الصلاة و السلام

 

كثيرا ما نسمع ونلقي الصلاة والسلام فهلا عرفنا معناهما. الكثيرون يظنون بأن الصلاة أهم وأوقر من السلام ولذلك يكثرون من الصلاة على النبي ويسلمون على من دونه ولا يصلون عليهم. الشيعة يقولون بعد ذكر الأئمة: (عليه السلام) وبعد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض السنة يفعلون ما يفعله الشيعة لكن غالبيتهم يقول للأئمة عامة (رضي الله عنه) وللنبي (صلى الله عليه وسلم). الجميع يصلي على آل النبي أو و أصحابه والتابعين ولكن بعد الصلاة على النبي، ولا أحد يصلي عليهم بمفردهم. فلو قال أحد بعد ذكر أبي بكر أو علي أو بعد ذكر أخيه المؤمن ( صلى الله عليه ) كان شاذا.

 

ولكن القرآن ليس كذلك:

في سورة الأحزاب: الآية 43 {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} ويقول في الآية 44: {تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما}، والخطاب للمؤمنين عامة. ففي هذه الآية صلى الله وملائكته على كل المؤمنين في الدنيا وخص الفائزين منهم وهم الذين يلقونه في الآخرة بالسلام. يعنى أن السلام أفضل من الصلاة، وأن الصلاة ليس حكرا على النبي بل هو لكل المؤمنين.

الآية 56: {إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} في هذه الآية فإن الله وملائكته الذين صلوا على المؤمنين عامة في الآية 43 فهم يصلون على النبي أيضا ويأمر الله المؤمنين بالصلاة عليه. بالطبع و {سلموا تسليما} ليس معناه السلام بل هو الأمر بقبول ما يحكم به النبي والتسليم له باعتباره رسولا صادقا أمينا، وإلا لقال : وسلموا سلاما. وقد ذكر ذلك في آية أخرى بنفس التعبير ، سورة النساء: 65 {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}

 

ويقول الله في سورة التوبة: 103 {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم} ومرجع الصدقة هم المذنبون الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وليس المؤمنين المتقين. فالصلاة هنا ليس حكرا على المؤمنين بل هو للمذنبين أيضا.

 

والخلاصة أن الصلاة في القرآن هو على النبي والمؤمنين المتقين والمؤمنين المذنبين، من الله وملائكته ورسوله والمؤمنين أنفسهم.

 

وأما السلام فهو تكريم الخالق للمصطفين من عباده الذي أرسلهم:

سورة الصافات: 181 {وسلام على المرسلين 79 {سلام على نوح في العالمين 109 {سلام على إبراهيم 120 {سلام على موسى وهارون 130 {سلام على إل ياسين}.

 

أو سلام من الله في حالة أو زمن مميز:

سورة هود: 48 {قيل يا نوح اهبط منها بسلام منا}.

سورة مريم: 15 {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا}

 

أو سلام من الله على أهل الجنة:

سورة يس: 54 {سلام قولا من رب رحيم}

 

أو سلام متبادل بين الملائكة ورسل الله من البشر:

          سورة هود: 69 {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى، قالوا سلاما، قال سلام}

 

أو سلام من الملائكة على أهل الجنة:

سورة النحل: 32 {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}.

 

والسلام هو تحية المؤمنين ودعاؤهم في الدنيا والآخرة أو بيان حقيقة أمنية كما في الآيات التالية:

الأنعام: 54 {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}. دعاء من النبي للمؤمنين وتبشير بالغفران.

سورة النور: 27 {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها 61 {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله}.

سورة القصص: 55 {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم، لا نبتغي الجاهلين}، والسلام هنا يعني أنكم في أمان مني.

مريم: 47 {قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حفيا}، (إبراهيم لأبيه آزر). ومعناه أنه في أمان من إبراهيم.

سورة إبراهيم: 23 {خالدين فيها بإذن ربهم، تحيتهم فيها سلام}. السلام هو تحية المؤمنين في الجنة.

 

نلاحظ هنا عدة مسائل:

 

1.  لم يسلم الله على نبينا محمد نفسه بالاسم كما سلم على نوح وإبراهيم وموسى وهارون و إلياس. ولو  فرضنا أن نبينا ليس أفضل من نوح وإبراهيم وموسى فهو بلا شك أفضل من هارون وإلياس. وبما أنه لم يسلم على محمد فهو بالتأكيد لم يسلم على آل محمد. ولذلك فإن احتمال بعض المفسرين أن إل ياسين يعني آل محمد خطأ. والفصل بين إل و ياسين في الكتابة ليس دليلا على أن المقصود به غير إلياس. على أن النسق يؤكد السلام على إلياس تبعا لبقية الأنبياء الذين سلم عليهم قبله ولا معنى لذكر آل محمد هنا.

2.  سلّم الله على يحيى وسلّم عيسى على نفسه (من الله على الظاهر ‌لأن عيسى كان صبيا في المهد وقد تكلم إعجازيا دون إرادة شخصية بل بإرادة الله وحده) في الدنيا يوم مولدهما ويوم موتهما فقط.

3. سلّم الملائكة على إبراهيم حينما لقوه وهو بدوره ردّ عليهم السلام وسلّم الله على الموتى من   الأنبياء بصورة عامة وعلى المرسلين إجمالا وعلى بعض الأنبياء في زمان محدد أو حالة محددة، كما أن الله قرر السلام العام ليلة القدر حتى مطلع الفجر {سلام هي حتى مطلع الفجر – آخر سورة الفجر}.

 

وحينما نراجع موارد الصلاة والسلام معا نصل إلى النتائج الاحتمالية التالية والعلم عند الله:

1.  ليس هناك سلام من الله على أحد من البشر في الدنيا بصورة عامة. ذلك لأنهم فعلا معرضون للأخطار تبعا لطبيعة هذا الدار فلو سلّم الله عليهم رُفع عنهم الخطر ولم يُمحصوا وتعذر امتحانهم واختبارهم. ألا نرى أن الأنبياء تعرضوا للقتل والجرح والتهديد وغير ذلك من أنواع العذاب الذي يورده الإنسان على الإنسان في حياتهم الدنيوية؟ إذن قولنا إزاء ذكر النبي: صلى الله عليه وسلّم، غير صحيح إلا إذا اعتبرنا السلام دعاء في حق حبيبنا المصطفى لا إخبارا.

2.   من حقنا أن نصلي على المؤمنين من أنفسنا ومن عند الله الذي صلى عليهم جميعا هو وملائكته.

3.   لعل معنى إشراك الله ملائكته معه في الصلاة على الأنبياء والمؤمنين هو خلق المحبة والوداد بين الملائكة والمؤمنين الذين يستفيدون أكثر من غيرهم من مساعدة الملائكة ومساندتهم لهم ودفاعهم عنهم ودعائهم لهم واستغفار حملة العرش منهم للمؤمنين بأمر الله وإذنه سبحانه. والله بحق، مدير عظيم يدبر أمر الكون برمته، ما يَعقِل وما لا يَعقِل وما يُدرِك وما لا يُدرِك، ولعل من سياسته التي يُحمد عليها –وهو اللطيف الخبير- أن يلطف الأجواء بين عبيده ليطيعوه برضا وشوق ويشجعهم على ذلك بالود والحب المتبادل بينهم. فنحن نحترم الملائكة ونحبهم وهم يساعدوننا ويكرموننا بدعواتهم الخالصة.

4.   الصلاة معناها طلب الصلى والقرب بين الذي يصلي والذي يصلّى عليه أو له، فصلاتنا على بعضنا يعني تأكيد الصلة والقرب بيننا، أما صلاتنا بالنسبة لله فهو صلاة لله لا صلاة على الله. يعني أننا نصلي لأجل التقرب إلى الله ولعله يغفر لنا ويتقبل أعمالنا. فالصلاة لنيل الله الذي نتشرف بالتقرب إليه ونبتهج بكسب رضاه أما صلاتنا بالنسبة لبقية العبيد مهما كان شأنهم فهو صلاة الند للند، نحييهم ويحيوننا ونسلم عليهم ويسلمون علينا، وكما روي عن رسول الله ما يعني أن جواب سلام المسلم واجب.

     ولعل الصلوات اليومية الخمس تعتبر تلبية لصلاة الله التكريمية لنا فهو وملائكته يصلون علينا أبدا ودائما ليخرجونا من ظلام الضلال والجوع والعطش والعرى والجهل إلى نور الهدى والشبع والارتواء والكساء والعلم. إنه يمن علينا بالعطاء المستمر والفضل المتواصل فيمدنا بالحياة والطاقة والشباب حتى نتوسط في العمر فيبدل العطاء المادي إلى عطاء فكري تتمثل في تنمية البصيرة والذكاء والخبرات والنفوذ العقلي حتى يئين أوان الموت والارتحال إلى العالم الآخر. أليس لزاما علينا أن نرد هذا الفضل الغامر والكبير بالركوع والسجود والتسبيح والتكبير لذي الجلال والكبرياء خمس مرات لمدة عدة دقائق في كل مرة. إن من لا يصلي لله فهو آثم قلبه ولينتظر الخذلان والغضب.

 

5.   هناك نوع آخر من الصلاة والسلام وهو دعاء كأن نقول: صلوات الله عليك أو سلام الله عليك. ومعناه: ليت الله يمن عليك بالسلامة أو يتفضل عليك بقبول تقربك إليه.

6.   السلام أهم من الصلاة وخاصة حين الدعاء، فسلام الله يعني أمان الله من كل خوف أو السلامة المطلقة التي خصصها الله لأهل الجنة في الجنة، وصلاة الله يعني تحيته ووده. حينما نقول صلى الله على النبي، نعني بأن الله يحب النبي فنطلب منه المزيد من الحب.

7.   قول: (سلم الله على النبي) لا يخلو من إشكال فلا أنصح بتكراره. لم يسلم الله على النبي في كتابه الكريم فكيف ننسب ذلك إلى الله تعالى. جملة (سلام الله على النبي) دعاء لا أرى فيه ضيرا وجملة (السلام على النبي) أيضا دعاء ولكن ليس صحيحا أن نقول: صلى الله عليه وسلّم، أو صلى الله عليه وآله وسلم، إلا إذا عرفنا أن ننوي الإخبار والدعاء في أول الجملة وننوي الدعاء فقط في المقطع الأخير منها. ألا ترى أن سلفنا الصالح كانوا يقولون بعد ذكر النبي : صلى الله عليه وسلم، ولم يقولوا صلى وسلم الله عليه. لعلهم فعلوا ذلك ليفرقوا بين الصلاة التي تحققت فعلا والسلام الذي هو محض دعاء .

8.   معروف بين المسلمين أن النبي أمرهم بأن يصلوا عليه بحملة (اللهم صل على محمد). بهذا يطلب النبي المزيد من صلاة الله عليه وهو الذي صلى عليه في القرآن. فمن الجدير بنا أن نتعلم من معلمنا الكبير فنصلي على أنفسنا من الله أيضا. جميل جدا أن تقول لصاحبك عند اللقاء: صلى الله عليك فالله صلى على المؤمنين وأنت بذلك تطلب البركة والمزيد.

9.   من الأفضل أن نقول بعد ذكر الصالحين خلفاء وأئمة وغيرهم: صلى الله عليه أو رضي الله عنه فهاتان العبارتان وردتا في كتاب الله ولكن لا نقول لهم: عليه السلام، إلا إذا نوينا السلام منا أو قصدنا الدعاء وقول: سلام الله عليه ثقيل جدا ومن الأفضل تركه. العامة من الناس يظنون أن الله قد سلّم على من نقول له سلام الله عليه ولا يدركون أننا نقصد الدعاء لا الحصول الفعلي أو الإخبار، فسيكون لزاما علينا أن نوضح لكل جمع ما نقصد، وإلا اعتُبِرنا مضللين لمن يسمعنا.

10.     ليس خفيا ما ذكره أرباب اللغة والمفسرون من غلو في شأن رسول الله وبأنه بعد صلاة الله عليه لا يحتاج إلى صلاة أحد ولذلك نقول عند تحيته: أللهم صل على محمد. كل ذلك غير صحيح بنظري ولم ينزل الله بها من سلطان. سوف نتعرض في المستقبل –بمشيئة الله- للغلو الذي أتى به السنة والشيعة في سيدنا رسول الله وأهل بيته وصحابته، مما يتنافى مع عدالة السماء ومما يتبرأ منه كتاب الله الواضح المبين.

11.      يقول الله في سورة البقرة: 257 {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات…}. في هذه الآية يبين الله الفرق بين ولايته ورئاسته وبين ولاية الشيطان ورئاسته فالله يحب الذين يوالونه وهم المؤمنون فيخرجهم من الظلمات إلى النور وبتعبير آخر يعلمهم تميز السبل الصحيحة من الطرق الفاسدة المضللة ولكن الشيطان يبغض الذين يوالونه فيضللهم ويحيدهم عما هم فيه من هداية وعلم بطرق السلامة. ذلك لأن الله رحمن بعبيده ورحيم بالمؤمنين منهم، يحبهم ويعلمهم ولكن الشيطان مجرم يكره عبيد الله وهو عدو حقيقي لكل البشر فهو يضلل من اتبعه وآمن به.

 

هذه الآية تؤيد ما ورد في صدر هذا البحث من سورة الأحزاب: الآية 43 {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما}. وواضح أن حب الله للمؤمنين ناشئ من الرحمة لا من التأثر القلبي كما في الحب المتبادل بين البشر أنفسهم. الرحمن الرحيم جل وعلا يصبغ تعليماته المولوية لعبيده الذين خلقهم بالحب والود، رحمة منه وفضلا، فيتقبله المؤمنون بقلوبهم ويتجلى منهم ذلك بالخضوع والركوع لمن خلقهم وبالحب العميق له سبحانه حتى الموت في سبيله والتخلي عن كل ما بيدهم من مال وجاه وحياة حبا لله وحده. والله بحق أهل لأن يقدم الإنسان العاقل كسبا لرضاه كل ما يملك وكل ما يسيطر عليه حتى راحته ونفسه.

 

هذا ما بدا لي وما أوجزته في هذا الشأن والعلم عند الله وحده. وسيكون موضوع البحث القادم (الشهيد والشاهد في التنزيل) بإذن الله تعالى.