دعوة من القلب

            لقد طال انتظار الناس وتورمت نواظرهم لرؤية الديمقراطية، وأنتما  تفيضان عليهم الوعود والعهود كأنها ظلال صيف مالها قطار. أنتما من الكويت  وقد جنيتما النصيب الأوفر من خيراتها وثرواتها وأثبتّما الحرص على وقاية  النفس والعيال وبقية المقربين من المحن والرزايا كما فعلتم من قبل، فعلام  تضنان على بني جلدتكما بما يزيدهم ثقة واطمئنانا وتجنبا من ورطات جديدة  تجلبها أيادي حكومتكما المهزولة؟ إلى متى تستهديان العميان والطامعين  وتتجاهلان كل نداءات الخير التي نقدمها لكما بكل إخلاص ودون طمع؟ أكثر الذين  ينادون بالديمقراطية لا يبيّتون اللهفة للحكم، بل انهم يتقون النتائج  المروعة للقرارات الفردية البائسة. أولئك الذين يحومون حول هباتكما هم  الذين يتحينون الفرص للاستئثار بالسلطة. إنكما لو تمعنان النظر إلى الأقربين  وإلى شخصيكما فسوف تصدّقان هذه الحقيقة العلمية والتاريخية الثابتة  بالاستدلال. قارنا نفسيكما بنا نحن الوطنيين لتشاهدا أينا أكثر حبا وتضحية  للكويت و أينا أكثر حبا للنفس ولو على حساب الكويت.

 

          سوف لا أستنكف عن تبيين الحقائق لكما بين الفينة والفينة لعلكما  تتذكران أو تخشيان. لقد برهنت الأحداث أنني ابن الكويت ولست ابن جابر! فجابر  هو أحد أبناء الكويت أيضا. وهكذا كل الذين نصروا الكويت يوم بؤسها ولم  يمدوا الطرف إلى مواردها وذخائرها. يعصر الألم قلبي أن أرى بعض الاخوة في  الوطن يمرون على ما يقدره الله من بلايا وآيات تنضح الهدى والرشاد وهم عنها  معرضون. ألم يقض علينا الرحمن بالصغار والهوان وبالذل والامتهان ثلاثين  أسبوعا امتزج فيها التذليل بالدم وباسترحام الأجانب واستنزاف إخواننا في  الخليج حتى أعادها الله إلينا ليختبرنا وليذيقنا منه رحمة؟ وإذا فريق منا  بربهم يشركون (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون).

          ماذا يقول وعاظ السلاطين في الآية المذكورة وفيما استلهمته من سابق  الآيات، أليس ذلك وعيدا صارما يهدد كثيرا منا بعد التحرير؟ فالويل لنا من  غضب الجبار! والعجب كل العجب من زعمائنا الذين يصنعون الأصنام بأيديهم ثم  يتّبعونهم كما اتبعوا صنيعهم صدام من قبل. الذين تنفقون عليهم قلما  يصدقونكم في مشورتهم لأنهم بدورهم عبيد المكرمات والمرتبات، فتطييب خواطركم  أضمن لعوائدهم من الإخلاص في النصح. لكننا رفضنا ونرفض مكرماتكم ونحتفظ بكم  إخوانا لنا، تخذلوننا ونواسيكم وتحقدون علينا ونحن نبعث إليكم سائغ النصح  من صميم الفؤاد، فاتركوهم و اصغوا إلينا ذلكم خير لكم إن كنتم تريدون الكويت  أيضا فيما تريدون. ألم تعلموا أننا لا نكمن الشر لأحد ولا يضم صدرنا غير  المحبة والصلح والسلام. وهم نحن الذين لا نشري عقولنا وأفكارنا أيضا. ألا  فاعلموا أن القرار القوي هو الذي يحفظ الكويت ويصون استقلالها وكينونتها وهو  لا يصدر إلا من أهل الحكمة والعقل من منتخبي الشعب. الآراء والأفكار النيرة  تتبع العقول الحرة وتترشح من الأدمغة الخالصة الملهمة التي يستحيل اشتراؤها  أو تسعيرها قطعا.

          ماذا لو رضي موظفوكم الذين يحجبوننا عنكم ويفصلون بيننا وبينكم أن  ينصروكم قليلا فيوافوكم ببعض ما نقدمه إليكم ولو كان غير مطيب لمذاقكم؟ ألا  ليتكم تضعوا أنفسكم موضعنا ساعة ثم تتفكروا في ما يصيب كرامتنا ومصالحنا لو  نطيعكم في كل ما تريدون  فلعل توقعاتكم الممتدة إلى نحورنا وعقائدنا تتقلص  قليلا لتأخذ طريق الاعتدال. نحن وإياكم عبيد للواحد الأحد، أخرجنا من التراب  وسيكرر إخراجنا منه مرة أخرى ليقضي بيننا يوم الصاخّة. إن حكمته تقتضي  تسليط الناس بعضهم على بعض وتفضيل بعضهم على بعض في الجاه والمال وغير  ذلك وحتى في العلم، لكن الفضل الحقيقي وهو ما يوجب الإكرام عند القوي العزيز  فهو فضيلة التقوى. لقد سلطكم علينا وسلط صداما عليكم وعلينا وعلى أهل  العراق من قبل كما سلط نمرود على إبراهيم وأهل بيت إبراهيم وسلط فرعون على  موسى وقومه. قليلا ما نرى الطيبين يبلغون ذروة السلطة في تاريخ البشر مثل  داود وسليمان ومحمد المختار (ص) وبعض من حكم من غير الأنبياء، وكثيرا ما  نرى المجرمين والمستهترين يمسكون بقصب السلطة والحكم. كم آذاكم صدام  بفعاله؟! فلماذا تتشبهون بصدام في إيذاء الناس؟ أليس من الخير لكم أن  تتشبهوا بطالوت وعلي وغاندي؟ أأنتم أقوى مكانة في الأرض أم بوش وميجور  وهما يحكمان بصورة مؤقتة بانتخاب الغالبية القابلة للتحقق من شعوبهم؟ لكنكم  تفرضون أنفسكم على أمتكم بما ورثتموه من آبائكم بالتناسل. لقد اقترب يوم  العذاب للتاج البريطاني بعد ما منيت الأسرة بأفظع الفضائح وما الله بغافل عن  بقية التيجان في الأرض، فاخشوا الله في شعوبكم واخشيا الله في شعب الكويت  الطيب الكريم. تهاونوا في ترفعكم علينا ولا تجلبوا البوار والدمار بعمل ما  لا يرضي الله.

           يا أخا جابر ويا أخا سالم، طالما سمعتما من كبار موظفيكما مقولة  أن المعارضة تطالب ببعض الإصلاحات ولا تعارض السلطة ذاتها أبدا. مثل هذه  التصريحات توهمكما بأن الكلمة الأخيرة محفوظة لكما دون منازع. هذا وهم سافر،  فالكل يعلمون أنكما تتظاهران ضد الديمقراطية وتتمسكان بالسلطة المطلقة، إذن  فلماذا المطالبة العلنية بالبرلمان وهو ما يناقض السلطة المطلقة؟ معذرة لو  أصارحكما بكل إخلاص أن الشعب الكويتي  -كما نرى ونسمع- غير راكن إلى السلطة  ومصر على الديمقراطية الشاملة التي تشترك فيها كل قطاعات الشعب الكويتي دون  تمييز ذكرانا وإناثا. سوف يحاول الشعب جهد الإمكان- أن يحافظ على النمط  الموجود، فالكويت بحاجة إلى كل أبنائها وبناتها وأنتما من رعيل أبناء  الكويت، و كذلك بعض الذين يرتبطون بكما من أعضاء الحكومة. لكن مصلحة  الكويت فوق مصالح الأفراد والديمقراطية تقهر الاستبداد، فستريان أن المعارضة  لا تقف عند حد وستمضي قدما في الإصرار على المشاركة الشعبية في الحكم ولو  آلت إلى تحدي السلطة بأكملها. هذه حقيقة أتمنى أن تلاحظانها بدقة و إمعان  وهي مرة جدا ولكنها ستحصل فلا تتعرضان للمفاجأة بها.

 

          ظلت المطالبة بالبرلمان مطلب الأمة الكويتية بعد حركة مسجد شعبان  العلنية، حيث كانت العامة من الناس تقلد الأقلية المثقفة، لكن الثقافة  الديمقراطية قد توسعت اليوم فأصبحت الأقلية المثقفة -التي تميل إلى الاعتدال  والهدوء- مندفعة خلف الأكثرية الرائدة ومستجيبة للمطالبات الشعبية  بالديمقراطية والتي تنبض بها قلوب الطبقة الغالبة. أولئك الذين عانوا من  ويلات الغزو وقدموا للخلاص منه القرابين والشهداء البررة الكرام.

 

          إنني مخلص ولست مهددا فأرجو ألا يجركما تملق المحسوبين الضعفاء إلى  ضرب الأخماس في الأسداس حول كتابة هذه الكلمات العريضة المزعجة فهي لسان  الحال وافرازة المسيرة الديكتاتورية التي انتهجتماها على غفلة وغرة وغب  مشورة مع من لا يهتم بغير استدرار الأموال والمكرمات منكما. التصقتما -هداكما  الله- بمن كسب الملايين عن طريقكما وهم الحاشية المحظية بالوزارة والنفوذ  وتخليتما عمن رفض ويرفض التمتع بموائدكما الدسمة من أمثال أحمد المُهري  وبقية الكويتيين الهائمين في الأرض أو الملاحقين والذين تعاديانهم داخل  الكويت.

 

          نحن الذين نحب الكويت وندافع عنها ولولا إخلاصنا وتفانينا في سبيل  الوطن العزيز لكانت الكويت اليوم شركة تجارية خسرت ثم صودرت أموالها ووزعت  ذخائرها ومحي اسمها من خريطة الكون. أبواب المال والسلطة والمعزة مفتوحة  أمام ذوي الطمع والجشع المحيطين بجابر وسعد لكن حماية الوطن والدفاع عن  ثرواته وحدوده وكرامته واجب ملقى على كاهل الذين لا يسمعون منهما إلا ما يغيظ  ولا يرون منهما إلا ما يقلق ولا يصلهم منهما إلا النزر اليسير من فائض ما أكرما  به على العيال وعلى (كلاب) الشيوخ واللاعقين .

 

          ذاك الذي لم يتحمل ندود إخوانه وأخواته واختلافهم معه على الملايين  المؤلفة ففضحهم ونسب إليهم العار والفحشاء ونشرها بين الملأ، هو الذي يمثل  كبريات الشركات النفطية والصناعية في الكويت ويكسب الملايين لقاء (صداقته)  وسفره مع (صاحب السمو) وهو الذي فر مع الفارين وهرب مع الهاربين يوم حاجة  الكويت وعند شقائها.

 

          لقد شاهدنا ذلك اللئيم الذي بقي في الكويت ليستطعم سفلة حزب البعث  ويتجر بالمصادقة معهم ثم (لحس) أحذية العائدين من منتزه الطائف، وهكذا  تسابق بعض الشيوخ في الصيف الذي نحن فيه على سداد فواتير العلاج في  مستشفيات لندن لهذا الذي يحسن فن التملق ويجعل لكل ليل مصباحه ولكل باب  مفتاحه. وأنتما رأيتما المواطنين الصادقين لم يخذلوكما يوم بؤسكما ولم  يتعلقوا بأذيالكما يوم اقتدراكما، لا قبل الغزو ولا بعد التحرير. هكذا  أراكما الله الصادقين ليتم الحجة عليكما، لكنكما تخذلانهم في كل موطن  وموقف. أناشدكما الله أن تفتحا حسابا للكويت وحسابا لله في منهجكما،  واتقيا يوما يؤتى بعض الناس كتابهم بشمالهم فيحاسبون حسابا عسيرا، أليس  الصبح بقريب؟

 

                                                         أحمد المُهري

 نشرت في مجلة منبر الحرية الصادرة في لندن قريبا من تاريخ 26/8/1992