خامسا: آيات تنفي الشفاعة المعروفة والمنتظَرة يوم القيامة نفيا قاطعا
هذه الآيات تقطع السبيل على كل من يدعي
الشفاعة، فليس له لإثبات ذلك إلى أن يرفض القرآن الكريم والعياذ بالله.
هذه الآيات النافية تشير فعلا إلى الشفاعة التي يتحدث عنها المسلمون
ويُمَنّون بها أنفسهم يوم لا تملك نفس لنفس
شيئا والأمر يومئذ لله. هذه الآيات تنفي الشفاعة التي يدعيها
الأستاذ الطباطبائي وسوف أرد على العلامة رحمه الله تعالى في نهاية بيان
الآيات الكريمة.
الآيتان الأولى والثانية:
البقرة: 48 و 123
{
وَاتَّقُواْ
يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ
مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ
يُنصَرُونَ ﴿48﴾
وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ
شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ
وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴿123﴾}
هاتان الآيتان متشابهتان لفظا
ومعنى. ولعل السبب في هذا التأكيد المكرر هو أن بني إسرائيل الذين فضلهم
الله تعالى على العالمين باختيارهم لتجربة عهد الله عليهم، ظنوا وبوسوسة
من إبليس، بأن لهذا الاختيار الرباني تأثير في محاسبتهم يوم القيامة
وبأنهم فعلا شعب مميز عن بقية الشعوب وأمة مختارة يحبها الله دون غيرها.
ولا يخفى بأن نسبة هذا النوع اليهودي من
الاصطفاء إلى الله تعالى هو نسبة الظلم إلى الساحة المقدسة والعياذ بالله
تعالى.
وحقيقة هذا الاصطفاء هي تفضيل مؤقت لسبب
مبيت وباعتبارات دنيوية محضة ومعلومة. فبنو إسرائيل كانوا مجموعة من
الأذكياء المنحدرين من عدة أنبياء والمتربين في أحضان أناس على غاية
الإيمان والإحسان. وبما أن الله تعالى يسعى دائما لاختيار شعوب مميزة
نوعا ما لإجراء مزيد من الاختبار عليهم ليكونوا نماذج يطبق عليهم
الآخرين، فإنه سبحانه اختار في من اختار، بني إسرائيل لإجراء تجربة صعبة
ومعقدة عليهم سماها بالعهد. هذا الاختبار لا يعطيهم أي امتياز في يوم
القيامة كما أن اختياره سبحانه الأنبياء للنبوة أيضا غير مجد لهم يوم
الحساب. اللهم إلا شدة المحاسبة ودقتها بالنسبة لهم جميعا لأنهم انفردوا
من دوننا بمشاهدة بعض الآيات السماوية في أجلى وأكمل مظاهرها. وقد أفك
الشيطان العرب والمسلمين أيضا بأنهم المصطفون وبأن نبيهم خير الأنبياء
وسيدهم وسوف يتوسط لهم أمام الله ليُدخل أكثرهم إن لم يُدخل كلَّهم جنات
النعيم ولكن بقية الأنبياء سيكونون مشغولين بأنفسهم عن أتباعهم. حتى
محكمة المهداوي في العراق لم تكن كذلك!! فكيف بمحكمة رب العالمين جل
جلاله؟
كل هذه الأفكار باطلة ومرفوضة قرآنيا وغير
عقلانية، وسوف أفندها بالبرهان واحدة واحدة في المستقبل خلال تفسيري
لكتاب الله بإذن الله تعالى. ذلك لتعلم البشرية أن الله تعالى لايفرق بين
أمة وأمة، ولا بين إنسان وإنسان، ولا بين ذكر وأنثى، ولا بين سيد وعبد،
ولا بين شيخ وشاب، ولا بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين نبي
وغير نبي، ولا بين أهل بيت نبي وأهل بيت غير نبي، ولا بين صحابة رسول
الله وأمته ولا بين من انحدر من أصول إسلامية ومن انحدر من غير المسلمين.
الكل متساوون أمام الملك الحق العدل وسوف يفصل الله بينهم جميعا يوم
القيامة على السواء دون تمييز إطلاقا. وسوف تكون المحاسبة على أساس ما
فعلوه بما منحهم الله من نعم بمقدار تأثير تلك الأعمال على نفسياتهم.
فإذا أكرم الله أحدا بالنعيم الأخروي فهو محض كرم ورحمة منه سبحانه وحده
على أساس استحقاقات المستفيد وحده أيضا، دون أن يتأثر عدل الرحمن
بالوساطة والشفاعة والفداء أو بسبق التفضيلات الدنيوية العرقية واللونية
والمالية والجنسية وكذلك الدينية الموروثة. إنها جميعا محض صدف بالنسبة
لنا وليس لأحد أي يد في إثبات أو سلب أي منها عن نفسه.
والآيتان صريحتان بألا تجزي نفس عن نفس
شيئا ومعناها ألا تقضي أي نفس عن نفس ولا تقوم نفس مقام نفس آخر. وهكذا،
فلا يُقبل من نفس شفاعة سواء بالإيجاب أو بالقبول (بالفاعلية أو
بالمفعولية). وهذا يعني أن الديان العظيم يرفض كل وساطة وشفاعة حين
الحساب كما يرفض طلب ذلك، بل يعتمد سبحانه على علمه وقضائه سبحانه ونعم
قضاؤه و بئس للظالمين بدلا عذاب الله. وأما جملة (لا
يؤخذ منها عدل) فهي استحالة تفادي الحكم الربوبي بأي شيء، فلا
النسب ولا الشرف ولا النبوة ولا الملك ولا المحبة للطيبين ولا الكرامة
ولا حتى المناصب والتفاضلات الممنوحة من السماء. ليس في اليد شيء يقدمه
المرء هناك عدا ما جناه بيديه في الدنيا من عبادة خالصة وإنفاق في سبيل
الله وفك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا
متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر
وتواصوا بالمرحمة.
الآية
الثالثة: البقرة: 254
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ
بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ
خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
﴿254﴾}
لو تقدمنا عدة آيات قبل
هذه الآية وبالتحديد من الآية 245 فقرأناها قاصدين هذه الآية لنعطيها
حقها من الاهتمام فسوف نعلم بأن الله يحدثنا في كلها عن قوة المال بغية
التحديد وليس تشجيعا لجمعه. فخير للمرء أن يُنفق المال في سبيل الله
ليعوضه الله يوم القيامة أضعافا مضاعفة. هكذا يصرف ماله في الطريق الصحيح
والمفيد. ومهما عظم شأن المال فهو لا يملك أي شأن في كسب التعيينات
السماوية بين الخلق كما تظنن قوم طالوت. كما أنه لا شأن له في ضرب
المشركين إذا أراد الله النصر لقوم ما. والله تعالى يفضل الرسل على أسس
أخرى لا ترتبط بالمال كما أنها لا ترتبط بالقوة القتالية أيضا.
وبعد أن ذكر الله خير السبل للتصرف في
المال وهو صرفه في سبيل رضوان الله تعالى وانتظار الأرباح الأخروية فإنه
يستدرك خطورة هذا الأمر فلعل من يظن بأنه قادر على أن يشتري الجنة بماله
وينفقها ثمنا لجنات النعيم، والحال أن الجنات أغلى من أن يُدفع لها ثمن.
وليعلم الأغنياء بأن الدعوة لصرف المال هي للتمييز بين قلوب المُحسنين من
المسيئين وليس لاستلام الثمن مقابل شيء في المستقبل. لو كان كذلك لكان
الله ظالما، حيث أنه سبحانه أمد شخصا بالمال ليشتري ببعض ما يملكه الجنةَ
وحرم شخصا آخر من هذه الفرصة الثمينة. ولو كان كذلك لا استمتع الأغنياء
بمالهم في حياتهم الدنيوية وأوصوا بأن يُصرف أموالهم بعد موتهم فيما
يُشترى بها الجنة، وهو باطل قطعا والذين يعدون أنفسهم بذلك فسوف يُمنون
بالخسارة قطعا.
وعلى المرء أن يُنفق مما رزقه الله مالا
أو علما أو قوة بدنية بنفسه ليثبت اهتمامه بالتضحية في سبيل الله فيُرضيه
تعالى ويستحق الثواب من العزيز الكريم. وأما من يُرسل الثمن فهو خائب. إن
الله يشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وليس هناك مكتب مبيعات أملاك
الجنة وليست الجنة لمن يُمتع نفسه ويرسل قسما من فائض ماله لشراء الجنة.
إذا أراد الإنسان كسب الجنة فعليه أن يضحي: فإن أعطاه العزيز سبحانه مالا
ضحى به وأشعر نفسه نفاد ماله إرضاء لربه الكريم، ولو أعطاه قوة سياسية
استخدمها في سبيل الله، ولو منحه تفوقا بدنيا أو علميا أباحها فيما يُرضي
الخالق العظيم ولم يكتف بما يُرضي خلق الله تعالى.
وفي الواقع أن الذي يضحي بنفسه في سبيل
الله وهو مؤمن به فهو الذي يكسب وليس غيره. ولذلك قال الله تعالى وهو يصف
الذين استرخصوا كل ما يملكون أمام الله في سورة التوبة {
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾
} ولم يقل: إن الله
اشترى أموالهم كما لم يقل: أموالهم وأنفسهم، بل قدم النفس على المال
فيكون المتبرع مضحيا بنفسه لا مبدلا بعض ماله بالجنة. وهكذا يكون من
الذين خضعوا لله تعالى واتخذوه وكيلا في كل أمورهم فأسلموا ما منحهم الله
تعالى لله نفسه وهم محسنون. قال سبحانه في سورة التوبة
{بَلَى
مَنْ أَسْلَمَ
وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿112﴾}.
وسوف يخيب الذي يريد أن يشتري الجنة
بالمال أو الذي يُصادق ويُصاحب الذين يظن بأنهم أهل الجنة وهو في الدنيا
ليكسب ودهم فيدخل معهم الجنة أو الذي يصرف بعض ماله وشيئا من قدراته في
سبيل غير الله ولو كانوا طيبين ليتوسطوا له ويتشفعوا يوم القيامة.
وأكثرهم حمقا الذين يصرفون المال على الموتى من الطيبين طلبا لشفاعتهم
فهم لا يسمعون منهم في الواقع حتى مجرد تجاوب لأنهم منفصلون عنا انفصالا
كاملا بعد أن ماتوا. إنهم يبكون على مظلوميتهم ويزينون قبورهم ويزورون
رفاتهم أو يؤذون أنفسهم حزنا على فقدانهم ولا يستعملون عقولهم ليُدركوا
أن الذي يتعرض للظلم فهو ضعيف عاجز عن الدفاع عن نفسه، فكيف يُدافع عن
هؤلاء. إنهم ظُلموا في حياتهم فكيف ينصروننا في مماتهم؟!! أعوذ بربي من
همزات وإيحاءات الشياطين.
والمؤمن العاقل الحصيف ينظر إلى تضحيات
أولئك الطيبين ليتخذ من الشرفاء الذين وقفوا أمام الظالمين أسوة حسنة
فيتعرف على مدى خضوع أولئك النفر الطيب لله تعالى فيعمل مثلهم ويخضع لله
ربه ويضحي بماله وإمكاناته وراحته في سبيل الله تعالى لا في سبيل عبيده
الطيبين. ويعتبر الله تعالى كل الذين يلجئون إلى هذه الأساليب الضالة
(بعلم ودراية بالطبع) كافرين بالحقائق وبكتاب الله وبالله تعالى في
النتيجة.
الآية الرابعة: مريم:
{
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ
وَفْدًا ﴿85﴾ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴿86﴾
لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاّ
مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا
﴿87﴾}
في هذه السورة الكريمة يذكر
الله تعالى نفرا من الطيبين من عباده الذين تليت عليهم آيات الرحمن إما
مباشرة بتكليم الرحمن لهم أو بواسطة الروح القدس وهم مريم العذراء وبعض
الرسل الكرام ثم كيفية دعوتهم للآخرين بالانفراد بعبادة الله تعالى فحسب.
فلم يطلب أحد منهم من أحد أن يدعو الرسول أو يدعو المؤمنة الصالحة مريم
أو ينتظر منهم أي شيء غدا بل دعوا آباءهم وقومهم أن يعبدوا الله وحده
ويطلبوا منه سبحانه النجاة من النار والفوز بالنعيم. ثم يخوف الله الناس
بأن الجميع في الواقع يُحشرون في جهنم بمن فيهم أنبياؤهم ثم يفرز الله
تعالى المؤمنين ليبقى الفاسقون في مستودع النيران. فكيف يمكن لمن يدخل
بنفسه في جهنم أن ينجي أحدا من النار. إنه بنفسه محتاج للنجاة فهو فاقد
للنجاة وفاقد الشيء لا يعطيه بالطبع. يخاطب الله تعالى نبيه في مريم: وهو
يذكره بأنه هو أعلم بمن هو مستحق للنار وبأنه (اي الرسول) وارد في جهنم
{ثُمَّ
لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ﴿70﴾
وَإِن مِّنكُمْ إِلاّ
وَارِدُهَا
كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴿71﴾}
فإذا كان الذين كلمهم الله في
الدنيا والذين التقوا بالروح القدس كلهم داخلين في جهنم فمن الذي يتوسط
بين الله المنفرد بالقضاء والحكم هناك وبين العصاة من خلقه؟!
وقال أيضا في نفس سورة مريم: 36 {وإن
الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم} وتعني أن الطريق الوحيد
أو الصراط المستقيم الصادق هو أن نعبد الله وكفى. وكذلك قوله في الآية
63 {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا}
فالله هو وليس غيره الذي يورث الأتقياء لا غيرهم جنات النعيم. والدليل
على ذلك هو أنه سبحانه قدم الجنة التي هي في مقام المفعول على نفسه وهو
الفاعل في التوريث ليفيد حصر التوريث على الله تعالى وقال من عبادنا من
كان تقيا ولم يقل من كان تقيا من عبادنا لئلا يتوهم أحد أن هناك أشخاص
يدخلون الجنة وهم غير أتقياء، فالأمركما فسرتُ والحمد لله.
وأما تفسير الآيات المنوه عنها والتي
يستند إليها الأخوة المفسرون لإثبات الشفاعة وبأن من اتخذ عند الرحمن
عهدا فهو الذي يملك الشفاعة. بكل بساطة، فإن الخطاب للرسول نفسه الذي
يطلب منتظرو الشفاعة (من المسلمين) شفاعته قبل أي شخص آخر ولا تشير الآية
إليه إطلاقا فيما عدا لحن الخطاب الموجه إليه بقصد التبليغ. كما لا تشركه
بالشفعاء المقصودين فتقول مثلا: لا تملكون الشفاعة! ولو كان ما تظننه
المفسرون صحيحا بأن المشار إليه في (لا يملكون) هم الذين يقومون بالشفاعة
لكانت الآية 19 من سورة الإنفطار متناقضة مع هذه الآية. هناك يقول
الجبار، ديان الدين: {يوم لا تملك نفس لنفس
شيئا والأمر يومئذ لله}. كل النفوس التي حشرت يوم القيامة للفصل
وهم الجن والإنس بكامل عددهم فكل نفس منهم لا تملك لأي نفس سواء نفسها أو
نفس غيرها شيئا. ولقد أفكهم الشيطان الرجيم وذهب بهم بعيدا عن المرمى حيث
ظنوا بأن المقصود من التملك هو التملك المباشر فقالوا بأن كل شخص لا يملك
شيئا إلا بتمليك من الله تعالى. هذا محض الخطإ. إن الملكية تنتهي بانتهاء
الحياة الدنيوية حيث أن المال والبنين هم زينة الحياة الدنيا. أما الآخرة
فتنعدم فيها ملكية الأفراد بأي طريقة بل يستمتع المؤمن فيها مثلا بإرادة
الله. سوف تُخصَص الكثير من المقومات لكل مؤمن ليستمتع بها دون أن
يتملكها. إن التمليك غير ممكن في الآخرة لعدم وجود المال. وإيجاد المال
غير ممكن في دارٍ قُدّر لها البقاء الأبدي. كيف يتخلص مالكو القصور من
مخلفاتهم الثمينة مثلا؟. إنهم يتبرعون بها أو يبيعونها في الدنيا، ولكن
لا تبرع ولا بيع في الآخرة. فلا يمكن التمليك إطلاقا. سيبقى الناس جميعا
في ضيافة الله تعالى إلى الأبد وهو الصحيح والممكن وخلافه محال فانتبه.
إن الله تعالى نسب حشر المتقين إليه
سبحانه كما أعاز سوق المجرمين إلى نفسه أيضا، مع أن الملائكة هم الذين
يقومون بالأمر بأمر الله تعالى. ذلك ليُزيل الشفاعة الإرادية من الأذهان.
ثم إنه سبحانه أشار إلى أهم أسمائه من حيث الرحمة وهو الرحمان ليؤكد لنا
بأن الذي يُمكن أن تناله الرحمة فسوف تناله ومن لم تنله الرحمة فهو غير
مستحق لها إطلاقا. فنسب الحشر إلى نفسه ونسب مرجع الحشر إلى الرحمان لا
إلى الجنة. فكل من يستحق بأي شكل من الأشكال فسوف يفد إلى الرحمان لينال
ما يمكن أن يناله من سفرة الكرم الملكوتي العظيم. وأما المجرمون فسوف
يخرجون تماما من رحمة الرحمان فلا يملكون حتى القدرة على التحرك ولذلك
فهم يُساقون إلى جهنم والعلم عند الله تعالى.
وهم
جميعا مؤمنهم ومجرمهم لا يملكون الشفاعة. ومعناه أنهم ليسوا في طور يتقبل
الشفاعة سواء بالإيجاب أو بالقبول. وهو مثل قولنا بأن النملة لا تملك
التعقل والخشبة اليابسة لا تملك النمو وقطعة الثلج الجامد لا تملك
الحرارة. ولذلك فالاستثناء منقطع وليس متصلا. وقد أشار سبحانه إلى هذا
العهد
في سورة التوبة
{
إِنَّ
اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ
لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿111﴾ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿112﴾}
فكل مؤمن بموسى أو بعيسى أو
بمحمد باع نفسه على الله تعالى فإما أن يقتل أو يُقتل وإما ألا يكون هناك
مورد للجهاد فيكون من التائبين ... فهو الذي اتخذ عند الله عهدا. وقد كرر
الله تعالى لفظ الرحمان في الآية 87 المذكورة من سورة مريم ليؤكد أن
الذين يُحشرون إلى الرحمن وفدا هم الذين اتخذوا عند
الرحمن عهدا وأما الذين فعلوا ما فعلوا بانتظار الشفاعة فسوف
يخيبون إذ لا مجال للشفاعة في يوم القيامة. والعلم عند الله تعالى. وقد
ذكر الله حرمان الذين يظنون بأن النار هي في مقابل الأعمال فيدخل العصاة
النار أياما معدودة لينالوا جزاء أعمالهم ثم يخرجوا منها باتجاه الجنة.
وهناك الكثير من المسلمين يتخيلون ذلك فيقول الله عنهم هل اتخذوا عند
الله عهدا؟ سورة البقرة:
{
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ
أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا
فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا
لاَ تَعْلَمُونَ ﴿80﴾ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ
﴿81﴾}
فيوضح لهم سبحانه بأن دخول النار أبدي إذ أنها راجعة إلى مكاسب النفس
وليس إلى الأعمال نفسها. ولذلك فمن أتى بسيئة دون أن تحيط به خطيئته فهو
لا يدخل النار بل يشمله الرحمة الواسعة من الله وحده ومن أحاطت به خطيئته
فقد حرم من سعة رحمة الله تعالى إلى الأبد. ليس هناك من يدخل النار أياما
معدودات وهذا خطأ آخر وقع فيه المسلمون مع الأسف ويكررها الخطباء على
المنابر ليشجعوا الغافلين على المضي في الآثام!
الآية الخامسة: سورة يس
{
وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿22﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن
يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا
وَلاَ يُنقِذُونِ ﴿23﴾ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
﴿24﴾}
وفي هذه الآية يوضح سبحانه بأن
الذي يتخذ شفعاء بينه وبين ربه فهو يعبدهم وبأن الواجب أن يتوجه الشخص
إلى الذي خلقه وسوف يعود إليه في النهاية، وإذا أراد أن يضره فإن الشفاعة
غير مجدية والشفعاء عاجزون عن إنقاذه، فهو في ضلال مبين. إنه يترك
الحقيقة القادرة على فعل كل شيء وقد سمح له بالدعاء والإنابة والتوبة
والتوجه إليه تعالى مباشرة، ثم يتشبث بالأوهام التي تفسد لقاءه بربه بدلا
من أن تصلحه، فلما ذا يتبع الضلال؟ هذه الآية الكريمة تقطع السبيل على
الذين يقولون بأن الرسول والأئمة يدعون لنا فيستجيب الله لنا أو بأنهم
يستغلون مكانتهم عند الله ليخلصونا من القضاء الحق والعدل أو بأنهم يسدون
النقص الموجود في أعمالنا بأن يتفادوه بمنزلتهم عند الله، حيث يؤكد
سبحانه بأن شفاعتهم ووساطتهم لا تغني شيئا ولا تمنح خلاصا!! وهو سبحانه
ينوه بأن الله تعالى هو الرحمن الذي يوسع من يستحق بالخير
والبركة فلا يدع مجالا لرحمة أخرى أن تضاهيه وتضاهي كبرياءه.
ثم يبين الكريم سبحانه فضله على الناس وهو
قادر على أن يتركهم فيغرقوا في متاهات الأرض وانفراده سبحانه بالتدمير
الكوني الكبير وبإعادة الناس ثانية إلى الحياة بدافع الأبدية ففي ذلك
اليوم يأخذ كل شخص جزاء عمله فحسب. إنه سبحانه يعني بأنه لن يتأتى لأحد
أن ينال من جزاء عمل
غيره، فلا يمكن أن يستولي أحد على شيء من أعماله هو أيضا نتيجة لذلك. يس:
54 {فاليوم لا تُظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما
كنتم تعملون}. ذلك لأن الأعمال في الواقع ليست إلا دليلا على حالة
النفس التي بها ينال المرء ما يستحقه من الجزاء أمام الديان العظيم.
وفي
ختام الآيات الكريمة فإني أذكر بعض الآيات التي تنفي معنى الشفاعة دون
التطرق لتفسيرها
لأعطي
مزيدا من الثقة للقارئ الكريم: أولا: سورة الدخان:
{
إِنَّ
يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿40﴾ يَوْمَ لا يُغْنِي
مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿41﴾ إِلاّ
مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿42﴾}
ثانيا: سورة
الزمر{إِنَّا
أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا
لَّهُ الدِّينَ
﴿2﴾ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿3﴾}
ثالثا: سورة غافر
{
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ
التَّنَادِ ﴿32﴾ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا
لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ
﴿33﴾}
رابعا: سورة الصافات
{
هَذَا
يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿21﴾ احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿22﴾ مِن
دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴿23﴾ وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴿24﴾ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ
﴿25﴾ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴿26﴾}
خامسا: سورة الانفطار
{
إِنَّ
الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿13﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿14﴾
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴿15﴾ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ
﴿16﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿17﴾ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا
يَوْمُ الدِّينِ ﴿18﴾ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا
وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴿19﴾}
قصور رأي العلامة الطباطبائي رضي الله
تعالى عنه في الشفاعة:
أما بعد ذكر الآيات الكريمة فإني وقبل أن
أختم الموضوع فسوف أذكر بعض استدلالات المفسرين الكرام وسوف أستشهد بما
قاله الأستاذ الطباطبائي الذي أتى متأخرا عمن سبقه وحاول أن يأتي بتفسير
مقبول يومه عن الشفاعة المرفوضة قرآنيا. ذلك سعيا منه رحمه الله لعدم نفي
الكم الكبير من الروايات والأحاديث النبوية التي تؤكد وجود الشفاعة
المعروفة بين الناس. رضي الله عن الأستاذ الفاضل وعنا ولكنه أراد أن يكحل
الشفاعة فعماها من حيث لا يدري؛
فقال في تفسيره للآية 143 من سورة البقرة
والتي أفرد لها فصلا في البحث حول الشفاعة: قال في الصفحة 158 من الجزء
الأول من تفسير الميزان: "فتفيد
أن الموجودات –غيره تعالى- لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها
واستقلالها، وإنما تملك بتمليك الله لها إياها". لقد نسي الأستاذ أن
الملكية برمتها غير أصيلة لغير الله تعالى بل هو بالتمليك. إن كل صفة وكل
صبغة وكل شيء يحملها أي مخلوق فهي بنعمة الله تعالى وليست مملوكة لأحد
غيره سبحانه. لقد خولنا الله سبحانه نوعا محدودا من الملكية في هذه
الدنيا لغرض الامتحان وسوف يُنهي سبحانه كل مظاهر الملكية بمجرد الموت
وللأبد. وعلى هذا الأساس يسمي تعالى نفسه {مالك
يوم الدين}؛
إذ أن كل الملكيات الاعتبارية تنتهي بانتهاء الحياة الدنيا. فلا تمليك في
يوم الحساب إطلاقا ولا توجد آية واحدة في الكتاب الكريم تثبت أية ملكية
لأي موجود في يوم الحساب فما بعد. ويضيف العلامة في الصفحة 159: "و من
هنا يظهر أن الآيات النافية للشفاعة .... والآيات المثبتة تثبتها لله
بنحو الإصالة ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه".
فالتمليك باطل يوم القيامة ولكن الإذن فهو صحيح ولكن بالنسبة للملائكة
القادرين على الإنجاز وتحقيق الفعل وليس للبشر. يقول الله تعالى لنبيه في
سورة ق:
{وَجَاءتْ
كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ
﴿21﴾ لَقَدْ كُنتَ فِي
غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ
حَدِيدٌ ﴿22﴾}
فالبشر والجن الذين يحملون
النفس جميعا يُساقون يوم القيامة بواسطة ملائكتهم ولا يمكنهم أن يسوقوا
أنفسهم لانعدام الإرادة لديهم كليا. والعلامة على علم بأن شفاعة الملائكة
ثابتة باعتبار الوساطة التنفيذية وأما الشفاعة التشريعية أو الوساطة
التكريمية فبحاجة إلى البرهان ولا برهان عليها في كتاب الله. فالشفاعة
(بإذن الله) هي شفاعة الملائكة التنفيذية وليست شفاعة المكرمين التي
ادعاها سلفنا الطيب رحمهم الله وإيانا.
فالملكية في الدنيا هي ملكية بالتمليك ولا
ملكية في الآخرة حتى بالتمليك. والوفاة تعني انتهاء الملكية وتوفي الله
تعالى إرادته التي استخلف بها أفراد عبيده في الدنيا لغرض الاختبار
والامتحان. والإنسان أو الجن الذي لا إرادة له فهو غير صالح لأن يكون
مالكا لا بالأصالة ولا بالتمليك.
ثم تشبث العلامة بتفسير الشفاعة حسبما
يروق له وللذين يؤمنون بها وهم –مع الأسف- غالبية المسلمين. ذلك التفسير
للشفاعة غير معروف إيجابيا في كتاب الله وإنما مذكور بالسلب فقط كما
وضحته عند بياني لكل الآيات التي تحتوي على تركيبة من "شفع". إن تعريف
العلامة للشفاعة بحيث تشمل الشفاعة التشريعية تعريف شخصي غير مستدل
قرآنيا. فقال في الصفحة 160: "وبعبارة
واضحة: إذا أراد نيل ثواب من غير تهيئة أسبابه أو التخلص من عقاب من غير
إتيان التكليف المتوجه إليه فذلك مورد الشفاعة".
فعلا، إن هذا الشرح للشفاعة بليغ جدا وهو ما يتوخاها منتظروا الشفاعة.
لكنه يخالف نص القرآن الكريم. يقول سبحانه في سورة يس 54:
{فَالْيَوْمَ
لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاّ
مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
﴿54﴾}.
والعلامة كما يبدو متفطن لذلك، فيسترسل في
تحليله بقوله في الصفحة 161: "فلا
نفوذ ولا تأثير للشفيع في مولوية ولا عبودية ولا في حكم ولا في جزاء حكم.
بل الشفيع، بعدما يسلم جميع الجهات الثلاث المذكورة، إنما يتمسك: إما
بصفات في المولى الحاكم توجب العفو والصفح... وإما بصفات في العبد تستدعي
الرأفة... وإما بصفات في نفسه أعني نفس الشفيع من قربه إلى المولى
وكرامته وعلو منزلته عنده
...". هذا الشفيع هو بالتأكيد أرحم من الله نفسه إلى عبيده الظالمين! إنه
يعني أن الله تعالى ليس أرحم الراحمين. معاذ الله. ويريد العلامة بقوله
هذا إثبات زيف محكمة القسط التي وعدنا الله بها في يوم القيامة. إن محكمة
تتأثر بما ذكرها الأستاذ من مؤثرات ظالمة، لهي محكمة غير نزيهة حتى في
منطق أهل الدنيا وحتى في منطق الشيوعيين والديمقراطيين وكل المحاكم غير
الدينية.
إن أقرب الناس إلى رسول الله هم
نساؤه اللاتي عشن معه وأفضى بعضهم إلى بعض والله يعدهن عذابا ضعفا من
النار إن أتين بفاحشة مبينة. لا يعدهن الله تعالى شفاعة ولا وساطة من
رسوله بل يعيز دخولهن الجنة إلى الصالح من أعمالهن فحسب. سورة الأحزاب:
{يَا
نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرًا ﴿30﴾ وَمَن
يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا
أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴿31﴾
}
ويقول تعالى في سورة لقمان:
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاّ
يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ
شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ
﴿33﴾}
وفي سورة غافر :
{يَوْمَ
هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ
الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
﴿16﴾ الْيَوْمَ تُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ ﴿17﴾ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزِفَةِ
إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴿18﴾ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا
تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿19﴾ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿20﴾ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ
كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ
فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن
وَاقٍ ﴿21﴾ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم
بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ
شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿22﴾}
وفي سورة الشورى:
{وَلَوْ
شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن
يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ ﴿8﴾}
وفي المدثر: {كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
﴿38﴾}
وفي النازعات:
{إِنَّمَا
أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا
﴿45﴾}
ولم يقل: إنما أنت منذر من
يخشاها وشفيع من يتخطاها!
حتى الاعتذار ممنوع أو غير
مسموع يوم القيامة. يقول سبحانه في الروم:
{فَيَوْمَئِذٍ
لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ ﴿57﴾}
وفي غافر :
{يَوْمَ
لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ
سُوءُ الدَّارِ
﴿52﴾}
وفي التحريم:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا
تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
﴿7﴾}
وفي المرسلات:
{هَذَا
يَوْمُ لا
يَنطِقُونَ ﴿35﴾ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
﴿36﴾}
وأما قول العلامة السالف الذكر : "...
وإما بصفات في نفسه أعني نفس الشفيع من قربه إلى المولى وكرامته
وعلو منزلته عنده
". غريب من العلامة الطباطبائي أن يعتقد بأن هناك موجود قريب من الله
تعالى. لا أدري من أين أتى بهذا الاستنتاج الساذج؟ إن الموجودات برمتها
ممكنة وبعيدة عن الوجود الواجب الأزلي والأبدي. إن الله تعالى قريب من كل
ما صنع باعتبار إحاطته بها وإمداده سبحانه إياها بأسباب الوجود والحياة
والقدرة على التماسك، ولكن الله تعالى يسعى بلطفه إلى تقريب عبيده منه
سبحانه. فالملائكة مثلا مقربون وليسوا قريبين. وهكذا الصالحون الطيبون
مقربون ولكنهم غير قريبين. لا يوجد آية واحدة في كتاب الله تقول بقرب أي
موجود من الله جل جلاله. معاذ الله من ذلك.
ولعل ما أبعد العلامة النحرير من شاطئ
الحقيقة هو إفراطه في حب النبي وبعض أولاده وأهله حتى أوصلهم دون أن يعلم
إلى رفعة الربوبية، والعياذ بالله. ولعل جولة العلامة المريبة في الشفاعة
منطلقة أيضا من هذا الخطأ الكبير، بأن هناك من هو قريب من الله تعالى عن
ذلك علوا كبيرا. إن الكثير من المعممين السنة والشيعة والمسيحيين واليهود
يقولون بذلك دون أن يثيروا استغرابي فمعلوماتهم عن القدوس العظيم لا
تتعدى الإدعاء، ولكني محق في الاستغراب من عالم فاضل مثل العلامة
الطباطبائي.
ويقول العلامة في الصفحة 161: "فحقيقة
الشفاعة التوسط في إيصال نفع أو دفع شر بنحو الحكومة دون المضادة" وقد
شرح الحكومة قبله هكذا: "ونعني بالحكومة أن يخرج مورد الحكم من كونه
موردا بإدخاله في مورد حكم آخر، فلا يشتمله الحكم الأول لعدم كونه من
مصاديقه؛ لا أن يشمله فيبطل حكمه بعد الشمول بالمضادة. كإبطال الأسباب
المتضادة في الطبيعة" ويضيف في الصفحة 161: "وأما من الجهة الثانية وهي
النظر إليه من جهة التشريع، فالذي ينبغي أن يقال: إن مفهوم الشفاعة على
ما سبق من التحليل يصح صدقه في مورده ولا محذور في ذلك وعليه ينطبق قوله
تعالى... سبأ 23... النجم 26.... الأنبياء 28 .... الزخرف 86 ... طه 109
...."
ولما نراجع تفسير العلامة نفسه في مورد الآيات الثلاث الأول في أماكنها
فهو يثبتها للملائكة لا للبشر. ففي سبأ يعترف بأنها شفاعة تكوينية وفي
النجم يقول بأنها إثبات للشفاعة في الجملة. إنه رضي الله عنه يناقض نفسه.
والغريب أن العلامة يعتقد بأن الملائكة
يتوسطون بين الله وعباده الظالمين لينجوهم من النار. ثم لم يتعرض العلامة
للسبب الداعي للملائكة أن يقوموا بهذا الدور المخالف لطبيعتهم. لم نر في
الدنيا منفذا للأحكام يتوسط لدى رئيسه شافعا وهم بشر ذوو قلوب ويحملون
المشاعر والأحاسيس. فكيف بالملائكة وهم لا يملكون قلوبا ولا مشاعر مثلنا،
بل هم عباد خلقهم الله لتنفيذ أوامره فحسب. إنهم يعملون بأمر الله تعالى
وليس لهم قرابة مع الناس. معذرة من الأستاذ العلامة: هذا محض هراء.
وفي الصفحة 162 قال العلامة: "فإن
الآيات كما ترى تثبت الشفاعة بمعنى الشافعية لعدة من عباده من الملائكة
والناس من بعد الإذن والارتضاء، فهو تمليك وله الملك وله الأمر. فلهم أن
يتمسكوا برحمته وعفوه ومغفرته وما أشبه ذلك من صفاته العليا لتشمل عبدا
من عباده ساءت حاله بالمعصية وشملته بلية العقوبة؛ فيخرج من كونه مصداقا
للحكم الشامل والجرم العامل على ما عرفت أن تأثير الشفاعة بنحو الحكومة
دون التضاد".
ثم حاول العلامة أن يستشهد بثمانية آيات قرآنية لا تشتمل أي منها على أية
إشارة لشفاعة الشافعين، بل تعيز كل الأمر إليه سبحانه.
ولكن العلامة أضاف من عنده في الصفحة 163:
"نعم،
إنما يفعل لمصلحة مقتضية وعلة متوسطة. ولتكن من جملتها شفاعة الشافعين من
أنبيائه وأوليائه والمقربين من عباده من غير جزاف ولا ظلم." وخلص العلامة
الطباطبائي القول ثانية: "فقد ثبت بما مر صحة تحقق الشفاعة عنده تعالى
في الجملة فيما لا يوجب محذورا لا يليق بساحة كبريائه تعالى" واعترف
العلامة ضمن بحثه أن الشفاعة ليست سببا كاملا بل سبب متوسط يمكن لها أن
تؤثر نسبيا في الحكم فقال في الصفحة 164: "قد عرفت أن الشفاعة ثابتة في
الجملة لا بالجملة"
وعلى هذا الأساس بادر بالرد على الذين يردون على الشفاعة المطلقة.
وأما العلة المتوسطة التي تشبث بها
العلامة عدة مرات في حديثه عن الشفاعة وجاراها بالمصلحة المقتضية فهي غير
بليغ باعتقادي. إن العلامة رحمه الله لم يأت بأي دليل قرآني على كل هذه
الجزئية بل كتبها من عند نفسه وظن بأن الدليل غير لازم في هذا الشأن كما
يبدو. وكما يبدو أيضا أنه اخترع العلة المتوسطة والمصلحة المقتضية في يوم
القسط والعدل لتكون بمثابةِ عجلة مسننةٍ تتركب فيها دولاب الشفاعة
ليتكامل بكل العملية ميكانيك العبودية لغير الله دون أن تؤثر في العبودية
للواحد الأحد جل جلاله!!
ليس في الحياة الأخروية مجال للمصلحة
المقتضية ولا للعلة المتوسطة كما تصورها الأستاذ رحمه الله. والعلامة
معترف بذلك، إذ أنه يؤمن بأن الأعمال تتجسم يوم القيامة وبأن الجنة
والنار هما النتيجتان الحتميتان لأعمال الناس. وحتى أكون أكثر دقة فإنهما
نتيجتان حتميتان لنفسيات الجن والإنس. ولذلك فهما غير مخلوقتين اليوم
وسوف تُخلقان ويتم تجهيزهما بعد الحشر الأخير أو إبّانه، كما سأشرحه
مستقبلا بإذن الله تعالى.
ليس هناك شيء يتوسط بل كلها مفاهيم لمعنى
واحد وهو العدالة والقسط. ولذلك يقول الله تعالى لبيان الفرق بين
النشأتين: {ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة
للمتقين}.
إذ لو وسع الرحمة في الآخرة كما يفعله سبحانه في نشأتنا الأولى لما تحققت
العدالة. إن نسبة التوسيط والتشفيع إلى محكمة العدل التي سيقيمها ربنا
الرحيم الودود كما وعد، بمثابة تصغير لشأن العزيز الحكيم وتفخيم لشأن
الشافعين المفترضين. وهكذا فستكون الملائكة والأنبياء أو الأئمة الذين
أضافهم العلامة من عنده، سيكونون أرحم علينا من ذي الرحمة سبحانه وتعالى.
ألا وإن الملائكة مع جلال شأنهم فهم ليسوا من أهل الرحمة والعواطف حسب
الرأي الساذج للذين توهموا وهموا بشفاعتهم.
كل الإنذار والتبشير لإبلاغ الناس بعدم
وجود العلل المتوسطة أو المصالح المقتضية. لا يوجد شيء غير العدل والقسط
ولذلك فسوف يخصص الله المؤمنين بالرحمة لانطباق ذلك تماما مع مقتضيات
العدالة. أتمنى أن يعرف الناس جميعا بألا مجاملة ولا مساهلة ولا مماشاة
في يوم العدل الأكبر. حتى الرحمة الواسعة سوف تتخصص للذين استعدوا لها
بأعمالهم واجتهادهم في الدنيا. فهي واسعة للمؤمنين ومقطوعة عن الجاحدين
والكافرين. هذا هو مغزى الخطر ولا سبيل لتغييره. إن كل المؤثرات مرفوعة
يوم القيامة حتى الأبوة والبنوة مرفوعة تمهيدا لبسط العدالة. سامح الله
العلامة الطباطبائي.
ثم يتفرغ العلامة للرد على
مناهضي الشفاعة فيذكر إشكالهم الأول وهو أن حكم الله عدل بالضرورة فيكون
عكسه ظلما. وعليه فإن طلب الشفعاء ظلم وهو عيب على عباد الله الصالحين.
ثم يرد عليهم الأستاذ بالنقض مستشهدا بالأوامر الاختيارية الدنيوية التي
يثبتها الله تعالى أحيانا ثم يزيلها حسب المورد لغرض الاختبار. فاحتمل
العلامة أن تكون النجاة مكتوبة لجميع المؤمنين، محسنين أو مسيئين الخ...
ثم يغير الله ما يشاء منها! هذا الكلام باطل برأيي لأن الناس يأتون ربهم
عبيدا بغض النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم فلا يمكن أن تكون الجنة
مكتوبة لهم. قال تعالى في سورة مريم:
{إِن
كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ
آتِي الرَّحْمَنِ
عَبْدًا ﴿93﴾ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿94﴾ وَكُلُّهُمْ
آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿95﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴿96﴾}
سوف يتم تمييز المؤمنين من
الكافرين يوم القيامة وفق الموازين التي ذكر الله بعضها في الكتاب
المنزل. لم يقل الله (قد جعل لهم الرحمن ودا ) بل قال سبحانه سيجعل. وأما
مسألة أن كل مؤمن يدخل الجنة فهو قانون وليس مكتوبا لأشخاص بعينهم. ولعل
العلامة يقصد بالمؤمنين الشيعة وهو خطأ أيضا. سوف نُحشر مع آبائنا
الأولين وهم ليسوا شيعة ولا سنة. ناهيك عن أن أكثر المقربين منهم وليسوا
منا بإخبار القرآن. واستشهاده بالأمور الاختبارية خطأ فادح، حيث أن القسط
مكتوب للآخرة وليس للدنيا، كما لا يوجد أحكام اختباريه في الآخرة. وبما
أن الله تعالى لم يكتب على نفسه العدالة في الدنيا فإنه سبحانه قد أباح
لنفسه إثبات الحكم الاختياري تارة ورفعه تارة أخرى حسب المورد. فقد
استشهد العلامة بمثال غير صادق.
ثم رد عليهم الأستاذ بالحل. وهو أن يخرج
الله تعالى المجرم من كونه مصداقا لشمول العقاب بجعله مصداقا لشمول
الرحمة تبعا لإفضاله للشافع بالإكرام والإعظام... فلو فعل الله ذلك
فسيكون الله مقرا على نفسه بأن الشافعين أرحم على عبيده المذنبين منه
سبحانه. هكذا وحسب رأي العلامة الطباطبائي فإن أرحم الراحمين سوف يناقض
نفسه عمليا. المطلوب برأيي أن يفتح المؤمنون أعينهم قليلا!!
وأما مسألة تكريم الخالق لخلقه فقد ذكرها
في ثمانية أماكن في القرآن الكريم. الإسراء: 70 والحج: 18 والأنبياء: 26
ويس : 27 والصافات: 42 والحجرات: 13 والمعارج: 35 والفجر: 15 ؛ ولم يشر
في أي منها إلى المعنى المتعارف بيننا، وهو قبول شفاعة أحد بالنسبة لشخص
آخر. فلا أدري كيف توصل العلامة إلى حقيقة قرآنية باختراعه هو وليس
بإقرار من القرآن. لقد سبقني العلامة الطباطبائي بالسعي لتفسير القرآن
بالقرآن باعتبار القرآن تبيانا لكل شيء فهو تبيان لنفسه أيضا. ولكنه نسي
هنا أن يعود إلى القرآن نفسه ليفسر معنى الإكرام المذكور في السور
المذكورة. إن الله يسعى في كل الكتاب لإبعاد الناس عن الاهتمام بغير الله
ويأمر رسله بإيعاز المؤمنين جميعا إلى الله وحده، فكيف يعين وسطاء غير
ضروريين بينه وبين خلقه لمجرد إكرامهم. إن الله قادر على أن يكرم عبيده
الصالحين بما وعدهم من الرضوان والحبور في جنات النعيم وليس بأن يعينهم
وسطاء بينه وبين خلقه فيشركهم بنفسه. هذا ما يكرهه الله ويحبه العلامة مع
الأسف. معاذ الله.
وأما إشكالهم الثاني وهو أن رفع بعض
الجرائم عن بعض الناس يمثل اختلافا في فعل الله تعالى باعتبار أن سنة
الله جارية لا تبديل لها. ويرد عليهم العلامة بأن مقتضى مختلف صفات الله
تعالى هي أحكام متغايرة في الظاهر باعتبار مختلف صفات الخالق جل شأنه.
ولي عليه إشكال بسيط لا أرى ضرورة لذكره ولكني في العموم موافق مع
العلامة بأن هذا الإشكال غير صحيح. إن يد الله مبسوطة لفعل ما يشاء إذا
رأى في ذلك مصلحة وحكمة.
وأما إشكالهم الثالث: هو أن علم الله أزلي
والشفاعة بمثابة تغيير في علم الله تعالى وهو محال أو أن تكون الشفاعة
سببا في تغيير الله حكمه الأزلي العدل إرضاء لعبد من عبيده وهو ظلم وعيب
على الله تعالى. وقد رد عليهم العلامة ردا معروفا بين العلماء وهو مرفوض
عندي. إنني أعتقد بأن العلم بما سيفعله فلان غير ممكن فلا يمكن أن يستقر
عليه علم الله تعالى. ولذلك فإن إشكال التسيير في منطقي غير وارد حتى
أتحمل عناء الرد عليه. على كل حال فإن إشكالهم هذا غير صحيح ولا داعي
لفتح مبحث طويل في هذه الرسالة المختصرة.
وأما إشكالهم الرابع وهو أن الوعد
بالشفاعة يستتبع تجرؤ الناس على العصيان اتكاء على الشفاعة. وقد رد عليهم
العلامة وعلى كل حال فإشكالهم غير صحيح عندي أيضا. يمكن أن تكون الشفاعة
موجودة ولا يستلزم التجرؤ فلا يمكن لأحد أن يقول: إن فلانا وفلانا
سيمنحان الشفاعة. بالطبع أن بعض المقرئين يوهمون لحاضري مجالسهم
باستحقاقهم للشفاعة وخاصة إذا بكوا أو أبكوا أو تباكوا، وحالهم معلوم لدى
الناس. إنهم يقيمون أسواقهم بهذا الشكل ولا يمكن اتخاذ أفعال هؤلاء ذريعة
لرفض الشفاعة إن كانت الشفاعة ثابتة في كتاب الله. فإشكالهم هذا أيضا
باطل وأنا لا أخالف الأستاذ في بطلان الإشكال.
وأما إشكالهم الخامس فهو أن العقل يمكن أن
يدل على إمكانية وقوع الشفاعة لا على فعلية وقوعها، وأن النقل فالقرآن
غير مبين للشفاعة بصورة إيجابية، والأحاديث لا يعول عليها. وقد رد عليهم
العلامة بأن الإضافة في آية {فما
تنفعهم شفاعة الشافعين}
في سورة المدثر دليل على وقوع الشفاعة وقد قمت بالرد على العلامة في مقطع
الآيات في هذه الرسالة. ويسترسل العلامة في الرد عليهم باعتبار المصادر
المضافة وقد قلنا بأن الشفاعة موجودة ولكنها شفاعة الملائكة المنفذين
لأمر الله تعالى وهو تنفع المؤمنين وتضر الكافرين. ودعني أعود إلى المقطع
الأول من قولهم وهو أن العقل يمكن أن تثبت الشفاعة ولكن لادليل على فعلية
وقوعها. إن جملة كلام العلامة معولة على ما يقع في الدنيا من تقدم إنسان
إلى إنسان آخر بالشفاعة والوساطة لإنسان ثالث باعتبار علو مرتبة الإنسان
الآخر أو ضعف الإنسان الثالث أو كرامته الشخصية لدى الإنسان الآخر. هذا
المعنى ممنوع في الساحة القدسية لأن الله تعالى ليس إنسانا ولا يوجد أحد
مثله فيتقدم إليه بكرامته عنده ليطلب منه مساعدة إنسان آخر مثله. ليس
لأحد دالة على الله تعالى لأن ما يصدر منه مجرد فضل مولوي خالص وليس فضلا
متبادلا مع الآخرين كما هو الحال بيننا نحن البشر.
ليس بين الموجودات الممكنة -وهي
تمثل كلما هو غير الله- موجود يمكن أن نتخذه قربانا إلى الله تعالى لعدم
إمكانية هذا القرب من القوي العزيز. فلو أنك أردت أن تتشفع لدى ملك أو
قاض دنيوي فسوف تتشبث بمن هو مثله أو قريب منه مقاما ومنزلة ورفعة شأن
ولا يمكن أن تقدم إليه فقيرا والكل فقراء أمام الله فعلا. كما لا يمكن أن
تقدم بقرة أو نملة أو جملا أو وردة جميلة شفيعا بينك وبين الملك أو
القاضي بل عليك أن تبحث عن إنسان مثله يفوقه أو يجاريه في جزئية من
الجزئيات على الأقل. ولا غرو أن كل إنسان محتاج لأخيه الإنسان، فسوف تقدم
إنسانا يحتاج إليه المتشفع عنده إلى حد كبير قابل لتحريك عواطفه أو
مصالحه باتجاه حاجتك. هذا غير وارد أمام الله. يقول الله تعالى في سورة
الأحقاف:
{وَلَقَدْ
أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿27﴾ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا
مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ
إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿28﴾}
إذ لا يمكن أن يتخذ الإنسان من دون الله نفسه قربانا إلى الله تعالى لعدم
الجنسية والسنخية مع الله. ولذلك وصف الله تعالى اتخاذهم القرابين بالإفك
والافتراء.
لا يمكن تصور قربان إلى الله تعالى غير
الله نفسه. ولذلك فإننا نضحي في سبيل الله بأنفسنا وأموالنا وراحتنا
لعلنا نُرضي الله تعالى فيكون رضاه سبحانه قربانا إليه. لا يمكن أن نتصور
واسطة إلى الله تعالى غير وسائط الطاعة وتنفيذ أوامر الجبار ولا دالة
للمنفذ على الله تعالى. ذلك لعدم وجود نسبة القرب إلى الله تعالى إطلاقا.
غاية ما هنالك السعي للتقرب وهو سعي مطلوب وغير محقق بالطبع. لكن الشيطان
أفك ويأفك الناس ليقلص من عظمة الخالق في عيونهم فيشغلهم بالشفاعة
والكرامة عند الله وما شابه ذلك من البنوة لله والعياذ بالله من جميع
ذلك.
وأما إشكالهم السادس: هو أن القرآن لا
يصرح بالشفاعة وإنما الأنبياء شفعاء ووسطاء للتبليغ وأن سعي الأنبياء
ينمو ويتكاثر فيكون الأنبياء شفعاء يوم القيامة باعتبار ما فعلوه في
الناس. هذا الإشكال باطل برأيي لأن فعل الأنبياء في الدنيا ينمو للأنبياء
أنفسهم وليس بين الناس. إن كل إنسان يفعل ما يفعل ليكسب رضوان الله تعالى
فيؤثر عمله في صبغة نفسه ولا يمكن أن يؤثر عمل شخص في شخص آخر ولو حصل
ذلك لكان الله ظالما والعياذ بالله جل جلاله. فإشكالهم سخيف ولا يحتاج
إلى جواب.
وأما إشكالهم السابع فهو سخيف أيضا ولا
يعتد به. ثم يعقب العلامة الطباطبائي بحثه عن الشفاعة فيقول في الصفحة
169 من الجزء الأول من الميزان: "3-
فيمن تجري الشفاعة" وقد أعرضت عنه لأني أرفض الشفاعة التشريعية من اصلها.
ثم يأتي بعنوان رابع في الصفحة 171 " من تقع منه الشفاعة" فذكر وسائط
للشفاعة التشريعية هكذا: التوبة، الإيمان، كل عمل صالح، القرآن. وأتى
ببعض الآيات القرآنية شواهد على تلك الوسائط؛ ثم أضاف: "ومنه كل ما له
ارتباط بعمل صالح والمساجد والأمكنة المتبركة والأيام الشريفة"
ولكن العلامة لم يأت بشواهد قرآنية على ما ادعاه. ذلك لعدم وجود أي ذكر
لها في الكتاب الكريم بالطبع.
ثم أضاف مسترسلا: "ومنه
الأنبياء والرسل باستغفارهم لأممهم".
واستشهد عليها بالآية 64 من سورة النساء:
{وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا
﴿64﴾}.
هذه الآية تتحدث عما أتى به
الصحابة أو المشركون من ظلم ضد رسول الله. ولذلك يعيزهم الله إلى الرسول
نفسه ليستغفر لهم، فاستغفاره دليل على رضاه عليهم. هذا هو أدب الرسل، أن
يبدو رضاهم وعفوهم عن طريق الاستغفار لمن اعتدى عليهم. ألا ترى أن إخوان
يوسف لم يعتذروا من يوسف ويعقوب إلا عن طريق الطلب منهما ليستغفرا لهم.
على أن استغفار الرسول بصورة عامة مطلوبة وجميلة وكذلك استغفارنا نحن
لإخواننا، ولكن هذا الإستغفار ليس شفيعا إلى الله بل هو دليل على حرصنا
على أنفسنا وإخواننا للتمسك بحبل الله وحده. وإذا كان الاستغفار للغير
شفيعا فهو شفيع للذي يستغفر، لا للذي يُستغفر له. الناس مجزيون بأعمالهم
لا أعمال غيرهم. ثم إن الآية المذكورة لا تدل على استغفار الأنبياء
لأممهم بل تدل على إمكانية استغفار الرسول للذين ظلموا أنفسهم بالاعتداء
عليه كما تشهد عليه الآية التي تسبقها.
ثم أضاف العلامة: "ومنهم
الملائكة في استغفارهم للمؤمنين".
بالطبع هذا الاستغفار تنفيذ لأمر الله تعالى بسبب كوني سوف أشرحه بإذن
الله في مكانه. ليس للملائكة الذين يحملون العرش أية صداقة أو صحبة أو
تعاطف خاص مع الذين يعيشون في إحدى الكرات الأرضية التي تربو على بلايين
البلايين. إنهم يؤدون واجبا ملقى عليهم ولا يمكن أن يدخل دعاؤهم ضمن
أسباب استحقاق الجنة أو النجاة من النار كما تراءى للأستاذ الكبير. ولو
قلنا بأن الإنسان الذي يتوب إلى الله ويتبع سبيل ربه فسوف يكون إضبارته
ناقصة بانتظار إضافة استغفار الملائكة لتكميلها، لكانت مقولتنا مهزلة.
يقول الله تعالى في القصص:
{
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا
لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَادًا
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
﴿83﴾}
وكثير مثل ذلك في القرآن ولم يضف سبحانه شرط استغفار
الملائكة لهم. إنه ظلم بالغ أن يعلق الملك الحق نجاة أحد على استغفار شخص
آخر له سواء كان ملكا أو نبيا أو صديقا أو قريبا. هذا منطق سخيف مع
الأسف.
ثم أضاف الأستاذ رحمه الله تعالى: "ومنهم
المؤمنون"
واستشهد عليها بالأدعية الجماعية التي يعلم الله المؤمنين أن يأتوا بها
بصيغة المتكلم مع الغير. هذا أيضا تعليق لنجاة فرد على دعاء فرد آخر له
وهو غير عادل. إن المؤمن يدعو أحيانا ربه بصيغة المفرد ليفيد المزيد من
الضعة أمام الله ويأتي أحيانا بصيغة الجمع ليفيد المزيد من التحقير لنفسه
فهو لا شيء لوحده. كما أن المؤمن يخاطب الله بصيغة المفرد ليفيد المزيد
من الاسترحام أو يخاطبه سبحانه بصيغة الجميع ليفيد ما يليق بساحة القدس
من تكبير وتعظيم، جل جلال الله.
وأضاف العلامة: "ومنها
الشفيع يوم القيامة بالمعنى الذي عرفت فمنهم الأنبياء".
واستشهد ببعض الآيات التي شرحتها وأثبتت أنها لا تتحدث عن شفاعة الأنبياء
يوم القيامة ولا داعي للتكرار. والملفت للنظر أن العلامة رحمه الله يذكر
الأنبياء حين الاستشهاد بالقرآن ولكنه حين الحديث عن الشفاعة فإنه يذكر
نبيا واحدا مضافا إلى 13 شخصا من أهله دون أي دليل قرآني ولو بالغلط؛
فلعل العلامة يسمح لنفسه أن يفسر بقية الأنبياء بأئمتنا الإثني عشر مع
السيدة الفاضلة فاطمة بنت الرسول !!! صلوات الله على الرسول وأهل بيته
أجمعين.
وكرر العلامة مرة أخرى : "ومنهم
الملائكة" واستشهد بآيات تدل على الشفاعة التكوينية وقد اعترف العلامة
نفسه ببعضها ولكنه حينما يسترسل في الاستدلال مع يد خالية فهو يشفعها على
دلائله الواهنة مع الأسف. هذا عين التناقض، غفر الله له ولي. وفي المرحلة
الخامسة ذكر "بماذا تتعلق الشفاعة"
وأنها تتعلق بالمعاصي الكبيرة؛ معاذ الله! وقبل قليل استشهد بالملائكة
الذين يحملون العرش وهم الذين يستغفرون للذين تابوا واتبعوا سبيل الله.
فهل الزنا والسرقة وبقية المعاصي الكبيرة اتباع لسبيل الله؟! ما هذا
التخبط يا شيخنا؟ غفر الله لك ولنا.
واختتم العلامة الطباطبائي بحثه بـ "متى
تنفع الشفاعة". فختم بها مقولته عن الشفاعة وختمها رحمه الله تعالى بتخبط
آخر. فقال "وأما نشأة البرزخ وما يدل على حضور النبي عليه السلام والأئمة
عليهم السلام عند الموت وعند مسائلة القبر وإعانته إياه على الشدائد كما
سيأتي في قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به) النساء – 158،
فليس من الشفاعة عند الله في شيء وإنما هو من سبيل التصرفات والحكومة
الموهوبة لهم بإذن الله سبحانه"
أما الآية فقد شرحتها باختصار في المفاهيم الصحيحة بنفس موقعي الفكري
وأتمنى أن يوفقني الله تعالى لتفسيرها بالتفصيل في تفسير التنزيل. وأما
حضور النبي والأئمة عند موت الناس فإن هناك في الكرة الأرضية أكثر من 200
مليون شيعي وهم المسلمون الحقيقيون في اعتقاد الأستاذ الطباطبائي. ثم إن
متوسط الأعمار هو أقل من خمسين سنة ولنفترض أنها خمسون سنة. فلو نضرب
المتوسط في 365 يوم في 24 ساعة في 60 دقيقة في 14 معصوم فسوف نجني حوالي
400 مليون دقيقة. هذا يعني أن نصيب كل ميت من الشيعة هو حوالي دقيقتين من
وقت شخص واحد من المعصومين الأربعة عشر. هذا العدد في تزايد هندسي كما أن
عدد غير المسلمين في تناقص فسوف يصل نصيب كل شخص إلى دقيقة أو بعض ثوان
في المستقبل. والمعصومون بحاجة إلى (بُراق!) سريع أسرع من النور ليطوفوا
حول موتاهم دون أن يتلفوا الوقت في الطريق. وليس للمعصومين شغل آخر غير
الحضور على رؤوس الموتى ومساعدتهم. كم تعب المعصومون خلال القرون الأربعة
عشر التي مضت بعد موتهم. ياليتهم كانوا غير شيعة فكانوا يرتاحون بعد
الموت حتى يبعثهم الله لا أن يبقوا حتى انتهاء الحياة في الكرة الأرضية
مشغولين بالحضور على رؤوس الموتى من الشيعة إرضاء لشهوة الذين افتروا
عليهم!!
ولم يبق للمعصومين وقت حتى يردوا على
الذين يزورونهم في مقابرهم والذين يتجمعون بالملايين عدة مرات كل سنة
ليلطموا وجوههم من أجلهم ويطلبوا منهم البركات وكذلك الذين يطلبون منهم
قضاء بقية الحاجات والشفاء للمرضى وغير ذلك. ولكني حينما أقيسهم بالمسيح
المسكين فإن حالهم خير منه بكثير!! هناك عدد يربو عدة مرات على عدد
الشيعة من المسيحيين وليس لهم إلا معصوم واحد هو عيسى بن مريم ولعل أمه
تشاركه أيضا وهم في كل أقطار الأرض ومنذ أكثر من عشرين قرن يدعون المسيح
ليكفيهم حوائجهم. بالله عليكم؛ أليس هذا شركا بالله تعالى. معاذ الله من
السخافة. وقبل أن أختتم كلامي فإني أستغفر الله لي وللعلامة الطباطبائي
ولكل سلفنا الطيب ولكل أصدقائنا من المسيحيين وأدعوهم جميعا للعودة إلى
الله الحي القيوم جل جلاله، وترك هذه الخزعبلات السخيفة.
وأجمل
كلام نختتم به هو القرآن الكريم. يقول الله تعالى في سورة التحريم:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ
النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
﴿8﴾}
فالنبي وصحابته يستغفرون الله لأنفسهم يوم القيامة لأنهم وحتى يتمكنوا من
الاستمتاع الصحيح بنعم الله في جناته محتاجون إلى مزيد من الطاقة النورية.
فأين الأعمال الإضافية للرسول حتى يمنحها أمته؟ بل سوف يشكو الرسول من
قومه ولن يتعب نفسه للتشفع لهم بنص القرآن. قال الله تعالى في سورة
الفرقان:
{وَقَالَ
الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ
مَهْجُورًا ﴿30﴾}
فالرسول يشتكي على الناس ولن يتوسط لهم. فاقرؤوا
القرآن إخواني وأخواتي واتركوا الخرافات يرحمكم الله وإياي، والسلام على
أهلي جميعا وعلى كل من اتبع الهدى وأراد الحياة الطيبة في مقعد صدق عند
مليك مقتدر؛ جل جلاله ونعم به ربا قويا قادرا رحيما لا نحتاج معه إلى
غيره، بل يحتاج معنا غيره إليه سبحانه وتعالى عما يشركون علوا كبيرا.
أحمد المُهري
انتهت الشفاعة ويليها قصة النبي يونس كما
في القرآن وحده.