رد التلمود مصدر لقصص القرآن |
رد: التلمود مصدر من مصادر قصص القرآن.....الجزء الثاني: أبراهيم - الكاتب: ابن المقفع
الأخ الملحد ابن المقفع لا ريب أن مصدر الكتب السماوية واحد وهو الله تعالى وهذا ما يفسر التشابه الموجود بين هذه الكتب. ولا ريب أن العبقري محمد كان أعجز من أن يلفق قصة إبراهيم من الكتب القديمة الملعوب بها ثم نرى أن ما أتى به هذا العربي الأمي أصح من كل الكتب الموجودة بين علماء الأمة العربية آنذاك وهم اليهود والنصارى. حتى الذين يتظنون أن ورقة بن نوفل هو الذي ساعد محمداً في كتابة القصص التلمودية فهم يعلمون بأن ورقة كان رجلا مؤمنا صالحا لا يمكن اتهامه بالتواطؤ مع الأمي العربي في كتابة قرآن لا يمكن مقارنته بكتب أهل العلم في العصر الجاهلي. ولو فرضنا تواطؤه فسترى بعد قليل أن كل العرب كانوا عاجزين عن الإتيان بالقصة كما نراها في كتاب الله تعالى. ولذلك دعنا من المقارنة التي قمت بها ولنذهب إلى التعرف على آيات الكتاب الكريم باختصار. فنقول بادئ ذي بدأ أن ليس في القرآن أي شيء عن القصة الخيالية التي كتبها اليهود عن إبراهيم الرضيع ومرضعته أو حاضنته التي اختلقوا للقيام بها الروحَ القدس. فليس الروح القدس حاضنا للأطفال كما تراءى لأولئك المفترين.
ثم ننتقل إلى الآية الأولى التي ذكرتها من سورة النساء: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴿125﴾. نعلم من الآية أن الله تعالى تقبَّل إبراهيم عبدا أسلم وجهه بالكامل للذات القدسية ففقد معه كل اختيار وكل حب للذات مقابل الذات الربوبية. ثم سمى الله تعالى ذلك التسليم الكامل خلة مع الله تعالى. ولعلك تعرف بأن الخليل من باب الفعيل وهو ليس دائما فاعل بل هو مفعول أحيانا والثاني هو الأَولى في هذه الآية حيث أن الله تعالى يمن على إبراهيم أنه اتخذه هدفا لمودته كما قال سبحانه في شأن موسى في سورة طه: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴿39﴾. قال ذلك حينما أصبح موسى الرضيع قاب قوسين أو أدنى من الموت وقال لإبراهيم حينما طرده أبوه وقومه وأصبح يائسا من قومه. وتفعيل الخلة مع الله تعالى بالنسبة لإبراهيم هو أن يستأنس هذا العبد الصالح بذكر ربه ويستمتع بمناجاة الذات القدسية أكثر بكثير من استئناسه بمودة قومه المشركين. وما عدا ذلك فليس لأي موجود أن يقترب من الذي يمد كل الكائنات بالطاقة ويهيمن على كل أرجاء الكون المهيب بصورة دائمة لا راحة له سبحانه فيها. ولو تأتى لأي موجود مهما كان عظيما مثل أي من المجرات، أن يقترب من نور السماوات والأرض فإن الانفجار والزوال الأبدي هو الذي ينتظره لا غير. ومن المحال الاقتراب منه لأننا جميعا بما فينا الملائكة محاطون بالمكان والزمان وهو خارج عنهما ومحيط بهما سبحانه وتعالى. فحكايتنا حكاية تمثيل لا يمكن أن يتحقق أبدا. ثم إنك ذكرت بعض آيات سورة الأنعام حول إبراهيم وأنا مضطر أن أعيدها مع ما قبلها وما بعدها ليتبلور المعنى فتطمئن بأنه ليس بنفس معنى التلمود. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴿74﴾ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿75﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ﴿76﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿79﴾. فلو تقرأ كل الآيات لترى بأن إبراهيم يتحدث مع أبيه آزر أمام قومه ثم يختم كلامه معهم في الآية 78 بقوله: إني بريء مما تشركون. فهل من المعقول أن يستمر في النظر إلى السماء حين ظهور أول نجمة ثم ظهور القمر ثم ينتظر إلى الصباح حتى تطلع الشمس؟! وأنا واضح لدي بأن الذين كتبوا التلمود هم مثل مفسرينا نحن المسلمين اختلقوا قصة تتناسب مع الموضوع العلمي الذي تحدث الله تعالى عنه في التوراة. وحينما يجهل الإنسان معنى كلام الله تعالى فيختلق لبيانه القصص الغريبة فإنه مضطر أن يغير معاني الكلمات كما يعمله المسلمون بالنسبة للقرآن أو يغير الكلمات نفسها كما يفعله اليهود والنصارى ضد التوراة والإنجيل. ومقولة القرآن تعني أن إبراهيم قام بمناقشة أبيه أمام قومه معترضا عبادته لأصنامه. والله تعالى وعد المؤمنين كما في الآية 257 سورة البقرة أن ينصر المؤمنين بالله في مواطن الحاجة فيخرجهم من ظلام الجهل إلى نور العلم. وقيام إبراهيم بالدعوة إلى ربه يحتاج إلى عناية الله تعالى حتى تقوى حجته. ولذلك علمه الله تعالى دون أن يشعر أن يصور لهم الليل ثم يصور كوكبا منيرا في قلب الظلام ثم يقول هذا ربي. فإبراهيم بعمله هذا يحول أنظار قومه إلى السماء بدل الأرض لأن كل ما على وجه الأرض واقع تحت سيطرة الكواكب الضخمة المسيطرة عليها. هذه أول مرحلة لتعديل الطريق الفكري للذي يبحث عن الخالق وهو أن يترك الأرض ويتوجه إلى السماء. ومن المؤكد أن إبراهيم قال لهم بأن الكوكب المضيئ يمدهم بالنور فيؤثر فيهم دون أن يتأثر بهم ولا يمكن أن نتصور معبوداً يتأثر بالذين يعبدونه. وكلمة "رأى" في اللغة العربية لا تنحصر في الرؤية العينية بل غالبا ما تعني الرؤية الفكرية والقلبية. ثم استمر إبراهيم في تصوراته الخيالية فصور لهم أفول الكوكب معقبا النتيجة الحتمية بالنسبة له كعاقل مفكر بأنه لا يحب الآفلين الذين لا يستمرون في العطاء. يعني بأنه لا يمكن أن يتعلق قلبه بمعبود ضعيف عاجز عن الاستمرار في الإمداد. والغريب أن المسلمين يسمعون كلام إبراهيم ويعبدون الموتى لأنهم كانوا أحياء مفيدين. يطلبون منهم المساعدة وهم في القبور. إن من يقوم بهذا العمل فهو ليس من أتباع إبراهيم الذي أمرنا الله تعالى أن نتبعه ونخطو خطواته. ثم انتقل إبراهيم في تصوراته إلى القمر الذي يمدهم بنور أكثر ظهورا ليثبت أنه أكثر استحقاقا للعبادة باعتبار سعة عطائه. جملة "رأى القمر بازغا" يعني صور القمر بازغا. ثم أكمل الصورة ليصل إلى أفول القمر في وسط الظلام فقال بأنه يحتاج إلى هداية ربه ليخرج من الضلال الذي وقع فيه بقبول القمر معبودا وهو غير دائم. قوله هذا دليل على أنه كان يؤمن برب العالمين كما هو عليه كل قومه ولكنه كان يدعي بأن العبادة حق لمن يعطي ويساعد فهو سيد يخضع له العقلاء وليس من حق من لا يعطي ولا يتفضل أو ليس له فضل أن يصير هدفا للعابدين. ثم صور لهم الشمس الكبرى فقال بعد أن حقق لها الخضوع العبادي بأنها أيضا من الذين يأفلون. هكذا أنهى إبراهيم تصوراته لكل أنواع الموجودات السماوية التي تمد أهل الأرض بالطاقة الضوئية النفاذة. فأثبت بأنهم جميعا لا يستمرون في العطاء ولكننا نحن نعيش ونستمر في تمتعنا بالحياة حينما نرى النجم وحينما يأفل وهكذا القمر والشمس فهذه أضخم الموجودات المتفضلة وهي عاجزة عن أن تصون نفسها بل تغيب فنحن يجب أن نبحث عمن يستمر في عطائه لنا في كل الأحوال. وقال بأنه هو وراء هذه الكواكب المضيئة وهو الذي فطرهم وفطرنا وأخضعنا جميعا لذاته القدسية. وغب ذلك أكد للحاضرين جميعا بأنه ليس من المشركين. وهذا يعني بأن إدارة الكائنات لا يمكن أن تكون مشتركة ومرجع المحتاجين لا يمكن أن يكون محتاجا أو عاجزا عن إبقاء نفسه بكامل قدرته أمام الخلق. وبما أن الذي نراه بعيوننا لهو أعجز من أن يكون بعظمة فاطر السماوات والأرض الذي لا تتمكن عيوننا من الإحاطة به، فإن العقل يهدينا أن نلتمس الخالق العظيم ولا نذهب وراء المرئيات الضعيفة التي تحويها عيوننا المادية. وبكلمة حنيفا أراد أن يعلمهم بأن الذي يتشبث بعزة الله تعالى فهو يميل عن الناس غير مكترث بأحد إلا الذي فطر السماوات و الأرض. هذا باختصار يمثل رسالة الآيات الكريمة، وهذه المفاهيم مفقودة في التلمود الذي سبق انتشاره القرآن كثيرا من حيث الزمان. فلا يمكن لنا أن نعتبر كاتب القرآن قد تعلم من التلمود شيئا ولكن يمكن لنا أن نعتبر كاتب التلمود قد لفق كتابا أنزله نفس منزل القرآن جل جلاله. اطلبوا من زملائكم أن يحرروا الإشكالات العلمية الدقيقة على آيات سورة الأنعام لأرد عليها جميعا بإذن الله تعالى. وأما التلمود فهي قصة مردودة متناقضة مع نفسها. كيف رضي الله تعالى أن يُسجن عبده سنة واحدة ولم يقو على حمايته ولكنه بعث جبريل ليقدم له الأكل وكأن جبريل إنسان مادي ينقل الأكل للناس؟ هل كان الإله عاجزا عن حمايته حتى لا يدخل السجن؟ والمضحك المبكي هو أنهم لفقوا قصة أخرى مخالفة للعقل والعلم وهو أن إبراهيم قطع الطيور أنصافا ثم قربها إلى بعضها فعادت طيورا. هذه خرافة يرفضها العقل ويأباها قوانين السماء. هؤلاء لا يميزون بين الموت والحياة ويظنون بأن إعادة موجود حيواني إلى الحياة بعد تلاشي بدنه هي مسألة بسيطة. فهي قرآنيا غير ممكنة، والله تعالى يخلق أبدانا جديدة إذا أراد أن يعيد الحياة لبشر يحمل نفسا لا تموت. وخلق البدن يأخذ وقتا طويلا ويمر بنفس المراحل المعلومة علميا وقد أثبَتُّ كل ذلك في الجلسات اللندنية. ومسألة طيور إبراهيم غير موجودة في القرآن لكن المفسرين لم يعلموا حقيقة الأمر فمن المحتمل أنهم رجعوا كعادتهم إلى كتب أهل الكتاب فذكروا القصة الملفقة تفسيرا للآية الكريمة. وقد وضحت الموضوع في موقعي الفكري تحت عنوان (إبراهيم خائف لا مرتاب) في المفاهيم الصحيحة. وباختصار فكلمة (فخذ أربعة من الطير) يعني (فخذ من باب المثال) ولا يعني خذ طيورا حقيقية. ومسألة القطع غير موجودة ضمن الآية وهي ملفقة بالكامل وكلمة (فصرهن إليك) لا يمكن أن تعني اقطعهن بل تعني علِّمهن على نفسك ليأتينك حينما تناديهن تماما كما يفعل الذين يُطيّرون الحمام. قلتم بأن هناك تشابها كبيرا بين التلمود (الملفق) وبين المعراج الملفق لدى المسلمين وهو كلام صحيح. لكن القرآن لم ينطق بالمعراج وبأن بشرا انتقل إلى السماوات العلا وبأن الله تعالى له مكان يُزار. هذه مفتريات ملوك المسلمين بوحي من الشياطين وليس من القرآن في شيء، كما أن التلمود هو من مفتريات ملوك أهل الكتاب وليس من الكتاب السماوي الأصلي في شيء. إن القرآن يفند إمكانية الصعود إلى السماوات بشدة أخي الملحد، فأرجو ألا تخلطوا بينه وبين الكتب البشرية المشابهة لكتب الكتاب المقدس وما على غرار الكتاب المقدس. وأين كان هذا السجان الذي لم ينظر إلى سجينه سنة واحدة وهو مسؤول عن حماية السجين؟ ثم هل كان السجان أحمقا لينادي شخصا لم يأكل سنة واحدة؟ ثم إن التلمود يقص علينا بأن إبراهيم البشر مشى ثلاثة أيام في النار وهو أمر غير معقول وغير مناسب مع اللحم والعظم ولكن القرآن لم يقل ذلك. قال تعالى بأنه أمر النار أن تخمد فلم تصل النار إلى بدن إبراهيم. إخماد النار مسألة ممكنة ويمكن تصور ذلك علميا أو بأن نتصور بأن الله تعالى أنزل مطرا غزيرا لتختنق النار، ولكن مشي الإنسان ثلاثة أيام في النار محال. ثم ما هذا الكلام الأحمق أن يقرر الله تعالى مصير أمة بعمل إبراهيم؟ هذا ظلم فاحش وسبقٌ لأعمال الناس ومخالفٌ مع اختبار الناس. لو كان الله تعالى يُقدِّر أعمال الناس ومصيرهم قبل أن يأتوا فليس هناك خيار لأحد ولا معنى للجزاء ولا للعقاب. إن كل الناس في منطق التلمود مُسيَّرون كما هم عليه في منطق مفسرينا وعلماء حديثنا. ليس في القرآن آية واحدة تدل على هذه المسائل الساذجة والبعيدة عن روح العدالة والقسط. مع التحيات أحمد المُهري
|