إلى أن نعرف

   الأطفال الأذكياء يعتمدون كثيرا على استنتاجاتهم الفردية ومواهبهم  الشخصية، فهم قلما يتّبعون  أولياءهم. ولإمرار التربية الصحيحة في حياتهم  يتوسل المربون بالقصص والروايات الهادفة ليُشهدوا رجال الغد نتائج مختلف  التصرفات البشرية، والخير من ذلك أن يصطحبوا الأشبال لرؤية المشاهد الحقيقية  فيتم لهم الاقتناع بصحة ادعاءات الكبار.

         

           ربنا الغفور الرحيم يمارس معنا كل أنواع التعليم لكننا لا نتبصر.  لعل قلوبنا تحجرت، فتعذر عليها الشعور والإحساس، ولعل عيوننا وأسماعنا  منيت بالعمى والصم  فلا نبصر ولا نرى ولا نسمع. هاكم إسرائيل العنصرية تعارض  المطالب العربية بحجة أن زعماءهم لا يمثلون شعوبهم وأن إسرائيل ديمقراطية في  تصرفاتها، لكن العرب مستبدون لا يتورعون عن إيقاع الظلم على شعوبهم. الله  يوالي علينا المحن والويلات علّنا نعرف لكننا ولا نريد أن نعرف. إذا أُصبنا  جزعنا ورجعنا اليه تعالى، وما أن كشف عنا إذا بنا نعود إلى مزاميرنا  اللاهية، نعزف عليها ونتمتع بالموبقات والآثام، بل نزداد غيا وطغيانا.

 

           هذا ما حصل لزعمائنا في الكويت. انهم اختاروا فئة من الكويتيين  الذين يحملون بطاقات اليانصيب ليلقوا إليهم بعض المتاع ويلهوهم عن التفكر  في مستقبلهم ومستقبل وطنهم. أما الكويتيون الذين لم يشتروا البطاقة  المذكورة في وقتها فهم "بدون" حظ و "بدون" وطنية. وسيعود الفرز مرة أخرى  لاختيار "الربع" من بين حاملي الجنسية، كما انتهجوا قبل الغزو، يليها  انتقاءات وانتقاءات كيما تترسب "الصفوة"! القليلة التي تلثم موضع أقدام  القادة الضعفاء وتركع خنوعا لهم مهما تعثروا وأثموا. طبعا انهم لن يبلغوا  هذا الهدف مادام هناك مؤمنون عقلاء يمثلون الغالبية في شعبنا الصابر، لكن  زعماءنا وضعوا خطتهم على هذا الأساس البالي.

 

          لسنا نعرض أمامهم شاشة تجلّي الصور التي يتأرجح التمثيل في  لقطاتها أو يغلب التصنيع في لمساتها وهمساتها، لكننا نذكرهم بالمشاهد  الحقيقية التي حولت الكويت كلها إلى مسرح عظيم تشبه مشهد يوم القيامة طيلة  سبعة أشهر. هنالك ابتليت أمتنا العزيزة بما قدمت لنفسها بيدها أو بيد من  تولاه من شيوخها وأمرائها الذين  فرّوا من حاضنتهم المغصوبة إلى قصور  الجيران. ثم آبوا ورجعوا -إلى غيهم طبعا لا إلى الله- يحكمون الكويت ظالمي  أنفسهم وماحقي شعبهم المثابر. حتى الذين أميطوا من الحقيبة الوزارية لغلظة  أوزارهم وسوء ماضيهم المليء بالأحقاد والأظلام، فبعضهم لازال يحمل مفاتح  المهامّ الحكومية أكثر مما هو في صلاحيات المنادى بالوزارة أو وكالة  الوزارة. كأن صاحب السمو يخشى أن يبوح هؤلاء بما هو خفي علينا من مكتوم  الأسرار ومكنون الأخبار!

 

                              فاعتبروا يا أولي الأبصــــار، والسلام

 

  أظن أن هذه المقالة نشرت في مجلة منبر الحرية بعد التحرير بتوقيع:   

مذنب بلا ذنب