طلب الحاجة من الله تعالى بطريقة بدائية

مفهوم   طلب الحاجة من الله تعالى بالطريقة البدائية

 

وقد ميزت هذا المفهوم عن الدعاء المستجاب إلى الله تعالى والتي شرحتها عند تفسير سورة مريم لمحبي القرآن في كنجزبري، وسوف أكتبها مستقبلا بإذن العزيز الحكيم. تلك هي دعاء الأنبياء ولها كيفيتها الخاصة المشروحة في سورة مريم وهي متاحة لجميع الناس بالطبع إذ ليس للأنبياء قرابة مع رب العالمين وليس لله تعالى باب لطلب الحاجة وهو مفتوح لطبقة دون طبقة، معاذ الله تعالى. وأما الدعاء البدائي التي يفهمها الجميع ويسألون ربهم بها فهي مأذون بها في سورة البقرة هكذا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿186.

 

وبما أن النبي هو وسيلة التبليغ المرئي بين الله تعالى وعبيده فقد أمره سبحانه أن يرد على من يسأله عن الله تعالى وكيفية طلب الحاجة منه سبحانه، بأنه تعالى قريب. والقرب ثابت عقليا وقرآنيا ومشروح في آيات أخرى من الكتاب الكريم. فالله تعالى قريب بنوره الذي يطلع به على كل الكائنات ويصونها به ويساعد من شاء به أيضا. فالله تعالى ليس بعيدا عن أي موجود، وهذا لا يعني بأننا قريبون من الله تعالى. هذا التوهم يتأتى للمرء قبل أن ينتبه بأن قرب إنسان من إنسان مشترك باعتبار اشتراكهما بالحاجة إلى الزمان والمكان. لكن الله تعالى لا يحتاج إليهما، فقربه منا لا يعني دخوله في حيز الزمان والمكان مثلنا، والعياذ بالله؛ بل يعني أنه سبحانه محيط بنا من دون أن يتحرك أو ينطلق من مكان أو زمان. فهو سبحانه لن يتعرض للحركة أبدا كما لا يتعرض لأي نوع من أنواع التغيير. فالله تعالى قريب من خلقه دون أن يقترب منه خلقه بلا استثناء. غاية الأمر أن بعض خلقه مقربون إليه ولكن ليسوا قريبين منه. والتقرب حالة لا تنتهي أبدا، إذ لا يمكن تصور الاقتراب من الذات القدسية أبدا. يكفي بأن نعر ف بأنه واجب فلا يمكن الخروج من الإمكان لكل من هو دون الله تعالى فلا يمكن الاقتراب منه بأي معنى من المعاني. وأما التقرب فمعناه في النهاية المزيد من التعرف على القدوس جل جلاله  لا غير. ومعرفة الله تعالى مجال لا يمكن تصور النهاية فيها حتى للأرواح القدسية، ولذلك فإن الجميع يتقربون بإذن الله تعالى أو بفعله سبحانه.

 

وقد قرر سبحانه الإجابة لعبيده لأنهم ليسوا عبيد غيره. فمن هو أولى منه سبحانه لمساعدة عبيد الله تعالى القوي القادر القاهر الغني الكريم؟ والإجابة من عند الله تعالى ثابتة  لا  يمكن تصور غيرها ولكن شكل الإجابة لا تتناسب مع  ما يتطلع إليه الداعون. وشرط الإجابة أن يدعو الداعي ربه وحده دون إشراك أحد معه، لقوله سبحانه: إذا دعان. ومعناه إذا دعاني، إذ لا يمكن الجمع فعليا بين الله تعالى وبين أي شيء آخر. ثم إنه يعطي بأنه مالك والآخرون يعطون من ماله هو سبحانه فلا يمكن الجمع بين عطاء المالك وعطاء الذي يأخذ من نفس هذا المالك. على أن النسبة بين الله تعالى وعبيده نسبة واحدة على السواء. ولبيان ذلك وتفاديا لما توهم أو ما يتوهمه المعروفون بالعلم والفضل قال تعالى في سورة مريم: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴿93.كما قال تعالى في سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴿87.فالكل عبيد والكل أمامه أذلاء حتى بعد انتهاء الاختبار. كما قال سبحانه مخاطبا نبينا الكريم في سورة الزمر: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿30 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿31. فكلهم يقفون أمامه متخاصمين لا تمييز بين أي منهم.وكلما سمعناه دون ذلك فمجرد أوهام من وحي غير الله تعالى.

 

وبما أنه سبحانه هو الذي بدأنا بالإذن قبل أن نحتاج فنستأذن، فقال عز من قائل: فليستجيبوا لي.وهذا يدل أيضا على أن باب العطاء مفتوح لن يُغلق. ولم يميز الله تعالى دعاء عن دعاء ولا شخصا عن شخص ولم يهتم بحرمة أحد ولا كرامة أحد عنده. لو كان هذا صحيحا لقال سبحانه: فليطلبوا منك يا محمد لتدعو لهم أو فليوسطوك بيني وبينهم. فالمخاطب هو الرسول نفسه ولم يُكرمه ربه بالتوسيط كما يتوهمون، لأن ذلك شرك فعلا. ولم يقل الله تعالى في أي مكان من كتابه بأن يوسط الناس شخصا أو أشخاصا بينهم وبين ربهم إطلاقا. وكل أهل العلم بمن فيهم العلامة الطباطبائي صاحب الميزان، على علم  بعدم جواز دق الباب الربوبي حتى بالدعاء دون إذنه سبحانه. والآية التي ذكرناها في البقرة هي إذن لنا بالتوجه إلى الساحة القدسية وتقديم الدعاء مباشرة لرب العالمين.  ولولا إذنه لكان الطلب منه معصية وإثما في الواقع. إننا كشيعة إمامية نقول بأن الصلاة المستحبة مسموحة ولكن صلاة التراويح محرمة لأنها بدعة وكل بدعة ضلال وكل ضلال في النار. وكان بإمكان الإخوة العلماء أن يجدوا لها مخرجا كما وجدوا للتوسل بمن لم يأمرنا الله تعالى مخرجا. ولا شك أن مخرج التراويح أسهل بكثير من مخرج التوسل بالنبي الذي لا يمكن توصيفه بغير الشرك والافتراء على الله تعالى.

 

لم يحدد الله تعالى عدد الصلوات المستحبة وتركها مفتوحة ولكنه حدد الدعاء إليه سبحانه بأن يكون بين العبد وربه بأنه تعالى قريب وبأنه يُجيب دعوة الداعي ولا يرده.والعلامة الطباطبائي بنفسه قال في بحثه الروائي عند تفسير آية البقرة (و في العدة، أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): افزعوا إلى الله في حوائجكم، و الجئوا إليه في ملماتكم، و تضرعوا إليه و ادعوه، فإن الدعاء مخ العبادة، و ما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب فإما أن يعجله له في الدنيا أو يؤجل له في الآخرة، و إما أن يكفر له من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بمأثم. و في نهج البلاغة،: في وصية له (عليه السلام) لابنه الحسين (عليه السلام): ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه و استمطرت شئابيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، و ربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، و أجزل لعطاء الأمل، و ربما سألت الشيء فلا تؤتاه و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله، و ينفي عنك وباله، و المال لا يبقى لك و لا تبقى له.

هذا بيان جميل لمفهوم آية الدعاء. وقد قال  الطباطبائي عند تفسير نفس الآية: (قوله تعالى: و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون و أرق أسلوب و أجمله فقد وضع أساسه على التكلم وحده دون الغيبة و نحوها، و فيه دلالة على كمال العناية بالأمر، ثم قوله: عبادي، و لم يقل: الناس و ما أشبهه يزيد في هذه العناية، ثم حذف الواسطة في الجواب حيث قال: فإني قريب و لم يقل فقل إنه قريب، ثم التأكيد بإن، ثم الإتيان بالصفة دون الفعل  الدال على القرب ليدل على ثبوت القرب و دوامه، ثم الدلالة على تجدد الإجابة و استمرارها حيث أتى بالفعل المضارع الدال عليهما، ثم تقييده الجواب أعني قوله: أجيب دعوة الداع بقوله: إذا دعان، و هذا القيد لا يزيد على قوله: دعوة الداع المقيد به شيئا بل هو عينه، و فيه دلالة على أن دعوة الداع مجابة من غير شرط و قيد كقوله تعالى: "ادعوني أستجب لكم": المؤمن - 60، فهذه سبع نكات في الآية تنبىء بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء و العناية بها، مع كون الآية قد كرر فيها - على إيجازها - ضمير المتكلم سبع مرات، و هي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف. )

 

إن العلامة في الواقع قد أقفل على نفسه الأبواب لتأويلاته الشاذة  المعروفة، بهذا التفسير المتقن والبديع لأول آية قرآنية يأذن بها المولى جل شأنه لكل عبيده أن يطلبوا منه حوائجهم متى وكيف ما شاؤوا. ويا ليته اكتفى بهذا الوصف الجميل ولم يسع بعده لإرضاء العبيد الذين ينتظرون من مثله تبرير شركهم بالله تعالى وتبرير توجههم إلى القبور وإلى من هم أحياء عند الله تعالى وميتون بالنسبة لنا وليسوا بيننا ولا يسمعوننا ولا نسمعهم بنص الكتاب الكريم كما سنعرف. وأضاف العلامة : (فهو سبحانه الحائل بين الشيء و نفسه، و هو الحائل بين الشيء و بين كل ما يقارنه: من ولد أو زوج أو صديق أو مال أو جاه أو حق فهو أقرب إلى خلقه من كل  شيء مفروض فهو سبحانه قريب على الإطلاق كما قال تعالى: "و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون:" الواقعة - 85، و قال تعالى: "و نحن أقرب إليه من حبل الوريد": ق - 16، "و قال تعالى إن الله يحول بين المرء و قلبه": الأنفال - 24، و القلب هو النفس المدركة.) وهذا بيان بديع آخر.

 

ولم يكتف العلامة بذلك بل أضاف: . (فقد تبين: أن قوله تعالى: و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، كما يشتمل على الحكم أعني إجابة الدعاء كذلك يشتمل على علله فكون الداعين عبادا لله تعالى هو الموجب لقربه منهم، و قربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم و إطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدعاء فكل دعاء دعي به فإنه مجيبه إلا أن هاهنا أمرا و هو أنه تعالى قيد قوله: أجيب دعوة الداع بقوله إذا دعان، و هذا القيد غير الزائد على نفس المقيد بشيء يدل على اشتراط الحقيقة دون التجوز و الشبه، فإن قولنا: أصغ إلى قول الناصح إذا نصحك أو أكرم العالم إذا كان عالما يدل على لزوم اتصافه بما يقتضيه حقيقة فالناصح إذا قصد النصح بقوله فهو الذي  يجب الإصغاء إلى قوله و العالم إذا تحقق بعلمه و عمل بما علم كان هو الذي يجب إكرامه فقوله تعالى إذا دعان، يدل على أن وعد الإجابة المطلقة، إنما هو إذا كان الداعي داعيا بحسب الحقيقة مريدا بحسب العلم الفطري و الغريزي مواطئا لسانه قلبه، فإن حقيقة الدعاء و السؤال هو الذي يحمله القلب و يدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقا أو كذبا جدا أو هزلا حقيقة أو مجازا، و لذلك ترى أنه تعالى عد ما لا عمل للسان فيه سؤالا، قال تعالى: "و آتاكم من كل ما سألتموه و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار:" إبراهيم - 34، فهم فيما لا يحصونها من النعم داعون سائلون و لم يسألوها بلسانهم الظاهر، بل بلسان فقرهم و استحقاقهم لسانا فطريا وجوديا، و قال تعالى: "يسأله من في السموات و الأرض كل يوم هو في شأن:" الرحمن - 29، و دلالته على ما ذكرنا أظهر و أوضح.

 

فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطى الإجابة، فما لا يستجاب من الدعاء و لا يصادف الإجابة فقد فَقَدَ أحد أمرين و هما اللذان ذكرهما بقوله: دعوة الداع إذا دعان. فإما أن يكون لم يتحقق هناك دعاء، و إنما التبس الأمر على الداعي التباسا كان يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون و هو جاهل بذلك أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر مثل أن يدعو و يسأل شفاء المريض لا إحياء الميت، و لو كان استمكنه و دعا بحياته كما كان يسأله الأنبياء لأعيدت حياته و لكنه على يأس من ذلك، أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله فلا يستجاب له فيه.)

وأعتقد بأن لا غرابة في أن يضيف العلامة الطباطبائي  القول التالي على ما ذكره أعلاه. وقد ألصقه فعلا بما مضى: (و إما أن السؤال متحقق لكن لا من الله وحده كمن يسأل الله حاجة من حوائجه و قلبه متعلق بالأسباب العادية أو بأمور وهمية توهمها كافية في أمره أو مؤثرة في شأنه فلم يخلص الدعاء لله سبحانه فلم يسأل الله بالحقيقة فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره، لا من يعمل بشركة الأسباب و الأوهام، فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يخلصوا الدعاء بالقلب و إن أخلصوه بلسانهم. )

 

وأرجو من الإخوة والأخوات أن يقرأوا الفقرة السابقة مرتين ثم يمدوا طرفهم إلى الكلام التالي وهم يسعون للكشف عن صحة نسبة الكتابتين إلى شخص واحد وبأنهما مطبوعتان ضمن تفسير الميزان. أما أنا فأكاد أقول بأن هناك طباطبائيان كما اعتقد البعض بأن هناك فخران رازيان وسهرورديان وشخصان كلاهما عمر الخيام. هذا ما يقوله العلامة عند تفسيره للآية 89 من سورة البقرة: وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿89.

 

{قال بعض المفسرين بعد الإشارة إلى الرواية الأخيرة و نظائرها: إنها على ضعف رواتها و مخالفتها للروايات المنقولة شاذة المعنى بجعل الاستفتاح دعاء بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و في بعض بحقه و هذا غير مشروع و لا حق لأحد على الله فيدعى به انتهى.

و هذا ناش من عدم التأمل في معنى الحق و في معنى القسم.

بيانه: أن القسم هو تقييد الخبر أو الإنشاء بشيء ذي شرافة و كرامة من حيث إنه شريف أو كريم فتبطل شرافته أو كرامته ببطلان النسبة الكلامية، فإن كان خبرا فببطلان صدقه و إن كان إنشاء أمرا أو نهيا فبعدم امتثال التكليف. .......و من هنا يظهر أولا: أن القسم أعلى مراتب التأكيد في الكلام كما ذكره أهل الأدب. و ثانيا: أن المقسم به يجب أن يكون أشرف من متعلقه فلا معنى لتأكيد الكلام بما هو دونه في الشرف و الكرامة.

و قد أقسم الله تعالى في كتابه باسم نفسه و وصفه كقوله: "و الله ربنا" .........

و ليس إلا أن لها شرافة حقة بتشريف الله و كرامة على الله من حيث إن كلا منها إما ذو صفة من أوصافه المقدسة الكريمة بكرامة ذاته المتعالية أو فعل منسوب إلى منبع البهاء و القدس - و الكل شريف بشرف ذاته الشريفة - فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟ و ما الذي هون الأمر في خصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخرجه من هذه الكلية و استثناء من هذه الجملة؟.

وقبل أن نثبت بأن الله تعالى لم يُقسم بحياة النبي كما تراءى للمفسرين الكرام ولكنهم والعلامة قفلوا أبصارهم حتى لا يروا غير ما يشتهون، فإننا ننظر إلى قولي العلامة: فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره. وقوله هذا: فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟

ثم يأتي بالقول التالي ليضيف الدعاء إلى الله تعالى بحق النبي محمد باعتبار أن الله تعالى أقسم بالنبي محمد كما زعم العلامة: و لعمري ليس رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهون عند الله من تينة عراقية، أو زيتونة شامية، و قد أقسم الله بشخصه الكريم فقال: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون": الحجر - 72.

 

فلا مانع لدى العلامة أن نقسم بالله بحق الزيتونة الشامية أو التينة العراقية أيضا. كما لا مانع لديه من أن ندعو ربنا القريب منا بالشمس والقمر والنجوم ومواقع النجوم التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى. كما يجوز العلامة احتمالا  أن ندعو الله تعالى بحق الليل والضحى والشفق والفجر. كل ذلك ليس شركا في منطق العلامة. ولكنه لم يفعل ذلك بنفسه ولم يطلب من أحد أن يدعو بحق كل ماهو ليس بشرك إلا  بحق النبي لأن الله تعالى حسب زعمه أقسم به. ثم أضاف إليه كل من يراه مناسبا عنده من  أهل بيت النبي. قال العلامة في نفس البحث: إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.

 

لا أدري كيف أضاف العلامة الأولياء الطاهرين إلى رسول الله وجعل لهم حقا على الله تعالى وأباح الدعاء بهذا الحق الذي كتب الله على نفسه ولكنه لم يتجاهر بإباحة الدعاء بحق الليل وما وسق. بالطبع أن الله تعالى لم يُقسم بأهل بيت النبي ولكن ما يدعونه بأنه سبحانه أقسم بحياة النبي فهو في الآية التالية من سورة  الحجر: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿72.

 

والآية واقعة ضمن الآيات التالية التي تروي لنا قصة الملائكة الضيوف الذين تحدثوا مباشرة مع النبي المعروف لوط: فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﴿61 قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴿62 قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿63 وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿64 فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴿65 وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴿66 وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿67 قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ﴿68 وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴿69 قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿70 قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿71 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿72 فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ﴿73. فمن هم الذين يشير إليهم الآية الكريمة بأنهم في سكرتهم يعمهون؟ أليسوا هم أنفسهم الذين أخذتهم الصيحة مشرقين كما يقول سبحانه في الآية التي تليها ويشير فيها إلى نفس الأشخاص بنفس السياق ونفس الضمير؟ ثم أليست الآية بضمير الحال وقد مضى على تدمير قوم لوط أكثر من ثلاثة آلاف سنة حين نزول هذه الآية فما هو معنى الحال أو الاستقبال. لو كان ادعاؤهم صحيحا لقال سبحانه: كانوا في سكرتهم يعمهون. بل قال: إنهم ... يعمهون. بمعنى أنهم في حال التعمه حين الخطاب.

 

أما المفسرون الذين قالوا بأنه خطاب الملائكة للوط فهو أصح بكثير من تأويل هؤلاء ولكنه غير بليغ لأن الملائكة لا يحلفون بغير الله تعالى، ولا ارتباط لحياة لوط بالملائكة الكرام. إن حياة لوط مهمة لنفسه ولأهله وليس للملائكة. فالقسم هو من لوط نفسه وهو يخاطب نفسه ويُقسم بحياته أن قومه يتخبطون تائهين في نشوتهم الحمقاء. يقول ذلك أسفا عليهم إذ لا حيلة له معهم وقد حكم الله عليهم بالعذاب المقبل صباح اليوم التالي.

 

فالعلامة يتشبث بحشيشة أكثر هشاشة من الرماد التي تذوب في الماء فلو يفتح عينيه اليوم فسوف لا يرى لتحقيقه العلمي أثرا. وعلى هذا الاستدلال الهش يبني عقيدة مهمة يميز بني جلدتي من الشيعة عن غيرهم ليتشبثوا بقبور بعض الصالحين في طلب الحاجات وهم لا يعلمون بأنهم يفترون على الله الكذب ويقترفون الإثم وأكبر الكبائر مع الأسف.

 

ويتابع العلامة سامحه الله تعالى في إثبات الحق الذي يسعى لتثبيته للنبي والأئمة ثم تبرير مطالبة رب العالمين بهذا الحق الذي كتبه على نفسه لأنه حق ثابت لهم بما أثبته الله تعالى على نفسه وشبهه بالحقوق المالية الثابتة. وإذا جاز المطالبة جاز  القسم به أيضا لأنه مشرَّف بتشريف الله تعالى له كالحياة بالنسبة لصاحب الحياة أو الأهلين الذين يحلف بهم الشخص باعتبارهم ذوي شرف عنده.لو يفتح العلامة عينيه قليلا ليرى ما حصل لنوح بعد أن وعده ربه بأن ينجي أهله ثم رأى بأم عينه الأمواج تتقاذف ابنه تمهيدا لإغراقه فاستجار  بربه وهو في تلك الحالة الحرجة التي يُمكن إعذاره ولكن الله تعالى واجهه بكل شدة ووبخه على قولته التي وصفها سبحانه بالجهل ووعظ أن يبتعد عن الجاهلين فلا يكون واحدا منهم. ومن الصعب على اللغة وعلي بالذات أن أشرح فزع النبي الكريم نوح بعد حوالي ألف سنة من الدعوة الخالصة إلى الله تعالى وهو يواجه أمارات الغضب من ربه.

 

كان على النبي الكريم أن يثق بحكم الله تعالى ويعلم بأنه سبحانه لا يمكن أن يقضي بغير الحق فلا يطالبه بما وعده به. و وعدُ الله تعالى لنوح هو وعد شخصي خاص به ولم يُسمح له بالتشبث به. فكيف بوعد عام كتبه الله تعالى على نفسه للمؤمنين عامة دون ذكر أي اسم لأي منهم. فكيف يمكن لنا خلع ذلك الوعد العظيم على أشخاص بالأسماء ثم تحليف رب العالمين بحقهم وتذكيره سبحانه بوعوده لهم وهم أشخاص حقيقيون. هذا كبير فعلا ولا أدري كيف يواجه الذين قالوا به ربهم؟ كيف يسمح مفسر لنفسه أن يُطالب الله تعالى بحق له أو لغيره؟ إن محمد بن عبد الله وعلي بن أبي طالب أعجز من ذلك. كان علي يناجي ربه فيُغمى عليه من شدة الخوف وهو يخاف غضب ربه ويخاف العقاب ولم يكن ممثلا سينمائيا يتظاهر بالخوف أمام الكاميرا. كان يُغمى عليه وهكذا الأنبياء الذين هم أكثر من علي أهمية وقد وصفهم الله تعالى بالإسم في كتابه الكريم.

 

قال سبحانه في سورة مريم وهي السورة التي أنزلها سبحانه لبيان الدعاء المستجاب بعد أن ذكر أحوال أنبيائه الذين دعوه فاستجاب لهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴿58. والطباطبائي إيراني لكنه لم يتعلم أدب بني جنسه أمام ملوكهم وخضوعهم إياهم. إنه غفل عظمة رب العالمين وغفل أن كل الأنبياء والملائكة يخافونه ويتضرعون إليه. غفل بأن علي بن أبي طالب لم يسبق أن دعا ربه بغير وجهه الكريم وبغير أسمائه الحسنى وبغير حقه على خلقه. أنالا أشك بأن ما كتبه العلامه هو عين الشرك وهو إثم كبير بحد ذاته لأنه افتراء على الله تعالى ولكني أعذره وأتمنى أن يغفر الله تعالى له ذنبه. وإليكم ما كتبه العلامة من مغالطات مع الأسف في نفس مجال تفسيره للآية السابقة:

 

(ثم إن الحق - و يقابله الباطل - هو الثابت الواقع في الخارج من حيث إنه كذلك كالأرض و الإنسان و كل أمر ثابت في حد نفسه و منه الحق المالي و سائر الحقوق الاجتماعية حيث إنها ثابتة بنظر الاجتماع و قد أبطل القرآن كل ما يدعى حقا إلا ما حققه الله و أثبته سواء في الإيجاد أو في التشريع فالحق في عالم التشريع و ظرف الاجتماع الديني هو ما جعله الله حقا كالحقوق المالية و حقوق الإخوان و الوالدين على الولد و ليس هو سبحانه محكوما بحكم أحد فيجعل عليه تعالى ما يلزم به كما ربما يظهر من بعض  الاستدلالات الاعتزالية غير أنه من الممكن أن يجعل على نفسه حقا، جعلا بحسب لسان التشريع فيكون حقا لغيره عليه تعالى كما قال تعالى: "و كان حقا علينا ننجي المؤمنين": يونس - 103، و قال تعالى: "و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. و إن جندنا لهم الغالبون": الصافات - 171، 172، 173.

و النصر كما ترى مطلق، غير مقيد بشيء فالإنجاء حق للمؤمنين على الله، و النصر حق للمرسل على الله تعالى و قد شرفه الله تعالى حيث جعله له فكان فعلا منه منسوبا إليه مشرفا به فلا مانع من القسم به عليه تعالى و هو الجاعل المشرف للحق و المقسم بكل أمر شريف.

إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت).

 

معاذ الله تعالى من هذه الجمل الطباطبائية. يبني على باطل ثم يضيف من يشاء على بنائه وهو في صدد إثبات حق لمن يحبه على الله العلي الكبير جل جلاله. ثم ترخيص القَسَم بهذا الحق المزعوم لأشخاص معروفين بالإسم عندنا ولم يذكر الله تعالى أي حكم لهم بالإسم ولا بالوصف غير القابل للتفسير مثلا. ثم استنتاجات سفسفية من كتاب الله تعالى وهو يعلم بأنه الكتاب الواضح المبين. لو أراد الله تعالى ذلك لصرح به فهو سبحانه لا يخاف ولا يستحيي من الحق. ولا يحتاج إلى العلامة وأمثال العلامة لأن يعلِّموا عبيده فهو سبحانه يعرف كيف يفعل ذلك ويعرف كيف يبلغهم أحكام ربهم دون الحاجة إلى تأويلات البشر.

 

ويتابع العلامة رده على زملائه بالقول التالي:

و أما قول القائل: ليس لأحد على الله حق فكلام واه. نعم ليس على الله حق يثبته عليه غيره فيكون محكوما بحكم غيره مقهورا بقهر سواه. و لا كلام لأحد في ذلك و لا أن الداعي يدعوه بحق ألزمه به غيره بل بما جعله هو تعالى بوعده الذي لا يخلف هذا.}

نفس القول بأن لأحد حق على الله تعالى جرأة على الله و تجاوز لحرمات رب العالمين جل جلاله. وأنا أستعيذ بالله من هذا الخطإ الكبير. رحم الله تعالى شيخنا العلامة وغفر له ولسلفنا. وأرو ع رد على مثل هذا النوع من التفكير هو ما تمثل به الكتاب الكريم في سورة الإسراء: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿55 قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴿56 أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿57.فالذين نستنجد بهم من غير الله تعالى نفسه ولوحده لو كانوا من الصالحين فإنهم بأنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة ليدعوه سبحانه بها. فلينظر الذي يطلب منهم الوساطة من أقرب إليه ؟ أهو الله تعالى نفسه أم الذي يبحث عن وسيلة يرضي بها الله تعالى؟ ثم إن الذين توسطونهم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه الذي يحذره كل موجود في الكون، فكيف يتوسطون لكم؟

ورأينا الأنبياء والصالحين كيف يبكون خوفا من عذاب الله تعالى وطمعا في المغفرة والرحمة من ربهم الرحيم. إنهم بأنفسهم يتوسلون إلى الله تعالى بالسجود والعبادة ويدعونه بأسمائه الحسنى وبنور وجهه وبحقه وقدسه وأعظم صفاته. فكيف نطلب من الذي يطلب لنفسه شيئا، وهو بنفسه فقير إلى الله تعالى. مثله مثلنا دون أي فرق في العبودية. وقد نسب الوضاعون إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أنه استسخر من العبادة طمعا وخوفا وتبجح بعبادة الأحرار. وكأن هناك في حضرة الجبار حرية أو كرامة تُذكر. معاذ الله وحاش لله أن يتفوه علي بمثل هذه الكلمات الغريبة عن إيمان الأسرة النبوية الخاضعة لربها.

 

و الدعاء و الدعوة توجيه نظر المدعو نحو الداعي، و السؤال جلب فائدة أو در من المسئول يرفع به حاجة السائل بعد توجيه نظره، فالسؤال بمنزلة الغاية من الدعاء و هو المعنى الجامع لجميع موارد السؤال كالسؤال لرفع الجهل و السؤال بمعنى الحساب و السؤال بمعنى الاستدرار و غيره. ثم إن العبودية كما مر سابقا هي المملوكية و لا كل مملوكية بل مملوكية الإنسان فالعبد هو من الإنسان أو كل ذي عقل و شعور كما في الملك المنسوب إليه تعالى.)

 

وقد قالوا بأن الله تعالى لا يمكن أن يرد الدعاء الصحيح فلو أضفنا دعاءنا إلى ذلك كان عيبا على الله تعالى أن يقبل دعاء ويرد دعاء أو كان منافيا لكرمه وكبريائه. ولذلك قالوا بأننا من الخير أن نصلي على محمد وآل محمد ونطلب حاجتنا فالله تعالى لا يمكن أن يرد الدعاء الأول فيستحيل أن يرد الدعاء الثاني. وهذا في الواقع افتراء على الله تعالى. إنه وعد أن يستجيب دعاء كل الناس إذا دعوه ولم يقل بأنه لن يستجيب إلا بعض الحاجات أو من بعض الناس. فكيف افتروا على الله تعالى بأنه يستحيل أن يرد طلب الصلاة ولكنه لا يستحيل أن يرد الطلب الآخر من نفس الشخص؟ عليهم بأن يردوا يوم يوقفونهم أمام ربهم، وعلي بأن أذكِّر من يسمعني ليستغفر ويتوب إلى ربه، أو لعله يستغفر.

 

 

                                                                             انتهى المفهوم.

 

لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴿57 وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ ﴿58 إِنَّ السَّاعَةَ لاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ﴿59 وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴿60 غافر

فهذا ملخص القول في الدعاء على ما تفيده الآية، و به يظهر معاني سائر الآيات  النازلة في هذا الباب كقوله تعالى: "قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم": الفرقان - 77 و قوله تعالى: "قل أ رأيتم إن أتيكم عذاب الله بغتة أو أتتكم الساعة أ غير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء و تنسون ما كنتم تشركون:" الأنعام - 41، و قوله تعالى: "قل من ينجيكم في ظلمات البر و البحر تدعونه تضرعا و خفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها و من كل كرب ثم أنتم تشركون: الأنعام - 64، فالآيات دالة على أن للإنسان دعاء غريزيا و سؤالا فطريا يسأل به ربه، غير أنه إذا كان في رخاء و رفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه، فالتبس عليه الأمر و زعم أنه لا يدعو ربه و لا يسأل عنه، مع أنه لا يسأل غيره فإنه على الفطرة و لا تبديل لخلق الله تعالى، و لما وقع الشدة و طارت الأسباب عن تأثيرها و فقدت الشركاء و الشفعاء تبين له أن لا منجح لحاجته و لا مجيب لمسألته إلا الله، فعاد إلى توحيده الفطري و نسي كل سبب من الأسباب، و وجه وجهه نحو الرب الكريم فكشف شدته و قضى حاجته و أظله بالرخاء، ثم إذا تلبس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أولا من الشرك و النسيان.

و كقوله تعالى: "و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين:" المؤمن - 60، و الآية تدعو إلى الدعاء و تعد بالإجابة و تزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار و الوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.

و كقوله تعالى: "و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين:" المؤمن - 60، و الآية تدعو إلى الدعاء و تعد بالإجابة و تزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار و الوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.

 

و بذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب كقوله تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين": المؤمن - 14، و قوله تعالى: "و ادعوه خوفا و طمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين": الأعراف - 56، و قوله تعالى: "و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين": الأنبياء - 90، و قوله تعالى: "ادعوا ربكم تضرعا و خفية إنه لا يحب المعتدين": الأعراف - 55، و قوله تعالى: "إذ نادى ربه نداء خفيا، إلى قوله، و لم أكن بدعائك رب شقيا": مريم - 4، و قوله تعالى: "و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله:" الشورى - 26، إلى غير ذلك من الآيات المناسبة، و هي تشتمل على  أركان الدعاء و آداب الداعي، و عمدتها الإخلاص في دعائه تعالى و هو مواطاة القلب اللسان و الانقطاع عن كل سبب دون الله و التعلق به تعالى، و يلحق به الخوف و الطمع و الرغبة و الرهبة و الخشوع و التضرع و الإصرار و الذكر و صالح العمل و الإيمان و أدب الحضور و غير ذلك مما تشتمل عليه الروايات.

قوله تعالى: فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي، تفريع على ما يدل عليه الجملة السابقة عليه بالالتزام: إن الله تعالى قريب من عباده، لا يحول بينه و بين دعائهم شيء، و هو ذو عناية بهم و بما يسألونه منه، فهو يدعوهم إلى دعائه، و صفته هذه الصفة، فليستجيبوا له في هذه الدعوة، و ليقبلوا إليه، و ليؤمنوا به في هذا النعت، و ليوقنوا بأنه قريب مجيب لعلهم يرشدون في دعائه.

{قال بعض المفسرين بعد الإشارة إلى الرواية الأخيرة و نظائرها: إنها على ضعف رواتها و مخالفتها للروايات المنقولة شاذة المعنى بجعل الاستفتاح دعاء بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و في بعض بحقه و هذا غير مشروع و لا حق لأحد على الله فيدعى به انتهى.

و هذا ناش من عدم التأمل في معنى الحق و في معنى القسم.

بيانه: أن القسم هو تقييد الخبر أو الإنشاء بشيء ذي شرافة و كرامة من حيث إنه شريف أو كريم فتبطل شرافته أو كرامته ببطلان النسبة الكلامية، فإن كان خبرا فببطلان صدقه و إن كان إنشاء أمرا أو نهيا فبعدم امتثال التكليف. .......و من هنا يظهر أولا: أن القسم أعلى مراتب التأكيد في الكلام كما ذكره أهل الأدب. و ثانيا: أن المقسم به يجب أن يكون أشرف من متعلقه فلا معنى لتأكيد الكلام بما هو دونه في الشرف و الكرامة.

و قد أقسم الله تعالى في كتابه باسم نفسه و وصفه كقوله: "و الله ربنا" و كقوله: "فوربك لنسألنهم" و قوله: "فبعزتك لأغوينهم" و أقسم بنبيه و ملائكته و كتبه و أقسم بمخلوقاته كالسماء و الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و اليوم و الجبال و البحار و البلاد و الإنسان و الشجر و التين و الزيتون.

 

و ليس إلا أن لها شرافة حقة بتشريف الله و كرامة على الله من حيث إن كلا منها إما ذو صفة من أوصافه المقدسة الكريمة بكرامة ذاته المتعالية أو فعل منسوب إلى منبع البهاء و القدس - و الكل شريف بشرف ذاته الشريفة - فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟ و ما الذي هون الأمر في خصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخرجه من هذه الكلية و استثناء من هذه الجملة؟.

 

و لعمري ليس رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهون عند الله من تينة عراقية، أو زيتونة شامية، و قد أقسم الله بشخصه الكريم فقال: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون": الحجر - 72.

ثم إن الحق - و يقابله الباطل - هو الثابت الواقع في الخارج من حيث إنه كذلك كالأرض و الإنسان و كل أمر ثابت في حد نفسه و منه الحق المالي و سائر الحقوق الاجتماعية حيث إنها ثابتة بنظر الاجتماع و قد أبطل القرآن كل ما يدعى حقا إلا ما حققه الله و أثبته سواء في الإيجاد أو في التشريع فالحق في عالم التشريع و ظرف الاجتماع الديني هو ما جعله الله حقا كالحقوق المالية و حقوق الإخوان و الوالدين على الولد و ليس هو سبحانه محكوما بحكم أحد فيجعل عليه تعالى ما يلزم به كما ربما يظهر من بعض  الاستدلالات الاعتزالية غير أنه من الممكن أن يجعل على نفسه حقا، جعلا بحسب لسان التشريع فيكون حقا لغيره عليه تعالى كما قال تعالى: "و كان حقا علينا ننجي المؤمنين": يونس - 103، و قال تعالى: "و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. و إن جندنا لهم الغالبون": الصافات - 171، 172، 173.

و النصر كما ترى مطلق، غير مقيد بشيء فالإنجاء حق للمؤمنين على الله، و النصر حق للمرسل على الله تعالى و قد شرفه الله تعالى حيث جعله له فكان فعلا منه منسوبا إليه مشرفا به فلا مانع من القسم به عليه تعالى و هو الجاعل المشرف للحق و المقسم بكل أمر شريف.

إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.

و أما قول القائل: ليس لأحد على الله حق فكلام واه. نعم ليس على الله حق يثبته عليه غيره فيكون محكوما بحكم غيره مقهورا بقهر سواه. و لا كلام لأحد في ذلك و لا أن الداعي يدعوه بحق ألزمه به غيره بل بما جعله هو تعالى بوعده الذي لا يخلف هذا.}

فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟ إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.

لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴿57 وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ ﴿58 إِنَّ السَّاعَةَ لاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ﴿59 وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴿60 غافر

فهذا ملخص القول في الدعاء على ما تفيده الآية، و به يظهر معاني سائر الآيات  النازلة في هذا الباب كقوله تعالى: "قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم": الفرقان - 77 و قوله تعالى: "قل أ رأيتم إن أتيكم عذاب الله بغتة أو أتتكم الساعة أ غير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء و تنسون ما كنتم تشركون:" الأنعام - 41، و قوله تعالى: "قل من ينجيكم في ظلمات البر و البحر تدعونه تضرعا و خفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها و من كل كرب ثم أنتم تشركون: الأنعام - 64، فالآيات دالة على أن للإنسان دعاء غريزيا و سؤالا فطريا يسأل به ربه، غير أنه إذا كان في رخاء و رفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه، فالتبس عليه الأمر و زعم أنه لا يدعو ربه و لا يسأل عنه، مع أنه لا يسأل غيره فإنه على الفطرة و لا تبديل لخلق الله تعالى، و لما وقع الشدة و طارت الأسباب عن تأثيرها و فقدت الشركاء و الشفعاء تبين له أن لا منجح لحاجته و لا مجيب لمسألته إلا الله، فعاد إلى توحيده الفطري و نسي كل سبب من الأسباب، و وجه وجهه نحو الرب الكريم فكشف شدته و قضى حاجته و أظله بالرخاء، ثم إذا تلبس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أولا من الشرك و النسيان.

و كقوله تعالى: "و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين:" المؤمن - 60، و الآية تدعو إلى الدعاء و تعد بالإجابة و تزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار و الوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.

و كقوله تعالى: "و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين:" المؤمن - 60، و الآية تدعو إلى الدعاء و تعد بالإجابة و تزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار و الوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.

 

و بذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب كقوله تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين": المؤمن - 14، و قوله تعالى: "و ادعوه خوفا و طمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين": الأعراف - 56، و قوله تعالى: "و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين": الأنبياء - 90، و قوله تعالى: "ادعوا ربكم تضرعا و خفية إنه لا يحب المعتدين": الأعراف - 55، و قوله تعالى: "إذ نادى ربه نداء خفيا، إلى قوله، و لم أكن بدعائك رب شقيا": مريم - 4، و قوله تعالى: "و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله:" الشورى - 26، إلى غير ذلك من الآيات المناسبة، و هي تشتمل على  أركان الدعاء و آداب الداعي، و عمدتها الإخلاص في دعائه تعالى و هو مواطاة القلب اللسان و الانقطاع عن كل سبب دون الله و التعلق به تعالى، و يلحق به الخوف و الطمع و الرغبة و الرهبة و الخشوع و التضرع و الإصرار و الذكر و صالح العمل و الإيمان و أدب الحضور و غير ذلك مما تشتمل عليه الروايات.

قوله تعالى: فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي، تفريع على ما يدل عليه الجملة السابقة عليه بالالتزام: إن الله تعالى قريب من عباده، لا يحول بينه و بين دعائهم شيء، و هو ذو عناية بهم و بما يسألونه منه، فهو يدعوهم إلى دعائه، و صفته هذه الصفة، فليستجيبوا له في هذه الدعوة، و ليقبلوا إليه، و ليؤمنوا به في هذا النعت، و ليوقنوا بأنه قريب مجيب لعلهم يرشدون في دعائه.

{قال بعض المفسرين بعد الإشارة إلى الرواية الأخيرة و نظائرها: إنها على ضعف رواتها و مخالفتها للروايات المنقولة شاذة المعنى بجعل الاستفتاح دعاء بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و في بعض بحقه و هذا غير مشروع و لا حق لأحد على الله فيدعى به انتهى.

و هذا ناش من عدم التأمل في معنى الحق و في معنى القسم.

بيانه: أن القسم هو تقييد الخبر أو الإنشاء بشيء ذي شرافة و كرامة من حيث إنه شريف أو كريم فتبطل شرافته أو كرامته ببطلان النسبة الكلامية، فإن كان خبرا فببطلان صدقه و إن كان إنشاء أمرا أو نهيا فبعدم امتثال التكليف. .......و من هنا يظهر أولا: أن القسم أعلى مراتب التأكيد في الكلام كما ذكره أهل الأدب. و ثانيا: أن المقسم به يجب أن يكون أشرف من متعلقه فلا معنى لتأكيد الكلام بما هو دونه في الشرف و الكرامة.

و قد أقسم الله تعالى في كتابه باسم نفسه و وصفه كقوله: "و الله ربنا" و كقوله: "فوربك لنسألنهم" و قوله: "فبعزتك لأغوينهم" و أقسم بنبيه و ملائكته و كتبه و أقسم بمخلوقاته كالسماء و الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و اليوم و الجبال و البحار و البلاد و الإنسان و الشجر و التين و الزيتون.

 

و ليس إلا أن لها شرافة حقة بتشريف الله و كرامة على الله من حيث إن كلا منها إما ذو صفة من أوصافه المقدسة الكريمة بكرامة ذاته المتعالية أو فعل منسوب إلى منبع البهاء و القدس - و الكل شريف بشرف ذاته الشريفة - فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟ و ما الذي هون الأمر في خصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخرجه من هذه الكلية و استثناء من هذه الجملة؟.

 

و لعمري ليس رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهون عند الله من تينة عراقية، أو زيتونة شامية، و قد أقسم الله بشخصه الكريم فقال: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون": الحجر - 72.

ثم إن الحق - و يقابله الباطل - هو الثابت الواقع في الخارج من حيث إنه كذلك كالأرض و الإنسان و كل أمر ثابت في حد نفسه و منه الحق المالي و سائر الحقوق الاجتماعية حيث إنها ثابتة بنظر الاجتماع و قد أبطل القرآن كل ما يدعى حقا إلا ما حققه الله و أثبته سواء في الإيجاد أو في التشريع فالحق في عالم التشريع و ظرف الاجتماع الديني هو ما جعله الله حقا كالحقوق المالية و حقوق الإخوان و الوالدين على الولد و ليس هو سبحانه محكوما بحكم أحد فيجعل عليه تعالى ما يلزم به كما ربما يظهر من بعض  الاستدلالات الاعتزالية غير أنه من الممكن أن يجعل على نفسه حقا، جعلا بحسب لسان التشريع فيكون حقا لغيره عليه تعالى كما قال تعالى: "و كان حقا علينا ننجي المؤمنين": يونس - 103، و قال تعالى: "و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. و إن جندنا لهم الغالبون": الصافات - 171، 172، 173.

و النصر كما ترى مطلق، غير مقيد بشيء فالإنجاء حق للمؤمنين على الله، و النصر حق للمرسل على الله تعالى و قد شرفه الله تعالى حيث جعله له فكان فعلا منه منسوبا إليه مشرفا به فلا مانع من القسم به عليه تعالى و هو الجاعل المشرف للحق و المقسم بكل أمر شريف.

إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.

و أما قول القائل: ليس لأحد على الله حق فكلام واه. نعم ليس على الله حق يثبته عليه غيره فيكون محكوما بحكم غيره مقهورا بقهر سواه. و لا كلام لأحد في ذلك و لا أن الداعي يدعوه بحق ألزمه به غيره بل بما جعله هو تعالى بوعده الذي لا يخلف هذا.}

فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه و أقسم به؟ إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه و كذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم و قد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.