمهم الذين  يتاجرون بجمال الخلقة أضحوا دعاة الطرب والرقص، وإذا سيطر عليهم المتاجرون  بالدين ، لزموا المساجد وحملوا المسابيح؟ سرعان ما يتغيرون وطالما عادوا  إلى ما كانوا عليه. هذا التغيير المفرط السريع يشتد سرعة في الدول الغربية  حتى يقبل القساوسة على تشييد الكنائس بجوار دور البغاء لتساير الفاحشات  جنبا إلى جنب. تعصي ويعصي الفتاة والفتى أسبوعا يعترفان في آخره بالذنب  أمام المتحلي بجلباب الدين، ليشعرهما رحمة التواب الرحيم ويدفع عن قلبيهما  ثقل التمرد على الله، ثم يعودان في مقتبل الأسبوع القادم إلى ما كانا عليه  قبل التوبة.

إن مسيرة التدين في مجتمعاتنا الإتكالية الضعيفة مشابهة تماما لأولئك  التجمعات الغربية الفاسدة، لكن سرعة الانتقال بين الدين واللا دين أقل عندنا  تبعا لتدني ثقافتنا وظلام الرأي العام لدينا. ذلك كله مقت وإثم لا نتخطاها إلا  إذا تركنا الكسل واجتهدنا في التفكير الدقيق والصحيح البعيد عن توجيه أصحاب  المصالح والمهمل للمظاهر الأسرية والقبلية والمتكل على نفاذ البصيرة وتشعشع  العقل والفكر بإذن من خالق العقل والفكر جل وعلا.

 

الوصايا:

01-  قارنوا أنفسكم كل يوم بما كنتم عليه بالأمس فإن شعرتم بالتقدم العلمي ولو يسيرا فأنتم الرابحون وإلا فأنتم الخاسرون قطعيا. اعلموا أنّ  #]من تساوى يوماه فهو مغبون[. تلك حقيقة نقف عليها إذا عرفنا أن ما يضاف  إيجابيا إلى الإنسان الفرد ليس إلا شحنة مادية أو حملا معنويا، فالشحنة  المادية لا تلتصق بالإنسان ولا تتحول إلى جزء منه لأنها في معرض السلب في أية  لحظة ولذلك فهي عديم الوزن في كفة التقييم الإنساني. والحمل المعنوي أو ما  نسميه بالفضيلة لا يتحقق بالعمل وحده ما لم يتحول هذا العمل إلى معنى تجربي  ينتقش في ذهن الإنسان ضمن قائمة النظريات أو البديهيات الحصولية فهو علم أو  كان العمل حركة إرادية بقصد الخير كأداء الواجبات أو إعانة الخلق فهو فضيلة  إن كان نابعا من الإحاطة العلمية بصحة العمل منهجا وهدفا وإلا فهو عمل  ارتجالي أو اندفاعي أو وصولي أو ما شابهها وكلها حركات لا تنفع صاحبها ولا  تزيده وزنا إيجابيا إن لم تؤثر فيه بالسلب أحيانا. إذن الفضيلة العملية  البحتة ليست إلا صبغة علمية تبرز صاحبها على مسرح الحياة دون أن تضيف إليه ثقلا. فالإنسان المؤمن الذي يعيش ساعة واحدة يكافأ عليها بنفس المقدار الذي  يكافأ عليه مثيله الذي يعمر العقود والقرون دون أدنى شك. لولا صحة ذلك لأبقى  الله صفوته من الأنبياء والمخلصين (بفتح اللام) يعمرون الدهر وقلّ منهم من  عمر طويلا! وبما أن الإنسان يستهلك من قواه الطبيعية يوميا ويصرف من الطاقة  والتسهيلات العامة ويتلذذ من محاسن الكون ويقترب بمضي كل يوم يوما إلى الموت  إذ أن #]نفس المرء خطاه إلى أجله[ فهو في خسران يومي واضح، وان لم يتزود  يوميا بما تفيض عليه حسنة توازي خسارته أو تزيد فهو خسران، وخسارة الكمال  في الدنيا غير قابل للتعويض وصاحبها مغبون ألبته.

02-  برمج لكل تحرك تنوي الإتيان به باليد أو باللسان وانظر إلى عواقبه قبل أن تفاجئك النتائج فلعلك تخسر وتندم وثق بأن #]التدبير قبل  العمل يؤمّنك من الندم[.

03-  لا تكتم الحق ولا تنازعه ولا تحاربه مهما كلفك فإن الله وراء الحق  يبديه ويقويه بقدرته وحسن تدبيره فيفضحك ويقضي عليك وآمن بأنّ ]#من صارع الحق صرعه[.

04-  لا تقنطوا من درك أسمى الأهداف وأخطرها بل تطلعوا إليها واسعوا لها ولكن توخّوا الطريق الصحيح والإمكانات المتكافئة.

ومن طلب العلا من غير كد   سيدركها إذا شاب الغراب

05-  نحن شعب صغير لا يتكافأ عددنا مع حاجة أراضينا للحماية والدفاع ولذلك -فبجانب ضرورة توطين من يمكن توطينه- فإن التعديل الكيفي للمواطن  الكويتي حاجة لا خيار لنا في تركه. الكويتي الصالح المفيد لوطنه (رجلا وامرأة) هو الذي يمارس الأعمال اليدوية ويقلل من استخدام العمال والخادمات.  تواجد هذه النسبة الكبيرة من غير الكويتيين في وطننا ينطوي على الكثير من  المخاطر التي يجب تجنبها بأي ثمن. لقد مضى على هذه الأرض عقود صعبة تعرضنا  فيها لمطامع الجيران في غياب الديمقراطية العالمية وفي غياب الإعلام الدولي  الشامل، لكن آباءنا الذين لم يغمدوا سيوف الدفاع ولم يسيروا في طريق المتع  ولم يرخوا حزام التأهب والجد قاتلوا وناضلوا في سبيل الوطن حتى ورثنا الأرض. كل المطامع الخطيرة باءت بالخذلان يوم كنا نعمل. أما يوم كسلنا فإن  وضيعا صنعناه بأيدينا قرعنا غازيا منتصرا يهتر شرفنا ويمزق خباءنا ويستولد عقائلنا، ما تخلصنا منه إلا بالالتماس والاستجارة تجاه الغرباء. فاعملوا  يا شباب الكويت ويا شبائبها بكل جد واتركوا الكسل واعلموا أنّ من دللكم قد  ضركم جهلا أو عمدا فلا تتبعوه واتبعوا نداء السماء: ]وقل اعملوا فسيرى الله  عملكم ورسوله والمؤمنون[.

06-  لكل امرئ عيوب يتمنى إخفاءها ويلتمس التستر عليها فمن سعى إلى ذلك بالدهاء والمكر وفضح الآخرين ونشر عيوبهم لم يأمن سخط من بيده ملكوت  السماوات والأرض، ومن تستر على غيره ساعيا إلى التخلص من عيوب نفسه فاز  ونجا. ألا تعلمون أن #]من نظر في عيب نفسه، اشتغل عن عيب غيره ... ومن نظر  في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه[. أوصيكم ونفسي  بأن نكون كالمرآة لأنفسنا ننظر فيها بحثا عن  عيوبنا لعلنا نخجل من الله  الذي لا يحجب عنه شيء منا ثم نجاهد في التخلص منها قبل أن ننظر إلى عيوب  الناس. علينا بأن نعذر غيرنا ونستر عليه طلبا لمرضاة الله.

07-  من المؤسف أن يختال الإنسان على وجه الأرض متكبر متبخترا.  يا ليته يقيس نفسه بالكون. متوسط عمر الإنسان لا يزيد عن ستين عاما، قارنه  بعمر نظامنا الشمسي البالغ4600 مليون سنة أو مجرتنا التي تقدر عمرها بعشرة  آلاف مليون سنة! قارن نفسك بمن وما حولك، فأنت واحد من بلايين البشر. مثلك  مثل دمعة صغيرة على خد الكويت التي هي بدورها نقطة تافهة على الكرة الأرضية،  والأرض كلها شيء لا يذكر أمام الشمس التي يطول قطرها 109 أضعاف قطر الأرض  بضخامة تبلغ 330000 مرة من الأرض. نظامنا الشمسي بأكمله حلقة ضائعة في  بيداء واسعة باسم "درب اللبانة". تلك المجرة اللولبية التي يبلغ طول قطرها  الأكبر 100000 سنة ضوئية وتحتوي على 200000 مليونا من النجوم أو الشموس.  درب اللبانة هذا يمثل قطرة صغيرة في بحر لجاج يكمن فيه آلاف الملايين من  المجرات التي تسبح في فضاء واسع عظيم، هو العالم الذي توصل البشر إلى تخمين  طوله في عصرنا هذا. نحن نجهل بأن هل وراء هذا العالم الذي يبلغ طول قطره  حوالي 23000 مليون سنة ضوئية (والسنة الضوئية عبارة عن 9,6  ترليون كيلو  مترا) عوالم أخرى لنتعرف على مساحة الكون أم لا؟ كل أرضنا دائرة بقطر 12760  كيلومترا فلو أردنا رسمها بمقياس ملليمتر: قطر الأرض، على سطر تمثل طول  العالم المذكور بنفس المقياس، احتجنا إلى ورقة طويلة يمكن لفها حول الأرض  427 مليون مرة، وتقع الأرض بطول ملليمتر واحد فقط على هذا السطر. أما لو اعتبرنا طول قطر الكون 10000 مليون سنة ضوئية فإن ورقة بطول 186 مليون مرة من قطر الأرض تكفي لنفس الرسم.

 

إذا أردت أن تعرف حجمك الحقيقي فاعلم بأن كرتك الأرضية بأكملها  تتحول إلى كرة صغيرة ملئ اليد لو توقفت حركة الإلكترونات داخلها وسقط بعضها  فوق بعض دون فراغ. إذ ذاك ستكون ذرة صغيرة لا ترى بالعين المجردة لكنك تحتفظ  بوزنك! [# فانظر إلى عظم ملك الله فوقك!] ... لنعرف أنفسنا فنترك التكبر  والخيلاء ونحترم الناس فإن الله الذي يقدر منا على ما لا نقدر عليه من نفسنا  لبالمرصاد ورسله يسجلون كل أعمالنا  ليطوّقوا به أعناقنا يوم القيامة. ما  هذا الشعور بالنقص الذي انتابنا؟ كان آباؤنا يغوصون البحار ليل نهار ثم  يعرضون نتاجهم على الهنود في بومباي و كلكته وكشمير. كنا نعيش على ما يتمتع  به أبناء وبنات الهند، واليوم نتكبر على الهنود حيث دارت عليهم الدوائر،  فكيف بنا إذا طمسنا من خريطة العالم وتبخر ماء وجهنا وذهب ريحنا؟! (وان غدا  لناظره قريب).

08-  لا أحد يعلم ما يضمره صاحبه ولا أحد يعرف متى وكيف تتغير طريقة  تقويمه للآخرين أو نهج الغير في تطلعهم إليه كائنا من كان غيرك، غريبا عليك أم صديقك أو أخاك أو ابنك أو زوجك. من العقل أن نحدد مقدار ودنا وما يتبعه  من بوح بالأسرار الخاصة حتى لا نفقد سيطرتنا عليها إذا حالت الأيام بيننا وبين  من نحبه، وأن نقلص من غضبنا وإفشاء كرهنا لمن لا نهواه لئلا نحمر خجلا إن  قربتنا الأيام إلى بعضنا أو حجب تحاوجنا على تباغضنا. كم أرتنا الدنيا من  نماذج لتباعد الأحباب والأزواج وتقارب الأعداء والأضداد ]*أحبب حبيبك هونا ما  فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما فعسى أن يكون حبيبك يوما  ما[.

09-  المتغيرات التي تسند مختلف الظواهر في حياتنا تتأثر كثيرا بما نستحقه أو ما نقدمه لأنفسنا على مطايا الأعمال ولقلما تحفزت هذه المتغيرات  -دون استئهالنا- بموهبة إلهية استمطرتها دعوات مخلصة أو شكاوى بائسة أو وقعت  الموهبة ضمن الهداية البدائية اثر تفاقم الغوايات المضللة بيننا. إذ ذاك  فإن الله يحقق التوازن بتشديد الاختبار تمشيا مع عدله ]قال الله إني منزلها  عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين[.  كثيرا ما نشاهد توسيع نعمة من النعم بجوار محنة كبرى كأن يكرم الله شعبا  بمال وافر ويمنّيهم بسلطان جائر؛ فإذا اتقوه في ذلك المال فلعله سبحانه  يذهب عنهم قسوة السلطان أو يبدلهم خيرا منه زكاة وأقرب رحما. أما إذا  استهتروا وطغوا فما يضر القادر المتعال أن يشد طعنات الحاكم الظالم في  أبدانهم ويبليهم بالفقر والسنين. الظالم هو سيف الله يسلطه على من يشاء من  عباده لينتقم به ثم ينتقم منه. كويتنا -كما أراها- على قاب قوسين أو أدنى  من شر مستطير يحيط بنا. أرى الظلم متفشيا بيننا غير مقتصر على حكامنا،  فبعضنا يتعدى على بعض وبعضنا يأكل لحم بعض.

 

بحرص أقول لكم: لنرحم أنفسنا ونتشارك في خبزتنا مع الذين هم من  صميم الوطن، الذين يريدون الكويت بأهلها لا بمن يدعوهم إليها من الغرباء.  كنا  (نأكل التمر ونرجمهم بالنواة) لكنهم آثروا مواساتنا على الثأر بنا حينما كشف الغزو عن ساقه ومال الراعي إلى مخبئه مذعورا. عسى أن نسوق الكويت  إلى رحمة الله الواسعة ونعيد كيد الحاقدين إلى نحورهم بإذن الله.

من يدري إن لم نوقف الظلم أن يجعل الله القياد تحت إمرة الذين  نظلمهم اليوم، فالأيام تتداول بين الناس والملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع  الظلم.

10-  كثير من أصحاب المظاهر العلمية والدينية، هم فعلا أصحاب فضل وإيمان، لكنهم اختلطوا بالاستغلاليين الذين يغرون الأمم بالأردية. انهم يحسبون  أن هذه الملابس تهيئ لهم فرصة أكبر لإظهار علمهم وبذل خالص نصحهم. أرى  بعض الخطباء منهم (زقوا العلم زقا) وسفروا الفصاحة من كل قناع يغطيها  وبعض علماء الدين منهم خرقوا صدر المجهولات بالتفكر غائصين حتى لم يذر الجد  على صلعتهم حفافا. إن أي مساس بعظم شأنهم عبط وزور وتجاهلهم فصم لظهر  المسلمين وظلم لا يغتفر بحقنا قبل أن يحتسب اعتداء عليهم. نحن بحاجة إلى  التزود من علمهم والاقتداء بهم فهم إيانا أهدى من القطا وأحرص علينا من  الذين ولدونا وزوجونا. لكننا لا نميزهم بسهولة ولذلك فإني أوصي باختبار  أفرادهم واحدا واحدا في حفظ الأمانة وصدق الحديث بمعزل عن ضغوط الحب  والبغض، قبل أن نظهر الولاء لهم فيشغفوا قلوبنا حبا لا يستحقها الكثيرون ممن  في شاكلتهم، أو نعادي من نظنه زائفا أو كاذبا منهم وهو فوق ما نظن. لنعلم  أن أصحاب الفضائل محسود عليهم دائما، يحاربهم من لا يقوى على استدرارهم من  الفاسدين المتلبسين بملابسهم الرخيصة التي لا تنبئ عن أهمية حقا وعدلا.

 

فإذا  آنستم بعد الاختبار صدقا وعلما فاسترشدوا بهم وأنصتوا إليهم ولكن بحذر ويقظة  لئلا تقعوا موقع الاستغلال ولا تسندوا جسر الوصوليين، كما هو حالكم مع أكثر من  تستهدونهم، بناء على أدق المعلومات التي أنطوي عليها عنكم وعنهم. حتى بعض  العلماء الحقيقيين المعترف بهم والمرتبطين بكم لا يجدون لعلمهم بيننا طالبا  ولا لحكمتهم منا راجيا، فيبخلون علينا بما أوتوا من خير العلم والحكمة  مكتفين بإرضاء أسماعنا درءا لحاجتهم أو التماسا لاستمرار ارتباطهم بنا أملا  في المستقبل أو في هداية من يلوذ بنا من أبنائنا وأحفادنا. لقد ورثنا معتقدات وأفكارا نتمتع بالاحتفاظ بها حقا أم باطلا. قلوبنا لاتسع نشأة جديدة  متطورة وعقلياتنا ترفض الاستدلال وتتكاسل عن محاولة تصحيح ما خزّن فيها  وتعديل ما التصق بها. ألا ليتنا نستلهم الحقائق بقلوب واعية وصدور مفتوحة،  فيأخذ الحق سبيله إلى أذهاننا وأبصارنا. كثيرا ما نرى بعض أصحاب الفضائل  يضطرون إلى مزج الحق بالباطل كي لا يخسروا مريديهم وأتباعهم، فويل للمرشد  والمسترشد.

11-  الدين الإسلامي هو دين الطبيعة التي تهدينا إلى ما يمكن أن تكون عليه تصرفاتنا التي تناسب فطرتنا مراعيا مشاعر الجميع وملتمسا العدالة بقيد الإمكان طبعا. لذلك فإن الدعوة لهذا الدين بحقيقته المحضة -بعيدا عن  التعديلات البشرية التي انتابته طي القرون- لا يعوزه التكلف ولا يزينه حرص  الداعي. كل من ورد ذلك المعين السائغ بعلم ومعرفة وإيمان تحلى بالطمأنينة  وراحة البال؛ كما كان عليه سيد البشر، هادئا، موقنا، أذنا، واسع الصدر، قوي  البرهان. أما الذي يتشبث بالمظاهر والألقاب ويسعى لكتم الشفاه وإلجام الأفواه  وحريتك أمام عظمته لا تتعدى الامتثال بنعم وأبشر ولبيك؛ فهل هو داع لدين الله؟  ألا يعني هذا التصرف المشين بأن جبته خاوية من الحجة، واليقين بعيد عن قلبه؟  ما الفرق بينه وبين الحكام المستبدين الذين بنوا عروشهم على كسر الخياشيم  وحبس الأصوات وضرب الذين يحاجّون؟ انهم جميعا يعرفون أنهم يسيئون صنعا، فما  بالنا نذعن لهم؟  لا يمكنكم توخي الصدق من الأبواق التي خصصت للدفاع عن الأفراد  باسم الدين والوطن. هؤلاء الملوك هم الشرعية وهم الشريعة وهم الدين وهم  الوطن وهم كل شيء. الناس عبيد ينتظرون الرحمة والفضل من تلك الوجوه  الشريرة!... ألا فاهجروهم حتى يأتي الله بأمره وابتغوا الفضل من الله السميع  العليم. اتركوا التعصب والركون إلى الغير واطلبوا الحقائق بأنفسكم. باسم  الدين يخدعونكم وباسم الديمقراطية يسفهون أحلامكم فلا تصغوا إليهم لعلكم  تهتدون.

12-  تحدثت في صدر الكتاب عن ردة الفعل التي أخافها كثيرا على أهلي ونفسي فنحن ضعفاء يقصر نظرنا على العاجل ويغرب عنا الآجل، لكننا نعيش في محيط يسكنه ضعفاء مثلنا يمارسون ضدنا الانتقام إذا ملكوا ونترصد لهم القدرة والسيطرة لنضرب منهم كل بنان. هكذا تنتشر الشراسة بيننا وتتضاءل المكرمات  فيهون علينا إباحة الأنفس والأعراض وكل ما حرمه الله وتوعد عليه اليوم  وغدا. لذلك فإني أذكركم ونفسي بأننا لم نرث ما بيدنا استحقاقا ولا نتوقع أن  يعاملنا الله بعدله. كلنا يعلم ما سود به صحيفة أعماله ويدرك هول المحكمة  التي تنتظره أمام من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. تعالوا بني جلدتي  نتفق على أن نصفح عمن ظلمنا إذا قدرنا ولنعم ما قاله سيد الحكماء#]إذا قدرت  على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه[. هكذا نشكر خالقنا العظيم  فيؤهلنا لسابغ خيره ووابل فضله وكرمه. نحن نجهل مقايضة السن بالسن فلنترك  الأمر لله ولا نتورط في الاعتداء بنية الاقتصاص. ألم يطلق رسول الله سراح أبي  سفيان وأهله المجرمين وكل من ظلمه من أهل مكة ترفعا على أخذ الثأر وترسيخا  للمحبة في أمته وإيقافا لردة الفعل التي لا تقف إلا  بتركها و إحلال العفو  محلها. اعلموا أن الذين يظلمونكم فعلا وهم الذين يحكمونكم بالاستبداد وبتجاهل  حقكم الطبيعي في أن تحكموا أنفسكم بأنفسكم، هؤلاء هم الذين يتنفعون من حثكم  على معاداة الذين ساند رؤساؤهم غزو الكويت وهم لا حيلة لهم فيه ولا رأي. إذا  حمى الوطيس بينكم فإن الحاكمين في مأمن من بأسهم وأنتم الذين تصيبكم شرارة  نارهم وضربة ضغنهم ودفائنهم. ألم تروهم كيف هربوا من الغزو قبل أن تمسهم  النار وأوقعوكم طعمة لمغانم البعث وحطبا لحسدهم وحقدهم. فتبصروا ولا تغتروا  بمن يستعملكم لمصالحه واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، فكيف بكم  إذا شاركتموهم في ظلمهم. اللهم اهد أهل الكويت جميعا إلى سبلك وأبعد حكامنا  عن الغي والضلال واقفل على وجوهنا أبواب الظلم والإثم ووفقنا لأن نقوى على حفظ  وطننا وحفظ أهله بأيدينا واحرم الأجانب من التمتع بالسلطة علينا واصرفهم عنا  بفضلك ولطفك يا كريم.

13-  هناك، في المجتمعات الإنسانية طبقة من الأذكياء تركوا العلم والفضيلة وراحوا يرتزقون ريع الخداع والمماكرة فهي أهون السبل لتسلق القمم؛ انهم يتشبثون بالسياسة إن أتيح لهم، وإلا فبالدين الذي فتح بابه للغادي والبادي بدون قواعد. هؤلاء المخادعون يتعاونون معا في قمة الاقتدار إبقاء لما  بيدهم وصونا لمسروقاتهم من عقول الأمم وأموالهم. ترى الزعماء السياسيين  دائما وأبدا يولون اهتماما ملحوظا برجال الدين والعكس بالعكس، وترى  العلماء الحقيقيين، تحاربهم السلطة وترصد لهم بكل مكان ومجال. ذلك لأن أكثر  رجال السلطة ومن يتعاون معهم من رجال الدين ليسوا رجال حق وعدل بل دخلاء  لبسوا مآزر السلب والنهب باسم الدين والوطن.

 

لذلك، فإني أرجو من الشباب المثقف والمستنير أن يتصدوا بأنفسهم  للمسائل الكويتية وخاصة مسائل الخلاف، تلك المسائل التي يستند إليها أصحاب  المصالح لإدراك مآربهم والتي تنبري لها الطبقة المتعاملة بالدين والسياسة.  بإمكانكم، إخواني وأخواتي، أن تشكلوا جمعيات أو مجامع لمختلف المهام، مثل  جمع وتوزيع الحقوق الشرعية، إثبات الهلال، إدارة الأوقاف، ترشيح النواب  الأكفاء للبرلمان والمجالس البلدية، مساعدة ذوي الحاجات والعاهات بمن فيهم  الأيتام والفقراء والمعوقون، إنشاء المدارس والمعاهد وتهيئة المناهج  والبرامج الدراسية أو التوصية بها، الدفاع عن المرافق العامة والشخصيات  التي تهم الأمة الكويتية وكذلك مساعدة القوة العسكرية في الدفاع عن الوطن  حينما يلزم، تشكيل لجان ثقافية لدراسة التاريخ الإسلامي والعربي والكويتي  وتنقيحها وتصحيحها بعيدا عن التعصب وعن المصالح المهنية والشخصية التي تعوق  سبيل الحقائق وتعتم الدرب على سالكه ]ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن  بينة[، الاطلاع على الخرافات والبدع التي التصقت ظلما أو جهلا بعقيدتنا  وإظهارها بوضوح للناس في محاولة لتضييق الشقة بين السنة والشيعة في الكويت  و تهيئة الشعب لتناسي السلبيات وإنهاء الفرقة والاعتصام بحبل الله إيذانا  بتوجيه كل الجهود لخدمة الكويت وخدمة شعبها الكريم، والخلاصة اقتراح وملاحقة  كل ما ينفع البلاد ويقي مقوماتها ويدفع الاضطراب عن أهلها.

اعلموا أن الفخار لمن يعمل ويجتهد والرأي له أيضا، فاتركوا  التعيينات والترشيحات الفخرية لذوي الألقاب السياسية والدينية واعملوا  بأنفسكم وبأيديكم. لا تربطوا أبواق الدعاية أمام عربات التحرك والنشاط ولا  تستبقوا المكاسب السياسية بل اعملوا بجد وجهد لتقتربوا من المقاطف السياسية  والاجتماعية التي تؤتي أكلها لمن يعمل بيقظة ونور، فسوف يعلى شأنكم ويصلح  حكامكم وتتراخى الأزمّة لكم وتفك عقد مطامحكم وتطلعاتكم. إن الغلبة والفوز  لمن يكافح ويصبر وعنان الأمور بيد الله لا بيد عبيده فاطلبوه وتوجهوا إليه  واستهدوه وحده لا شريك له، يضل  من يشاء ويهدي من يشاء ويرزق من يشاء بغير  حساب.

14-  لعل في تداول النعم بين الشعوب والأقوام على مر الأزمان وعابر الأيام والأمر بالإنفاق والبذل إيحاء واضحا بأن الرزاق العليم يسلب أقوات بعض خلقه أحيانا -اختبارا لهم ولغيرهم أو مجازاة لهم وإكراما لغيرهم- ويودعها لدى البعض الآخر. فمن أسرف في التمتع بالنعيم ونسي خلق الله نكل به  وانتقم  منه قطعا لأنه يأكل مما استودع عنده لغيره. والويل لمن يتلف محاصيل الأرض  وأرزاق العباد أو يبيد ذخائر الأرض وكنوز الأجيال إذ أنه يخون أمانة ربه.  فاتقوا الله فيما بيدكم ولا تسرفوا واقتصدوا وانتبهوا أن الطاقات والمنتوجات  ثروات عامة لا يجوز التفريط بها قطعيا.

 

الإسراف في صرف الكهرباء والماء والمشتقات البترولية  والبتروكيماويات والإلكترونيات والحديد والمطهرات والمساحيق وسوائل الغسيل  والورق والمناديل الورقية والأقمشة ومواد البناء والأخشاب وبقية جواهر الأرض  ومعادنها والأدوية وغير ذلك من نعم الله تعالى على مواليد هذا القرن الزاخر  وكذلك الزيوت والدهون والمحاصيل الزراعية واللحوم والأسماك والطيور والفواكه  وعامة النباتات ووو  تؤثر في سلامة البيئة بأجوائها ومياهها وتربتها وتؤدي  إلى ارتفاع الأسعار ونفاد بعض الخامات والبروتينات أو انعدامها لدى بعض  الفقراء الذين لا ينفكون عن بقية البشر بل ينقلون إليهم الأمراض والأوبئة  التي تصيبهم من جراء نقص المواد الضرورية. فامتنعوا من ذلك وامنعوا غيركم  وانتصحوا وانصحوا الآخرين صونا لمستقبلكم ومستقبل أولادكم وأهليكم.

15-  إن عدم توفر الضمان الاجتماعي وعدم انعقاد الأمن القومي يخلقان الشعور بالحاجة الملحة إلى المال لدى أولئك الذين لا يؤمنون بالله في منطقتنا. هؤلاء -وان كانوا دهاة أذكياء في بعض جوانب الحياة- هم أغبياء  تعساء مع أنفسهم، فالخوف والهلع يحتضنهم ويستحوذ عليهم. ولولا تمسكنا بديننا  القويم لدعونا إلى محاربتهم كما فعل الفقراء بالأغنياء في كثير من الأصقاع  محقا لهم ومحوا لذكرهم. لكن الإسلام ليس فقط يمنعنا من ذلك بل يأمرنا بالصلاة  عليهم إذا دفعوا حقا من حقوق الله عليهم. لعل في قوله تعالى لرسوله الكريم:  ]وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم[، دليلا على تمكن الاضطراب من قلوب بعض الناس  الذين يستكينون باستماع الصلاة من حاكم قوي مثل رسول الله، حيث يعتبر ذلك  إشفاقا لمصيبتهم النفسية قبل أن يكون وسيلة لإخراج حقوق الأمة من أيديهم  القابضة عليها قبضة الصدر على أنداء الوريد. ومن لا يدفع سيطوق ما بخل به  يوم القيامة ]ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل  هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة[.

 

لكننا إذا كففنا عن المساس بهم فلا نترك محاربة هذه الصفة الخبيثة  عندهم وذلك بالابتعاد عنهم وإهمالهم وعدم التعامل معهم وتذليلهم عند اللقاء  بهم حتى يشعروا بالوحدة والخذلان ويتعرفوا على ضعة ما بيدهم لعلهم يهتدون.  وإلا ندعو الله أن يقبضهم فيريحنا من شرهم. حينما ابتلي شعبنا بالتشرد، سمحت  له الظروف أن يتعرف على بعض هؤلاء الفاسدين الذين حرموا إخوانهم المشردين  من التمتع بأموالهم المودعة في شرق الأرض وغربها. كنت أشاهد بعض هؤلاء  الظالمين يسعون لإظهار الحب والود باللسان ويحاولون استدرار الحكومة للصرف  عليهم، لكن ما بيدهم من مال الله لا يبيحونها للكويتيين المشردين وأبناء  السبيل. أما الذين هم بلا جنسية فقد نسوهم تماما لأن التفكر فيهم يكلفهم بعض  المال، إذ أن هؤلاء محرومون من المنح الحكومية مع الأسف. حتى الذين دفعوا  النزر اليسير، كانوا يتطلعون لاستعادة أضعاف ما دفعوه من مخصصات الغزو وقد  فعلوا ذلك. هذه نبذة يسيرة من تصرفات البخلاء مع إخوانهم. علينا أن نبخل  عليهم بحبنا وودنا فهم لا يستحقونها ما لم يتركوا البخل والحرص.

فلا تبخلوا في أموالكم ولا تعاونوا مع البخلاء ولا تعاملوا معهم ولا  تشتروا من بضائعهم وخدماتهم وقاطعوهم حتى يتواروا من سوء فعالهم أو يحكم  الله بيننا وبينهم.

16-  نحن بشر نحب أنفسنا حبا غريزيا لا يمكننا إنكاره أبدا. كل ما  نشعر بالشوق إليه ونتوق إلى اقتنائه من الصميم -عدا جسور القرب والبلوغ-  فهو أيضا طبيعي لا يسعنا مفارقته. نتلهف للتمتع بقدراتنا الذاتية ونقاتل في  سبيل دركها والدفاع عنها بدرجة أدنى قليلا من الدفاع عن النفس. ذلك التلهف  غريزي يتبع حب الذات، لكن حب المتع ليس غريزيا فهو تابع لقدرتنا على إتيان  بعض الأعمال وتتغير قدرتها بنسبة إمكاناتنا.حب الصانع والمصنوع والتعرف على  الغيب أو ما لا يسعنا دركه والتفكر والإدراك و أفعال الحواس وسد الجوع  والعطش والإنجاب والتمتع الجنسي؛ كلها طبيعية وغريزية بالقوة لا بالفعل.  نقصد بالغريزة ما هو جزء أو ملازم لذاتنا فنحن بدونه لسنا بشرا أو بشر  ناقص. هذه الغرائز مشتركة بين البشر جميعا دون تمييز ولا يمكن محاربة هذه  الغرائز ولا التخلي عنها بصورة مستمرة. لو أن فردا أو قوما تخلوا عن بعض  غرائزهم لأي سبب، فهم غير صادقين وغير مرتاحي البال وسيعودون إلى غرائزهم  إذا فسح لهم المجال أو أسدلوا الستار على الشكل الاجتماعي الذي أوجدوه لأنفسهم.

 

أما بقية الصفات فهي عادات غير غريزية وغير مشتركة بين كل البشر  بالضرورة. الإنسان جدير بأن يترك المذاهب والعادات التي تضره حتى الوراثية  أو المترسخة في ذهنه أو بدنه. شرب الكحول وإدمان المخدرات والتدخين وكذلك  إدمان المنبهات العادية يمكن تركها ومحاربة النفس فيها إذا عزم الإنسان  واستعان بالله في ذلك وألطف في الابتعاد عنه بالهدوء والتدريج. كثير من  العادات المعروفة بيننا تضر أصحابها أو المختلطين بهم ويعيب الاتصاف بها إن  لم يكن محرّما. ليت المبتلين بها يشعرون بالتعسف والظلم على الغير وعلى  النفس فيكفوا عن الإتيان بها أمام غيرهم بل ينعزلوا حتى تنتهي آثار عملهم،  وليتهم يحترموا ويرحموا من حولهم من الكبار والصغار ويتقوا الله في إلحاق  الضرر بالذين لا يتخلون عنهم حبا فيهم وإكراما.

17-  أقلّوا من معارضة صغار المدراء والمسؤولين بالدولة فهم مأمورون لا حيلة بيدهم ولا تعارضوا الكبار مباشرة فإنها تورث الكره والبغضاء بينكم وبينهم فيواجهونكم بالقسوة، ولكن، انتقدوا المناهج وأحيانا الأعمال أو تطبيق المناهج بصورة بنّاءة، واقصدوا بانتقادكم وجه الله وإصلاح أموركم وأمور الوطن والمواطنين، فإذا تورع زعماؤكم عن الظلم كان بها المراد، وإلا فإن الله سوف يكفيكم بأسهم وينصركم عليهم بعد أن يكسر شوكتهم ويهدم بنيانهم.

18-  كل من يرتبط بكم من قريب أو بعيد، صديق أو عدو، ضعيف أو قوي، إنسان عادي أو رئيس دولة وغريب عن السياسة والإدراك أو عالم بها، فهو لا يصرف المال والوقت لك أو عليك إلا لمصلحة يجنيها عن طريقك أو بالتعاون معك.  إن خير ما تواجهه به هو صيغة التعامل، فهو يقلل من الخسائر ويوصل مجريه إلى  ما يمكن أن يصل إليه أو قريبا منه، فإذا رأيت صاحبك يجهل التعامل فاسع  لتعليمه وعرض طرق التفاوض عليه ثم عامله بما علمته إياه.

 

ولا يفوتني أن أوضح بعض ملابسات هذه المسألة لكم يا سواعد الكويت  وبناة مستقبلها:

ألف- الحروب لا توقد إلا لإرغام الخصم على الجنوح للشروط والعقلاء لا  يحاربون أحدا غير الجاهلين أو الذين أعماهم الغرور وسلبت عقولهم الأنانية  ونكران الغير.

ب  - الدعوة إلى تغيير الوجهة الاجتماعية ومحاربة السلوك العام -حتى  ولو كان ذلك السلوك فاسدا- تحتم المواجهة القاسية وتعد الناس للقتال. لذلك  حورب أنبياء الله وحملة رسالته وأوذوا حتى نصرهم الله، ونحن اليوم لا نملك  تلك الدعوة بمفهومها الرسالي قطعا، لكننا كمسلمين نحاول التعرف على الشريعة  الإسلامية وتطبيقها عمليا في حياتنا الخاصة والعامة. هذا النهج العملي إن كان  دقيقا وصحيحا فهو دعوة في حد ذاتها لكنه قلما يثير الحروب. الإسلام بمن  يعتنقه اليوم وبما أوتي المسلمون من مال فهو غني عن إثارة الأحقاد والأضغان  وخلق العداء والخصام مع غير المسلمين. ألا ليت الذين اشتهروا بالإسلاميين  -وهم يؤمنون برسالة الإسلام قطعا- ينشغلوا عن الغير بإصلاح أنفسهم ودراسة  معتقدهم واستخلاص المجموعة التشريعية التي جاء بها محمد بن عبد الله (ص)  بنفسه نقية عن الشوائب والإضافات ومحتفظة أو مستعيدة كلما أسقط منها بعد  وفاته، ثم يعملوا بها ليروا انجذاب المخلصين من معتنقي الأديان الأخرى إليهم  والى دينهم. نحن اليوم -بما قدمته أيدينا من آثام- لا نملك صد مؤامرات  الكفار فكيف بخوض الحروب الإسلامية والقتال لإعلاء كلمة الله، ومن يدع إلى ذلك  فهو وصولي اتخذ الإسلام قنطرة لمآربه أو جاهل لا يعرف قدر نفسه. لقد سلط الله  علينا شرارنا ولا منجى منهم فلنغير أنفسنا وإياهم قبل أن نمس حريم الغير.  لا حرب اليوم مع الكافرين إلا للدفاع عن أنفسنا وعن بقية المسلمين ما وسعنا  عليه.

ينفرد المرسلون من قبل الله بالدعوة إليه، وغيرهم طالما يدعو إلى  نفسه باسم الإسلام. ألا ترون الله يواصل إرسال الأوامر والكشف عن حيل الأعادي  طيلة الحروب والغزوات التي خاضها نبيه الأمين. النبي أدرى وأعلم منا وهو لا  يعلن قتالا دون وحي منه تعالى، فكيف بالذين تعلموا قليلا وهم يعلنون الحروب  من تلقاء أنفسهم؟! إن في متابعة القرآن لميادين القتال الذي يدخلها نبيه  دليلا قويا على عدم جواز إعلان الحروب الموسعة لنا عدا الدفاع طبعا. لقد  استغنى الإسلام بعد ثورة الحسين بن علي (ع) من الدفع والإطلاق، وصار ينطلق  بنفسه وتتبلور كنوزه وتخرج ذخائره تلقائيا. لمس الناس قمة الخلوص  والاستعداد للفداء والموت من أجل العقيدة وحدها دون أي مضض من أهل بيت  النبوة وعرفوا معنى جديدا للإسلام. كل الثورات تتفجر كالبركان ثم تخمد أجيجها  بعد موت مفجرها ليقطف الوارثون جنى غرسة فقيدهم. أما صاحب هذه الثورة قد   خلّف بيتا لا يقل حرصا على الرسالة من صاحبها فهي حق ومحض الحق. نحن نفقد  اليوم هذه الصفوة ولكن دين الله لا يفقد شيئا، إذ لو احتاج إليهم لكانوا  بيننا وما كانوا غائبين.

أما المسلمون اليوم -وهم غير الإسلام طبعا- لا يحملون الحجة البالغة في  مذاهبهم ومعتنقاتهم القريبة من الإسلام الحقيقي. ولذلك يجزمون بما لديهم  رافضين النقاش وإعادة كتابة التاريخ الإسلامي وغربلة التراث الذي مسه الكثير  من التصرفات الشخصية والتجاوزات. المغول ثاروا أكثر من مرة على المسلمين  وأحرقوا مكتباتهم ومواريثهم. مكتبة دار الحكمة في بغداد أحرقت وبها أربعة ملايين  كتاب.مكتبة مكتبة  هذا التراث مر على عهود قيصرية يحكمها بقسوة وعناد، مسلمون يضعون  التيجان ويسكنون القصور خلافا لسيرة النبي الصادق الأمين. من الخير لنا أن  نشك في صحة ما بيدنا بجزم ودون تمحيص.

فعلينا أن نتعقل في مسائلنا التي ترتبط بالآخرين ونتعامل معهم ساعين  إلى توازن الأخذ والعطاء بيننا وبينهم وإلا فنأخذ الذي نقدر عليه ونسعى  للمزيد تاركين ما فاتتنا من حقوقنا إلى أحكم الحاكمين ليقتص ممن ظلمنا  واعتدى علينا.

19-  اسعوا إلى اقتناء واشتراء الأفضل والأكمل لتستقيم الجودة في بلادكم، إذ ذاك تتزين حياتكم وترخص أسعار البضائع الجيدة عندكم بسبب الإنتاج الأكبر فتنمو السياحة وتنتقل إليكم الثقافات ويتحسن معاشكم. دخلت إحدى  المصانع التي تنتج عصارة خاصة تعبأ بالقناني الزجاجية وتباع بكميات كبيرة  في الكويت فشاهدت أن المصنع يضيف الماء الزلال بمقدار اثني عشر مرة على  المستخرج. قلت لصاحبه: لماذا تدفع ثمن 11 زجاجة إضافية وتتكلف تنظيفها  وتعبئتها وتغليفها وتدفع مصاريف الشحن والتفريغ الباهضة آلاف الكيلومترات  إلى الكويت. أجابني ضاحكا: الكويتيون لا يعرفون قيمة البضاعة الجيدة وغير  مستعدين لدفع قيمتها وتوفير هذه المصاريف، ذرنا نربح على طريقتنا. هكذا  تخسرون الكثير دون أن تشعروا.

20-   الحديث عن النبي وأهل بيته وصحابته ليس جذابا للجميع لأن الذين اتبعوهم يمارسون العقائدية والتعصب الممقوت مع كل من يبدي رأيه بشأن أولئك النفر الطيب. كأن هؤلاء الاخوة يملكون الإسلام أو يملكون الحديث عن قادته وحملة  رسالته أو يملكون أفكارنا وأفواهنا نحن الأناس العاديين الذين نحبذ التحدث  والبحث حول كل موضوع بحرية وعمق نظر. لكن الواقع، أن الإنسان إذا خلّي ونفسه  ثم تصفح التاريخ لاختيار النماذج المتكاملة لمكارم الأخلاق، فإن رسولنا العظيم  يتجلى بوضوح في أسفار التاريخ البشري بأسره، يتلوه أهل بيته وبقية الأنبياء  بما أوتوا من الحكمة وما أتوا به من روائع العلم والعمل. هم مصابيح الهداية  ومنارات الحقائق، ينيرون الدرب لمن يقرأ عنهم فيحذو حذوهم. ثم يأتي دور  الصحابة والتابعين الأجلاء وخاصة الذين لم يسرفوا منهم. أما الذين أسرفوا  منهم فلو فرضنا أنهم تابوا بعد ظلمهم وأصلحوا -كما هو المتوقع ممن قرب عهدا  من شمس الرسالة- فلعلنا نسكت عنهم لكنهم ليسوا قدوة لنا نحن البعيدين عهدا  منهم ]ولا ينال عهدي الظالمين... إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء  بجهالة ثم يتوبون عن قريب، فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما[.

 

إخواني وأخواتي:  إذا فقدنا المقاييس واتبعنا أهواءنا فإن مصيرنا  إلى الهلاك قطعا والى النار. نظرة الحب إلى من نواليه، إذا أعمتنا عن رؤية  الحقيقة وسولت لنا الأعذار لغسل العار عمن أتى بالعار، لمجرد أننا نحبه  ونهواه فإن الحقيقة سوف تختلط في أذهاننا بالباطل وسنضل الطريق. هكذا يجب  أن نقيس كل من نهواه أو نتولاه حتى لا نفاجأ بالأهوال. لو كان اتباعنا  لحكومتنا عن نور ودقة في الرؤية لما قبلنا منهم كلما يعدونه لنا من مزيج  أهوائهم وابتغاءاتهم ومآربهم التي زينها لنا إعلامهم المأجور، حتى طرق  الغازي اللئيم حمانا (وقد بلغ الحزام الطبيين). هكذا اتبعناهم متجاهلين  معايير الحق والباطل فغوينا. ما أتعسنا وما أتفهنا؛ ليس لي إلا أن أقول:  (بال حمار واستبال أحمرة).