الرحيم سبحانه

مفهوم اسم "الرحيم" سبحانه

لو أردنا أن نحتفظ بسمكات صغيرة جميلة داخل غرفنا المنزلية فإن من الواجب أن نهيأ لهذه السمكات غرفا زجاجية مملوءة بالمياه النظيفة ونوفر لها الأوكسجين باستمرار ونتحاشى استعمال المبيدات الحشرية إلا إذا عزلنا حويض السمك من الغرفة المراد رشها. لولا هذه العناية لما تمكنت السمكات الجميلة الصغيرة من التحرك أمام عيوننا. وفوق ذلك علينا بأن نهيأ لها الأكل فنقدمه لها في فترات زمنية منظمة لتكافح الجوع كما يجب أن نحافظ على حرارة الماء بما يتناسب مع ترعرع الأسماك في حوض الزينة داخل غرفنا. هذه العمليات لا تدخل ضمن صيانة البيت ولا صيانة أثاث البيت. إنها مخصصة لحماية الأسماك الضعيفة كي تعيش في محيط خاص ونمتع عيوننا بالنظر إليها وإلى حركاتها. ولو لم نفعل ذلك فإننا لا نخسر شيئا كما أن أكثر الناس لا يحتفظون بأسماك منزلية في حجراتهم. هذه العناية المخصصة المناسبة لضعف الأسماك هي نوع من الرحمة وباعتبار تخصصها بموجودات تنطوي على نوع خاص من الضعف فإن من يأتي بها يمكن أن يسمى رحيما.

 

ولكنه لو استعمل نفس الرحمة المتناسبة مع كل موجود آخر بنفس العناية دون أن يكون هو فعلا محتاجا أو مستمتعا بها لكان لائقا بأن يسمى رحيما فعلا. ذلك لأن الرحمة التي مارسها لم تنحصر في موجود واحد يمكن أن يفسَّر بأنه رحمها ليستمتع بها أو يستفيد منها ولم تتوقف عند حد بل شمل كل من هو بحاجة إلى أي نوع من الرحمة فقام الرحيم المفترض بتقديم ما يتناسب من الرحمة لمن يحتاج إليها. ولقد دل ذلك على اتصاف الموجود بصفة لا تتناسب مع الخبث والظلم والقسوة وعدم الاهتمام بالغير وتصغير شأن المحتاجين. فرحمة الرحيم إذن تعني مبالغة الرحيم في نشر الرحمة أينما وجد من يحتاج إليه بغض النظر عن حاجته هو أو استمتاعه باستعمال تلك الرحمة.

 

هذا مثال بسيط وصغير لمعرفة معنى الرحيمية. وبما أن الإنسان موجود جميل يحمل صفاتا ذاتية جميلة ويتمكن من التصرف الفكري في الكثير من الموجودات التي هي أقوى منه مراسا وأسرع منه حركة وأكبر منه جثة وأكثر منه عددا، فهو لائق بالعناية. لكن الإنسان عاجز عن الحياة داخل وحول هذه الأجسام القوية الخطيرة والكبيرة دون أن ينال عناية خاصة تساعده على استمرار الحياة بين من هم أكثر منه قوة وجأشا. والمبدع العظيم لم يفتأ يُكرم هذا الموجود الشريف الذي خلقه ورباه بكل عناية ولطف منذ نشأته الأولى. إنه سبحانه خلقه في أحسن تقويم ثم أمر كل ملك يمر عليه أن يكمش إشعاعاته عن البشر الضعيف حتى لا تتعوق أجهزته الحساسة بالطاقة الملائكية القوية كما أمر كل من يحمل طاقة مشابهة أن يقوم بنفس الانكماش إذا اقترب من هذا الموجود. هذه هي مظهر من مظاهر الرحمة والعناية الخاصة التي خصصها الله تعالى للإنسان.

 

ولم يكتف الرحمان بذلك بل رأى بأن ما يقوم به هذا الموجود من كفاح ضد شهواته النفسية وضد تغرير الشيطان الرجيم به يجعله مستحقا للمكافأة فوعده سبحانه بأن يخصص لهنائه وعيشه الرغيد حياة أبدية مليئة بالبهجة والحبور إذا ما أدى العبد المرحومُ اختبارَه بحسن نية وشجاعة وشيء من التضحيات. وحتى لا يشعر من كان كذلك من هذا البشر الضعيف فإنه وعده بأن يخصص هذه الرحمة لمن أطاع الله تعالى واتقاه في مقابل تعذيب كل من تسول له نفسُه إيذاءَ بني جنسه في الدنيا أو عدم الطاعة والانصياع للإرادة التشريعية لرب العالمين. كل ذلك إرضاء للمتقين ودفاعا عنهم وتنكيلا بمن ظلمهم أو تمتعَ على حساب الآخرين في دار الاختبار.

 

فالله تعالى رحيم بهذا المعنى الذي يتحقق في الدنيا بالنسبة للمحتاجين بالمعنى المتعارف بين الناس وإلا فالكل محتاج في الحقيقة لرب العالمين. ولكن هذه الرحمة تتجلى كثيرا في العالم الآخر كما أنها تُحتكر للمتقين الذين خضعوا لربهم من قبل حينما كانوا موجودين في دار الامتحان والذين قدموا التضحيات بكل إخلاص في سبيل الله تعالى وفي سبيل من يحتاج إليهم من عبيد رب العالمين الذين عاشوا بينهم أو في متناول يدهم.

انتهى المفهوم.