عهد الناس لربهم قبل أن يصورهم الله سبحانه

 

خلية جسم الإنسان السليم مؤلفة من 23 زوجا من الكروموزومات. وكل خلية تحتوي على ما يقرب من مائة ألف جين موزعة على 23 كروموزوم في كل مجموعة من مجموعتيها. والجين هو وحدة الوراثة التي ترمز إلى خاصية من خواص عضـــو من أعضاء البدن. والسر في زوجية الكروموزومات هو أن كروموزومات الأب والأم أو بالأحرى كروموزومات آدم وحواء التي ورثناها نحن، تتراءى للناظر إليها بالمايكروسكوب على شكل عصوين ملتصقتين ببعضهما البعض . هذا الشكل العصوي البارز لا يظهر إلا حينما تبدأ الخلية عملية التكاثر والانفصال. كل عصا من هذين العصوين تحتوي على نفس الجينات ولكن الأول جينات آدم والآخر جينات حواء. بالتأكيد أن كروموزومات آدم وحواء المتكاثرة المتواجدة في بدن كل رجل ليس هي عينا كروموزومات الأبوين الأكبرين. لقد طرأ عليها الكثير من التغييرات الخلقية على مر السنين ولكن الأصول الإنسانية لم تتغير.

ولدفع أي التباس فإن الرجل يحمل كروموزومات أبيه آدم و أمه حواء وهو ينقل كروموزومات أمه حواء إلى زوجته لتكون مع كروموزوماتها المتوارثة من حواء أيضا بنتا جديدة. أو ينقل إليها كروموزوماته الذكرية ليكون معها صبيا جديدا. فالرجال يحملون كروموزومات أنثوية وذكرية كما أن نصف حيواناتهم المنوية إناث والنصف الآخر ذكور ولذلك فإن احتمال تكون الجنين الجديد من حيث الجنس هو 50%. وبالنتيجة فإن جينات كل امرأة تتكون من الجينات الأنثوية لأبيها مع الجينات الأنثوية لأمها. وجينات كل رجل تتألف من الجينات الذكرية لأبيها مع الجينات الأنثوية لأمها. ولا يخفى أن جينات النساء مؤلفة من الجينات الأنثوية لآبائهم والجينات الأنثوية لأمهاتهم. والله وحده يعلم ماهية جينات الموجود الجديد، هل هي من جينات الأبوة أو الأمومة لدى كل من الأبوين ليحمل الجنين الجديد صفات اثنين من أخواله أو أعمامه أو خالاته وأحيانا عماته.

 

هذه الجينات تحمل الأوامر الخاصة بصنع عضو أو تأليف لون أو أية خاصية أخرى. فالجينات الأبوية تعمل نفس عمل الجينات الأموية، لكن كل عمل من الأعمال اللازمة لتركيب الجسم تتولاه إحدى الجينين بالصدفة كما يبدو. فلعل لون البشرة تتولاه جين الأم وتتولى جين الأب عملا آخر في نفس الحقل فيتبلور لون جديد للشخص الجديد. حتى الأمراض الوراثية يمكن أن تنتقل من أحد الأبوين بنفس الطريقة.

ولعل القارئ الكريم يعرف بأن كل خلية بمفردها و بجيناتها قادرة على بناء إنسان كامل هو صاحب هذه الخلايا. ولذلك فإن الخلايا تتكاثر بشكل مميز يجعل كل خلية جديدة تحمل كل خواص وشكل الخلية الســـابقة. حينما يقترب وقت التكاثر فإن مركز الخلية الذي يستضيف الجينات يتنشط بقوة و الكروموزومات تجمع أجزاءها ليأخذ كل كروموزوم شكل عصا متحدا مع نظيره الذي هو بمثابة عصا آخر ولعل هناك رابطا ما يربط العصوين كما يتظننه علماء الأحياء. ثمت تقوم كل زوج بصنع زوج آخر مشابه لهما وتقوم الخلية بتزويج بقية أجزائها فالجزء الذي يحمل هوية الخلية والذي يُعرف بالسنتريول تقوم بصنع سنتريول مشابه لنفسه أيضا. يأخذ السنتريول الجديد مكانه في القطب المقابل للسنتريول القديم داخل الخلية. ثم تصطف الجينات لتتحرك كل مجموعة باتجاه السنتريول المتبوع لها.

عملية صناعة الزوج المشابه هي بمثابة استنساخ تصويري كامل لكل خصوصيات الجينات المودعة في الخلية لتحمل الخلية الجديدة جميــــع صفات وخصوصيات الخلية التي انتصفت إلى خليتين. وهكذا فإن الخصوصيات المميزة لكل شخص لا تتغير أبدا مهما بلغ عمره. وجدير بالذكر أن خلية الإنسان صغيرة جدا ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وأزواج الكروموزومات التي تضم حوالي مائة ألف جين لكل مجموعة منها تقع في المركز الذي يأخذ أقل من نصف بالمائة من الخلية. سبحان الخالق البديع.

وحتى نعرف معنى العهد علينا بأن نتعرف على نوع آخر من الانقسام الخلوي. لنعلم بأن مجموعة الكروموزومات التي تحتوي على 23 زوج كروموزوم، فإن 22 زوجا منها تمثل الكروموزومات البنائية التي تبني مختلف أعضاء الجسم غير الأعضاء الجنسية وأما الزوج الثالث والعشرون فهي مسوؤلة عن تركيب المستلزمات الجنسية ولذلك فهي ليس على شكل الأزواج الأخرى كما تختلف تكاثرها عنها أيضا. من الواضح أن الكروموزوم الجنسي عبارة عن كروموزوم آدم وأخرى لحواء.

فالكروموزوم الأنثوي يكون على شكل علامة الضرب أو

X

 أما الكروموزوم الذكري فتكون على شكل حرف

Y

 فالرجال يحملون الكروموزومين

X, Y

وأما النساء فيحملون كروموزومين أنثويين من مواريث السيدة حواء وحدها فهما

X , X

وجدير بأن نعرف أن ازدواجية الكروموزومات البنائية بدليل توارث كروموزومات آدم وحواء البنائيتين مع ما طرأ عليها من تغييرات على مر الزمن وتحت مختلف الظروف.

وبما أن الكروموزوم التي تحمل النفس الإنسانية هو كروموزوم

Y

المختص بالرجال، فإن إمكانية قيام الأنثى لوحدها بعملية الجنين دون التلاقي مع كروموزوم رجل محال تقريبا. هناك حالة شاذة واحدة ذكرها القرآن وهي حالة مريم العذراء وسوف نتحدث عنها مستقبلا بمشيئة الرحمان. وبما أن الأنثى لا تحمل كروموزوم

Y

في خلاياها فإن الحيوانات المنوية الأبوية بشكليها

X , Y

كانت تحمل النفس الإنسانية دون أدنى شك. كما أن الرجل غير قادر على إنجاب مثله لعدم وجود رحم بداخله.

 

وانقسام الخلايا الجنسية مختلف لدى الجنسين فخلية الأنثى الجنسية تنقسم مرة واحدة وهي جنين في رحم أمها لتنتج مجموعة كبيرة من الخلايا ذات الكروموزومات الأحادية. يقوم جنين الأنثى بهذه العملية الغريبة لفترة قصيرة فيخزن حوالي 40 ألف خلية أحادية غير متكاملة في المبيض. ثم تقوم الأنثى في سن البلوغ بصنع بويضة واحدة كل شهر تقريبا من إحدى مخزوناتها من الخلايا الناقصة. تستمر هذه العملية حوالي أربعين سنة تتشكل فيها حوالي خمسمائة بويضة. أما الذكر فإنه يبدأ بعمل الحيوانات المنوية من سن البلوغ. إن الخلايا العادية تقوم يوميا بعمل أعداد كبيرة من الخلايا الأحادية التي تتحول إلى حيوانات منوية بعد تكامل الخلية. هذه الخلايا غير قابلة للتكاثر، لأن كروموزوماتها أحادية. إنها تعني بأن الكروموزوم الفعال هو الكروموزوم الثنائي المشترك (مواريث آدم وحواء مع بعض).

ولذلك فإن هذه الخلايا الأحادية تحمل جينات الأب أو الأم وغير قادرة على التكاثر. وبما أنها لا تتكاثر فهي لا تحمل كل الصفات النفسية للرجل صاحب الخلايا. وبتعبير علمي بما أن أوامر التكاثر مفقودة في تركيب الكروموزومات الأحادية فإن احتمال عدم انطوائها على الكثير من الأوامر الأخرى واردة وصحيحة. اعتادت الخلايا طوال سني ما قبل البلوغ بتكثير نفسها بصورة كاملة وبمجرد البلوغ فإن بعضها غيرت المسيرة المعتادة وأضحت تعمل خلايا أحادية لا تحمل كل الأوامر.

ونقول لا تحمل كل الأوامر لأنها بمجرد التلاقي مع البويضة فهي تنقل بعض صفات الأب إلى الخلية الجديدة للإنسان الجديد وتبدأ بالنشاط المعتاد. فهي تحمل بعض أوامر الخلايا الأبوية ولكنها تفقد بعض الأوامر التي أفقدتها خاصية التكاثر. وقبل أن نخوض في الموضوع القرآني فإننا نحتاج إلى التعرف على مقدمة أخرى.

كلنا نشعر بأن الإنسان يتطور من حيث المعلومات والقدرات العلمية والفكرية على مر العمر باتجاه النضح والخبرة حتى في سني الكهولة والشيخوخة بالنسبة للذين يشغلون عقولهم باستمرار. ولقد ثبت علميا في العصر الحديث أن خلايا الإنسان تتجدد باستمرار. هذا يدل على أن الخلايا الجديدة تحتفظ بكل الصفات الوراثية مضافا إليها الصفات التي اكتسبها صاحب الخلية بإرادته وقدرته ومثابرته واجتهاده. إن خلايا المخ التي تحتفظ بالمعلومات متشكلة من نفس خلايا بقية الأعضاء ولكنها تتنشط من جهات خاصة غير الجهات والاعتبـارات الموجودة في بقية الخلايا. لعل خلايا الحيوانات المنوية والتي تتجدد دائما تحمل الكثير من صفات وقدرات صاحب الخلايا وتنقلها إلى الإنسان الجديد في رحم الأم. حتى القدرات الفكرية والعلمية والبدنية المتطورة تتواجد في خلية الحيوان المنوي الأحادية.

أظن أن عقائد الناس ومذاهبهم الفكرية لا تتأثر بتجدد الخلايا فالخلايا الجديدة تتطور مع التطور الفكري لصاحبها. فلو كانت الخلية الأحادية الأبوية تحمل جميع صفات الأب وتنقلها إلى بويضة الأم لكان الإنسان الجديد متأثرا تماما بعقائد الأبوين. لكن الله سبحانه ينفي بقاء العقائد المكتسبة مع القسم المنشطر من كروموزومات الخلية المولدة للحيوان المنوي. إنه سبحانه يعزو شخصية الإنسان الجديد ومؤثراته الوراثية العقائدية إلى التركيبة الجديدة دون أن يكون لخلية الأب أي دخل في ذلك. إن الحيوان المنوي بانفصاله عن كروموزوماته المشتركة تفقد أوامر العقيدة المكتسبـة كما تفقد أوامر صنع المثل أو التكاثر. ولعل أقوى شاهد على عدم انتقال جميع الصفات الوراثية في الكروموزوم الأحادي هو أن خلايا الإنسان، تتغير بعض أوامر جيناته مع كبر السن، فخلية الشاب تصنع خلايا شابة وهي نفسها عند كبر سن صاحبه تعطي الأوامر بصنع خلايا الشيخوخة. نفس هذه الخلايا حينما تتوحد وتنتقل إلى بويضة امرأة كبيرة في السن مثله فإنهما بعد التزواج تعطيان الأوامر بصنع خلايا طفل صغير و ليس خلايا عجوز مثلهما.

لا غرو إن قلنا: إن هذه المجموعة من التشكيلة الكروموزومية تحمل الصفات المفيدة معها بدليل أن الإنسان الجديد عادة ما يكون أقوى وأوسع فهما من الأب أو الأم. وهي تترك الصفات والأوامر الضارة التي تؤثر في شخصيتها وفرديتها وتكتفي بحمل ما تفيد من الأوامر التي تساعد الإنسان الجديد على بناء شخص أقوى عقليا من سلفه على الأغلب. هذا هو قسم من أسرار التطور العام في بني الإنسان على مر الزمان حسب ظني القاصر. ولما تشكلت الخلية الأحادية منفصلة عن شركائها الكروموزومية فإنها تترك عقائدها الوراثية وتعود إلى الفطرة الطبيعية التي تؤمن بالله تعالى وتسبح له وتعبده بصورة طبيعية. إن كل واحد من هذه الخلايا الأحادية الجديدة كانت جزءا من خلية إنسان يحمل معتقدا دينيا مكتسبا معينا ولكنها اليوم قد فقدت كل العقائد الدينية المكتسبة فأصبحت حرة لتعود إلى الفطرة التي خلقها الله مؤمنة بربها. إنها قسم من وجود إنسان يحمل عقيدة خاصة به فأصبح اليوم حرا يستمد العقيدة من فطرة الله ورحمته فهو يقوم بعهد جديد مع ربه كما يقوم كل موجود بذلك العهد بمجرد حدوثه.

كل ذلك حتى لا نعود إلى الله في يوم الحساب فنتشبث بأننا كنا أجزاء من آبائنا وقد أورثونا عقائدهم بصورة وراثية أو جينية خارجة عن إرادتنا. لعل هذا ما يريد الله سبحانه وتعالى بيانه في الآيتين التاليتين 172 و 173 من سورة الأعراف:

{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين    أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟}

وإذ أخذ ربك: هذه السورة المباركة تتحدث عن يوم القيامة وكأنها قائمة فيصور الله فيها ما حصل لنا في الدنيا بصيغة الماضي. هذا هو سياق السورة. فإذ ظرف للزمان الماضي بمعنى وقت، وأخذ يعني انتزاع الشيء من الشيء بمعنى واذكر أو وأخبرهم عن وقت أن انتزع ربك.

- من بني آدم : من الذكور من أولاد آدم وهو كما يبدو يشمل جميع الأولاد من أولاد آدم.

- من ظهورهم : يعني من أصلابهم فهو سبحانه وتعالى يستثني بهذه الكلمة من لم يصل سن البلوغ.

- ذريتهم نسلهم وقد اتضح علميا أن التكاثر تتم بواسطة التصوير وليس كما اعتقده المتكلمون من سلفنا بأن كل الناس كانوا جزيئات صغيرة جدا في عقب أبينا آدم وقد انقسمت الجزيئات بعلم الله تعالى بين أولاده ومنهم انحدرت الجزيئات شيئا فشيئا إلى الذراري نسلا بعد نسل. ولازم قولهم أن تعاقب النسل جبر لا خيار لأحد فيه، وهو مخالف للوجدان.

- وأشهدهم:         هو الإشهاد الطبيعي كما هو الحال مع كل ذي كيان في الكون العظيم، فالسماوات والأرضون والجبال والنباتات والحيوانات وكل جزيئاتهن تتجاوب مع وحي الله تعالى لها بأن تسبح لله وتطيعه وتخضع لإرادته الكريمة. وسوف نتحدث في المستقبل وفي نفس هذا الموقع الفكري بمشيئة الله تعالى عن أنواع أخرى من التجاوب الطبيعي مع الله تعالى.

- على أنفسهم : يستعمل سبحانه ضمير العقلاء لهذه الحيوانات المنوية باعتبار أن كلا منها تحمل أثرا من النفخة الإلهية التي نفخها جل وعلا في الخلية الأحادية لأبينا آدم فتحولت نفسه إلى نفس إنسانية ثم انتقلت الحالة إلى أمنا حواء. سوف نتحدث مستقبلا عن الطريقة الطبيعية التي أجراها الله تعالى احتمالا لخلق نفس حواء من نفس آدم حينما نتحدث عن خلق آدم بإذن الله تعالى. فكل حيوان منوي، هو إنسان يحمل نفسا إنسانية مميزة لا تمت إلى نفس الشخص الذي سبب تشكلها بغير القرابة والتشابه لحد ما. ولكنها ليست نسخة كاملة عن النفس المسبب كما هو الحال لدى بقية خلايا الشخص المسبب.

- ألست بربكم : كلما تحرر الموجود مما فرضه عليه غير الله فإنه يعود إلى طبيعته الأصلية فيسبح الله ويعبده. لعل الله يريد أن يترجم خضوع الحيوان المنوي الفطري لذاته سبحانه بلغتنا نحن البشر فيصور المشهد بتوجيه سؤال إلى الموجود الجديد ثم يصور تجاوبه مع وجه الله تعالى كما في التالي:

- قالوا بلى شهدنا:   بالطبع فإن مخلوق الله تعالى يعترف بتسبيحه وعبادته لذات الله تعالى بأنه ربه ومعبوده وخالقه ولا إله غير الله تعالى. لكنه يُشرك أو يكفر حينما يستقل بنفسه ويحمل أمانة الله ليخلفه تعالى في أن يشاء ويريد، ثم ينخدع بوساوس الشيطان لعنه الله.

- أن تقولوا يوم القيامة    : يترجم لنا الله تعالى خضوع الموجود الجديد لذاته المقدسة، بأنه عهد كامل يُلزم صاحبه البقاء على العهد حتى بعد أن يتطور ويتحول إلى مخلوق آخر. وقد أكرمنا الله تعالى بأن بعث الرسل والأنبياء ليذكرونا بعهدنا الطبيعي مع خالقنا الحكيم. وهكذا فلن يبقى لنا مجال لأن ننسب أنفسنا كاملة إلى آبائنا بأن نقول أننا نسخة طبق الأصل منهم فشركنا وكفرنا قهري لا إرادة لنا فيها. كلا، بل سوف يقول المجرمون: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}.

- إنا كنا عن هذا غافلين    : نعم لا مجال للغفلة فأنت إنسان مستقل عن أبويك لك الخيار الكامل في طاعتهما أو رفضهما. هذا ما يشهد له الوجدان. وكم قد رأينا من أبناء أو بنات انفصلوا كليا عن آبائهم واتخذوا لأنفسهم مسلكا ومذهبا بعيدين عن مذهب أي من الأبوين.

- أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم    : لا حيلة لأن ينسب المشرك شركه إلى أبويه أو أجداده بحجة أنه منحدر عنهم لأنه مستقل عنهم استقلالا كاملا.

- أفتهلكنا بما فعل المبطلون  : والنتيجة أن الناس يُحشرون فرادى أمام الديان العظيم كما خلقهم فرادى، فليس لهم أن يعارضوا حكمه القاطع بحجة أنهم نسخة من‌ آبائهم وليس لهم أن يقولوا : يارب، أتعذبنا وتقضي علينا بالهلاك وعدم استحقاق رحمتك الخاصة لأن آباءنا أشركوا بك وورثونا شركهم. وهكذا فإن كلمة العذاب تحق على كل مشرك وكافر وعاص بغض النظر عن مذهب آبائه وآباء أمه.

 

تعريف بالنفس:

من هذا البحث يمكننا أن نعرف النفس بأنها موجود غير ظاهر للعيان وتمثل حقيقة الإنسان بمفرده وبأنها لا تنتقل إلى أحد عن طريق الخلايا. والوجدان يشهد بأن كل إنسان هو واحد في حد ذاته وإلا لكان كل جزء أو جزيء من بدنه يحمل نفسا فكان هو بعدد جزيئاته. والحال بأنه واحد ذو نفس واحدة تهيمن على كل الجزيئات بأنها تستعملها كما أنها تدير الكثير من أعضاء البدن. فالمسير الفكري وحركة اليدين والعينين ومقارع السمع ومنافذ الشم ومقادير الطعام المرسل إلى الجوف وكثير من أمثالها مطيعة خاضعة للنفس الإنسانية التي تهيمن بشكل ما على البدن. 

والأجزاء التي لا تخضع لإرادة الإنسان فهي تعمل لصالح الإنسان وتسعى لإبقائه حيا سليما بعيدا عن الأهوال والأمراض. وحتى نعرف كيفية انتقال الإنسانية إلى الأبناء دون انتقال النفس، علينا بأن نفرق بين الروح الإنساني والنفس الإنسانية. فالنفس هي الكيان التي تمثل الشخص بكل صفاته وخصائصه بعيدا عن البدن وهي حية ما دام بدنها متنعما بالروح. والروح هو الذي نفخه الله في الخلية الأولى لأبينا آدم بعد أن تشكلت واستوت نفسه فيها. هذه النفخة الإلهية تنتقل في كل الخلايا عن طريق التصوير كما تنتقل إلى النسل القادم ولكن النفس لا تنتقل إلى الخلايا ولا إلى الذرية. إن النفس واحدة موجودة في محيط البدن لتصدر الأمر وتكوِّن المشيئة الخاصة بالفرد وهي تفقد كل إرادتها حين النوم كما تنتقل كلية حين الموت إلى مكان آخر أو إلى اللا مكان بأمر  الله تعالى. لكن الروح الخاص الذي هو سبب الحياة الإنسانية فهو يبقى فترة داخل البدن حتى بعد موت النفس. كما أنه ينتقل إلى النسل. والنفس تنتقل أحيانا بعيدا عن البدن حتى حال الحياة وسوف نتحدث عنها بإذن الله تعالى.

وسوف نشرح أيضا مستقبلا معنى موت النفس الأول والثاني. فهي لا تموت كلية بل تتغير شأنها والذي يموت كلية هو البدن الإنساني. لكن النفس لن تعود إلى هذا البدن الميت في الكوكب الذي نعيش فيه اليوم. والعلم عند الله وحده.

 

الاستنساخ البشري:

وبعد أن عرفنا كيفية تشكل النفس الإنسانية يمكننا أن نجزم بأن عملية الاستنساخ التي يسعى لها بعض الهيئات العلمية الحديثة ممكنة في حد البدن وغير ممكنة نفسيا. يمكن للإنسان أن ينشط خلية شخص ما لتكوين جسم إنساني مشابه له تماما ولكن الشخص الجديد سوف لا يحمل نفسا إنسانية دون أدنى شك. القرآن يتحداهم ولا يمكن لهم أن يعملوا إنسانين يحملان نفسا واحدة. لو كان ذلك صحيحا لتشبث الشخص الجديد بأنه نسخة طبق الأصل من الإنسان الذي أخذوا منه الخلية وقد ورث كل صفاته المكتسبة قسرا فأشرك بربه دون اختيار. هذا محال والقرآن لا يمكن أن يخطأ قطعيا.

وعليه فالانسان المصنوع من خلية إنسان آخر دون أن يرتبط بخلية أنثى سوف يكون حيوانا بشكل إنسان. وأنا لا أشك في ذلك و أقوله عن علم والحمد لله تعالى.

                                                                           

وسوف يكون موضوعنا القادم بمشيئة الله تعالى: (هل يبيح القرآن ضرب الزوجة؟)