يوم القيامة - القسم الثالث |
القسم الثالث من مفهوم يوم القيامة
3)– انهمار المياه من القبة السماوية: وقع الانفجار الكوني الأول في الكتلة التي كانت طافية على الماء وذلك بانفجار المياه المحيطة بالكتلة وتعرض الكتلة كما أظن لموجات كبيرة من الحرارة التي تصاحب الزوابع الشديدة المتشكلة على ذلك البحر العظيم الذي يفوق حجمُه حجمَ عدة مجموعات من المجرات. بعد الانفجار تحولت المياه أيضا إلى غازات وسارت مع النجوم التي تشكلت شيئا فشيئا في الفضاء الآخذ بالتوسع. من هذه المياه ما حملتها النجوم لتنفصل فيما بعد من كل منها باتجاه الأرض التي قدر الله تعالى فيها الحياة النباتية ثم الحيوانية ثم الإنسانية. ومنها ما ارتفعت إلى أعراف الكون لتمد القبة بحاجتها إلى مزيد من الماء لأجل التوسع. كل هذه بالإضافة إلى ما تتشكل بعد ذلك من مياه فإنها تصعد في الأعراف. هذه القبة المهيبة جدا سوف تتهشم وتبعث بكل مياهها باتجاه الكواكب التي منيت بمصيبة الزوال القسري السريع. ويذكر الله تعالى ذلك ضمن الآيات التالية من سورة الحاقة:
(الحاقة): الرياح والعواصف العاتية جدا بسرعة غير مألوفة بملايين الكيلومترات في الساعة، وكذلك الأمواج الصوتية فائقة الشدة بالإضافة إلى المياه المتسرحة من جوانب الكون تحيق بكل مكونات الفضاء المهيب. وقد سماها العلي العظيم بالحاقة من حاق يحيق وليس من حق يحق كما تصورها بعض الإخوة المفسرين.
سورة الحاقة: الْحَاقَّةُ ﴿1﴾ مَا الْحَاقَّةُ ﴿2﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ﴿3﴾ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴿4﴾ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ﴿5﴾ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴿6﴾ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴿7﴾ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴿8﴾ وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ﴿9﴾ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴿10﴾ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴿11﴾ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴿12﴾ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴿16﴾ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴿18﴾ وقد ذكر الله تعالى ما أصاب قوم ثمود من الصيحة المفزعة القاتلة وما أصاب قوم عاد من الحواصب والأعاصير العاتية وما أصاب قوم فرعون من الغرق ليشير إلى ما يحيق بما في الكون من رياح ومياه وأصوات في ذلك اليوم المفزع.
ولقد أشار الله سبحانه بأنه حمل مكونات البشر وهي الماء زائدا مكونات التربة، في الجارية وتعني الشمس وبقية النجوم المشابهة لشمسنا.هذا ما حدث يوم الانفجار الكوني المهيب وتَشكُّلِ الكواكب حيث طغت المياه وتفجرت البحار المتشكلة منها. سوف تعود المياه مع ما أضيف إليها مرة أخرى إلى مركز الكون بعد النفخة الأولى المستقبلية كما ذكرنا. آنذاك سوف تتشقق السماء المحيط بالكون المبني أصلا من الماء وحينما تنشق فإنها سوف تبعث بمياهها إلى منتصف الكون مرة أخرى وسوف تطفو خلاصة مواد الكون فوق الماء مرة أخرى. هذا الجسم الطافي على الماء هو عرش رب العالمين الذي حدثنا سبحانه عنه في سورة هود هكذا: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿7﴾. سوف تتشكل الكتلة الجديدة كما كانت من قبل لتطفو مرة أخرى على ذلك الكم الكبير من المياه العائدة إلى منتصف الكون لتغيير الماهية إلى ماهية جديدة قادرة على البقاء الأبدي. وسوف أشرح الأيام الستة في سورة الذاريات بإذن الله تعالى.
وأما الملائكة الذين هم على أرجاء السماء فهم الذين يحملون العرش الآن والذي يمثل كامل القبة السماوية المحيطة بالكون والتي تمد الكواكب الجانبية للكون بالجاذبية من الخارج حتى لا تتساقط على الكواكب الداخلية. وقد ذكرهم الله تعالى في سورة غافر هكذا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿7﴾.وأنا لا أعرف معنى العدد ثمانية. لو كانت الكتلة المتشكلة من رفات الكواكب المدمرة على شكل صندوق فإن للصندوق المربع ستة أسطح وثمانية زوايا. وبما أن الملائكة موجودات طاقوية فهي تمد السطح بالطاقة ولا دخل لها بالزوايا.على أنه ليس سهلا أن نتصور شكل الكتلة صندوقا ذا زوايا وسطوح بل هي عادة بشكل كرة أو بيضة تبعا لطبيعة التشكيلات الكوكبية التي تُخلق بتفاعل الظواهر الطبيعية بأمر الله تعالى وتحت عنايته الربوبية.
حال الإنس والجن آنذاك: سوف يضيع كل الموجودات داخل الفضاء الواسع الكبير ويختلطون ببعضهم البعض في تلك المعمعة الكبرى، ولا يعرف أحد إلا الله تعالى كيف يتم إعادة تجميعهم. هناك لا يتمكن أحد من التعرف على من يعرفه إلا بالصدفة. وهي محال لأن مقابل كل إنسان من كوكبنا مالا يقل عن عشرين ألف بليون بليون إنسان مثله وقد لفظتهم كواكبهم باتجاه الفضاء. فاحتمال أن ترى في تلك المعمعة أحدا تعرفه من أهلك وأصدقائك هو واحد من عشرين ألف بليون بليون على الأقل وهو بمثابة الصفر الكبير. كل أهل الكواكب سيكونون هكذا ضائعين في ظاهر الأمر لكن الله تعالى سوف لن ينساهم بل يجمعهم ليوم الجمع بعد انتهاء عمله في إعادة تصنيع الكون. بالطبع أننا بعد حين سوف نرقد كما يرقد ملائكتنا احتمالا حتى لا نرى كيفية إعادة صياغة الكون. إنه سبحانه لا يريد لنا احتمالا أن نتعرف على ذلك لقوله تعالى في سورة الكهف: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴿51﴾. والحديث هناك عن الشياطين ولكنه سبحانه اعتبر إراءة خلق الكواكب والنفوس لأحد بمثابة اتخاذه عضدا مساعدا ونحن نعرف بأنه سبحانه لم ولن يتخذ أحدا يساعده. وقد خلق كل شيء سبحانه قبل أن يتواجد ملَك أو جن أو إنسان. ولذلك فإننا جميعا سوف نكون راقدين غافلين حتى نعود إلى الشعور مرة أخرى بعد أن ينبت الله تعالى علينا خلايا نباتية كما سنعرف.
تُبلى السرائر: لا يمكن لسر أن يبقى عند أحد في ذلك اليوم فكل شيء بطبيعتها سوف تُعرض على شاشة الأفق، فالويل من الخزي والعار آنذاك. كلما أخفيناه في نفوسنا المنافقة وكلما صرفناه من جهد ووقت لنحتفظ بسرية كوامننا المريضة وكل الأعمال المهينة التي نخشى أن يطلع عليها آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا فسوف تنكشف لكل الناس من أهل كل المجرات وليس فقط من أهل كوكبنا الصغير؛ في ذلك اليوم الذي لا مناص منه ولا مفر فيه ولا مفزع. يقول تعالى في سورة المعارج: يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴿11﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ﴿12﴾ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ ﴿13﴾ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴿14﴾ وكلمة يبصرونهم تمثل فعلا مبنيا للمجهول وله مفعولان. المفعول الأول هو شخصياتنا والمفعول الثاني هو حقائقنا النفسية التي ستظهر للملإ من الناس والجن وفي كل الكون وليس فقط في كوكبنا.
ويقول سبحانه في سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴿16﴾ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴿18﴾ و يقول في سورة الطارق: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴿8﴾ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿9﴾ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ﴿10﴾
الصعقة الكبرى: هذه الحركات المخيفة التي تهز كل شيء ممكنٍ في الوجود فإنها تسبب الصعقة لبعض الناس وهي بمثابة الموت الثاني لهم. قال تعالى في سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾. وقال في سورة غافر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴿10﴾ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴿11﴾ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴿12﴾
يتعرض المشركون الذين أشركوا غير الله تعالى به سبحانه والكافرون بالطبع لهذه الصعقة المميتة وسيقولون في يوم القيامة ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين. أما الحياة الأولى فهي ما نتمتع بها اليوم في الدنيا وأما الميتتة الأولى فهي أيضا ما سنراه بعد انتهاء أمدنا في هذه الحياة. وأما الميتتة الثانية فهي الصعقة التي تصيب من تصيب ولذلك استثنى الله تعالى منها من شاء كما في الآية 68 المذكورة. تتبعها بالطبع حياة أبدية تُمنح لكل الناس والجن سواسية. ولذلك أيضا يقول سبحانه مبينا أحوال المؤمنين في سورة الدخان: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿56﴾ فالمؤمن لا يموت إلا مرة واحدة ولكن غير المؤمن يموت مرتين، والعلم عنده سبحانه. وسوف يعرف الذين يظنون بأن لبعض المؤمنين رجعة بأنهم كانوا غير مصيبين. فلو رجعوا لكانوا غير مؤمنين حيث أنهم سوف يذوقون الموت مرتين.
النفخة الأولى: لقد ذكر الله تعالى هذه النفخة مرارا في القرآن الكريم وهي تعني تسليط الرياح العاتية على تركيبة الكون. ومن الجدير أن نقرأ كل ذلك لنتعرف بدقة على معناها: سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴿73﴾ سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴿87﴾ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴿88﴾ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴿89﴾ سورة الرمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾ سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ سورة النبأ: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴿17﴾ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴿18﴾ وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ﴿19﴾ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴿20﴾
المدة الزمنية للدمار الكوني وموت الملائكة: يقول سبحانه وتعالى في بداية المعارج: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴿1﴾ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴿2﴾ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴿3﴾ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴿4﴾ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً ﴿5﴾ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴿6﴾ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴿7﴾ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ ﴿8﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ﴿9﴾ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴿10﴾ العروج والصعود والرفع والرجوع إلى الله تعالى معناه الخروج من المادة إلى عالم المجردات فيكون الموجود أقرب إلى الله تعالى منه في عالم الطبيعة المادية. ولا يستعمل الله تعالى لفظ العروج إلى الله للبشر إطلاقا في القرآن الكريم. ولعل السبب فيه أن الملائكة هم عند الله تعالى بمعنى وجودهم فعلا في عالم المجردات. فالعروج بالنسبة لهم معناه تقربٌ أكثر إلى العلي العظيم وهو يتأتى بتغيير حالتهم الفعلية من الحياة الملائكية التي يعيشونها إلى حياة أخرى أشبه بحياتنا نحن بعد موتنا. إنهم سيفقدون كل قدراتهم في ذلك اليوم بسبب انتهاء الكون فلا داعي لوجودهم بقوتهم ولذلك يبدأون بالعودة إلى خالقهم بطريقتهم الخاصة مصابين بالشلل التام. وأما يوم العروج الذي يطول خمسين ألف سنة، فهو أولا ليس من سنواتنا بالطبع. ذلك لأن الله تعالى وباعتبار أن السنوات تختلف باختلاف الكواكب الذي يُقيم فيها الموجود المقصود فإنه تعالى وحينما يُشير إلى سنواتنا فهو يوضحه بأنها مما نعده نحن. وفيما عدا ذلك فهي سنوات مكان آخر. وبما أن الله تعالى ليس له مكان فهي سنواته الخاصة به جل جلاله. ونعرف اليوم أيضا باختزال الزمان داخل مجالات الجاذبية القوية وهكذا فإن الزمان سوف يختزل كثيرا في حضرة الجبار العظيم جل جلاله لأنه مصدر الجاذبية ومصدر الطاقة الأصلية برمتها.
ومما يؤكد ادعائي هو ما يقوله تعالى في سورة الرعد: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴿8﴾ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴿9﴾ وقد سبق سبحانه كلمة المقدار حين ذكر المدة لتأكيد سنواته الشخصية احتمالا. أما سنواته فكما نعرف أن كل سنة 12 شهرا في كتاب الله وأن كل شهر متعارف بيننا هو 30 يوما من أيام كوكبنا والله تعالى يتحدث بلغتنا التي نفهمها. وبما أن كل يوم عند الله تعالى كألف سنة من سنواتنا بنص القرآن الكريم فيصير مجموع ذلك: 50000× 1000×12×30 = 18000000000 (18 بليون سنة من سنواتنا الأرضية). وبما أن دور الملائكة ينتهي بعودة الكواكب إلى مكانها الأصلي في وسط الكون فإنها تفقد حياتها تباعا باندثار الكواكب شيئا فشيئا. وبما أن الكون وسيع جدا فإن موت النجوم يأخذ وقتا لا يقل عن 18 بليون سنة وهو طول يوم الفزع الأكبر. بالطبع أننا نحن سوف لا نشعر بها إذ أن كل مشركينا وكفارنا سيُصعقون، وأما المؤمنون منا سينامون غافلين حتى الأمر التالي لملك الوجود جل جلاله. ولعل المؤمنين يشعرون بكل شيء طيلة البلايين الثمانية عشر من السنين ولكنهم بعد انتهاء سفرة النجوم المندثرة إلى وسط الكون فسوف يرقدون ويرقد ملائكتهم أيضا حتى ينتهي الجبار العظيم من إعادة صياغة الكون بحلته الجديدة بإذنه جل جلاله.
مرحلة ما بعد الدمار الكوني الشامل: لا يمكن لنا أن نعرف شيئا عما سيُحصل لكوننا المصاب بالشلل بعد ذلك اليوم فيما عدا ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم فأول شيء هو عودة الكواكب إلى مركز الكون ويذكرها الله تعالى في سورة العاديات: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴿1﴾ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ﴿2﴾ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ﴿3﴾ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴿4﴾ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴿5﴾ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴿6﴾ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴿7﴾ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿8﴾ أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿9﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴿10﴾ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ﴿11﴾ لقد شرحنا الأصوات وهو معنى العاديات وأما الموريات فهي إشارة إلى الانفجارات المتوالية التي تحصل إثر اصطدام الكواكب ببعضها البعض وأما المغيرات فهي تمثل الدخان الصاعد من الكرات الغازية والتي تتأثر بضياء الموريات فتشكل ضياء الصباح. ومهم جدا هنا أن نعرف بأن أرضنا الجديدة في يوم القيامة سوف لا تستقبل الشمس مباشرة بل تستمد النور من الشمس عن طريق آخر. ولذلك فيكون الصباح هو النور الطاغي على الحياة في الكرة الأرضية الجديدة, إنها أجمل وأهدأ نور ممكن ويمكن التعرف عليه بالتعرض لنور الصباح عدة أيام للتعرف على جمال تلك الحالة البهية. ولكن بعض الناس الذين يُحرمون من جنات النعيم فسوف يسوء صباحهم كما قال تعالى في سورة الصافات: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴿176﴾ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ ﴿177﴾.
كلنا نعرف بأن الله تعالى قد وعد بالحياة الأبدية في الآخرة. ونعرف بأن كل الكواكب في عالمنا مقهور بالأجل الطبيعي الذي سماه الله تعالى ووضعه لهم. سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴿2﴾ فسيكون الدمار ُالكوني مقدمةً لإعادة تنظيم الكون ليفي بهدف رب العالمين جل جلاله. وقد وضح سبحانه بأن الهدف هو اختبار الناس والجن ثم إعادة الحياة إليهم بعد الموت ليعيشوا إلى الأبد إما في النار خالدين فيها أو في الجنة خالدين فيها أبدا. وعلينا بأن نعرف بأن الأبدية الحقيقية هي خاصة الله تعالى ولا يمكن تصورها لأي شيء غيره سبحانه ولذلك فإن الأبدية ستكون أبدية فعلية وليست أبدية حقيقية وهذا ما يوضحه الله تعالى في الآيات التالية من سورة هود: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿106﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿107﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿108﴾ فالاستثناء فيهما باعتبار الأبدية الفعلية المنوطة بمشيئة رب العالمين وليست الأبدية الحقيقية غير القابلة للتغيير والمختصة بالذات القدسية وحده جل جلاله.
ولتحقيق الأبدية الفعلية فإن هذه الكواكب التي تشكل الكون المهيب والمقيدة بالآجال التي تأتيها فعلا سوف تتبدل. ليس هناك حاجة لتغيير المادة بكاملها ولذلك فإن الفيزياء وعلى ما يبدو ستبقى إلى حد كبير على ما هي عليه الآن ولكن تركيبة الكون سوف تتطور بحيث تتفاعل مع نفسها على نمط واحد لتبقى إلى الأبد. ليس هناك شك في أنها سوف تحتاج إلى إمدادات كبيرة من الطاقة والتي لا تتعدى الإمكان عند رب العالمين القادر على عمل كل شيء ممكن بالطبع سبحانه وتعالى. هذا يعني أن التوسع المستمر في الكون سوف يتبدل بالتوسع المحدود وأن ألباب النجوم سوف لا تتفاعل نوويا كما هي عليه الآن بل سيكون هناك نوع من التفاعل القابل للبقاء الأبدي. فالتغييرات ستكون محدودة إلا بالنسبة لموارد الاستمتاع لأهل الجنة على ما يبدو. أما الذين دخلوا النار فسوف يصابون بالتكرار الممل في مأكلهم ومشربهم ولكن جلودهم سوف تتبدل وتتغير باستمرار ليذوقوا العذاب ولا يتطبعوا على العذاب. إن عملية تغيير الكون مذكورة في سورة ق هكذا: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿15﴾ فالخلق الجديد عبارة عن تغير في المظهر وليس في الحقيقة. ومقصودي من الحقيقة غير مقتصرة على التركيبات الكيماوية بل علينا أن نفكر في أعماق الأسس المكونة للمادة من إلكترونات ونوايا وأمواج أو ما دون ذلك. إن الخلق سيتغير ولكن الأصول تبقى.
بالتأكيد أن عملية تبديل المادة في الكون ليست هينة وليست سريعة وستأخذ وقتا لا يعلمه إلا الله تعالى وقد أخبرنا سبحانه بعملية التبديل الجوهري في سورة إبراهيم: فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴿47﴾ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿48﴾ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ﴿49﴾ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴿50﴾ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿51﴾ هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴿52﴾ وسيكون هناك انفجار آخر للكون إذ لا يمكن لهذه الأجسام الضخمة المحتفظة بالجاذبية أن تبعد عن نفسها شيئا غير طريق الإشعاعات أو عن طريق الانفجارات. وكلها مذكورة في القرآن الكريم ولكن لا مجال للبوح بها في هذا البحث التخصصي ونترك بيانها لجلسات التفسير بتوفيق من الله تعالى.
النفخة الثانية: نعلم اليوم بأن الكون في حال توسع وقد أخبر به تعالى في سورة الذاريات: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴿47﴾ ونعلم بأن التوسع غير قابل للبقاء الأبدي لمخالفته مع العقل. ولقد علمنا بأن الله تعالى سوف يستعمل أسلوب النفخ لتدمير الكون. وكما يبدو فإنه سوف يستعمل نفس الأسلوب مرة أخرى لتعمير الكون. الكهف: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴿99﴾ المؤمنون: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿100﴾ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ﴿101﴾ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿102﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿103﴾ سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾ يس: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴿51﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا، هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴿52﴾ إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿53﴾ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿54﴾ سورة ق : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿20﴾ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿21﴾ سورة طه: ﴾ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴿100﴾ خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴿101﴾ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴿102﴾
وأما الصيحة المذكورة مع خروج الناس من الأرض فهي تمثل دعوة الله تعالى إلى البشر أن يخرجوا من الأرض خروجا نباتيا كالفطريات التي تخرج من الأرض عادة إثر الأمواج الصوتية الصادرة من الرعد. ولولا الرعد لما خرجت الفطريات بكثرة ولما تكونت في الواقع. إن الرعد هي التي تثير الفطريات لتتفاعل مع التراب وتخرج منه والناس يخرجون من الأرض بنفس الطريقة. قال تعالى في سورة الروم: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾. ومع أني لست مفسراً ِلمفهوم خروج الحي من الميت والعكس في هذا المختصر ولكني مضطر أن أتعرض لها بعض الشيء. ذلك لأن الإخوة المفسرين اضطربوا في تفسيرها كثيرا. فخروج الحي من الميت هو خروج النبات من الحبوب الميتة فعلا. وأما خروج الميت من الحي فهو خروج الحبوب من النباتات الحية والعلم عند الله تعالى. هذا المفهوم يتجلى تماما مع قراءة الآية التالية من سورة الأنعام: إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴿95﴾.فإخراج الحبة الميتة من النبات الحي يسبق إخراج النبات الحي من الحبة الميتة الأم. وأما ما قالوه بأن الله تعالى يخرج الإنسان المؤمن من الأبوين الكافرين فهو قول غير بليغ برأيي. فالمقطع الأخير من الآية 19 المذكورة أعلاه يعني إخراج البشر من الأرض والعلم عنده سبحانه وتعالى.
يوم الجمع أو يوم التغابن: غب الدمار الشامل سوف نضيع في أعماق الفضاء مع بقية سكان السماوات والأرضين. ولا يخفى بأن لكل سماء أرض لقوله تعالى في سورة الطلاق: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿12﴾ ولا يخفى أيضا بأن أرضا من الأراضي التابعة لكل سماء قابلة للسكن لقوله تعالى في سورة نوح: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴿13﴾ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴿14﴾ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴿15﴾ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴿16﴾ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ﴿17﴾ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴿18﴾ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا ﴿19﴾ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجًا ﴿20﴾ وعلى هذا فسيكون معنى السماء في مقابل الأرض هو الشمس. والسر في عدم ذكر الأرضين هو بأنها كلمة شاذة في اللغة العربية والله تعالى لا يحب أن يستعمل الشواذ في كتابه الكريم في ما عدا الشاذ الحسن. وقال تعالى في الزمر : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾ كل ذلك يُشعر بأن الأرض ليست واحدة وبأن في كل سماء أرض وإلا لماذا خُلقت تلك السماوات.
ولنعرف عدد سكان الأكوان الأخرى فعلينا بأن نضرب عدد المجرات التي تفوق 100 بليون في عدد نجوم كل مجرة وهي حوالي 100 بليون على أقل تقدير، ضرب عدد النفوس البشرية زائدا النفوس الجنية في كل أرض منها. لعل عدد أهل الأرض التي نعيش فيها في النهاية سوف تربو على 15 بليون إنسان غير الجن. هذا الكم الهائل من النفوس البشرية والجنية ستختلط ببعضها البعض في فضاء لا يعلم سعتها الواقعية إلا الله تعالى.
ولقد وعد الله تعالى بأن يجمعنا وآباءنا الأولين في الأرض المستقبلية. ذلك لعدم إمكانية القضاء بينهم إذا اختلطوا مع نفوس الكواكب الأخرى. إذن فسوف يجمع كل فئة في أرضها وسوف يجمعنا نحن في الأرض المخصصة لنا. هي عملية غير ممكنة لغير الله تعالى وعمل عظيم جدا ولذلك نسبه الله تعالى إلى نفسه لأهميته. قال تعالى في سورة الشورى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ ﴿29﴾ وقال في سورة الكهف: الكهف: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴿99﴾
في ذلك اليوم وبعد أن اجتمعنا بسكان الأكوان الأخرى سواء كنا يقظين أو نائمين فسنعلم بعض ما حصل، في ذلك اليوم سوف يشعر كل شخص بأنه مغبون فعلا. ذلك لأن كلاً منا سيرى ما عمله الشخص الآخر وما سيجنيه من ثمار إخلاصه وتوحيده وسعيه. فسوف يشعر كل واحد أنه مغبون في مقابل الشخص الآخر في ما غلب عليه هو من محاسن الأعمال كما يشعر الشخص الآخر في مقابل نفس الشخص بما تفوق فيه صاحبه عليه من نوع آخر من الأعمال. حصول هذا الشعور لدى الناس دليل على نجاح العمليات التي تمت في عالم البرزخ بغية إقناع الناس والجن جميعا وهكذا الملائكة بما سيقوم الله تعالى به من قسط في المحكمة الكبرى.
المرحلة الخامسة: ما قبل الحساب في هذه المرحلة نعالج مسألة الحياة المشتركة الجديدة في الدار الآخرة بين المؤمنين وغير المؤمنين وهي آخر حياة مشتركة قبل يوم الفصل، بوحي من القرآن الكريم. هي مرحلة الخروج من الأرض الجديدة والتهيؤ للمحكمة العظمى.
الأرض الجديدة: وبعد أن عرفنا معاني المصطلحات القرآنية الخاصة بيوم القيامة دعنا ننتقل قليلا بما يسمح لنا هذا البحث المختصر إلى العالم الآخر وكيفية الحياة فيها. إن شكل الأرض الجديدة موافق لشكل الأرض الفعلية حيث المنطقة الاستوائية في حزام الأرض ويحيط بها حزامان من المناطق المعتدلة التي تكثر فيها الأشجار المتوسطة والمزروعات والفواكه الطيبة ويحيط بهذين الحزامين حزامان من المناطق الباردة اللذان يربطاننا بالقطبين المتجمدين. هناك في المناطق الباردة تكثر الأشجار العالية التي تمد أهل الأرض بأنواع الأخشاب. وقد قال تعالى في سورة الرحمان: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿46﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿47﴾ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴿48﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿49﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴿50﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿51﴾ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴿52﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿53﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴿54﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿55﴾ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ﴿56﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿57﴾ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴿58﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿59﴾ هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ ﴿60﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿61﴾ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴿62﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿63﴾ مُدْهَامَّتَانِ ﴿64﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿65﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ
فجوانب الأرض الجديدة كلها خصبة ومخصصة لأهل الجنة. وليس أنسب من وسط الأرض ليكون مكانا لإقامة النار الكبرى فيها فهي منطقة جهنم وتقام في وسطها النار. لم يذكر الله تعالى المحيطات والبحار في تلك الأرض بل ذكر الأنهار. وبالتأكيد أن المحيطات تمثل تجمعات مائية خطيرة لا تتناسب مع جنات النعيم وما يرادفها من سلام وأمان، ولكنه سبحانه جعل بدلا منها الأنهار فهي أجمل الممرات المائية وأكثرها فائدة. وبما أن نسبة المياه المخصصة لكل كوكب أرضي لا تقل بالطبع عن المياه الفعلية في أرضنا فسوف تكثر الأنهار ولعلها هي شوارع جنات النعيم. ولذلك أصبح ممكنا أن تقام القصور الفردوسية كلها على ضفاف الأنهار الجارية المنتشرة في كل مكان. وبما أن الجبال ستكون مدمرة بأمر الله تعالى فإن مخاطرها تزول بزوالها فيعم السلام الطبيعي على تلك الأرض الجميلة الفاتنة. هنيئا لمن دخلها وتبا لمن حُرم منها.
ويبدو أن كل الممرات المائية مخصصة أيضا لأهل الجنة وليس لأهل النار غيرُ المياه الجوفية التي تتأثر في خروجها من الأرض بنفس نار جهنم فتصير حارة غير مستساغة. وأما سقر فهي تشمل المناطق المحيطة بالنار حيث تشتد فيها الحرارة وأقل الأماكن حرارة هي البعيدة عن الوسط والقريبة من حيطان الجنة. إذن فالجنة يحتمل وقوعها في جانبي أو جوانب النار وهي من أحسن مناطق الكرة الجديدة. والنار تقع في الوسط الحار بطبيعته. والقرآن الكريم يصرح بإقامة النار الكبرى ويوضح في سورة المرسلات بأن ظلا ذي ثلاث شعب تمثل تلك النار وليس ظلال. والشعب لا تشير إلى تقسيمات الظل نفسه بل تشير إلى ثلاثة صفات لذلك الظل وهي أنه غير ظليل أولا وأنه لا يغني مَن تحتها من اللهب المستطير ثانيا وأن النار من خلف ذلك الظل ترمي بشرر كالقصر ثالثا.هذه الشرارات تقضي على كل معاني التظليل والعلم عند الله تعالى. ولعل السبب في إقامة نار بهذه العظمة في وسط جهنم هو عدالة توزيع درجات الحياة الخشنة لأهل النار. فالقريبون منها وهم كبار المجرمين والقتلة الذين لم يهتموا بأرواح الأبرياء والأطفال وغالبيتهم احتمالا من الملوك أو الخلفاء حسب تعبيرنا والسجانون والإنتحاريون والذين يخربون بيوت الآمنين ويسطون على مدن الناس ويقتادون الجواري من مأمن أهل الأرض. ولا قيمة عند الله لمن يسمي نفسه تابعا لموسى أو عيسى أو محمد فكلهم مجرمون حينما يأتوا بعمل إجرامي. لن يأمن عذابَ الله تعالى لا الأنبياءُ ولا صحابتُهم ولا أهل بيوتهم سواء كانوا أزواجهم أو أولادهم أو أصهارَهم ولا أيُّ موجود جني أو إنسي إلا بالتقوى.كل ما يدعيه المحتالون باطل وسخيف ولا يمت إلى كتاب الله تعالى بصلة.كل المحدثين الذين كذبوا على رسل الله عمدا فهم في نار جهنم. قال تعالى في سورة الزمر: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿60﴾ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿61﴾ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿62﴾ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿63﴾ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴿64﴾ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿65﴾ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴿66﴾. والخطاب في هذه الآيات لرسول الله نفسه وهو يدخل النار لو أشرك ويحبط عمله ويكون من الخاسرين. ونحن نفتخر بأن الذين بقوا بعد نبينا شهدوا له بالصدق والأمانة والإخلاص والتقوى فعليه سلام الله تعالى ونتمنى أن نعيش معه في جنات النعيم بإذن ربنا العزيز المتعالي. إنه غير قادر على الشفاعة والمؤمنون الحقيقيون لن يتوقعوا منه ومن غيره أية شفاعة مفيدة ولكننا نحبه لأنه كان أخا صادقا مؤمنا وقدوة طيبة لآبائنا ولنا جميعا.
الأجداث أو القبور: بعد اكتمال خلق الأرض الجديدة فإننا سوف نعاد بأنفسنا إلى باطن الأرض بأمر الله تعالى. هناك يتم تشكيل خلية نباتية لإنماء جسد جديد لنا. هذا الجسد ليس مشابها للجسد الدنيوي وليس من جنسه. إنه جسد معد للبقاء الأبدي فلا يطرأ عليه أية ظاهرة من ظواهر العمر والمرض والفناء إطلاقا. سيكون الجسد ضيفا علينا نحن إذ أننا موجودون فعلا ولكن الله تعالى يريد أن يجزي كل نفس بما كسبت فلا بد من بدن للعذاب أو للتمتع. الأصالة هناك لنا كأنفس وليس لأبداننا والأولوية لنا وليس لأبداننا فلا داعي للتفكر في القسر ولا قسر فعلا. سنكون متطورين إذ أننا سوف لا نكون مسجونين في البدن بل سيكون البدن مسجونا عندنا، أو أن خالقنا العظيم يزوجنا بالبدن الجديد حسب تعبير الكتاب الكريم؛ ولكننا سوف نشعر بالسرور والألم عن طريق البدن. والتعمق في آيات القيامة توحي بأن أهل الجنة على الأقل يتعاملون مع ظواهر الحياة بأنفسهم تارة وبأبدانهم أخرى. وإن كان هناك سجن بدني فهو لأهل النار في الواقع وذلك بعد أن تنتهي مراسم المحكمة العظمى والتي ستكون محكمة نفسية غير بدنية، مع أن الناس سيكونون بأبدانهم الجديدة واقفين ومعهم الجن بأبدان مشابهة لأبدان الإنس.
وبما أننا كنفوس موجودون فعلا، فسنكون قادرين على تطوير أية خلية نباتية لتتناسب مع كياننا الجديد. إنني أحتمل لما هو وارد في سورة ق بأن كودات جيناتنا الدنيوية ستعود مع بعض التغيير حتى لا نشعر بأي فرق بين شخصيتنا الدنيوية وشخصيتنا الأخروية. ليس هناك مشكلة في الدخول في الأرض ولكن المشكلة تقع في الخروج منها. سنكون شاعرين لوجودنا ضمن نفسٍ كاملة الأحاسيس وسنحس مرارة الخروج ولكن الله علَّم إبراهيم بأننا سنمر عليها بكل سهولة ويسر ودون عناء. ولعل ذلك خاص بالمؤمنين. يمكن فهم ذلك بمراجعة الآية التالية من سورة البقرة: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿260﴾ .
بعد أن تتكامل الخلية الأولى بباطن الأرض وتأخذ شكلها المطلوب فإنها سوف تعمل لصناعة بدن جديد حسب إرادة الله تعالى لنا. وستتم العملية بسرعة كما كنا عليه حينما صنعنا الله تعالى في أرحام أمهاتنا دون أن نمر بمراحل التطور الطبيعية الدنيوية. ثم نخرج من الأرض بعد انفتاح وجه الأرض التي تتأثر بالدعوة أو الصيحة أو الصوت الشديد ونحن نسرع إلى المحكمة الكبرى لاستماع حكم الله تعالى فينا.
العمي والصم والبكم: ينص الكتاب الكريم على أن بعض الناس يُحشرون عميا و/أو بكما و/أو صما، حين أنهم لم يكونوا كذلك في الدنيا. ولا بد أن يكون في المقابل من يُحشر سليما من هذه العاهات ولكنه كان مصابا ببعضها أو كلها في حياته الدنيوية. سوف نشرح الطريقة في التفسير بتفصيل أكثر ولكننا نذكر السبب فقط باختصار ونذكر آثار هذا النوع من الحشر. أما السبب فإن الله تعالى وعد في سورة ق بحفظ ما تنقص الأرض من البشر بعد الموت. ونحن نعرف بأن الأرض تُذيب كل البدن المادي في الواقع، فما معنى ذلك الحفظ. لا يتبادر إلى الذهن أمر قابل للحفظ ومؤثر في شخصية الإنسان بجوار النفس غير كودات الجينات التي تُناط بها صناعة بدن هذا الإنسان. أهمية هذه الكودات هنا هي أنها التي تلت عملية تسوية النفس مباشرة. فالنفس كانت شاهدة على تكوُّنِها ولو أنها لم تكن لتعرف شيئا من آثارها في تلك اللحظة التي خُلقت فيها النفسُ مستويةً مع التركيب الخلقي الأول من الحيمن والبويضة.
بالطبع أن هذه الجينات هي التي صنعت أدوات الرؤية والسمع لذلك الشخص، ولازم ذلك أن تقوم بنفس العمل إن كانت محفوظة بكامل حقيقتها لدى الله تعالى. لكنه سبحانه وبدون شك لم يُعِد نفس الكودات إلى النفس بعد أن شاء لها أن تصنع بدنا لنفسها من الخلايا النباتية في الأرض الأخروية. هناك دون شك بعض التغييرات في الكودات ليتناسب مع القسط الذي وعد به. فالمؤمن الأعمى وراثيا في الدنيا، سوف يُضاف إليه كودات صناعة العين أو يُعدل كوداته لتصنع جلدا أكثر ملائمة للحياة الفردوسية مثلا. ولكن الكافر سوف يحذف الله تعالى كودات صناعة البصر والسمع والتكلم لديه ليُحشر بالعاهات المذكورة. وقد سمى الله تعالى ذلك نسيانا بمعنى أنه كان موجودا فعلا مع الكودات ولكنه سبحانه حين نقلها إلى الخلية الجديدة ترك أو أهمل بعضها وسمى ذلك نسيانا. هذا النسيان من الله تعالى هو في مقابل النسيان الذي حصل من ذلك الشخص في الدنيا وسوف نقوم في التفسير ببيان معنى النسيانين بإذنه سبحانه.
بالطبع أن ذلك لا يستتبع عدم الرؤية وعدم السمع والإفصاح عما يريد الشخص قوله في الآخرة. لو كان كذلك فكيف يقول الكافر كما في سورة طه: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿125﴾ ؟ ثم كيف يمكن التساوي بينه وبين خصومه في المحكمة الكبرى؟ فالعمى والصم تعنيان نقص البصر المادي والسمع المادي اللذان يستمتع بهما الإنسان. فنحن نرى طيفا محدودا مما يمكن رؤيته كما نسمع أطوالا موجية محدودة أيضا فنستمتع بهما ونحن داخل أبداننا. ولكننا في النشأة الثانية نرى ونسمع بالنفس أيضا والوقوف أمام الله تعالى في المحكمة سوف تكون وقوفا بدنيا فعلا ولكننا سوف لا نستعمل العين والأذن واللسان لعدم انسجام تلك المشاعر مع واقع المحكمة التي يشترك فيها الجن والإنس من كل طبقات ولغات الأرض. سوف تتوقف كل تلك المشاعر آنذاك ويعود الناس ليستعملوا لغة النفوس المسماة في القرآن همسا. قال سبحانه في سورة طه: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ﴿108﴾. ففاقد هذه المشاعر يُصاب بعدم التمتع ولا يصاب بعدم الرؤية الفعلية وسوف نشرحها بتفصيل مستقبلا بإذن الله تعالى.
الأوزون الجديدة وما يحل بها: لو نمعن في هذه الآيات من سورة الرحمن: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴿37﴾ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿38﴾ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ ﴿39﴾ ثم نمد الطرف إلى هذه من سورة التكوير: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿10﴾ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ﴿11﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿12﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿13﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ﴿14﴾ فإننا سوف نطمئن بأن هناك سماء تُكشط بعد نشر الصحف وقبيل تقسيم الجنة والنار. هذه السماء هي شيء تجاري الأوزون عندنا اليوم. وكشطه أو إزالته بسبب ارتفاع النار الكبرى لأنها نار كبيرة ولكن في مكان واحد ليُصلى بها من هو قريب منها ويتعذب بها من هو أقل قربا منها ولا يفرح بها من هو بعيد عنها ولكنها داخل أرض جهنم. والنار الكبرى لا تتناسب مع غاز الأوزون، لأن ارتفاعها ستكون عدة كيلو مترات ولعلها تتجاوز العشر كيلومترات ولذلك تسمى النار الكبرى. والمقصود من هذا الارتفاع في النار هو تنويع مناطق جهنم من حيث شدة الحرارة أو قلتها حتى تتحقق درجات النار بالتناسب مع درجات النفوس الكبيرة في عدد الأنواع. وأما الكيفية التي يحفظ الله تعالى بها الكرةَ الجديدة من الإشعاعات الشمسية إن كانت هناك إشعاعات قوية ضارة في تلك الشمس، فهي بتوفير عدة أقمار للأرض المقبلة. ويُحتمل أن تكون الآيات التالية من سورة المدثر إشارة لهذه المسألة: كَلاّ وَالْقَمَرِ ﴿32﴾ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴿33﴾ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴿34﴾ إِنَّهَا َلإِحْدَى الْكُبَرِ ﴿35﴾ نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ ﴿36﴾ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴿37﴾ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿38﴾ إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴿39﴾ فالقمر هو الكوكب الذي به يُدْبر الليل إلى الأبد عن أرضنا ويُقبل الصبح إلى الأبد عنها أيضا. وبعد استقرار الكوكب الجديد فإن الحساب سيحل شيئا فشيئا.
الزمر والكتب المختلفة للنفوس: ها نحن قد خرجنا من الأرض سراعا كالفطريات أو كاليقطين كما خرج يونس من الأرض بعد أن أحياه الله تعالى غب بلع بدنه بواسطة الحوت وأحاط نفسَه ببدن نباتي جديد من اليقطين؛ وبعد أن سكننا الأرض بصورة مؤقتة. لقد حرم الله تعالى الجنة على الكافرين، ومن الخير للمؤمنين أن يروا النار ليميزوا الفرق بينهما فيشكروا ربهم عن دراية وافية. هناك في الأرض الجديدة مناطق شاسعة تشمل القسمَ الأكبرَ منها، وهي معدة لإقامة جنات النعيم إن لم تكن أقيمت بعد (قبل يوم الحساب الطويل)، كما سيكون هناك مكان صغير نسبيا باسم جهنم. ليس في جهنم نار بادئ ذي بدء لقوله تعالى بعد كشط السماء في سورة التكوير: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿10﴾ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ﴿11﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿12﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿13﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ﴿14﴾. هناك وفي منطقة جهنم احتمالا، وقبل تسعير الجحيم، سوف يقوم الملائكة الكرام بتبويب الناس ضمن زمر متجانسة متشابهة تبعا لحقائق نفوسهم. سوف يُطبق هذه الزمر على أصحاب الرسل كل حسب تطوره العقلي والبدني. هناك مسائل كثيرة في هذا المجال وسوف نعرفها ضمن التفسير بإذن الله تعالى.
هذه الزمر المتشابهة هي التي تقف أمام الله تعالى ليصدر سبحانه حكمه بشأنها. سوف يُعطى الجميع الفرصة للدفاع عن أنفسهم باعتبار أنهم سوف يتعلمون الكثير من المسائل التي يحتاجون إليها ضمن البرزخ احتمالا. الكتب التي تُنشر عبارة عن كتاب كل شخص أولا. فكل شخص يحمل معه كتابا إيجابيا يُظهر تفوق إيجابياته على سلبياته أو كتابا سلبيا يُظهر ضئالة إيجابياته. الكتاب الأيجابي مشهود يُقرأ والسلبي غير مشهود. قال تعالى في سورة المطففين: كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿7﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿8﴾ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿9﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿10﴾. ثم قال في نفس السورة واصفا كتب المتقين : كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿18﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿20﴾ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿21﴾. فلم يذكر بأن كتاب الفجار مشهود. هناك كتاب آخر يحتوي على أعمال كل الناس باعتبار ارتباطاتهم وليس باعتباراتهم الشخصية. الكتاب الشخصي يُظهر حقيقة الإنسان التي يعين فعلا مكانته في النظام الحديد. ولكن الكتاب العام هو لغرض بيان الارتباطات بين الخصوم. فمن ظلم شخصا أو أعانه فهو عمل ذو شقين.
وللخصم أن يدافع عن نفسه فالناس بحاجة إلى كتاب يوضح هذه العلاقات تمهيدا لبسط القسط في اليوم الآخر. والكتاب الثاني هو الذي يخيف غير المؤمنين كثيرا كما قال تعالى في سورة الكهف: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴿47﴾ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ﴿48﴾ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿49﴾. والسر في الخوف الكبير هو أن ذلك الكتاب سوف يوضح المؤامرات والأغراض الخفية التي نواها الحكام والقضاة والأثرياء وغيرهم من الذين يعيشون على تضليل الآخرين وخداعهم.وقال سبحانه في سورة الزمر: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴿69﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿70﴾. فالكتاب المهيمن يوضح كل العلاقات بين الإنس والإنس وبينهم وبين كل ذي نفس مكَلَّفة وهم الجن.
ثم إننا كزمر، يسبق كلَّ زمرة منا كتابٌ آخر يجلي صبغتنا النفسية التي تكون مشابهة تماما للشاهد الذي يسبق كل زمرة. والشاهد هو من أصحاب الرسل الذين حضروا الرسالات. قال تعالى في سورة الإسراء: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴿71﴾. فالإمام هنا هو الكتاب وقد سماه سبحانه إماما لأنه سوف يكون أمام الزمرة التي تقف خلفه. هذا الكتاب يوضح نفسية زمرة بأكملها، ولذلك بَوَّبوا الناس والجن في زمر وسوف تدخل الزمرةُ النارَ أو الجنةَ بأمر الله تعالى، لأنهم مثل بعض من حيث النفسيات. وكما نعرف بأن الناس لا يدخلون الجنة أو الجحيم بأعمالهم بل بنفسياتهم ولكن الأعمال شواهد على سعادة النفس وشقائها. وقال سبحانه في سورة الجاثية: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿28﴾ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿29﴾. وقال في سورة يس: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴿12﴾. فكل زمرة تفصح عن نوع خاص من أنواع النفوس المصطبغة تبعا لأفعال أصحابها أو نواياهم وهممهم.
ويحذر الله الجميع من الوقوف أمامه في الزمر بكل صراحة وصرامة مخاطبا نبينا نفسه ليعرف كل منا ما سيحل به. سورة الزمر: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴿60﴾ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿61﴾ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿62﴾ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿63﴾ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴿64﴾ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿65﴾ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴿66﴾ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿68﴾ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴿69﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿70﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿71﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿72﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿73﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿74﴾ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿75﴾.
ذلك لأن الحكم يصدر من الله تعالى بشأن الزمر وليس بشأن الأفراد. فهل يُعقل أن يجرأ العبيد محمدٌ أو عيسى أو موسى بأن يمسوا هذه الزمر التي أقام الله تعالى كامل المحكمة ليقول للناس بأن ملائكته كانوا على حق ولم يخطئوا. هذا ما تقوله الآية الأخيرة أعلاه من سورة الزمر. وعدا ذلك فليس بيننا وبين الملائكة نزاع ولا خصام لا في الدنيا ولا في الآخرة. إن الله تعالى سوف يُصدر الحكم على زمر من ضمنها الصحابة والرسل أنفسهم. ولعل الرسل جميعا لو كانوا بنفس مرتبة التقوى والإيمان أن يبوبوا ضمن زمرة واحدة ولعل معهم الكثير من غير الرسل الذين يحملون نفس الصبغة النفسية التي اكتسبوها بأعمالهم في الدنيا. سوف نرى محمدا والمسيح وإبراهيم وموسى وإسحاق وغيرهم يفرحون بأن الله تعالى حكم لهم بالجنة ولن يعبئوا بأحد شاكرين ربهم المفازة الكبرى، وسوف يخيب من ظن غير ذلك دون أدنى ريب. لا يمكن أن تكون هناك أية شفاعة من نفس لنفس بل من صفات ذلك اليوم ما نطق به الكتاب الكريم في سورة الإنفطار: كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴿9﴾ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿10﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿11﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿12﴾ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿13﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿14﴾ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴿15﴾ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ﴿16﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿17﴾ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿18﴾ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴿19﴾.
انتهى القسم الثالث من مفهوم يوم القيامة ويليه القسم الرابع
|