البعرة تدل على البعير |
حتى في المطاعم تدل البعرة على البعير !!! - الكاتب: ايف_هتس مرحباً الأخ الملحد ايف هتس أظن بأن الكثير من كلامك معقول ولكن هناك بعض الخلط الذي أرجو أن أكون موضحا لهذا الخلط فتنكشف الحقيقة الغائبة بإذن الله تعالى. ولا ضير أن يكون هناك إشكالات بسيطة تؤدي إلى قلب النتائج أحيانا كما هو الحال عندك حيث توصلت إلى عدم حجية الإعجاز وعدم إمكانية الاستدلال بضرورة العلم والحكمة قبل صناعة الكون أو صيرورتها. بالطبع لم تذكر لنا مادة الصيرورة لأنك لست في صدد رفض الألوهية والمركزية في بحثك هذا ولكنك في صدد رفض الاستدلالات الموجودة عليها. وأنا لست موافقا كثيرا مع هذا النوع من الاستدلال وأعرف الله تعالى من زاوية أخرى بعيدة عن استدلالات المنطقيين والفلاسفة الذين اتبعوا الظنون باعتقادي وليس المعقولات كما يدعون إلا قليلا. والمشكلة أنهم وجنابكم جميعا ترتكزون على بعض الحقائق المسَلَّم بها وهي قد تكون غير صحيحة حينما نحللها بدقة. ونبدأ بحجية المعجزات مادِّين الطرف إلى القرآن الكريم وحده مهملين الكتب التي خطتها تخيلات البشر مثل كتب الحديث. لو نعود إلى الكتاب السماوي المعروف بالقرآن لنوزع الأنبياء على جادة الزمان فنرى بأن أول نبي هو نوح الذي دعى إلى الله تعالى مستعينا بعلمه ولم يحمل معه أية معجزة. وكان قوم نوح أقل تطورا ممن جاء بعدهم بطبيعة الحال. ونشاهد أكثر من ذلك وهو أن نوحا لم يسع لإثبات الألوهية بل سعى لتصحيح مفهوم العبادة لدى أناس يؤمنون فعلا بخالق السماوات والأرض ولكنهم يتخذون الأصنام وسائط بينهم وبينه. ونحن لا يمكن أن نفكر بأن قوما يؤمنون بالغيب وهم بسطاء حمقاء غير متعمقين، فهم لم يكونوا كذلك دون شك. أو بالأحرى كان بينهم أناس يعلمون الكثير من الحقائق العلمية التي توصلهم إلى الله تعالى ولكنهم يعتقدون بأن الإنسان عاجز عن الوصول إليه سبحانه لسبب نتحدث عنه بعد قليل، فيسعون لصناعة أصنام بأيديهم توصلهم إليه سبحانه. إنهم يعبدون الأصنام التي صنعوها بأيديهم فهم بالطبع لا يؤمنون بأن للأصنام أي دور في خلقهم ورزقهم لأنها صنائعهم. إذن، فما هو دور الأصنام في التوسط بينهم وبين خالق السماوات والأرض؟ وقبل ذلك لا ننسى بأن الذي يوسط شيئا بينه وبين الله تعالى فإنه بالإضافة إلى اعتقاده بالخالق يؤمن بأنه سبحانه هو القادر على أن يمنحه ما يعوزه من مقومات الحياة والتمتع بما فيها الشفاء من الأمراض والتخلص من الخوف ومن أسبابه. فنوح لم يكن بحاجة إلى معجزة لإثبات الألوهية قطعيا ولا لإثبات قدرة الخالق على أن يمد الكائنات بما يرفع عنها الحاجة ويمتعها ويبهجها. إذن ما هو الداعي لاتخاذ الأصنام وما هو خطورة ذلك حتى يبعث الله تعالى نبيا من بينهم يحمل رسالة ربهم الذي يؤمنون به وبقدرته فعلا؟ إن الذي خفي عنهم في الحقيقة أو أخفي عنهم هو أن الذي خلق كل شيء وهو قادر على التأثير في كل شيء وعلى تحويل الخوف إلى أمن والفقر إلى غنى والمرض إلى صحة فهو قادر أيضا على الارتباط بعبيده والاستماع إليهم والتجاوب معهم دون الحاجة إلى وسطاء. هذه هي رسالة الأنبياء ولا شيء غيرها كما نعرفه من القرآن. والآن نعود إلى الصنم وكيف يمكن للصنم أن يتوسط مع أنه صنيع لهم. إنك لو تدرس صناعة العجل الذي قام به السامري وهو في الواقع يمثل صنما فستعرف سر اتخاذ الأصنام كما ستعرف دلالة الصنم. وليس في القرآن أية إشارة إلى ما تظننه المفسرون الكرام غفر الله تعالى لهم جميعا، بأن العجل كان وسيلة إلى الله تعالى أو أنهم اتخذوه دون الله سبحانه معبودا لهم. لو كان كلامهم صحيحا فما هو دور مجموعة الأصنام التي يتخذها عُبَادها، كان من الضروري أن يتخذوا صنما واحدا. والواقع أن عباد الصنم يعتقدون بأن البشر بما أنه يعصي الله تعالى فهو عاجز عن الارتباط بربه ولكن لكل امرئ شيء من الخلوص والحب لله تعالى ولو تجمع هذا الخلوص من مجموعة من الناس في شيء لكان ذلك الشيء نظيفا خالصا من شوائب العصيان والشهوات وكان مستحقا للتوسط بينهم وبين الله تعالى. ثم إنهم لم يتخذوا الصنم وسيلة مباشرة إلى الله تعالى بل اتخذوه دليلا يذكرهم بموسى بن عمران فقالوا كما في سورة طه: قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴿91﴾. فهم يعتقدون فعلا بأن موسى هو الوسيلة الفعلية إلى الله تعالى وبأن الصنم دليل عليه باعتبار أنه صنيع كل الأمة التي أخلصت في هذا العمل بالذات فالعجل يمثل إخلاصهم وحسن نواياهم وهو شيء مقدس إذا. وهكذا قوم نوح وما الأسماء التي وضعوها على أصنامهم (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) إلا إشارات إلى أشخاص أخر يرمز كل صنم إلى واحد من أولئك ويتوسط بينهم وبين ربهم لغرض معين كالشفاء والنصر والكسب والزواج وغير ذلك. وأما خطورة اتخاذ الوسائط هو أن الناس ينحرفون عن الارتباط الفعلي الموجود بينهم وبين ربهم لكل فرد على حدة بما يتناسب مع كيانه ومقوماته فيخسرون ذلك الارتباط المفيد الذي يمدهم بالطاقة للوجود والحياة وينتقلون إلى غير الله تعالى باعتبار الوساطة غير الحقيقية وغير الممكنة فيعبدونه ثم ينحرفون شيئا فشيئا عن الله تعالى. ولو تنظر إلى الذين يتمسكون بالقبور اليوم فتراهم فعلا يطلبون من صاحب القبر الميت الذي عجز عن أن يكف عن نفسه الموت، يطلبون منه النجاة وينسبون كل ما يحصلون عليه من نعم الله تعالى إلى صاحب ذلك القبر الضعيف الميت المقبور. بالطبع أننا حينما نعترض عليهم فإن علماءهم يقولون لنا بأنهم يطلبون من صاحب القبر أن يدعو لهم وهو كذب وغير صحيح والمسلمون منهم يعرفون بأن رسول الله نفسه كان عاجزا عن الارتباط بالموتى بنص القرآن الكريم. لكنهم في صدد تبرير شرك قومهم بالله سبحانه في العبادة. ذلك الأمر الذي يفيدهم لملئ جيوبهم في الواقع أو أنهم بأنفسهم مع مظاهر العلم المتمثل في اللباس والألقاب الكبيرة، فهم يجهلون حقيقة الأمر. وأنا أتمنى أن يكونوا جاهلين فيبقى لدي بصيص من الأمل ألا يعذبهم الله تعالى، لأن كثيرا منهم مسلمون أنتسب إليهم. وثاني الأنبياء المشاهير في القرآن هو إبراهيم الذي يُعتبر شيخ الأنبياء من بعده وأباهم ويُعتبر شيخ الإسلام في الواقع. هذا النبي دعا قومه بدون إظهار أية معجزة أيضا عدا استدلالاته العلمية. فنراه مثلا تمثل بالكواكب سعيا وراء كف قومه عن النظر إلى الأرض وإلى من في الأرض وهم جميعا من أمثالهم ومحتاجون إلى بعضهم البعض كما يحتاجون جميعاً إلى الأرض التي تُقِلُُّهم. سعى إبراهيم ليوجه قومه نحو النظر إلى السماء وإلى الموجودات المشعة بالذات لأن الذي يمكن أن يستمدوه من الخالق وحده هو الطاقة والنور وليس الضرورات المادية. وحينما رأى عدم توجه قومه للمنطق فإنه مكر بهم مكرا غريبا وهو أنه دمر كل الأصنام التي كانت احتمالا من جنس الفخار وإلا لا يمكن أن يتمكن فرد من ذلك العمل. والدليل عليه أن قومه تألموا كثيرا قائلين كما في سورة الأنبياء: قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿59﴾. ونسبوه إلى الظلم باعتباره سبب لهم أن يخسروا مبالغ كبيرة خلال عملية سهلة بسيطة، ونبراتُهم نبراتُ ألم حقيقي. وإبراهيم الذكي العبقري أشار إلى كبيرهم الذي أبقاه على حاله لعلهم ينتبهوا إليه بأنه عاجز عن حماية نفسه وصغار أصنامه. ذلك لأن إبراهيم اتهمه بأنه هو الذي فعل ذلك فعجز الصنم الكبير حتى عن الدفاع عن النفس وهذا هو سر مكره الكبير الذي حطم به عبادة الصنم وليس الأصنام الفعلية كما تصوره زملائي المفسرين الكرام. فلسان حاله: إن صنما عاجزا عن الدفاع المعنوي عن نفسه ضد التهم لهو عاجز عن التوسط بيننا وبين خالق السماوات والأرض بالأحرى. إنه أراد أن يقول لهم بأنهم بأنفسهم قادرون على الارتباط بالله تعالى دون الحاجة إلى الوسطاء. كانت العملية أكثر من بارعة وذكية لأن النظام بقي يفكر كيف يتخلص من هذه المشكلة فأي مس بإبراهيم سوف يؤكد للناس صحة قوله و لو تركوا إبراهيم على حاله فسوف يبعد الناس عن عبادة أصنامٍ هي سرُّ قوة النظام في الواقع. واختيارهم للقضاء على إبراهيم هو بمثابة اختيار لأحد الأمرَّين في الحقيقة. وأما السر في إظهار موسى لمعجزة فهو في أنهم هم الذين طلبوا منه ذلك لإثبات نبوته وليس لإثبات صحة أقواله. إنه بدأ بالمناقشة مع فرعون مناقشة علمية دقيقة نحتاج إلى فرصة كبيرة لتبديلها إلى كتابة يستفيد منها الجميع. ولجأ إلى المعجزة فقط لإثبات ارتباطه بالسماء وبأنه يحمل رسالة خاصة إلى فرعون وقومه. فنرى بأنه عليه السلام لم يتشبث بمعجزة اليد أمام السحرة بل قام بها أمام فرعون فقط. إنه أراد أن يقول لفرعون بأن تحوُّلُ العصا إلى حية هو باعتبار موسى وليس للحية سر خاص وليس من شأنها أن تتحول إلى حية ضخمة. فالقدرة المعجزة في كيان موسى. وأما السر في أنه لم يفعل ذلك أمام السحرة هو أنه تمكن من تدمير كل المواد التي حولوها إلى أجسام متحركة وإخفائها من عيون الناظرين. والمعجزة هنا أخي الملحد ليس في صناعة أفعى أكبر من أفاعيهم كما تصورتم بل في إزالة مقدار كبير من المادة خلال لحظات وتلاشيها وتحولها إلى مادة رقيقة اختلطت بالهواء كما يبدو. فرأى السحرة بأن ذلك ليس عملا سحريا بل هو موسى الذي يفعل ذلك بالطاقة التي ينطوي عليها فعرفوا بأنه رسول الله تعالى وآمنوا به. والغريب أن الإخوة المفسرين لم يدركوا بأن فرعون هدد ولم يتمكن من أن ينفذ تهديده أيضا فظنوا بأنه فعل ذلك وصلب السحرة. وهم على أنهم انتبهوا إلى أن الله تعالى اكتفى بذكر التهديد ولم يذكر حصول أي تقطيع لأطراف المؤمنين ولكنهم تحت وطأة أحاديثهم المفتراة على رسول الله تعالى محمدٍ عليه السلام، لم يتخلوا عن سذاجة الأحاديث الخاطئة. وحتى نتعرف على مدى تأثيرالمنطق أكثر من المعجزة في الناس، ننظر إلى ململة وزير الإعلام الفرعوني حين تحدث إلى الناس وقد ترجمه الله تعالى بالعربية فنراه يخطئ حتى في إلقاء الكلمات حيث فسره القرآن هكذا: إن هذان لساحران. والواقع أنه يجب أن يقول بما يعني: إن هذين لساحران. حصل ذلك قبل ظهور الأفعى المدمر وحينما خاطب موسى القوم بعلمه وعرفانه. فنعرف بأن الحجة العلمية كانت أكبر بكثير من الأفعى التي تمكن فرعون من مقاومتها إلى حد كبير. وهكذا عيسى بن مريم وليس لمحمد معجزة تذكر. والقرآن لم يكن معجزة بإبداعه في تركيب الكلمات كما تفضلتم، ولم يذكر الله تعالى شيئا من ذلك في القرآن نفسه. بالطبع إنه بديع أيضا وقد أعجز العرب في هذا المضمار ولكن ليس ذلك معجزة حسب منطق القرآن الكريم. إن إعجاز القرآن الذي يحتج به سبحانه على الذين رفضوه هو أنه خال من التناقضات وأنه يهدي إلى الرشد برمته وأنه يُعلِّم الناس ما لم يعلموا بدونه وما على غرار ذلك. وأما احتجاجاتك الفلسفية فنبدأ بمثال البعرة والبعير وهو ليس مثالا قرآنيا يمكن الاحتجاج به على صحة التشريع الإسلامي أو صحة ادعاءات القرآن أو فعلية وجود الله تعالى. إنه مثال عربي بسيط يليق براكب البعير الذي لا تتخطى نظراته الأرض والدواب والسير بالأقدام. لا يريد هذا البدوي أن يثبت وجود الواجب بل يريد إثبات السببية في مثاله. ولا يكفينا مثال البدوي لإثبات الواجب إلا إذا أضفنا إليه مسائل أخرى وهي أن البعير يدل على أبيه وأمه وهما في النهاية يدلان على وجود المادة وكلما نذهب إلى الوراء فلن نتوقف إلا إذا وصلنا إلى من لا يحتاج إلى من يوجده. بالطبع هذا استدلال جزئي يحتاج المرء معه إلى الكثير من التصورات والأمثال الأخرى لإثبات واجب الوجود. لكنه مقدمة مفيدة لمن يسير في الصحراء. ولو تمكن المثال من أن يثبت السببية في كل شيء ممكن فإن السماء ذات الأبراج محتاجة إلى السببية قطعيا وليس من شأن الموجودات البشرية أن تصنع السماوات العلا. فليس وراءها إلا القادر المتعالي. إنه أبسط وأضعف دليل على وجود الله تعالى في الواقع وهو دليل أهل الصحراء. وخلاصة نية البدوي احتمالا هو أنه لا يمكنه تصور (مادة) بعرة دون البعير ولا (عمل) هو أثر الأقدام دون المسير فكيف يمكنه تصور السماوات دون الموجد الخبير. لكني أفضل أن نترك هذا البحث الذي لا أختلف معك كثيرا حوله وننتقل إلى كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه في سورة إبراهيم: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿10﴾. هذا أقوى دليل على وجود الله تعالى وهو أنه هو الذي فطر السماوات والأرض. وحتى نعرف معنى الجملة فإننا نعود إلى آية أخرى لفهم معنى الانفطار. إنها بداية سورة الانفطار: إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿3﴾. الحديث هنا عن الانفجار الكوني الثاني الذي سوف يحصل بعد معالجة الكون لمنحه القدرة على البقاء الأبدي برأيي. ولكنه مثال للانفجار الأول أيضا. فالذي حصل آنذاك هو أن الكتلة التي تحمل مادة السماوات والأرض (الكرات الغازية والصلبة) قد انفطرت وتهشمت إثر الانفجار فانتثرت مواد الكواكب في أرجاء الكون ثم تم تفجير البحار. والبحار هو المكان الذي استضافت الكتلة لقوله تعالى في سورة هود: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿7﴾. فبدأ الأيام الستة المشار إليها كبيان في سورة الذاريات كان يوم الانفجار حيث كان العرش على الماء. والعرش يعني كل السماوات والأرض لقوله تعالى في سورة البقرة: ... وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴿255﴾. فالذي حير الفيزيائيين ولم يهتدوا إلى حل علمي له هو الطاقة القوية التي فجرت الكتلة العظمى. وأنت لو تتصور حجم تلك الكتلة الضخمة جدا، فمهما كانت الجزيئات ملتصقة ببعضها البعض وبأي حجم افترضنا الكتلة فإن الانفجار لا يمكن أن يشمل كل الكتلة في لحظة واحدة. ومن الضرورة أن يحصل ذلك، لأننا نحتاج إلى افتراض سرعة مهيبة لانتشار الكتلة بكاملها في الفضاء قبل أن يبرد. وليس هناك فيزيائي يمكنه إثبات أن الحرارة ستبقى بقوتها لفترة أكثر من عدة ثوان. فالكتلة تحتاج إلى أن تتعرض لحملة طاقوية شديدة من كل جوانبها بل وفي كل كيانها سواء القشرة الخارجية أم اللب الداخلي لتنفجر في لحظة واحدة من كل مكان فيها حتى تنتشر في الفضاء بسرعة قريبة من سرعة النور بداية قبل أن تتعرض للبرودة. لو كانت مثل هذه الطاقة موجودة ضمن نظام الطبيعة فإننا لا نضمن تكرار الانفجار مرة بعد مرة وعدم استقرار الكون. ونحن عاجزون عن إيجاد نظرية تهدينا إلى تلك الطاقة فعلا. ونحن نعرف أن الطاقات الطبيعية تسير بسرعات معينة وهي مهما كانت كبيرة فلا يمكن أن تصل إلى التفجير الآني لكل الكتلة التي تصل قطرها إلى ما لا يقل عن عشرات أو مئات الآلاف من السنوات الضوئية. فأية قوة انفجارية افترضناها لهيَ أعجز من تفجير تلك الكتلة المهيبة. ولكننا نحن نعتقد بأن الله تعالى هو الذي يملك بذاته القدسية طاقة كافية لمد كل الكون المهيب بالطاقة وبمختلف أنواعها. وهو القادر على أن يحيط بكل الكائنات فطاقته ليست مُركَّبة لتسير في الفضاء بل هي بسيطة لا تحتاج إلى السير أبدا. هي نفاذة أيضا ولا يمكن للطاقات الطبيعية أن تنفذ في الكتلة الأولى الخالية من الفراغ فلا مجال لدخول الإلكترونات فيها. ودعني أوضح معنى النفوذ فأنا لا أعني أن تلك الطاقة تسير بقوة لتنفذ في كل شيء، بل أعني بأن تلك الطاقة موجودة في كل أرجاء الوجود الممكن وتحتاج إلى تحريك فقط كما يعبر عنه القرآن الكريم بالتجلي. ومعنى التجلي هو أن يتم استعمال تلك الطاقة بأجلى صورها، فكأن الطاقة الموجودة كامنة قادرة على الظهور الواضح ولكن الله تعالى يخفيها ويهدؤها حتى يثيرها حينما يشاء. وحتى يسهل على القارئ تخيل تلك الطاقة فإني أدعوكم أن تفكروا في كل الترسانات النووية في الأرض بما فيها مذاخر القنابل الهيدروجينية التي تقدر أن تدمر الحياة في الأرض خلال أيام بل ساعات، فهي أعجز من أن تدمر الأرض ولعلها برمتها تعجز عن تدمير المحيط الهندي لو قدرنا على تفجيرها جميعا في لحظة واحدة،. والعلم يعجز عن تصور تفجير هذه الترسانات في لحظة واحدة. فما بالك بتلك الكتلة الضخمة المهيبة والثقيلة التي يصل وزن ملعة منها أطنانا!؟ ولقد تم التفجير دون أدنى شك. ذلك هو الله تعالى وليس علة البعرة! فلولا تلك القوة الرهيبة لما حصل الانفجار أخي الملحد ولما أتينا. ولو ننتبه بأن القرآن الكريم يشير دائما إلى القوة الطاقوية لرب العالمين. مثال ذلك ما في سورة فاطر من إشارة إلى طاقة الجاذبية: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿41﴾. وما في سورة النور وهي إشارة إلى الفوتون: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ.... وما في سورة الأعراف وهي إشارة إلى الفوتون بقوله النهار وإلى الجرافيتون بالليل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿54﴾. ولتتبين ذلك فانظر إلى أنه سبحانه قال عدة مرات بأنه يولج الليل في النهار ثم يتبعه، و يولج النهار في الليل، ولم يبدأ أبدا بالنهار. ذلك لأن الليل إشارة إلى الجرافيتون التي تسير بسرعة أكبر بكثير من الفوتون السائر بسرعة الضوء. ولو نتصور كل الموجودات المحسوسة فإن هناك شيئا واحدا يجمعها جميعا تحت خيمته وهو الطاقة. فكل الموجودات المحسوسة بالإضافة إلى انطوائها على مجموعة من الطاقات مثل الجاذبية فإن كيانها ومقوماتها الذاتية هي عبارة عن وحدات طاقوية متناهية في الصغر وكل وحدة عبارة عن نواة مركزية مركبة محاطة بمجموعة من الالكترونات التي تدور حولها. وهذه الوحدة هي وحدة الطاقة. فالطاقة كلية تشمل كل الكائنات المادية المحسوسة كما تشمل كل ما يدعيه المؤمنون بالله تعالى من موجودات لا ترى بالعين مثل الجن والملائكة. ونحن كما قلت، لا يمكننا أن نتصور طاقة من الطاقات المعروفة وبأي مقدار تصورناها لتقوم بالتفجير الكوني. فنحتاج إلى أن نتصور طاقة مهيبة أخرى بسيطة غير مركبة لتتمكن من النفوذ في كل شيء بلا استثناء، وتكون غير متحركة فتكون قادرة على مقاومة الزمان لتشمل كل الكتلة في لحظة واحدة لتقوم بالتفجير الكوني الأول. فتصور تلك الطاقة واجب لا حياد عنه باعتبار وجود الكائنات. نحن المؤمنون نسمي تلك الطاقة الواجبة بـ "الله" جل جلاله. والقرآن الكريم بمفاهيمه دون كلماته العربية والذي أتحدى بكل قوة من يثبت أي خطإ فيه، هو كتابه الكريم الذي أرسله إلى هذا الكوكب لي و لك ولكل الناس. والكتاب الكريم بكماله دليل جزئي على وجود الخالق المتعالي. والله تعالى علته الحقيقية لأنه هو الذي صنعه دون أن يكون بينه وبين القرآن واسطة في إعداد ذاته. ولكن علينا أن نثبت عدم وجود تناقض فيه وهو ثابت بالتحدي الذي طال أكثر من أربعة عشر قرنا دون أن يقوى أحد على إيجاد تناقض فعلي جازم في الكتاب الكريم. ثم علينا بأن نثبت بأن القدرة على إنجاز كتاب شامل مثل القرآن الكريم بدون تناقضات غير متوفرة لدى غير الله تعالى. وسوف أثبت لك ذلك. نحن نعرف أنفسنا بأننا أقوى المخلوقات عقليا وعلميا والله تعالى يضيف علينا الجن. فأما الجن فلا نرى آثارا علمية غريبة في ما نراه في الأرض لنؤمن بأنهم يملكون علما غريبا عنا. وأما الإنس فإننا نعرف بكل دقة ويقين بأن البشر سائر في درب التطور الفكري والعقلي دون توقف. سواء البشرية ككل أو كل إنسان بمفرده. نحن لا يمكن أن نفكر بأن إنسانا عاقلا مفكرا يتساوى يوماه فكريا وعقليا وعلميا. ويمكنك أنت أن تصل إلى ذلك استقرائيا بنفسك لو راجعت كتابا كتبته خلال سنة مثلا لترى بأنك قادر على تغيير أول الكتاب وإخراجه بصورة أجمل وأدق مما كتبته ذلك اليوم. ذلك لأنك اليوم أعلم منك قبل سنة دون شك. ولذلك فإن كلما نكتبه لا ينطبق تماما مع بعضها البعض. وبما أننا في النتيجة نفكر ونستخرج النتائج بطريقة نسبية فلا يمكن ادعاء صلة لهذا النوع من العلم النسبي بالكمال فالتناقض هو وارد في ما نكتبه. والقرآن اكتفى بالاحتجاج بالاختلاف والاختلاف قد لا يصل حد التناقض. وهو محسوس وجدانا لكل مفكر منا. وأنت مفكر يمكنك اكتشاف ذلك بكل سهولة. لكن القرآن الكريم الذي سار معه سلفنا منذ ما يربو على خمسين نسلا فإنه بقي على حاله يتابع تحدياته دون من يقوى على الاستجابة. ولو نعود إلى الفلاسفة والمتكلمين الذين ننتقدهم نحن اليوم فهم كانوا يحملون هيبة علمية يوما ما وباعتبار التطور الفكري اكتشفنا نحن الكثير من أخطائهم. فاكتشِف خطأَ القرآن وأنا مستعد أن أنضم إلى صفوف الملحدين!!! مع الشكر أحمد المُهري
ملاحظة: اعترض علي بعض الإخوة أن الكتلة التي انفجرت وصوّرتُها ضخمة جدا فهي تخالف رأي الفيزيائيين بأنها كانت عدة مليمترات فقط. بالطبع أنما أقوله لا يوافق علماء الفيزياء إلا في أصل الانفجار. لكني أنقل للإخوة والأخوات مقولة أهل الفيزياء. إنهم يحتملون بأن الطاقة التي تحولت فيما بعد إلى كل هذه المواد كانت بقطر عدة مليمترات ويحتملون حرارة تفوق الخيال لتفجيرها. إنهم يحتسبون جزء من تريليون من الثانية في تلك الانفجار المهيب ويتظنون بأن كل جزء من هذا الزمن الخيالي كان مؤثرا في الانفجار. فيظنون مثلا بأن الكون الصغير جدا قد انتفخ 90 مرة في جزء صغير من الثانية. حتى تتعرف على هذا الجزء يجب أن ترسم فاصلة (شولة) قبلها صفر وبعدها 33 صفرا وفي النهاية تضع الرقم 6 ويكتب حسابيا هكذا: 10^{-34}. وأما نتائج أولى ثانية من انفجار كتلة بقطر عدة مليمترات كانت بحرا من المواد الكيماوية كما يحتملون، ويحتسبون الحرارة التي انخفضت كثيرا بعد الثانية الأولى لتصل بعد البرود إلى 10 مليارد درجة مئوية! وهم بهذه الاحتمالات عجزوا عن تحديد عدة مسائل مهمة: 1. كيف تشكلت الكتلة الصغيرة الثقيلة الأولى وهي بالطبع مجمع لمقدار مهيب من الطاقة وليس شيئا آخر؟ ثم من أين أتت الحرارة الكبرى التي لا يمكن تصور مصدر لها داخل الكون الفعلي لتفجر أو تشق تلك الكتلة؟ إنهم يفجرون قنابل عادية للفصل بين الإلكترونات ونواياها في القنابل الذرية. وهناك لا مجال لتفجير شيء لأن العالم كان صندوقا صغيرا لتلك الكتلة فقط. 2. ما الذي حصل قبل الانفجار وما بعده؟ 3. مسألة الانفجار ليس دقيقا كما ترجمه العرب فأصحاب النظرية لم يتبنوه بل أسموه القرعة الكبرى. وحينما تسألهم يردون عليك بأن ليس هناك فضاء حتى يتحقق الانفجار وتتفتت الجزيئات. لكن الفضاء والمواد صنعتها تلك المادة الأولية بقرعتها. ولم يقل القرآن بأنه انفجار أيضا، بل قال سبحانه كما في بداية سورة الانفطار: إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿3﴾. فالانفطار غير الانفجار ولكنه سبحانه ذكر انفجارا في البحر وذكره بعد الانتثار وقبله الانفطار. بالطبع أن الفيزيائيين يفسرون القرعة أحيانا بالانفجار ولا يقصدون به المعنى الذي نعرفه. 4. أما مكان الانفجار أو القرعة فهي هي التي صنعت المكان. لكن الله تعالى يشير إلى عودة الأكوان إلى وسط الكون احتمالا في بعض الآيات، بعد التحطم العظيم. فهل هناك مكان خلق قبل الانفجار؟ لا أدري. 5. حتى شكل الكون غير واضح بأنه كروي أو على شكل سرج حصان أو منبسط. وقد توصلوا أخيرا إثر نظرية الانفجار الكوني بأنه منبسط كما قاله القدماء بالنسبة للأرض وهي مركز الكون عند السلف. لكن القرآن يقول في سورة الغاشية: أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿17﴾ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿18﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴿19﴾ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴿20﴾. فالعالم أشبه بشكل سرج وليس كرويا ولا منبسطا كما نفهم من هذه الآيات. ودليل القرآن هو وجود الجبال و الجِمال في الطبيعة. هذه الجبال تحدد شكل الأرض أيضا على شكل شبيه بالسرج لولا البحار. فالقرآن أقرب إلى العقل من مقولة الفيزيائيين في هذه الجزئية أيضا. والجمل هو أقدم حيوان على وجه الأرض كما يشهد به العلم وسيبقى آخر حيوان أيضا كما نعرفه من سورة التكوير: وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿4﴾ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿5﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿6﴾. فالعشار وهي أطيب أنواع النوق سوف تتعطل لعدم وجود إنسان يسخرها وعدم وجود وحوش تفترسها. والوحوش حشرت تعني انقرضت في أصل معناها العربي. فالجَمل بهدوئه أكثر تأثرا بالطاقات التي تحدد الضغط في الكون وهي التي تُظهر فعلا شكل الكون الحقيقي بعنقه وسنامه. حتى الإنسان يُظهر الشكل بأكتافه قليلا. 6. لم تتمكن النظرية من تحديد مواد الكون وهم يعترفون بالحاجة إلى مزيد من النظريات لمعرفة السبب في توزيع مواد الكون بالشكل الفعلي. 7. إنهم مضطرون لقبول أن الفضاء مليء وليس فارغا وهذا يُفرض تقلص سرعة ابتعاد الكواكب عن بعضها البعض مع مرور الزمن، لكن مشاهدات العلماء تؤكد ازدياد سرعة الابتعاد وهو ما نفهمه من القرآن أيضاً. فما هو السبب؟ 8. ازدياد السرعة نفهمه من آيات نفخ الصور. والصور عبارة عن نفس الشكل المشابه للسرج ولكن بعد توسيع الشكل لتحيط بكل الكون. فالكون إذن عبارة عن اسطوانة دائرية، لكن القرآن يقول بأنه على شكل صور. والصور يعني القرن فمعناه بأن تلك الأسطوانة مختلفة في رأسيها بحيث أن قطر رأس منها أصغر بكثير من قطر الرأس الآخر. ولا يمكن لنظرية الانفجار الكوني المبتني أساسا على نظرية النسبية للمرحوم آينشتاين أن تحدد ذلك. ذلك لأن النسبية لا تحدد شيئا إلا بالنسبة لشيء آخر فلا طريق للوصول إلى الطرف الآخر من الكون لنعرف بأن قطر الكون هناك أصغر من قطر المنطقة التي نحن فيها كما أننا لا يمكن بظني أن نقيس قطر مكانين في الجهة التي نحن فيها بمطالعة الأطياف لنتعرف على الفرق بين القطرين. ولو توصلنا فذلك لا يحدد الشكل بالصور بل يمكن أن يتظنن العلماء بأن الكون على شكل اسطوانة تمثل صورين في الواقع فتمثل الوساطة ملتقى رأسي الصورين سواء الرأسان الكبيران أو الصغيران. لكن غاية ما يمكنهم الوصول إليه هو مشاهدة أو رسم ضوء الانفجار باعتبار أن الضوء أقل سرعة من التمدد الأول وخاصة في الثانية الأولى. وهم يظنون بأنهم قد اقتربوا من رسم ذلك الضوء. دعنا ننتظر. 9. زمان القرعة الكبرى غير متفق عليه إلى اليوم فهم حائرون بين ما قبل 10 بليون إلى 13.7 بليون سنة. وطول القطر الأطول في الكون أيضا مختلف عليه فهي بين 10 بليون سنة ضوئية إلى حوالي 20 بليون سنة ضوئية. والقول الأول في الطول أقرب إلى القرآن باعتقادي. 10. وأخيرا فإنهم لم يتمكنوا بنظريتهم من إيجاد حل للغز حواف الكون فالنجوم الموجودة هناك تبادل الجاذبية مع ما بداخل الكون لتساعدها على البقاء ولكنها لا تبادل شيئا مع السطح الخارجي للكون فكيف لا تنهار ولا تدمر الكون إثر انهيارها؟ لكن القرآن يحل المشكلة بالكامل ويضيف بأن نفس العوامل تحفظ تجمع المواد بعد الانهيار الكوني أيضا. ثم إن القرآن يعطيك السبب للتمدد وهو نفس السماء المحيط بالكون التي تمد الكواكب الجانبية بالجاذبية. والآن نتحدث عن السبب في اختياري للكتلة الكبرى. وهو أنني لا أكتب لعلماء الفيزياء بل أخاطب عامة الناس والعقل العام لا يمكنه تقبل عدة مليمترات من المادة لتحمل طاقة يمكن معها خلق كون مهول بهذه السعة. ولا يمكنني التخلي عن الانفجار والانفطار لأن القرآن تحدث عنهما. ثم إن المواد الموجودة فعلا سوف تعود إلى منتصف الكون بعد الانهيار وذلك مشروح في القرآن فأنا أتقبل ذلك بالطبع. والقرآن يصرح بأنه يعيد الكون إلى الخلق الذي بدأ به وهو يعني بأن الكون سيعود إما كتلة ثقيلة ضخمة كما تصورت أو حجرة صغيرة بقطر عدة مليمترات كما تصوره الفيزيائيون. وبما أنني لست عالم فيزياء ولا أعرف الحساب كثيرا لأرى إمكانية إعادة الكون إلى تلك الكرة الصغيرة فأنا مضطر إلى تصور كتلة كبيرة تمثل المواد الخالصة بدون أفلاك الدوران حول النوايا. ثم إن تلك الكرة الصغيرة المفترضة يجب أن تحمل نفس وزن الكون الفعلى احتمالا وهو أمر صعبٌ تصوره فعلا. بيد أن تشكل تلك الكتلة أمر لا يمكن تعقله ولم يتحدث عنه الفيزيائيون لنرى إمكانه العقلي على الأقل. فلو أمكن عقليا قلنا بأن الله تعالى قادر على فعل كل شيء ممكن وهو الذي فعل ذلك إن كان قد شاء ذلك. والواقع أن حاجة علماء الفيزياء إلى الإيمان بمن وراء الطبيعة ليست أقل من حاجتنا نحن إليه جل جلاله. ولا أظن بأنهم فعلا ينكرون الذات القدسية بقدر ما ينكرون الإله الذي تتحدث عنه الكنيسة وهو أبو المسيح والعياذ بالله. كما أن له شريكا هو الروح القدس معاذ الله أيضا. وأنا أضيف إليهم بأنني أنا المسلم والمؤمن بالله العظيم، فأنا لا أقبل إله علماء المسلمين الذي يأتي في السماء الدنيا ويتباهى بين ملائكته بأن عدة ملايين من البشر وقفوا في عرفات يطلبون منه قضاء الحوائج. أو الذي لا يمكن أن يرد وساطة محمد يوم القيامة أو الذي يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها. ذلك ليس ربي و لا أؤمن به. إني أؤمن بالذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولا ولي من الذل. أؤمن بالله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم. إن إلهي لا يتحرك ولا يتحمله الكون بأسره فكيف يأتي إلى السماء الدنيا؟ إن محمدا عبد ضعيف ذليل أمامه وهو لا يغضب لغضب أحد ولا يمكن أن يتأثر برضا أحد. إن لربي بلايين البلايين من أمثال محمد وعيسى وموسى وإبراهيم ونوح في مختلف الأنظمة الشمسية المسكونة في أرجاء الكون فهو لا يمكن أن يتأثر بأحد. إن حكم ربي واحد لا شفاعة ولا وساطة تؤثر في حكمه. إن إلهي هو إله القرآن الذي يخاف منه الملائكة والنبيون جميعا فالنبيون يبكون من خوفه ويخرون إلى الأذقان سجدا خاضعين. هذا هو ربي الذي أفتخر بأني عبده وأتباهى به ولكنه لا يتباهى بي بل يرحمني لأنني ضعيف أحتاج إليه وأعترف بضعفي أمامه. أما محمد وإبراهيم وبقية الأنبياء فهم إخواني لا أسيادي. ولذلك أدعو كل البشر أن يتعرفوا على ربهم ويعبدوه ويخافوا عدله وقسطه. إنه يحب كل خلقه ويمكنه التواصل مع الجميع لأنه عظيم لا يشغله شيء عن شيء آخر ولكنه لا يمكن أن يظلم. فأرجو من الذين يفكرون أن لا يخلطوا بين الكتب التي بين أيدي المسلمين والمسيحيين وبين كتاب رب العالمين المعروف بالقرآن. والله من وراء القصد.
مقارنة بسيطة بين العقل العربي والعقل الغربي: حينما نحلل مجيئ أحد الإخوة الملوك إلى دولة غربية محاطا بمجموعة من الخدم والنساء وكبار المسؤولين وكذلك مجموعة من الطائرات التي تنقلهم، بقصد التعرف على أهداف الملك المحترم. مما لا شك فيه أنه في قرارة نفسه يريد إظهار قوة المسلمين أمام المسيحيين أو العرب أمام الغرب ولكن بأسلوب عربي. وأخونا في السن الذي فيه، لا يحتاج إلى عدد من النساء ولكنه يريد إظهار أهمية الرجل العربي القادر على الاحتفاظ بمجموعة من النساء في بيت واحد ظانا بأنه قد أقنعهن فعلا وأرضاهن وجلب لهن السعادة بما أوتي من قوة مالية وبدنية. وما أقوله في هذا الصدد ليس خيالا فأنا أنقل مشاهداتي من التلفزيونات العربية وأتمثل بالضبط بقصة عربي يعيش في أمريكا بين أربع زوجات وهو يدير لهن القهوة أمام الكاميرا ويطلب منهن التحدث عن سعادتهن تحت لوائه ثم يكرر أكثر من مرة بأنه قادر ماليا وبدنيا على الاحتفاظ بأربع نساء في بيت واحد ويفسر الآية القرآنية بالتفسير الخاطئ الذي اشتهر بين مفسري القرآن مع الأسف. وبجانبه عربي يسعى للرد عليه ولكنه لا يعرف معنى الآية ولا يقرأ الآية بصورة صحيحة تماما كما فعله الثري العربي ويتحدث عن العدالة مع رجل يرى العدالة في التمتع مع الاحتفاظ بعلاقته مع الله تعالى ليضمن جنات النعيم ومزيدا من الحور العين. هذا هو العقل العربي الذي أتعامل معه. وهذا العربي إذا ما أراد الخروج من مأزق العزلة والدخول في الحضارة المتطورة فإنه ينظر إلى استعمال الطائرة والكاميرا والكمبيوتر ولا يهتم أبدا بصناعة أي منها أو بالتحقيق للكشف عن حقائق أخرى في الطبيعة. فترى إحدى الدول الشرقية التي تناضل منذ زمن لمقارعة الغرب باستخدام السلاح النووي عن طريق تنشيط الأورانيوم وتحت غطاء التنفع الطاقوي البحت. وترى أهل الشارع العربي يؤيدونهم باعتبارهم مسلمين يفتحون عليهم أبواب الحضارة المتطورة!! إنهم لا يعلمون بأن العالم في صدد طاقة رخيصة جديدة لا ارتباط لها بالمفاعل النووية ولكنهم يسعون لعدم محاربة تلك الدولة لعلهم يبيعونهم نتاج مصانعهم النووية التي ستتوقف خلال عقد أو عقدين. كما أنهم يسعون للحيلولة دون تمكن المسلمين والعرب من امتلاك القنبلة النووية خوفا من استعمالها ضدهم. ومفكرونا يلحدون ويكتبون ضد كل قديم وجديد ليخرجوا من العزلة. ترى المفكر العربي يستعمل قوته الخيالية لتصوير الملائكة بأنهم موجودات يشبهون البشر ويستعملهم رئيسهم للقتل والتدمير. لكن الحقيقة أن الملك العربي لو أراد كسب ثقة الغرب لكان لزاما أن يحضر خطابا لا يستغرق أكثر من ربع ساعة ويحلل فيه مسألة علمية مهمة للبشر، ثم يأتي بالدرجة السياحية في طائرة عادية وينظر كيف يحترمه الغرب ويذعن لعلمه وعدم اهتمامه بالظهور الزائف. وذلك الرجل الثري كان عليه أن يكتفي بامرأة واحد يحبها وتحبه ويصرف ماله في المبرات والخيرات لصالح البشرية ويقاوم شهواته الطاغية بالانشغال بالتفكير والاهتمام بمشاكل أمته وأولئك الزعماء المسلمون عليهم أن يتركوا كل هذه الخزعبلات النووية ويفكروا في الديمقراطية والحرية ومحاربة السخافة والزيف في بلادهم ليكسبوا احترام الأسرة الدولية. والإخوة المفكرون عليهم أن يصوروا في خيالهم النانو تكنولوجي ويدخلوا في أعماق هندسة الصغائر ليروا عالما غريبا هناك ثم يبحثوا عن الملائكة في النانو وليس في السيف والعضلات. الروح القدس هو ذاك الشخص الذي دخل خلية مريم ليبدل الجينات والملائكة ليسوا حاملي سيوف بل هم موجودات طاقوية نفاذة. أما الروح القدس في العقل العربي هو إنسان ضخم كبير يحمل جناحين يملآن الأفق ولا أدري ما فائدة الجناح إلا للطيران. فالروح القدس والعياذ بالله حمام يطير في السماوات بجناحه الضخم والعربي الذي يعيش في بريطانيا يتحدث عن هذه المسلسلات الأسطورية في صلاة الجمعة. فكيف يمكن لهذا العقل أن يفكر في أصل الكون العظيم الذي لا يفهم عنه إلا القليل لكنه ينظر إلى طائرات الجامبو ليرسم في خياله صورة مصغرة للمجرة الكبرى وللشمس تدورحول محورها لتكمل دورة كاملة في 200 مليون سنة وبسرعة يفضل ألا نتحدث عنه. إني أخاف أن ينتبه أخي العربي بأن الشمس تحمله وهي تسير بهذه السرعة الجنونية فيتصور سقوطه من الموكب الشمسي وضياعه في الفضاء. ولا مجال لضمان عدم حصول ذلك إلا التمسك بالمشعوذين وبتعاويذ طرد الجن أو بدق الصدر على موت الطيبين قبل مئات السنين. هذا هو عقلنا فكيف نريد أن نفسر كتاب الله تعالى الذي نحتمل بأنه خلق هذا الكون المهيب من طاقة كانت محصورة في كرة بقطر عدة مليمترات؟! حتى احتمالي أنا غير منطقي إذا ما تمكن أخي وأختي من تصور وزن الكون الذي يفوق الخيال أو حجمه الذي لا يمكن التحدث عنه بغير مقاييس السنوات الضوئية ولا يمكن التحدث بغير الطول والعرض في الواقع. وللجميع حبي واحترامي وآمالي. أحمد المُهري
أضيفت في أول يناير 2008
|