السماء مخلوقة قبل الأرض

الكاتب : وليد

بالتأكيد ستكون قرأت هذه الآية مرارا و تكرارا و بالتأكيد ستكون توقفت عندها لكننى لا استطيع ان لا اضمها للموضوع و خاصة ان هذه الآيات كانت اول صدمة لى مع القرآن تبدو لى الآن ربما اقل تاثيرا لكن تبقى الذكرى الاولى لها طعم آخر دوما

قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين { 9 }وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين { 10 }ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين { 11 }فقضاهن سبع سماوات  في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12) فصلت

ان هذه الايات تقرر و بكل وضوح ان الارض كانت مستقرة و عليها جبال و ماء و مهيأة للحياة بينما كان بقية الكون ما زال دخانا اي ان قشرة الارض  بردت و تكونت الجبال بينما لم يكن هناك الا دخان في بقية الكون ثم خلق السبع سماوات ثم خلق فيها المصابيح بعد ذلك للزينة في السماء الدنيا وطبعا هذا الترتيب مفهوم لمن ينهي بناء البيت و يهيئه للسكن ثم يتفرغ للديكورات

ارض ثم سقف ثم زينة تسلسل طبيعى لبناء اي بيت  لكن هل العلم الحديث يقول بذلك؟ لا اعتقد ان هناك ساذج فضلا عن عالم يقول بذلك الان  فجميع التصورات لا تجعل الارض لها وضع خاص اثناء عملية التكوين كما انها ليست اقدم ما في الكون كما انها لم تبرد وترسى عليها الجبال و الكون ما زال يتشكل اي ان المجموعة الشمسية علي سبيل المثال كانت دخانا بينما الارض باردة و عليها مظاهر الحياة فوفقا لمنطوق الآية تم خلق السماوات السبع و تقسيمهن بعد تشكل الارض ثم وضعت المصابيح في  السماء الدنيا وعلي هذا الترتيب تكون الشمس و القمر و سائر المجموعة الشمسية تكونت  بعد تكون الارض وهذا مخالف لصريح العلم

فأين دعاة الاعجاز العلمي من هذه الآية؟

هذا التصور يبدو اقرب للسذاجة العلمية. فما معنى ان تتكون الارض في اربعة ايام بغض النظر عن مفهوم اليوم؟ و يتم خلق بقية السبع سماوات في يومين اي في نصف المدة، فلو اخذنا في الاعتبار حجم السماء الدنيا فقط لاصابنا الذهول من صغر حجم الارض.  فما بالنا بخلق السماوت السبع وجميع المجرات و النجوم. ثم هو الله يقر بوضوع للمرة المئة ان السماء و الارض ندان متكافئان في الخلق وظهورهما في الزمان بل و ترجح كفة الارض في مدة البناء بالضعف. فما معنى ان يدعو السماء (وهى دخان لم تكتمل ) و الارض المكتملة رغم الفرق الشاسع بينهما؟

وما معنى انفراد الارض بالكمال دونا عن بقية الاجرام وكلام الله لها لتأت طائعة هى و السماء؟ ان هذا يكشف لنا بوضوح المفهوم القرآنى للأرض و السماء انهما متساويان في الطول و الارض و ان العلاقة بينهما طبقية اي ان الارض تحت السماء و السماء سقف لللارض و بقية الكواكب زينة للناظرين

اسئلة تجول بخاطرى دائما لم يحسمها الا ان اقول :

إنسان أيا إنسان ما أجهلك ماأتفهك فى الكون وما أضألك

شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم وفاكرها ياموهوم مخلوقه لك؟

عجبى!!!

الأخ الفاضل وليد

بالنسبة لخاطرتك الثاني والأربعين ضد القرآن الكريم، فإني لا ألومك أبدا وأحترم رأيك ولكني ألوم نفسي الكسلانة التي تعرف هذه المسائل وتتكاسل عن الظهور وبيان الحقائق. والآية التي تتحدث عنها صعبة الفهم ومن المتشابهات قطعيا. ولكني أعرف الكثير من أسرار القرآن الكريم ولا يصعب علي بفضل ربي الكريم الرحيم أن أفهمها. إلا لا يسعني أن أفصل كثيرا حتى لا تسأمون ولا أتعب أنا أيضا. وقبل الخوض فيها فإني تذكرت الآن بأني قبل قليل حينما بعثت لك تعليقا على آية الأشهر الحرم كنت ناويا أن أوضح أن مقطع (الدين القيم) في القرآن تعني الفطرة التي تسود كل معتقد فكري يصل إليه الإنسان عن طريق الآخرين حتى طرق السماء. ولذلك كرر الله تعالى ذكره بشأن إبراهيم الذي توصل إلى الألوهية بفطرته الذاتية فنظر إلى السماء بدلا عن النظر إلى الأرض وبحث عن الطاقة بدلا عن المواد المحاطة بالأبعاد. وأعتذر أنني شخص واحد وليس لي مساعدين وليس لي وقت لأن أراجع ما أكتبه فاعذروني إن أخطأت في التعبير أو في الإملاء

حرف "ثم" يأتي عادة للترتيب في الحكم ولكنه يأتي أحيانا للترتيب في الإخبار فلا يتضمن معنى التراخي أو التعاقب مثل قول الشاعر:

إن من ساد ثم ساد أبوه          ثم قد ساد قبل ذلك جده

فأبوه قد ساد قبله ولكن بدأ الشاعر يتحدث عن سيادته ثم أخبر عن سيادة أبيه بعد أن أخبر بسيادته هو. وكذلك قوله تعالى في سورة الأنعام وهو يخاطب صحابة النبي: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿153﴾ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴿154﴾. فهو سبحانه قد آتى موسى الكتاب قبلهم بألفي عام لكنه أخبرهم بهم بعد أن أوصاهم لغرض لا مجال لذكره هنا.

وما قرأته أخي في آية سورة السجدة فهو سبحانه في بيان التعليل لعدم وجود أنداد للذات القدسية ولذلك بدأ بما يرونه بالعين المجردة وهي الأرض ثم ذكر السماء التي يعرفها الإنسان بالرؤية الفكرية في الواقع. وأما حديثه مع السماء والأرض بقوله: ائتيا طوعا أو كرها، فهو لسان حالهم مع أمر ربهم. والإتيان ليس معناه المجيء إلى مكان فليس الله مستقرا في مكان لأنه ليس مادة، ولكنه أمرٌ لهما بالصيرورة. ذلك لأن الله تعالى يخلق كل شيء بعد أن يمر الشيء في مراحل التطور الطبيعية ولا يمكن أن ينفخ نفخة كما نراه في الألعاب الكمبيوترية فيأتي سماء وأرض أو كما تصوره السذج من سلفنا رحمهم الله تعالى. وأيام الخلق ليست هي الوحدات الزمنية للكواكب إذ الحديث عما قبل الدوران الفلكي المنظم. ولكن الأيام هناك تبين الزمان الذي تم فيه تحول موجود إلى شيء آخر بالتطور. وأنا أعرف الأيام الستة ولكن يطول شرحها هنا. ولكن اليومين في خلق الأرض فهو إشارة إلى انفصالها المهيب عن الشمس أولا ثم تحولاتها الذاتية التي غيرت طبيعتها الغازية إلى طبيعة أخرى كما نراها اليوم. وهكذا يومي السماء المذكورة بعد الأرض فهي ليست السماء الكبرى التي انفجرت يوم الإنفجار الكوني الأول بل هي السديم الضخم الذي تفاعل قبل حوالي 5 بلايين سنة ثم صُنع منه مجموعة من الأنظمة الشمسية تُقدَّر علميا بسبعة أو ثمانية. فكان السديم باردا ثم حصل له التفاعل الذاتي بقوة خارجية أثرت فيه وهي غير واضحة لعلماء الفيزياء. فذلك اليوم الأول ولعل طوله مئات الملايين من السنين. وأما اليوم الثاني فهو اليوم الذي بلغ فيه التفاعل قمته لتبدأ الانفجارات التي حولها إلى عدة أنظمة شمسية محيطة بشمسنا التي هي واحدة منها من قريب. وطول ذلك اليوم عدة بلايين من السنين. وهكذا في هذين اليومين تم القضاء للتعدد ولئلا تبقى سديما ضخما غير مفيد. وعدد السبعة في القرآن ليس لبيان العدد الفعلي بل هو لبيان العدد الكامل لدى السابقين عربا وغير عرب. والله يستعمل العدد الكامل وليس الفعلي في مثل هذه الموارد لعدم إمكانية ذكر العدد الفعلي لسببين هما عدم تمكن البشر يوم نزول القرآن من التوسع في فهم الأعداد ثم عدم توقف الخلق على عدد معين من النجوم التي تتكاثر وتتناقص باستمرار.


وكلمتي الطوع والكره لبيان الحركة المنظمة و الحركة القسرية. وأما الزينة والحفظ فالأول هو التزيين في عيوننا وليس التزيين الحقيقي كما قال سبحانه في سورة الحجر: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴿16﴾. وقد وضح سبحانه قبلها بأنها ليست زينة حقيقية وهي: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿14﴾ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿15﴾. وبالمناسبة انظر إلى بني جلدتي من المسلمين كيف اجتمعوا على فرية أموية كبرى هي معراج النبي إلى السماوات والله تعالى يرفض ذلك هنا وفي عدة أماكن أخرى وفي سورة الإسراء نفسه. وأما الكلمة الثانية فتعني حفظنا نحن من التوسع المعلوماتي للشياطين. ذلك لأن الجن ينظر في الظلام ويصعب عليه النظر تحت الضوء بعكسنا نحن. وقد قال الله تعالى عن نفسه في سورة الرحمن التي أتت لمعشري الجن والإنس: رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان. فمغربنا مشرق لهم ومشرقنا مغرب لهم ولذلك تسعى الشياطين لإقناع أتباعهم بالعمل والتمتع في الليالي ويسعون لإقناعهم بالنور الخافت في الحانات والبارات حتى يتمكنوا من إغوائهم برأيي المتواضع والعلم عند الله تعالى. فالنور يبعدهم عن المناطق التي يتواجد فيها الملائكة العلويون وقد أحاط الأرض من بعيد بمجموعة كبيرة من المذنبات التي تحتوي على مواد سائلة وناعمة تضيء ضد رؤية الجن فتمنعهم من الاستمرار في الابتعاد عن الأرض والعلم عند المولى عز اسمه.

وأما الأيام الأربعة في إعداد الأرض فهي مشروحة في سورة النازعات هكذا: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴿30﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴿31﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿32﴾ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿33﴾. وقد شرحتها قبل عدة سنوات في موقعي الفكري ضمن التفسير داخل سورة النازعات وموقعي هو www.ahmadmohri.org.uk وأعتذر مسبقا من أي خطإ هناك فإني فعلا عاجز وقتيا عن مراجعته. ولمزيد من المعلومات فإنه سبحانه ذكر عظمة الخلق في عدة أماكن منها ما هو في سورة الملك حيث قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ﴿3﴾ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴿4﴾.

أحمد المُهري

29 أكتوبر, 2007 12:37 ص