يوم القيامة - القسم الثاني

 

القرآن يؤكد بقاء الناس جميعا أحياء عند الله تعالى:

وأما مسألة بقاء الشخص عند الله فهو ثابت بهذه الآية من سورة الأنبياء: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴿93﴾ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴿94﴾ فلو لم يكن له وجود لما عاد إلى الله. وأما الحياة بمعنى عدم الفناء فهي واضحة من نفس الآية أيضا، والحياة بمعنى الاحساس والشعور فهي غير قابلة للانكار باعتبار أن كل الناس سيرون ويشاهدون الحوادث الكونية التي سوف نذكرها بعد قليل، كما أن هناك من يُصعق بعد مماته ببلايين السنين. ولا معنى لصعقة الميت. فالناس جميعا أحياء عند الله ولكن حياتهم تختلف شدة وضعفا تبعا لما يحملونه معهم في نفوسهم.

 

المسائل التي يمكن أن نتعلمها في عالم البرزخ:

ولا أظن بأن هناك ارتباطا وتبادلا كلاميا مع الله تعالى، سوى أن الناس بأنفسهم سوف يكونون أقرب إلى الله تعالى منهم في الحياة الأولى. في هذه الفترة سوف نتعلم الكثير من المسائل الجديدة التي نحتاج إليها لمواجهة المصير مثل:

أولا- كيفية الارتباط بآبائنا الأولين وبأبنائنا الآخرين وبالأمم الأخرى الذين سيقفون معنا أمام الله تعالى يوم المحكمة الكبرى. من الواضح أن اللغات التي تعلمناها غير مجدية في العالم الجديد. إن اللغة غير قادرة على استيعاب المفاهيم الجديدة وتناولها. نحن اليوم نضع الكودات لمجموعة المفاهيم التي نتداولها ولكل طبقة وشعب وأمة منا كوداتهم وإشاراتهم واختصاراتهم الخاصة بهم. الأطباء والمهندسون والفلاسفة ورجال الدين ورجال السياسة والعسكريون والصناعيون والحِرَفيون ووو... فإن كل فرقة منهم وتبعا لكل زمان ولكل مكان وحتى كل حزب وكل فريق وكل أسرة فإنهم يحملون كودات ومرجعيات خاصة بهم توصلهم إلى مقاصدهم التي اتفقوا عليها مسبقا ونشئوا عليها مما لا يسع الآخرين فهمها بالدقة المطلوبة هناك. لكننا وفي العالم الأبدي فسوف نصنف على أساس آخر لا يرتبط لا بالعائلة ولا بالأمة ولا باللون ولا بالوطن ولا بالجنس ذكرا أو أنثى. سوف نحتاج إلى التعرف على كل ما قيل بشأننا في الدنيا لنعرف كل خصوصيات الجلسة القضائية التي سنحضرها بأنفسنا دون توكيل محامين أو خبراء يطلعون على الحيثيات أكثر من أصحاب الدعوى كما هي في عالمنا الفعلي. بيد أن لكل مجموعة منا اليوم لغة علمية أو قومية تختلف عما هي لدى الآخر. إن هناك دون شك وسيلة أخرى للتعارف والتواصل  شبيهة بالإيحاء وهي لغة القلوب والأنفس والتي ستبقى معنا حتى بعد عودتنا للأبدان الجديدة. نحن بتلك الوسيلة نتفاهم مع كل الناس في آن واحد وسوف نتعلمها كاملة في البرزخ. 

ثانيا- هناك الجن والشياطين الذين كانوا معنا في الحياة الدنيا وهم يروننا من بُعد آخر من أبعادنا غير المعروفة بيننا اليوم. إنهم في خصام معنا لكون بعضهم قرناء لبعضنا فعلينا أن نتعلم كيفية التفاهم مع الجن أيضا. ولا يخفى بأننا سوف نرى الكثير من الموجودات الكونية بأبعادها الأخرى التي لا نعرفها اليوم ويجب علينا أن  نتعلمها في البرزخ.

ثالثا -  على الجميع أن يتفاهموا مع الملائكة وهم لا يتحدثون باللغات ولا يستعملون الأسماء في تفاهمهم. إن لغة تفاهمهم بالتأكيد غير مقيدة بالأسماء بقدر ما هي مقيدة بالحقائق التي تشبه عناوين الكمبيوتر. إنهم يتعرفون على كل موجود بحقيقته ونحن لا نعرف ذلك وللملائكة مسؤوليات كبيرة في تبويب المدعوين إلى القضاء الرباني المتصف بالقسط وهو أبلغ من العدل.

رابعا- إن هناك أوامر ودعوات إلهية لكل الناس مع الجن وهم في حالتهم النفسية البرزخية، والجميعُ بحاجة أن يتعرفوا عليها ليتجاوبوا معها.  مثال ذلك الدعوة للخروج من الأرض وهي مذكورة أكثر من مرة في القرآن الكريم. إنها دعوة للخروج ولكن ليست باللغة التي نعرفها اليوم بل هي بلغة الطبيعة التي لا نعرفها بالدقة المطلوبة آنذاك. نحن لا نعرف لغة الحيوانات اليوم إلا قليلا فكيف بلغة السماء والأرض والهواء والأمواج والإشعاعات. سوف نصير أدق من التلفزيونات الجديدة التي تتجاوب مع الإشعاعات التي تبثها إليها وسائل التحكم عن بعد. وهذا أكيد لا شك فيه.

خامسا – إن نفوسنا التي تمثل حقيقتنا اليوم سوف تتطبع على ما نُحمّلها نحن من أفعال تصطبغ بها (نفوسنا) في الدنيا. هذه الصبغة التي طلينا بها نفوسنا تمثل حقيقتنا الجديدة. فنحن آنذاك نفوس سوّاها الله تعالى وسمح لنا بأن تفعل ما تشاء فتحولت النفوس البريئة إلى نفوس مسؤولة سعيدة أو شقية، تبعا لما عودناها عليه. فالتعامل في الواقع سيكون مع النفوس المتطورة لا مع الأبدان ولا مع خلايا المخ التي نتركها جميعا حين الممات لتتفاعل مع تركيبة الأرض التي انبثقنا منها. فعلينا أن نتعرف على قراءة حقيقة النفوس وكيفية الاتصال بها لنعرف أنفسنا وأنفس خصومنا من الجن والإنس. هذا النوع من الارتباط لا يتم بمساعدة اللغة الكلامية والملامس الجلدية والألوان والأمواج الصوتية والصور الفوتوغرافية التي نعرفها هنا. لو لم نتعرف على إيحاءات وإشعاعات النفوس فسنكون عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا وهو ما يتناقض مع سياسة القاضي الديان بديع السماوات والأرض جل جلاله.

سادسا: ولو نتعمق في دمار الكون فسوف نعلم بأننا سوف نرتبط في فترة البرزخ بكل الذين يعيشون في الكواكب الأخرى ثم يفصلنا الله تعالى عنهم ليعود كل منا إلى كوكبه الذي سوف يُحاسب ثم يعيش فيه الأبدية. هذا الاختلاط ضروري لنتعرف على بقية الكائنات المشابهين لنا فنعلم بأن الله تعالى كان عادلا معنا كما كان عادلا معهم.

 

كل ذلك سوف نتعلمها في عالم البرزخ. إذن عالم البرزخ ليس فارغا ننتظر فيه ما سيحل بنا بل هي عالم الإعداد والاستعداد لمحكمة من نوع غير مألوف لأحد ومشروح نسبيا في كتاب الله تعالى. إن تناول كل هذه المسائل قرآنيا يأخذ وقتا طويلا نتركها لجلسات التفسير بإذن الله تعالى.

 

الكرامة والوجاهة عند الله تعالى: 

سوف يفقد المرء كل ما يميزه اجتماعيا أو نسبيا مع موته. قال تعالى في سورة الرحمن: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴿26﴾ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴿27﴾ فالذي يفنى هو الوجه من كل البشر وليس النفس التي ستبقى إلى الأبد، فيبقى وجه الله تعالى وكرامته وحده. وتنتهي كل الأنساب كما قال تعالى في سورة المؤمنون: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ﴿101﴾ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿102﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿103﴾. وفي المقابل سوف يُحشر كل الموجودات بحقيقتهم أذلاء أمام العزيز القهار جل جلاله. يقول تعالى في سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴿87﴾. داخرين تعني أذلاء. ويقول سبحانه لنبينا محمد في سورة الزمر:

 

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿30﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿31﴾ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿32﴾ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿33﴾ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ﴿34﴾ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿35﴾ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿36﴾ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ﴿37﴾ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿38﴾ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿39﴾ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴿40  سوف يكون هناك شيء واحد يسود وهو القسط كما قال جل جلاله في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47﴾

 

المرحلة الثالثة: دمار النظام الشمسي

وبعد فترة لا تتجاوز خمسة بلايين سنة من سنواتنا الفعلية احتمالا سوف تستعد الشمس للانفجار وهي الساعة الأولى التي حذرنا الله تعالى منها في الكتاب الكريم.

 

ليس هناك حساب ولا عذاب في هذه المرحلة ولكن هناك علم بما يحصل داخل النظام الشمسي أو في فيزياء الكون. ليس للموتى عيون يرون كما نرى ولكنهم نفوس تشعر وتعي فيعون ويلمسون الحركات الطاقوية الكبيرة. وحتى نفهم ذلك فإني أدعوكم إلى تصور الحقول المغناطيسية الموجودة في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا حياتنا الدنيوية. يتم دائما تنظيف الحقول المغناطيسية لتسهيل عبور الطاقة فيها وإلا انعدم أو تضاءل الاتصال. نحن ننظف عدسة الكاميرا لأن المواد غير المشعة تعدم الرؤية وننظف مسارات الكهرباء حتى لا نعيق سير الالكترونات بالسرعة المطلوبة ونصفي جو المكان المراد مراقبته من الدخان لتتم المراقبة النظرية والصوتية بسهولة ويسر. وبغير ذلك فإن التصوير ونقل الصوت ونقل الكهرباء تتم بصورة مشوهة ومكلفة وغير اقتصادية. ونحن في حالتنا الفعلية نفوس محبوسة داخل الأبدان فلا يمكن التطلع إلينا بدون وسائل فيزيائية يَفقدها الموتى. وحينما نغادر أبداننا، فإن الموتى قادرون على الارتباط بنا (خارج البدن) لخلو مسار الطاقة النفسية من الشوائب المادية. وأما انفجار الشمس مثلا فهو عبارة عن كتلة كبيرة من الطاقة أكبر بكثير من الذرات المادية وهي تُحجب عنهم فيشعرون بأن الشمس تحولت إلى دخان لانقطاع الارتباط الطاقوي بها.

 

ولعل هذا هو ما يُشار إليه في سورة الدخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴿10﴾ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿11﴾ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴿12﴾ كل الناس سيكونون موجودات نفسية محضة في ذلك اليوم ولذلك سيشعرون بانقطاع الأشعة الشمسية وليس باحتراقها. إنهم يتعرفون على ما حصل للشمس بغير ما نتعرف عليه نحن في حالتنا المادية الفعلية وعن طريق العين والأذن الماديين. وأما سبب خوفهم فهو لأنهم يعلمون وينتظرون الوقوف أمام المحكمة الكبرى فكل حركة كبيرة في الكون يُرعبهم لشعورهم بقرب ذلك اليوم الخطير. لم يقل الله تعالى يوم يرى الناس الدخان بل قال تأتي السماء بدخان فيغشى الناس. ما هو معنى العذاب للذي خُلع عنه الملابس المادية. إنه يشعر بقلة الجاذبية الطاقوية وبالسلبية ويعتبر السلبية عذابا. سوف يشعر الناس في حالتهم النفسية بأن الحامل الذي كان يحملهم ويؤويهم قد زال أو يكاد يزول فيخافون إلا المؤمنين الذين تتلقاهم الملائكة بقولهم: هذا يومكم. والخلاصة فإن الإنسان في الحالة النفسية التي يعيشها بعالم البرزخ لا يخلو من الحالات التالية التي نعرفها عن النفس في حياتنا الفعلية:

1.             مطمئن لا يخاف أي تغيير في الكون لأن الملائكة قد أخبروه بأنه ناج وبأن ما سيراه ليس إلا تمهيدا لوصوله إلى جنات النعيم؛

2.         أو خائف مرتاب لعدم وثوقه من تفوق حسناته على سيئاته. إنه غير مشمول بالأمان الذي يتمتع به المؤمنون العاملون، فهو يخاف الحساب أكثر من خوفه من العذاب؛

3.         أو واثق من سلبياته فهو يترقب كل شيء ليُصلى في نار جهنم و بئس المصير. وهذا النوع يشمل مجموعة غير كبيرة من المجرمين الذين بالغوا في الإسراف على أنفسهم وهم الذين ينتظرون العذاب المحتوم.

 

ولعل المقصودين من الناس في آيات سورة الدخان هم النوعان الثاني والثالث. إنهم يخافون من الحساب أو من اقتراب يوم الخلود في النار. ذلك لأن الله تعالى استثنى المخلصين من الذين قتلوا في سبيل الله ومن المؤمنين الطيبين في آيات كثيرة من أي سوء بعد الموت. ومن تلك الآيات ما ذكره الله تعالى في بداية سورة الانشقاق.

 

هذه المرحلة تبدأ بدمار الشمس ومع اندثار هذا الكوكب العظيم فإننا نفقد الحامل الذي يحملنا لعدم وجود جاذبية كافية في الكرة المحترقة. سوف نعلم بكل أعمالنا لقوله تعالى في سورة الزلزلة: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ    إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿1﴾ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿2﴾ وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ﴿3﴾ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿4﴾ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴿5﴾ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿6﴾ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿8﴾ فمع زوال الشمس وفقدان الجاذبية فإن كل الناس في حالتهم النفسية يشعرون بفقدان ما يحملهم على وجه الأرض. كما أن الأرض بنفسها سوف تضطرب وتتزلزل لعدم قدرة الشمس على صيانتها و سوف تتزلزل الأرض لفقدان  الجاذبية وازدياد الحرارة على سطحها. سوف تظهر البراكين الكبرى على وجه الأرض مخرجة معها كل المواد الثقيلة من باطن الأرض. سوف تكون حال الأرض شبيها بحال من يقول بأن الله تعالى قد أوحى إلي أمرا قمت به خير قيام حتى اكتمل الأمر وانتهى الغرض من وجودي فتعرضت للزوال كما تعرض الشمس للزوال أيضا. في ذلك اليوم يبلغ الناس أشتاتا غير مجتمعين بأعمالهم فردا فردا.

 

لعل المقصود من ذلك هو مراجعة كل فرد نفسه ليفكر فيما يمكن أن يدافع به عن نفسه يوم المحكمة الكبرى. يبدو أن الخزي لم يبدأ بعد وسوف يحتفظ كل فرد بأعماله لديه بانتظار المرحلة التالية. ومما يساعد على تحقيق ذلك هو شعور الإنسان بعدم وجود ما يحمله فيبحث عما يملكه هو من أعمال لعله يتشبث بما يزيده وزنا فيرى أعماله معه ويلتفت إليه في الواقع دون الحاجة إلى مَلَكٍ يُريه أعمالَه. كانت الشمس تعطيه نوعا من الثقة لشعوره بالوزن شيئا قليلا، فإذا ما اندثرت الشمس فسوف يفقد كل قيمة وكل وزن. والسبب في ذكر مثقال ذرة من الخير أو الشر هو حرص الناس والجن بأفرادهم على تصفح أعمالهم ليتجهزوا بها ويستمدوا منها الدفء والوزن إن كان لديهم ما يساعدهم على ذلك. شأنهم شأن الفقير الذي يفاجئه الشتاء القارس بزمهرير فيبحث عن غطاء يقيه البرد وفي ذات الصدد يفتش كل شيء بحوزته دفعا للبرد المحيط به وبكل شيء حوله.

 

الساعة والقيامة:

ومن الضروري أن نتحدث هنا قليلا عن الساعة والقيامة المستعملتين في كتاب الله في عدة موارد متشابهة. إنهما في الواقع وجهان لعملة واحدة فهما كلمتان تشيران إلى مجموعة من الحوادث التي تُعرف بيننا بأهوال يوم القيامة. بالطبع ليس هناك يوم اسمه الساعة أو القيامة، لا يوما قصيرا كأيامنا ولا يوما طويلا كأيام بلوتو. إن كلا منهما تشير إلى حادثة واحدة من حوادث يوم القيامة ولكنها تنوب عن كل الحوادث بالنسبة لمن يستلم الإنذار بالحساب بغض النظر عن مقدار معرفته بما تسبق ذلك اليوم العظيم من حوادث. فالساعة تشير إلى اللحظة التي يأمر فيها الله تعالى بتحقيق حركة كونية مبرمجة سابقا ومنتظرة للحظة الإيذان من ملك الوجود جل جلاله. والقيامة هي قيام العقلاء المكلفين لرب العالمين.

 

أما الساعة فبجملتها تشير إلى ثلاثة حوادث كونية كبيرة ولكنها تُستعمل للحظة الصفر أو لحظة الخروج من رداء الحياة المتنعمة بالإرادة والاختيار إلى ما يجب أن نكون عليه أمام ملك واحد حقيقي يحكم ويتحكم في كل شيء. الحوادث الثلاثة الكونية مشار إليها قرآنيا هكذا:

1)          انفجار الشمس وتحولها إلى قزم تكور وتضغط على مقدار كبير من المادة الأصلية التي فقدت كل فجواتها بفعل التفاعلات الإشعاعية شديدة الحرارة من 20 إلى 85 مليون درجة مئوية. هذه الكرة الصغيرة تحمل كثافة عالية جدا يصل وزن كل ملعقة منها مئات الآلاف من الأطنان. وقد أشير إليها قرآنيا باختصار في بداية سورة الحج وفي الآية 55 منها وفي 107 من يوسف والآية 57 من سورة مريم والآية 15 من سورة طه، وفي بداية سورة الدخان وفي الآية 40-41 من سورة الأنعام وهكذا في الآية 31 من الأنعام، وفي 63 من سورة الأحزاب وفي  17 من سورة الشورى وفي سورة محمد 18 وفي بداية سورة القمر وكذلك الآية 46 منها وفي الآيات 61 و 66 و 85 من  سورة الزخرف وفي الآية 42 من النازعات.والعلم عند الله.

2)          لحظة عودة الكواكب إلى مركز الكون وتغيير جهة انفلاتها إلى الجهة المقابلة حيث ترتطم ببعضها البعض وتحدث الكثير من الصواعق الصوتية بسبب كسر حاجز الصوت مرتين لكل كوكب. هي اللحظة التي تبدأ فيها كل الكون المهيب بالانهيار وتسمى يوم الفزع الأكبر. وقد أشير إليها باختصار في سورة عبس الآية 33 وفي بداية سورة المعارج وفي 8 من المدثر وفي 187 من سورة الأعراف، وفي الآية 16 من الدخان وفي الآية 85 من الحجر وكذلك في الآية 77 من سورة النحل.

3)      لحظة الفصل بين المؤمنين والكافرين بعد أن يمروا جميعا بكل مراحل التبويب والحساب وينتهوا من الاختصام أمام ربهم ويصدر الحكم النهائي فلا معنى لبقائهم مع بعض. هناك يُساق المؤمنون إلى جنات النعيم وللأبد كما يُساق المجرمون والكافرون باتجاه النار وللأبد. هي ساعة الصفر الحقيقية والتي ينتهي بها قيام الناس لرب العالمين ويعرف كل شخص مكانه ومكانته. أشار الله تعالى إلى ذلك في نهاية سورة الزمر وفي 21 و36 من الكهف وفي الآية الثالثة من سورة سبأ وفي سورة الأنبياء 47-49 وفي 11-14 من الروم وكذلك في الآيتين 55و56 منها وفي سورة الفرقان الآية 11 وفي الآيتين 33 و34 من لقمان وفي سورة غافر 45 – 46  وكذلك الآية 59 منها وفي مضمون الآيات 26-32 من سورة الجاثية،وكذلك في سورة فصلت الآية 50. والعلم عنده وحده سبحانه وتعالى.

وفيما يلي نسرد كل  الآيات التي ذكر فيها الساعة مع بيان ما تشير إليها بإذن الله تعالى:

الأنعام:             قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ﴿31﴾                الانفجار الشمسي

قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿40﴾ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴿41﴾                 الانفجار الشمسي

فلو ننظر إلى الآيتين الكريمتين وهما بفاصلة قليلة في سورة الأنعام مما يؤكد أن الساعة فيهما حدث واحد، ونقرأ معهما الآيات التالية من سورة الدخان التي تتحدث عن انفجار الشمس متبوعا بالانفجار الكوني العظيم، فسنعرف بأنهما تتحدثان عن انفجار الشمس وهي أول الساعات الثلاث وهي العذاب الطبيعي التي تنكشف بانتظار الدمار الكوني والعلم عند الله تعالى.

الدخان:           فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴿10 يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿11 رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴿12 أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ﴿13 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ﴿14 إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿15 يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴿16. تشير الآيات الأولى إلى الانفجار الشمسي وأما الآية الأخيرة فتشير إلى الدمار الكوني الشامل.

الأعراف: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿187﴾    تغيير اتجاه الكواكب

وهو الحدث الوحيد الذي سوف يؤثر بوضوح في كل الأجسام الكونية الضخمة في الفضاء سواء الغازية منها أو الترابية الصخرية.

يوسف:            أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴿107﴾ الشمس احتمالا، باعتبار أن الآية تتضمن عذاباً طبيعيا آخر هي الدمار الكوني فالساعة هنا قبل ذلك وهي مسألة الدمار الشمسي والعلم عند سبحانه.

الحجر:             وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴿85﴾  تغيير اتجاه الكواكب احتمالا حين الدمار الكوني، باعتبار شمول الآية الكريمة لكل السموات وأراضيها.

النحل:             وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿77﴾             تغيير اتجاه الكواكب احتمالا

الكهف:           وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴿21﴾  يوم الفصل

وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي  َلأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴿36﴾  يوم الفصل

مريم:    قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ﴿75﴾    الشمس باعتبار أن الدمار الشمس يؤلم غير المؤمنين فيشعرون بأنهم مذنبون حقا.

طه:     إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴿15﴾  الشمس باعتبار "أكاد أخفيها" وهي تعني اقتراب الموعد فلا تنطبق على غير الدمار الشمسي كما سنعرف اقتراب موعدها في التفسير والعلم عند الله تعالى.

الأنبياء:           وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47﴾ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴿48﴾ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴿49﴾     يوم الفصل

الحج:   يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿1﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿2﴾  وهي تشير إلى الدمار الشمسي حيث تتزلزل الأرض وتفقد الشمس والأرض جاذبيتهما فتضعان حملهما. والإشارة إلى الناس تدل على أن الآية لا تشير إلى الدمار الكوني حيث يكون الناس وغير الناس سكارى والعلم عنده وحده جل جلاله.

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿6﴾ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴿7﴾  وهي تشير إلى يوم الفصل احتمالا.

وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴿55﴾ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿56﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿57﴾ فالساعة هنا هي الشمس واليوم العقيم هو  يوم الدمار الكوني الشامل والعلم عند الله تعالى.

الفرقان:           بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴿11﴾       يوم الفصل

الروم:   اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴿12﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿13﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴿14﴾  يوم الفصل

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴿56﴾  يوم الفصل

لقمان: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَ لا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿34﴾  يوم الفصل

الأحزاب: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾  تشير الآية إلى الدمار الشمسي بظني والعلم عند الله تعالى.

سبأ:    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إ لاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿3﴾ يوم الفصل

غافر:   فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿46﴾  يوم الفصل

 إِنَّ السَّاعَةَ  َلآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ﴿59﴾  يوم الفصل

فصلت:            إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَ لا تَضَعُ إِ لاّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴿47﴾ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ﴿48﴾ لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ﴿49﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿50﴾     الساعة الأولى عامة الساعة أو الساعات الثلاث والساعة الثانية يوم الفصل

الشورى:          اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴿17﴾ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ﴿18﴾  الشمس ويمكن أن نقول بأن مماراة الكفار كانت في عامة الساعة أو في يوم الفصل

الزخرف: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿61﴾ الشمس ويمكن أن نقول بأن مماراة الكفار كانت في عامة الساعة أو في يوم الفصل

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴿66﴾ الشمس

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿85﴾ وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿86﴾ الشمس ولعل عامة الساعة

 

الجاثية:            قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴿26﴾ وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴿27﴾ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿28﴾ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿29﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴿30﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴿31﴾ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴿32﴾ يوم الفصل

محمد: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴿18﴾ دمار الشمس  باعتبار أن أشراطها قد جاءت.

القمر: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴿1﴾  الشمس

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴿46﴾ الشمس

النازعات:      يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿42﴾ الشمس

 

هناك احتمال وارد في أن تكون الساعة بمعنى اللحظة التي يأمر الله تعالى فيها الكونَ برمته للحالة التنازلية مُنهيا بذلك حالة التصعيد التي تسود النجوم اليوم. إذ ذاك لا ينتظر الله تعالى أن تنتهي النجوم أو الشموس من الاحتراق الطبيعي لما في أوعيتها بل يفرض عليها الانفجار القسري. و أظن بقوة أن يُحصل ذلك بسبب انعدام العلة لاستمرار بقاء النجوم حية فعالة بعد أن ينتهي عمر الحياة البشرية والجنية في كل الكواكب. نحن بشمسنا لسنا في منتصف الكون ولسنا في حافته ولكن هناك الكثير من النجوم وراءنا نحن وسوف تنتهي الحياة فيها بعد عدة مئات الملايين من السنيين التي نعدها نحن أهل هذا الكوكب. سوف تبقى شمسنا حوالي خمسة بلايين سنة بعد انتهاء عمر الحياة في أرضنا وهو أي عمر الحياة البشرية، لا يتجاوز  عدة آلاف من السنين فقط. وهكذا بقية النجوم. إذن هناك لحظة للصفر يأمر الله تعالى فيها الكواكبَ بالتوقف عن التقدم فتنهمر كل نجمة داخل نفسها وداخل محيطها. لو كان هذا الاحتمال صحيحا لكانت الساعة تعني ساعة توقف التقدم وبقية معاني الساعة تتوالى تباعا تحت تأثير ساعة الصفر الحقيقية. والعلم عند الله تعالى.

 

وأما القيامة فيتبين لنا من اسمها الذي يشير إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. ولكن الناس وهكذا القرآن الكريم الذي أُنزل بلغة يفهمها الناس فإنه يُشير إلى الكثير من الأزمنة التي تسبق يوم القيامة بأنها يوم القيامة. ويمكن تحديدها في الآيات التالية:

1.       آل عمران: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿55﴾

2.       المائدة: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴿14﴾

3.       المائدة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿64﴾

4.       الأعراف: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿167﴾

5.       الإسراء : وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿58﴾

6.             الإسراء : قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴿62﴾

7.       الزمر : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾

8.             الأحقاف : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴿5﴾

9.      القيامة: يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿6﴾ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴿7﴾ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴿8﴾ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴿9﴾ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴿10﴾

10.    القصص: ﴿70﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ ﴿71﴾

11.    القصص: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴿72﴾

 

ونلاحظ أن القيامة المكررة في الآيات المذكورة لا تعني يوم يقوم الناس لرب العالمين بل هي تعني نهاية الحياة أو نهاية الدنيا فحسب. وأما بقية الآيات التي ذُكرت فيها القيامة وهي حوالي 59 آية، فهي جميعها  تشير إلى يوم الحساب الأكبر. ولم نذكرها دفعا للإطناب.

 

المرحلة الرابعة: دمار الكون برمته أو يوم الفزع الأكبر

هذا هو أخطر يوم في عالم الطبيعة على الإطلاق. لا يمكن لنا نحن البشر العاجزون وصف يوم يخاف منه الأنبياء والرسل والأولياء ويتهيئون له. ربنا العظيم يسميه يوم الفزع الأكبر بالنسبة لنا وللجن كما يبدو. كل الكواكب وكل النجوم وكل المجرات تتدمر في ذلك اليوم. كل الموجودات تتعرض لنوع من الموت حتى الملائكة الكرام. وأما الذين لم يمهِّدوا لذلك اليوم فسوف يُصعقون من هول المشهد العظيم. يُريد الرحمن جل جلاله أن يُعيد الكون إلى حالتها الأولى قبل الانفجار الكوني المعروف ليعيد صياغته فيُعِدَّه للبقاء الأبدي كما وعد. بالطبع فإن تلك العملية أهون على الله من بداية الخلق. وحينما نقول أهون على الله لا نقصد به الصعوبة المعروفة بيننا بل هو مسألة الزمان الذي سوف يمر حتى يُعاد صياغة الكون في مقابل الزمان الذي مر حتى تشكلت المادة، حسب فهمي القاصر. إذ أن كل شيء هين على الله تعالى ولن يمسه التعب إطلاقا. بعض هذه المفاهيم مذكورة ضمن الآيات التالية:

1.       الروم: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿27﴾

2.             سورة ق: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿15﴾

3.             وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴿38﴾

4.       سورة إبراهيم: فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴿47﴾ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿48﴾

 

لنعود إلى الخطر الذي ذكرناه. نحن نعرف بأن الكواكب كلها تضم طاقة بقدر وزنها نسميها الجاذبية وهُنَّ مع بعض تُبادلن الجاذبية متجنبات بها التصادم والانهدام، ونعرف أيضا بأن لكل طاقة مدى وحقلا للتأثير والتأثر، فلا يمكن لبدن الإنسان الذي يمشي على الكرة الأرضية أن تبادل الجاذبية مع الشمس مثلا. كما أن ليس للكرة الأرضية أن تُبادل الجاذبية مع مركز مجرة درب اللبانة. من هنا نعرف بأن الفواصل الموجودة بين الأفلاك في الفضاء غير قابلة للتوسع إلى ما لا نهاية. هناك حسابات فيزيائية لمقدار التوسع الذي يُفقد الكرات مقومات الجاذبية لتنهار وترتطم ببعضها البعض. يرى البعض أن الكون لو توسع بما يعادل 1075 سنة من سنواتنا فإن النجوم والمجرات تفقد جاذبيتها. هو احتمال يصعب تصوره لي أنا على الأقل. أما ما يذكره الله جل جلاله لبداية الانهيار فهو مختلف تماما عن هذا الاحتمال. إنه جل جلاله سوف يقدر مقادير هائلة من الهواء غير الاعتيادي للكون فينتفخ بصورة دراماتيكية. وللعلم فإن الكون بطبيعته ينتفخ مسببا التوسع والتباعد بين الكواكب بما يفوق سرعة الصوت عشرات المرات أو أكثر. ولكن النفخة التي سوف يقدرها الله تعالى فيما بعد سوف تفوق ما هي عليه الآن بكثير. هذا النفخ العظيم سوف يفقد المجرات جاذبيتها أو تَبادلَها للجاذبية. سوف يرتطم كل الكواكب ببعضها البعض وتتهشم كل شيء في الوجود المادي.

 

سنكون فعلا بلا مأوى ولا ملجأ. سوف نختلط نحن بنفوسنا ونفوس إخواننا وزملائنا من الجن بنفوس من يشابهوننا في النجوم والمجرات الأخرى سابحين في الفضاء دون العثور على من يحملنا حيث أن كل شيء سوف يفقد قدرته على الحمل والجذب. يمكن ملاحظة هول المصيبة إذا فكرنا في ضرب عدد المجرات البليونية في عدد الأنظمة الشمسية البليونية داخل كل مجرة في عدد أفراد الجن والإنس داخل كل نظام شمسي. نحن نعرف بأن عدد الإنس في كل أرض سيكون عدة عشرات من البلايين. فما هو العدد الذي يُحصي كل البشر والجن في كل الكواكب. ليس للخيال أن يتصور ذلك إلا ينقلب إلينا خاسئا وهو حسير. في هذه العملية الكبرى أو البطش الشديد لرب العالمين سوف نضيع في الفضاء وينكشف كل سرائرنا التي حاولنا أن نغطي عليها منذ حياتنا الأولى التي نحن عليها اليوم حتى يوم اللقاء مع ذي الجلال ثم يوم انهدام الشمس وفناء جاذبيتها. ذلك اليوم يوم الخزي والعار لغالبيتنا وليس هناك من يرحمنا ضد هذا الخزي وذلك الخوف والذعر والفزع الكبير. وخزيُ ذلك اليوم أكبر من الوصف لأن فضائحنا سوف تُرى ليس فقط من أهل الأرض، بل سيراها أهل كل الكواكب  الذين يعيشون في مختلف أراضي الكون العظيم. وسوف نختلط بكل أهل الكون فترة طويلة جدا من الزمان باعتبار عدم وجود أي مكان يمكن أن نستقر فيه داخل هذا الكون المهيب المترامي الأطراف. ثم يجمعنا الله تعالى مرة أخرى في كوكب واحد كما يجمع أهل كل كوكب في كوكب واحد أيضا. ويشير سبحانه إلى هذا التجميع العظيم الذي يفوق قدرة التصور الفكري في سورة الكهف: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴿98 وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴿99.

 

لا يفيدك شيء هناك إلا إذا حملت ثقلا ذاتيا وهو قليل ونادر بين الناس. سوف يدب الفزع بين الجميع إلا من شاء الله من الطيبين الذين مهدوا لهذا اليوم فتعرفت عليهم الملائكة وأبلغوهم بالحقيقة وألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. تلك هي مجرد حركة طبيعية تمهيدا لاستحداث النظام الكوني الجديد. يقول سبحانه في سورة القارعة التي تنبئنا عن أهوال ذلك اليوم في الواقع:

بسم الله الرحمن الرحيم  الْقَارِعَةُ ﴿1﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿2﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴿3﴾ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴿4﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴿5﴾ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿6﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴿7﴾ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿8﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴿9﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿10﴾ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴿11﴾ فمن ثقلت موازينه الشخصية فهو في عيشة راضية. ذلك لأن الجاذبية في الكرات معدومة وسنكون كالفراش المبثوث.

 

والسر في تخوف كبار المتقين من هذا اليوم وتأهبهم له هو أن الملائكة لا تعرف الأسماء ولا تعرف اللغات التي ننطق بها، بل تعرف الحقائق عن طريق النظر إلى النفس وإلى مكونات الخلايا. الذي يصلي رئاء الناس أو يتحدث بما يُرضي الآخرين لا بما يتفق مع الحقيقة فإن نفسه لا تصدقه ولا يتعرف عليه الملَك الذي يسجل حالاته وتطوراته إلا بأنه كذاب فاسد لا يمت إلى الحقيقة بصلة وثيقة. فهنيئا للمخلصين وتبًّا لغيرهم. ولعل السر في هذا الكم الهائل من التحذيرات في القرآن من ذلك اليوم بالذات، بأن الله تعالى وهو أرحم الراحمين، فسوف يُظهر رحمته يوم الحساب وليس في الأهوال الطبيعية التي تسبق القيامة بل يتركنا عرضة للطبيعة. هناك ملائكة مسئولون عن إدخال الطمأنينة في قلوب المخلصين فحسب، فليتخذ كل منا ما يشاء من محاذير مقبولة ومؤكدة لتجنب الصعقة في ذلك اليوم المرعب والمخيف. لننظر إلى مؤمن مخلص مثل علي بن أبي طالب وهو يبدي تخوفه من ذلك اليوم ويذكر لنا تأهبه لأهواله هكذا:   وإنما هي نفسها أروضها لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر. ذلك لعدم وجود أية فرصة للتعامل مع غير الصبغة النفسية التي تبين حقيقتنا بكل دقة. ولننظر إلى بعض الآيات التي تهدد وتتبنى ذعرَ يوم الفزع الأكبر:

سورة البروج: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴿13﴾.

سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾

سورة الأنبياء: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿103﴾ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿104﴾

سورة الدخان: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴿15﴾ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴿16﴾

وفي ذات اليوم تقع مجموعة من الحوادث الكونية التي تميز ذلك اليوم وكلها مسماة في كتاب الله هكذا:

 

1) – الأصوات المهيبة المفزعة (القارعة والصاخة): 

حينما تغير الكواكب جهتها وهي عادة ما تسير بسرعة تفوق سرعة الصوت حوالي خمسين مرة، فإنها تخرق حاجز الصوت مرتين ثم ترتطم ببعضها البعض فتحدث الأصوات المفزعة التي يبينها الله تعالى في سورة القارعة وفي أماكن أخرى من القرآن الكريم مثل الآية 34 فما بعد من سورة عبس: فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ﴿33﴾ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿37﴾ هذه الأصوات المهيبة تصدر أمواجا ترج كل شيء فما بالك بنا نحن في حالتنا النفسية ودون أن نملك شيئا نحفظ به أنفسنا بل تتدافعنا الأمواج الصوتية الكبيرة هنا وهناك فنصير فعلا كالفراش المبثوث. والأصوات المفزعة التي تتحدث عنها القرآن الكريم بتعبير الصاخة مثلا ليست مشابهة للأصوات التي نسمعها في حالتنا البدنية الفعلية ومصادر الصوت ليست بضآلة مصادر الصوت الفعلية ولا نعرف المدى الذي تتأثر بها النفس من الأمواج الصوتية التي ستكون أطول وأكبر بكثير من مدى سماع الآذان البشرية التي نتمتع بها اليوم.

 

 ثم إن الفضاء ليست خالية كما يتصورها البعض فلو كانت خالية لانكمشت وانطبقت على نفسها ولكنها ليست مشبعة بنفس النسبة التي تشبعت بها ما حول الأرض وداخل الغلاف الجوي. وقد ضرب لي أحد الإخوة مثال إطار السيارة التي تكبر إلى حد و تتوقف عند ذلك الحد ولكنها تستقبل مزيدا من الهواء المضغوط فهناك هواء أكثر داخل الغلاف الجوي ولكن ليست هناك نفس النسبة من الهواء خارج الغلاف الجوي ولكنها ليست فارغة تماما.  وأضفت أسطوانات الغاز المضغوط التي تستقبل مزيدا من الهواء المضغوط دون أن تزداد حجما كما أنها لا تتقلص حينما تفقد الغاز الموجود فيها شيئا فشيئا. ولقد احتملت مسألة أخرى لفقدان الجاذبية وهي أن يملأ الله تعالى الفضاء بغاز أو طاقة كبيرة فتمنع هذا الغاز سرعة حركة طاقة الجاذبية بين الأجسام الكوكبية وعرضت الأمر على أحد الإخوة فرآه صعب القبول. ذلك لأن الجاذبية تخرق كل الأجسام الصلبة فكيف بالأجسام الغازية؟ وكيف تتمكن الهواء أن تحد من سرعة تبادل الجاذبية بين الكواكب؟ لو كان ذلك صحيحا فإن النفخة الأولى سوف تسبب ابتعاد الكواكب بسرعة هائلة تمنع من تبادل الجاذبية فينهار الكون ويفقد هيبته.

 

2)- اندكاك الكواكب (الواقعة):

ونقصد بها اندكاكها ببعضها البعض وتفكك مكونات الكون بسبب الرياح العاتية وعلى هذا الأساس تسمى الواقعة لأنها تقع على بعضها البعض. يقول سبحانه في سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴿16﴾ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴿18﴾

 

النفخ باعتبار الرياح العاتية التي يقدرها الله تعالى للقيام بالتوسيع غير المألوف للكون إيذانا بالتدمير الكوني. هي النفخة الكونية الأولى تليها النفخة الثانية التي سنتحدث عنها بعد قليل. ويقول سبحانه في سورة الواقعة: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿1﴾ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴿2﴾ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴿3﴾ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ﴿4﴾ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ﴿5﴾ فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا ﴿6﴾

 

الرج معناه الزلزلة والاضطراب الشديد والبس معناه التفتت. وجدير بنا أن نعرف معنى السماء التي تنشق في ذلك اليوم المهيب. يبدو أن هناك جدارا مبنيا يحيط بالكون من كل جانب وهو الذي يجعل الكون على شكل صور أو قرن ثور. هذا الجدار مصنوع من الماء لقوله تعالى في بداية سورة المرسلات: والمرسلات عرفا. والمرسلات هي الغازات المائية التي تنتشر حول الكرة المائية العظمى في وسط الفضاء. تلك الكرة التي انفجرت فيما بعد فتشكلت النجوم والكواكب. وشكل هذا الجدار هو أطواق مربعة الشكل مثل القوالب التي تصنع لمواقف السيارات متعددة الأدوار بحيث لا تزيدها ضغوط السيارات إلا تماسكا. هذا الجدار أو السقف المرفوع هو الذي يمد الكرات والكواكب النائية التي تقع في حافّات  الكون بالجاذبية. هذا الجدار العظيم سوف يتهشم في ذلك اليوم لانعدام الجاذبية من الداخل بعد أن تبدأ النجوم بالتهشم وفقدان الطاقة التي تمدها بالجاذبية. ولمعرفة الشكل الذي ذكرته نعود إلى آيتين في القرآن الكريم بسورة النبأ: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴿18﴾ وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴿19﴾ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴿20﴾ وبسورة المدثر: ﴾ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ﴿8﴾ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴿9﴾ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴿10﴾

 

فالأبواب القديمة كانت على شكل أطواق وكان وجود الطوق دليلا على الباب فيما مضى و الناقور هو ما ظننته شكلا كاملا للقوالب التي تشد بعضها البعض للمحافظة على والإحاطة بالكون العظيم جل مبدعه العلي العظيم والعلم عنده وحده. ولذلك فإن أول ما تسقط من ذلك الجدار العظيم هو المياه الموجودة بداخل القوالب لأنها أقل انجمادا من أطراف القوالب فتصير القوالب كأن ناقرا نقر في وسطها وعرّاها من كل ما علق بها من ثلوج. وقد رأيت في إحدى المواقع الفكرية للمسلمين صورة مكبرة لقطعة من الثلج هي مشابهة لتلك القوالب التي تُصنع على شكلها بعضُ مواقع السيارات.

 

 

 

 

انتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني من مفهوم يوم القيامة